molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الخاسرون في رمضان - عبد العزيز بن عبد الرحمن المقحم الإثنين 12 ديسمبر - 4:35:09 | |
|
الخاسرون في رمضان
عبد العزيز بن عبد الرحمن المقحم
الخطبة الأولى
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].
الحمد لله على ما يسر من مواسم الخيرات، وأفاض فيها على عباده من النعمات، ومكنهم بفضله من تكفير السيئات، وزيادة الحسنات، قال رسول الله : ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه))، ((ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه))[1]!! ما أعظم البشارة! وما أسهل العمل المطلوب لها! وهل في المسلمين أحد عاقل لا يهمه أن يغفر له ما تقدم من ذنبه أو لا يغفر؟! وهل في المسلمين أحد عاقل يريد أن يلقى ربه غدًا ولو لم يغفر له من ذنوبه شيء؟!
لقد فزع كثير من المسلمين لصيام رمضان المبارك وقيامه، وقيام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا ابتغاء ذلك الأجر العظيم، والخير العميم، فامتلأت المساجد بالمصلين، وضجت بأصوات التالين، وجعل الناس يهنئ بعضهم بعضًا بإدراك هذا الشهر الكريم!
ولكن هل هذا هو كل ما في رمضان أم هناك أشياء أخرى غير هذا؟! أما من ضيع رمضان وأهمله وقصر فيما شرع له فأولئك هم الخاسرون، ولا مرية في خسرانهم وشقاوتهم – نسأل الله العافية –، ولكن كيف بمن تحرى الخير في رمضان فأحيا ليله بالقيام، وعمر نهاره بالصيام، وجعل يتلو القرآن آناء الليل، وأطراف النهار، ابتغاء ذلك الوعد النبوي الصادق، والله لا يخلف الميعاد؟ هل فيهم خاسر أيضًا؟! أيخسر منهم أحد وقد كان منه مثل ما ذكرنا؟، نعم فيهم خاسرون كثير استفادوا من رمضان قليلاً، وخسروا فيه كثيرًا، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَـٰشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً [الغاشية:2-4]. فمع عملها وتعبها هي في النار – عياذًا بالله من ذلك –، فأي خسارة أعظم من تلك الخسارة.
غدًا توفى النفوس ما عملت ويحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسـنوا أحسنو لأنفسهم وإن أسـاءوا فبئسما صنعوا
لقد صح عن رسول الله أنه صَعِد المنبر فقال: ((آمين، آمين، آمين فسئل عن ذلك، فقال: إن جبريل أتاني، فقال: خاب وخسر من أدرك أبويه فلم يدخلاه الجنة فمات، فدخل النار، قل: آمين، قلت: آمين، قال: ومن أدرك رمضان، فلم يغفر له فمات، فدخل النار، قل: آمين، قلت: آمين، قال: ومن ذكرت عنده، فلم يصل عليك فمات، فدخل النار، قل: آمين، قلت: آمين))[2]، أو كما قال ، فمن هؤلاء الخاسرون الذين يدعو عليهم رسول الله وجبريل – عليهما الصلاة والسلام –، فيكون شهر رمضان نقمة عليهم، وسببًا لحرمانهم الثواب، ودخولهم النار – عياذًا بالله من ذلك-؟
إن هذا الصنف من الناس هم أهل القلوب القاسية، الذين لا يزيدهم رمضان من الله إلا بعدًا، ولا تزيدهم بشائر الرحمن إلا صدًا، وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا خِزْىٌ وَلَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:41].
إنهم الذين إذا أدركوا رمضان، بادروا ببعض الأعمال، ولكنها لا تتغير منهم الأحوال، فيصبح الواحد منهم في شوال كما كان في شعبان، فحق عليه ذاك الدعاء العظيم بدخول الناس إذا أدرك رمضان فلم يغفر له.
إن هذا الصنف هو الذي بينه رسول الله حين قال: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهما ما اجتنبت الكبائر))[3]، فمن اجتنب الكبائر، وسلم من الموبقات، فانحسر عنها، وقسر نفسه على الابتعاد منها، فسيكون رمضان مكفرًا لما سواها من الذنوب، والصلوات الخمس والجُمع وسيكون هذا الصنف - امرأة كان أم رجلاً - ممن أدرك رمضان فغفر له، فدخل الجنة بإذن الله تعالى، ولكن من كان ذا كبيرة أو كبائر، فحافظ عليها أشد المحافظة، وأصر عليها أعظم إصرار، وتعاهدها من نفسه، حتى لا يرجع عن عصيان ربه قيد أنملة، فذلك هو الخاسر الذي أدرك رمضان فلم يغفر له؛ لأن ما هو فيه من كبائر الذنوب لا وعد عليه بالمغفرة لمن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، ولا لمن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، ولا لمن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، فالكبائر لا تكفرها تلك المكفرات، التي ذكرها رسول الله في قوله: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينها ما اجتنبت الكبائر))[4]، وليس ثمة شيء يكفر الكبيرة عن صاحبها إلا التوبة الصادقة النصوح، التي يتحقق فيها الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، وعصيان الله به، والعزم الصادق الأكيد على ألا يعود التائب إليه، فالوعد لأولئك فوق التكفير أن تبدل سيئاتهم حسنات، ترفع بها درجاتهم في الجنة، وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً [الفرقان:68،69]. وأي شيء أعظم من الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله بغير حق والزنا فذلك مصير من يفعله إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَـٰلِحاً فَأُوْلَـئِكَ يُبَدّلُ ٱللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَـٰتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً [الفرقان:70،71]. فما أعظم فضل الله وما أكرمه وما أسعد التائبين الصادقين بهذا الوعد الرباني الذي لا يماثله وعد وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ [التوبة:111]، بل إن الله تعالى وعد من يجتنب كبائر الذنوب بتكفير السيئات والمدخل الكريم في الجنات فقال جل وعلا: إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ نُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئَـٰتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً [النساء:31]. وقال تعالى: وَلِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ لِيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ أَسَاءواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِى ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَـٰئِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوٰحِشَ [النجم:31،32].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم. . .
