molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: ظلم الآباء للأبناء (2)- عبد العزيز بن الطاهر بن غيث / طرابلس الإثنين 12 ديسمبر - 1:06:34 | |
|
ظلم الآباء للأبناء (2)
عبد العزيز بن الطاهر بن غيث /طرابلس
الخطبة الأولى
وبعد: لا زلنا مع موضوع ظلم الآباء للأبناء، وهذا موضوع مهم يجب أن نركز عليه وأن نعطيه حقه من البحث والاستقصاء؛ حتى يعلم كل أب ما له وما عليه، وحتى لا نترك عذرا للمقصرين في هذه الأمور المهمة، أسأل الله أن يعين الآباء والأبناء في تأدية ما عليهم، وأن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يزيننا بزينة الإيمان.
إخوة الإيمان، من جوانب ظلم الآباء للأبناء ـ كما ألمحنا في الجمعة الماضية ـ الإهمال، وهو داء خطير، فلا شيء في هذه الدنيا يصلح مع الإهمال، بل الإهمال مفسد لكل شيء، حتى المزروعات والآلات إذا أهملت فسدت، فكيف بالإنسان الذي يحس ويشعر وتؤثر فيه الظروف والأشخاص؟! كيف سيصلح مع الإهمال؟! لهذا فلا ينبغي للوالد أن يكون مهملا لأبنائه لا يدري عنهم شيئا ولا عن أخلاقهم ولا عن صداقاتهم، هذا من أهم أسباب الضياع والانحراف؛ لهذا حذرنا الله سبحانه من التعرض للمؤثرات التي تحيد بالإنسان عن الطريق السوي، ومن هذه المؤثرات قرناء السوء من الإنس والجن فقال سبحانه: شيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [الأنعام: 112]، فعلى الأب أن يحمي ابنه من تأثير شياطين الإنس من البشر بمعرفته لسلوك ولده وإبعاده عن الصحبة السيئة، كما أن لشياطين الجن تأثيرا على أطفالنا، لهذا حثنا رسول الله على كف أطفالنا عن الخروج من البيت في أوقات معينة؛ حتى نحفظ أبناءنا من هذا السوء، يقول : ((إذا جنح الليل وأمسيتم فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهبت ساعة من الليل فخلوهم)) الحديث متفق عليه، قال النووي في شرح مسلم: "ومعناه أنه يُخاف على الصبيان ذلك الوقت من إيذاء الشياطين لكثرتهم حينئذ، والله أعلم" انتهى. فالإهمال إذًا واللامبالاة من أشد أنواع الظلم في حق الأبناء، فإذا أهمل المسلم أبناءه ولم يدر أين يذهبون وماذا يفعلون ومن يصادقون فقد فرط في حق عظيم من حقوق أبنائه وظلمهم.
ومن ظلم الآباء للأبناء عدم الإنفاق عليهم وهم صغار مع قدرة الوالد على ذلك؛ لأن في هذا تضييعا لهم وتقصيرًا في حقهم وتعريضَهم للفتنة والانحراف ودفعهم إلى تحصيل حاجاتهم بغير ما أحل الله سبحانه، ولقد حذر رسول الله مِن هذا وعَدَّه من الإثم، فقال كما عند أبي داود من حديث عمرو بن العاص: ((كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت))، بل إنه بين أن نفقة الإنسان على أهله من أعظم وأفضل أنواع النفقة التي يجزي الله عليها العبد فقال: ((دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك)) أخرجه مسلم. وهذا الإنفاق على الأهل الذي فاق كل وجوه الخير المذكورة ليس المقصود به أي إنفاق، إنما المقصود به الإنفاق البعيد عن الإسراف والتبذير.
