molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: عباد الرحمن - عبد العزيز بن الطاهر بن غيث / طرابلس الإثنين 12 ديسمبر - 1:07:49 | |
|
عباد الرحمن
عبد العزيز بن الطاهر بن غيث /طرابلس
الخطبة الأولى
أما بعد: فيقول الله عز وجل في كتابه العزيز: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان: 63-76].
هذه ـ إخوة الإيمان ـ آيات من كتاب الله سبحانه تصف لنا عباد الرحمن الذين رضي الله عنهم وأثنى على أعمالهم، فعدّد هذه الأعمال لنعرفها فنفعلها ونسعى لأن نكون من هؤلاء العباد، والمسلم الحق أينما وجد ثناءً في كتاب الله على صنف من عباد الله سعى إلى أن يكون من هذا الصنف وأن يتخلق بأخلاقه.
والله سبحانه يعدد أعمال هؤلاء العباد الصالحين فيقول: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا، يقول ابن كثير: "الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا أي: بسكينة ووقار من غير تجبر ولا استكبار، كقوله تعالى: وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا الآية [الإسراء: 37]. وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى تصنّعًا ورياء، فقد كان سيد ولد آدم محمد إذا مشى كأنما ينحطُّ من صَبَب، وكأنما الأرض تُطوى له، وقد كره بعض السلف المشي بتضعف وتصنع" انتهى.
وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا، هم لا يقابلون من أساء إليهم وسَفِهَ عليهم بالإساءة، بل يعفون ويقولون خيرا، فهذا هو الإحسان؛ لأن من قال لك خيرًا فرددت عليه خيرًا فأنت تردّ له ما قاله لك أو تكافئه، أما الإحسان الحقيقي فهو أن تحسن لمن أساء إليك وأن ترد بالكلمة الطيبة مقابل الكلمة الخبيثة؛ لهذا يقول كما في صحيح الجامع من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((صِلْ من قطعك، وأحسن لمن أساء إليك، وقل الحق ولو على نفسك)).
ثم يذكر الله عز وجل صفة أخرى من صفات عباد الرحمن: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا، هم أناس إذا بات الناس نيامًا باتوا يصلون، ويتضرعون للباري عز وجل، ويأخذون من الليل ما يعبدون فيه رب العالمين، ويسبحونه ويستغفرونه، وهذه صفة من صفات الصالحين على مرّ القرون، يقول سبحانه عنهم: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات: 15-18]، هؤلاء هم الموفقون من عباد الله سبحانه، الذين أقلقهم الخوف فلم ينعموا بنوم كنوم غيرهم:
إذا مـا الليـل أظلـم كـابدوه فيسفـر عنهـم و هم ركـوعُ
أطـار الْخـوف نومهمُ فقـاموا وأهـل الأمـن في الدنيا هجوعُ
لهم تَحت الظـلام وهم سجـود أنيـنٌ منـه تنفـرج الضلـوعُ
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا، عباد الرحمن يخافون جهنم، ويعلمون أن عذابها كان غراما، أي: ملازما لصاحبه دائما لا يفارقه، ويعلمون أنها أسوأ مستقر وأسوأ مقام؛ لهذا هم يتضرعون إلى الله سبحانه أن يصرف عنهم عذابها ويبعدهم عنها؛ لأنهم فقهوا تحذير الله وتحذير رسوله من النار، فقهوا معنى قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6]، وفقهوا معنى قوله كما عند الترمذي من حديث أبي هريرة: ((استعيذوا بالله من عذاب جهنم)) الحديث. يمرون على ذكر النار مرور خوف وإشفاق، ولا يمرّون عليها مرور الغافل الخالي من أي تدبر حتى أن بعض الناس يسمعون قارئ القرآن يقول: كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى [المعارج: 15-18] فيرفعون أصواتهم: الله الله، وكأنهم يسمعون بشارة من البشارات.
ثم يقول سبحانه: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا، إنهم عباد رزقوا التوسط في الإنفاق، فلم يتمادوا في المأكولات والمشروبات والملهيات وغيرها من متاع، ولم يقتنوا كل ما أعجبهم أو اشتهته أنفسهم، ولكنهم أيضا لم يضيّقوا على أنفسهم ويبخلوا في الإنفاق، بل هم متوسطون عاملون بقوله تعالى: وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا [الإسراء: 29].
وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، عباد الرحمن لا يتوجّهون لغير الله بعبادةٍ مهما صغرت، فلا نذر ولا ذبح ولا قسم ولا دعاء ولا توكل ولا استغاثة ولا استعاذة ولا خوف ولا رجاء ولا خضوع إلا لله سبحانه فاطر السموات والأرض الذي حذر من أن يُعبد غيره أو يُتوجه إلى غيره بأي نوع من أنواع العبادة، فهو القائل سبحانه: وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ [يونس: 106]، ويقول رسوله : ((إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه نادى مناد: من كان أشرك في عمل عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من عنده، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك)) أخرجه أحمد عن أبي سعيد.
ثم يقول سبحانه: وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ، يذكر سبحانه هنا كبيرتين عظيمتين يجتنبهما عباد الرحمن ويبتعدون عن كل ما يؤدي إلى هاتين العظيمتين، فهم لا يقتلون النفس التي حرم الله؛ لأنهم يخافون وعيد الله سبحانه وعذابه، يقول : ((لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حراما)) أخرجه أحمد عن ابن عمر. كما أن هؤلاء العباد الربانيين لا يزنون ولا يرتكبون هذه الموبقة وهذه الكبيرة التي مقتها الله ومقت أصحابها، وهذا يعني أيضا أنهم لا يقتربون من مسببات هذه المعصية العظيمة من تردد على أماكن اللهو والفجور والاختلاط، ومن إطلاق للبصر والنظر إلى ما يثير هذه الشهوة ويدفع إلى تحصيلها، يقول سبحانه: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً [الإسراء: 32]، فالمسلم المؤمن الحق لا يرضى بالزنا لأنه يعلم أن الله حرمه ومقته وتوعد مرتكبيه بالعذاب الشديد، كما أنه لا يرضى أن تُرتكب هذه الفاحشة في حق أهله ومحارمه، فكيف يرضاها في حق الناس؟!
