molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: بعثته صلى الله عليه وسلم - عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري /المدينة المنورة الإثنين 12 ديسمبر - 5:14:50 | |
|
بعثته صلى الله عليه وسلم
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري /المدينة المنورة
الخطبة الأولى
أما بعد:
لما بلغ رسول الله الأربعين من عمره انبجست عليه أنوار النبوة وتفجر ضياؤها وهو في أحسن حالاته وأكملها وفي أحسن أوقاته وأفضلها صلى الله عليه وسلم، إذ ظهر له جبريل وهو مختلٍ بغار حراء يتحنث أي يتعبد لربه عز وجل وكان ذلك في رمضان، ظهر له جبريل القوى الأمين عليه السلام في الصورة الآدمية فضمه ضماً شديداً ثلاث مرات حتى بلغ منه الجهد ثم أوحى إليه اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم [العلق:1-5]. ورجع بها إلى أهله ترجف بوادره قد أخذه الروع والفزع من هذا الحدث الجلل العظيم، وقال لأهله: ((دثروني دثروني)), فدثروه وغطوه بغطائه فنام حتى سكن جأشه واطمأن قلبه وذهب عنه الروع والفزع, وبعد ذلك إذا بالقوي الأمين جبريل عليه السلام يظهر له مرة أخرى جالساً علي كرسي بين السماء والأرض وأوحى إليه: يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر [المدثر:1-7]. وجبريل القوي الأمين هذا عليه السلام هو رئيس الملائكة وسفير الله تعالى إلى أنبيائه ورسله من خلقه, جبريل هذا كان يظهر للنبي على الصورة الآدمية لم يره على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها إلا مرتين, مرة عند بدء الوحي وهو بغار حراء فظهر له جبريل على صورته الحقيقية بين السماء والأرض فسد الأفق بين المشرق والمغرب وإذا له ستمائة جناح ينتثر من ريشه التهاويل من الدر والياقوت, كما روى ذلك الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود عن النبي بإسناد جيد، ثم ظهر له مرة أخرى على هذه الصورة الهائلة العظيمة في حادثة الإسراء عند سدرة المنتهى وإلى هذا أشار قوله تعالى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى [النجم:13-14].
جبريل هذا القوي الأمين عليه السلام يكن له اليهود وأذناب اليهود من الزنادقة العداوة والبغضاء ويتهمونه بالخيانة, لقد سجل الله تعالى هذا الجرم القبيح وهذا القول الشنيع في قرآنه ورد عليهم هذا الاتهام متوعداً إياهم بأشد الوعيد فقال تعالى قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقاً لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين [البقرة:97-98]. وقد وصف الله تعالى جبريل عليه السلام هذا الملك العظيم من عباده من الملائكة وصفه في كتابه بأوصاف القوة والأمانة فقال سبحانه نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين [سورة الشعراء:193-195]. وقال سبحانه: علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى [سورة النجم:5-7]. وقال تعالى: إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين [التكوير:20-21]. فكان جبريل عليه السلام القوي الأمين هو الرسول بين الله تعالى وبين عبد الله ونبيه محمد ينزل عليه بوحي ربه وينزل معه أحياناً ميكائيل وإسرافيل وهما من رؤساء الملائكة العظام عليهم السلام وينزل أحياناً غيرهم من الملائكة يشيعون بعض الوحي, وهكذا نزل جبريل القوى الأمين عليه السلام بهذا الأمر الجليل العظيم الذي هو الوحي على سيدنا محمد وهو في الحالة المناسبة وهو في أحسن الحالات وأنسبها لتلقي هذا الوحي العظيم ولتحمل هذا القول الكريم, هذا القول الثقيل في تبعاته ومسؤولياته: إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً [المزمل:5]. نزل عليه الوحي بعد مقدمات وإرهاصات كانت تتوالى عليه تهيئه لهذا الحدث الجلل العظيم, ومن تلك المقدمات والإرهاصات تلك المعجزات والآيات العظيمات التي حفت به منذ صغره, منذ ولادته, منذ هو في بطن أمه صلى الله عليه وسلم, ومنها عصمته منذ صغره حتى عما يقع فيه أمثاله وأترابه من فتيان قريش وشبانها ومنها تلك النشأة الخاصة التي نشأ بها فتعلم خلالها الصبر على الشدائد وعلى مكابدة الحياة بين اليتم وبين رعي الغنم وبين التجارة, لم ينشأ في حلل الترف والنعيم إنما نشأ يتيم الأبوين يرعى الغنم في فتوته ويشتغل بالتجارة في شبابه حتى يتعلم الصبر على الشدائد وعلي مكابدة الحياة, ثم حبب إليه الخلاء, حبب إليه التعبد في غار حراء, ثم أصبح يرى الرؤية الصادقة فتأتي وتتحقق مثل فلق الصبح وهذا هو أول ما بدئ به من شعب النبوة حتى إذا فجأه الوحي وهو بغار حراء في أكمل أحواله وجاءه جبريل القوى الأمين بالوحي من رب العالمين تلقى هذا الأمر العظيم من ربه وهو في أحسن الأحوال وأنسبها مؤهلاً لذلك خير أهلية .