ومن ظلم الآباء للأبناء الدعاء عليهم بالشر، فقد تلجأ الأم أو يلجأ الأب إلى الدعاء على أبنائه في حالة الغضب، ولكن الشرع نهى عن ذلك؛ لأن ذلك لا يكون في صالح الأبناء ولا الآباء في الغالب، فلا ينبغي للوالدين أن يدعوا على أبنائهم بالشر، وليصبروا وليحتسبوا، فإن في ذلك الخير لهم ولأبنائهم، عن جابر أن رسول الله قال: ((لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم)) أخرجه مسلم. إن رسول الله يحذر الوالدين من أن الله قد يستجيب لهذه الدعوة على الولد، فتسوء أموره، ثم لا تلبث الوالدة أو الوالد أن يندم، ولات حين مندم.
ومن ظلم الآباء للأبناء الإهانة والقسوة، وهذا أمر خطير يفعله الكثير من الآباء والأمهات دون أن يشعروا بآثاره السيئة على الأبناء، والتي قد لا تمحى مدى الدهر. والعجيب أن الوالدين يفعلان هذا مهما كبر أبناؤهم؛ لأن الابن عند الوالد دائما صغير ولو تزوج وصار له أبناء، وهذا لا ينبغي، بل ينبغي إكرام الابن والتلطف معه ومصادقته وعدم الإغلاظ عليه باستمرار أو إهانته وخاصة أمام الناس؛ لأن في ذلك أسوأ الأثر، وهو من أهم أسباب جنوح الولد إلى ظلم والديه لاحقا، بل السعي للانتقام ورد الصاع صاعين.
أورد القرطبي في كتاب بهجة المجالس أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سأل الأحنف بن قيس عن الولد فقال: يا أمير المؤمنين، أولادنا ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا، نحن لهم أرض ذليلة وسماء ظليلة، وبهم نصول ونجول عند كلّ جليلة، فإن طلبوا فأعطهم، وإن غضبوا فأرضهم، يمنحوك ودهم ويحبوك جهدهم، ولا تكن عليهم قفلا فيتمنّوا موتك ويكرهوا قربك ويملوا حياتك.
ومن هذا الظلم أيضا ـ إخوة الإيمان ـ التفريق بين الأبناء في المعاملة والعطاء، فتجد الأب رفيقا لطيفا مع بعض الأبناء وقاسيا مع الآخر، أو تجده يعطي أحد أبنائه مالا وهبات وعطايا ولا يعطي الآخرين، وهذا أمر لا يجوز ومعاملة حرمها ديننا الحنيف، فالعدل بين الأبناء أمر لا ينبغي أن يهمله مسلم يريد وجه الله سبحانه، أخرج الشيخان عن النعمان بن بشير أن والده بشير أراد أن يهبه شيئا دون إخوته، فذهب إلى رسول الله يسأله ويشهده على ذلك، فقال رسول الله : ((يا بشير، ألك ولد سوى هذا؟)) قال: نعم، فقال: ((أكلهم وهبت له مثل هذا؟)) قال: لا، قال: ((فلا تشهدني إذًا، فإني لا أشهد على جور)). فعلى الآباء أن يتقوا الله في أبنائهم، ولا يفعلوا أمورا تسبب في بغض أبنائهم لهم، وتسبب في بغض أبنائهم بعضهم لبعض وفي تقاطعهم وتدابرهم بل وتقاتلهم. إن هذه المعاملة غير العادلة تحول دون بر الأبناء بالآباء؛ لهذا قال كما في صحيح الجامع من حديث النعمان بن بشير: ((اعدلوا بين أولادكم في النِحَل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف)).
ومن ظلم الآباء للأبناء بغض البنات وظلمهن، وهذه عادة كانت متأصلة في عرب الجاهلية، يقول سبحانه: وإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ [النحل: 58، 59]. ورغم أن هذه العادة عادة جاهلية ورغم أن الله سبحانه قد ذمها في كتابه إلا أننا لا زلنا نرى أن البنت مهضوم حقها، وكفة الميزان دائما مائلة تجاه الولد الذكر، وهذا حرمان للبنت الضعيفة من حق شرعه الله لها، ولكنه بالمقابل حرمان للوالد أيضا من فضل عظيم كان يمكن أن يحصل عليه لو أحسن إلى بناته، يقول فيما أخرجه الشيخان من حديث عائشة: ((من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار))، ويقول أيضا: ((من ولدت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها أدخله الله بها الجنة)) أخرجه أبو داود.