عُفُّوا تعفّ نسـاؤكم فِي الْمحرم وتَجنّبـوا ما لا يليـق بمسلـم
إن الزنـا دَيـن فإن أقـرضتـه كان الوفاء من أهل بيتك فاعلم
من يزن يُزن بـه ولـو بجـداره إن كنـت يـا هذا لبيبا فافهم
وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا، عباد الرحمن ـ أيها الإخوة ـ لا يشهدون زورًا مهما كانت الأسباب، ولا يلفقون الأقوال ليضروا بعباد الله البرءاء أو ليسلبوا منهم حقا من حقوقهم؛ لأنهم يعلمون أنهم سيقفون في يوم عظيم بين يدي رب العالمين، فيقتصُّ منهم وينتصر لمن ظُلم، ويعلمون أن أقوالهم وما تخطه أيديهم محفوظ ومحسوب عليهم، مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18]؛ لهذا فهم أبعد الناس عن اللغو والكذب والقيل والقال والفحش والتفحش، فإذا هم مروا باللغو مرّوا كراما لم يعلق بهم منه شيء.
وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا، قال قتادة كما عند ابن كثير: "لم يصموا عن الحق، ولم يعموا فيه، فهم والله قوم عقلوا عن الحق وانتفعوا بما سمعوا". إنهم ـ إخوة الإيمان ـ قوم إذا تليت عليهم آيات الله سبحانه أثّرت فيهم، فلانت جلودهم وصلحت قلوبهم، فهم الذين قال الله فيهم: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال: 2]، لا تمرُّ عليهم الآيات مرورها على الصم العمي، بل يسمعون فيعقلون، ويُنذَرون فيحذرون.
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا أي: أن هؤلاء العباد الصّالحين لا يكتفون بأن يكونوا صالحين موحدين في أنفسهم، بل إنهم يدعون الله بأن يصلح أزواجهم، ويتضرعون إليه أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا، وهذا فيه حرص على الولد وصلاحه، وفيه فائدة للوالد لأن الولد الصالح يزيد في أجر الوالد بالدعاء له والتصدق عليه، يقول : ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))؛ لهذا فهم يهتمون بأبنائهم، ويدعون لهم بالصلاح والسداد، كما أنهم يتضرعون إلى الله أن يجعلهم للمتقين إمامًا، أي: قدوة يقتدى بهم في الخير.
هذه أهم صفات عباد الرحمن، نسأل الله أن يجعلنا منهم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله...
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
معشر المسلمين، إن الله عز وجل عندما يخبرنا عن عباده الذين رضي عنهم ورضوا عنه، وعندما يذكر لنا مآثرهم ونعيمهم؛ إنما يدعونا لنحذو حذو هؤلاء القوم الذين عبَّدوا أنفسهم لله وفازوا برضوانه؛ لهذا يعدّد لنا سبحانه أعمالهم التى صاروا بفضلها عبادًا يُنسبون إلى الرحمن، وما أعظمها وأشرفها من نسبة. ولا يكتفي سبحانه بهذا، بل ويبين لنا جزاءهم وثوابهم زيادةً في الترغيب وتأكيدًا بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا؛ ولهذا يقول سبحانه بعد كل الآيات السابقة عن جزاء هؤلاء العباد الذين عملوا بما يرضيه عز وجل يقول: أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا. جزاء هؤلاء الصالحين الأبرار الغرفة أعلى منازل الجنة، تلقى عليهم التحية الطيبة والسلام من ملائكة الرحمن، وهم في خلود ونعيم دائم، فكما تضرّع هؤلاء العباد إلى الله أن يصرف عنهم عذاب جهنم ووصفوها بأنها ساءت مستقرًا ومقاما بشرهم الله بالجنة ووصفها بالمقابل بأنها حسنت مستقرًا ومقاما، أي: كما اتقيتم الله وفررتم من المستقر السيئ فإني أجزيكم بالمستقر الحسن.
ونعيم الله سبحانه لعباده الصالحين لا يمكن أن يخطر على عبد مهما أوتي من تصور أو خيال؛ لهذا يقول : ((في الجنة ما لا عين رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر)) أخرجه مسلم عن أبي هريرة. إنه نعيم عظيم لا يزهد فيه إلا عبد ضلّ وطغى، فطمس الله على بصيرته، هل يزهد في الجنان والوِلْدان والحور العين إلا محروم؟! أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله، حدثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال: ((لبنة ذهب، ولبنة فضة، وملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد لا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه)).
فإذا أردنا ـ عباد الله ـ أن ننعم بهذا النعيم المقيم فعلينا أن نكون من عباد الرحمن حقًّا وصدقا، وهذا لا يكون بالأماني والدعاوى، إنما يكون بالعمل والكدّ والصبر وجهاد النفس والهوى، يكون بالاعتصام بكتاب الله سبحانه وسنة نبيه ، يكون بالتقوى والعمل الصالح، علينا أن نتقي الله في أنفسنا، وأن نتقيه سبحانه في أهلنا، وأن نتقيه في المسلمين، هذا الذي يحقق لنا الانتساب إلى عباد الرحمن.
أسأل الله سبحانه أن يجعلني وإياكم من عباده الصالحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من +اها، أنت وليّها ومولاها...
| |
|