[1] أخرجه البخاري (الإيمان:27) ، ومسلم (المسافرين:173-175).
[2] كتاب البر والصلة لابن الجوزي : 118 ، وانظر تخريجه هناك.
[3] أخرجه مسلم (الطهارة:343).
[4] سبق تخريجه.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا كما أمر، وأشكره سبحانه وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، على رغم أنف من جحد به وكفر، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد البشر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه السادة الغير، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، واعلموا أن الله تعالى أمركم بالصلاة والسلام على رسوله الأمين فقال جل وعلا: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56]. وقد قال : ((من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا))[1]، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم على خلفائه الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين، وتابعي التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18]. ولا يفوتنكم هذا الشهر الكريم، ولم يخش صاحب كبيرة أصر عليها أن يكون ممن أدرك رمضان فلم يغفر له، ودعا عليه بذلك رسول الله وجبريل – عليهما الصلاة والسلام – فتبينوا – رحمني الله وإياكم – قبل أن تزل قدم بعد ثبوتها وَأَنِـيبُواْ إِلَىٰ رَبّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ وَٱتَّبِعُـواْ أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُـمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِى جَنبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّـٰخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِى لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِى كَـرَّةً فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ [الزمر:54-58]. فتجاب بقول الله تعالى: بَلَىٰ قَدْ جَاءتْكَ ءايَـٰتِى فَكَذَّبْتَ بِهَا وَٱسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ [الزمر:59].
إن حلق اللحى، وإسبال الثياب، والمداومة على النظر المحرم، والسماع المحرم، كبائر عظيمة، ومجاهرة خطيرة، توشك أن تدخل صاحبها في قول رسول الله : ((كل أمتي معافى إلا المجاهرون))[2]، ولابد لها أولاً من نفوس صادقة مؤمنة بربها، معترفة بخطئها وزللها، ثم عزائم جادة، غير وانية، تعزم إجابة الله ورسوله، مهما كلفها ذلك من مخالفة الهوى، وترك مألوف العادات، فيتحقق للعبد بذلك توبة صادقة نصوح، والتوبة تجُبُّ ما قبلها، فيخرج من شهره مغفورًا له ما تقدم من ذنبه، طامعًا أن يقال له عند فراقه: يأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ ٱرْجِعِى إِلَىٰ رَبّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً % فَٱدْخُلِى فِى عِبَادِى % وَٱدْخُلِى جَنَّتِى [الفجر:27-30].
ولو كان على رأس صاحب الكبيرة من يجبره على فعلها أو يضربه بالعصي والسياط حتى لا يدعها لم يعذر في ذلك، إلا بما عذره الله به، فكيف وعلى رأسه من يدعوه إلى التوبة، ويذكره بحق الله عليه، وكثرة فضائله، ونعمه عليه، وهو مصدق بكل ذلك، ومقر به؟! نعوذ بالله من قلوب لا مدخل إليها، ولا حيلة فيها! ولعلك حين ترى مثل تلك القلوب الصلدة القاسية، التي لا تنيب هي من تلقاء نفسها، ولا تجيب من يدعوها إلى ربها، تفهم شيئًا مما ذكره الله في قوله: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِىَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [البقرة:74].
وقد قست بأيدي أصحابها الذين يسروا لها المعاصي والذنوب، ومكنوا الفساد كله؛ ليدخل إليها فيخربها، حتى قست وقست، فأصبحت أشد قسوة من الحجارة؛ لأن الحجارة الصماء لو سمعت هذه المواعظ تلقى عليها لاندكت، وتلك القلوب كما ترى – نعوذ بالله – أوَثـَم واعظ أعظم من القرآن؟ أوَما تراه لا ينفع في تلك القلوب على أنه لو أنزل على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله، كما أخبر الله بذلك: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً [النساء:87].
فانظروا – يا عباد الله – لأنفسكم وتبصرو في قلوبكم ((فإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) أو كما قال رسول الله ، فما وجد من العبد من حب للمعاصي، وألفة لها، فلفساد في قلبه، وما وجد من ثقل الطاعات عليه، و+له عنها، فلفساد في قلبه، وما تخيله من بُعد التوبة النصوح وصعوبتها، فلفساد في قلبه، وإعراض منه، وتكبر عن أن يخضع لله، ويذل ويجيب داعيه، كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُـلّ قَلْبِ مُتَكَبّرٍ جَبَّارٍ [غافر:35].
رزقني الله وإياكم قلوبًا منيبة خاضعة من+رة، اللهم أعز الإسلام والمسلمين. . .
[1] رواه مسلم (الصلاة:577).
[2] أخرجه البخاري (الأدب :5608) .
| |
|