ومن عجائب هذا الأمر العظيم ودروسه الجليلة أن يكون أول ما يبدأ من أمر هذا الدين وأمر هذا الوحي الذي تنزل علي سيدنا محمد أن يكون أول شيء أنزل عليه الأمر بالعلم والأمر بالتوحيد ومعرفة الله عز وجل بصفاته, أنزل عليه أول ما أنزل اقرأ باسم ربك [العلق:1]. (اقرأ) هذا هو الأمر بالعلم, (باسم ربك) هذا هو الأمر بالتوحيد, ثم جاء تعريفه بربه فهو الرب سبحانه وتعالى: باسم ربك هو ربك ورب الخلق أجمعين الذي اتصف بالخلاق فهو الذي خلق وهو الأكرم وهو الذي علم الإنسان ما لم يعلم, فهذه أوصافه سبحانه وتعالى, يتعرف الرب عز وجل لنبيه وربه ومصطفاه بهذه الأوصاف منذ أول لحظة من لحظات الوحي الكريمة, فالتوحيد والعلم هو أول أمر هذا الدين, التوحيد هو أول ما بدأ به الوحي وهو أول ما افتتح به القرآن الكريم فقد افتتح بسورة الفاتحة وهي توحيد واختتم القرآن الكريم بالتوحيد بسورة الناس وهي توحيد. فيا أيها المسلم إياك أن تلقى الله بغير توحيد فتعلم التوحيد فإنه أول هذا الدين وأخره وأول ما بدئ به من الوحي.
ثم نزل عليه صلى الله عليه وسلم: يا أيها المدثر قم فأنذر [المدثر:1-2]. وفيها الأمر بالعمل وبالدعوة إلي التوحيد, فانظر كيف بدأ هذا الأمر العظيم مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
أولاً: أمره ربه عز وجل أن يتعلم التوحيد وأن يعرف ربه بأوصافه ثم أمره بالعمل بالتوحيد: وربك فكبر وأمره بالدعوة إلى التوحيد, فقد نبئ باقرأ وأرسل بالمدثر لأن الأمر بالدعوة جاء في قوله: قم فأنذر فقام بالدعوة خير قيام صابراً محتسباً معظماً أمر ربه مكبراً إياه غير عابئ بمن سواه حتى لو اجتمع أهل الأرض جميعاً فوضعوا الشمس في يمينه والقمر في يساره ما تزحزح عن أمر ربه وعن تبليغ دعوة ربه والصبر على ذلك والمثابرة فيه.
فإذا تأملت هذه التوجيهات الربانية التي وجهها الله إلى عبده ونبيه ومصطفاه قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر [المدثر:2-6]. إذا تأملت أيها المسلم هذه التوجيهات الربانية منذ أول يوم من أيام الوحي العظيم تجد فيها روح التوحيد وطيب برد التوحيد وحلاوة طعم التوحيد, إذ التوحيد هو تكبير الله وحده وتطهير النفس عن أدران الشرك وهجران الأوثان والخضوع والانقياد للواحد الديان والصبر على طاعة الرحمن, وهذه التعليمات والتوجيهات هي التي تضمنتها هذه الآيات العظيمات لسيدنا محمد والمخاطب أمته أجمعون.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى [النجم:1-6].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى. ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا.
أما بعد فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هديه وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله علي الجماعة ومن شذ شذ في النار واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة وبمنهج الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون [آل عمران:102].
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا [النساء:1].
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما [الاحزاب:70-71].
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه وأعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تدان.
ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال عز من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [الاحزاب:56]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى علي واحدة صلى الله بها عليه عشرا))[1] اللهم صل وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبى بكر الصديق وعمر الفاروق و ذي النورين عثمان وأبي السبطين علي وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
[1] صحيح مسلم (408)عن أبي هريره رضي لله عنه
| |
|