وظلم البنات ـ إخوة الإيمان ـ لا يقتصر على هذا، بل هناك ظلم عظيم يقع عليهن، وهو يحدث في كثير من المجتمعات الإسلامية، هذا الظلم هو حرمانهن من الميراث أو بخس حقهن، وهذا جور عظيم ورَدٌ لما جاء في كتاب رب العالمين الذي أوصى للبنت بحقها في الميراث أسوةً بالذكر دونما نقصان، يقول سبحانه: لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا [النساء: 7]، ويقول سبحانه: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَك الآيات، هذا القرآن المحكم وهذا القول الفصل من رب العالمين كيف لمسلم يخاف الله سبحانه أن يتخطاه أو يتجاوزه أو يتجرأ عليه،؟! إن معنى قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللّهُ أي: يأمركم الله، فكيف نضيع أمر الله ونحجب حقا فرضه الله علينا اتباعا لعادات جاهلية ونعرات عمية؟! أليس هذا ظلما ما بعده ظلم؟!
أيها الإخوة، ونختم وجوه الظلم بأمر يقع من الآباء على الأبناء، هو أمر بسيط يسير في نفسه قد لا يدرك خطورته الآباء والأمهات، ولكنه عظيم في أثره على الولد، هذا الأمر هو سوء التسمية، فأحيانا يصر الأب على تسمية ابنه اسما غير لائق ولا موافق لعصر الولد وبيئته، اسم غريب لأحد جدوده الغابرين أو غير ذلك من أسماء غريبة عن عصر الولد أو لا معنى لها، فيعيش الابن معقدا متحرجًا من هذا الاسم منطويا على نفسه، يستحي إذا سئل عن اسمه أن يذكره، ولا أريد أن أذكر أمثلة لهذه الأسماء احتراما لأصحابها، ولكن يعلم الله أن هناك من الأسماء ما يثير العجب والاستغراب والاستهجان، فلماذا نظلم الإنسان في أخص وألصق شيء به وهو اسمه الذي لا ينفك عنه حتى بعد موته؟!
إن حسن التسمية أمر حثّ عليه الشرع، وليس هو أمرًا للوالد الحريةُ المطلقة فيه، فلا بد أن يتخير الوالد لابنه اسما جميلا يرضاه الشرع ويتماشى مع عصر الابن وبيئته لا مع عصر الوالد، يقول : ((إن من أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن)) أخرجه مسلم، ويقول أمير المؤمنين على بن أبي طالب: (ينبغي لأحدكم أن يتخير لولده إذا ولد الاسم الحسن).
هذه إخوة الإيمان جملة من أخطاء الآباء في حق الأبناء، أسأل الله أن يجنبنا الوقوع فيها، وأن يوفقنا إلى كل خير. أقول قولي هذا، وأستغفر الله.
الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
إخوة الإيمان، ما ذكرناه فيما مضى من الخطبة من أمور هو توجيه لأنفسنا وإخواننا، علينا فهمه وتطبيقه إذا أردنا حقا القيام بما علينا، وهو تذكير للناسي منا والغافل، والله سبحانه أمر بالتذكير والذكرى، فقال عز من قائل: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات: 55]، فإذا ذُكِّر المؤمن فلا بد أن يذكر ويتذكر، ولا بد أن يبذل جهده في العمل بأوامر الله سبحانه والاستقامة على صراطه؛ حتى يبتعد عن المؤاخذة ويفوز بالرضا.
وليعذرنا الآباء والأمهات إذا أكثرنا عليهم بتعديد حق أبنائهم عليهم، فهذا أمر لا بد من التركيز عليه؛ لأن انحراف الأبناء وظلمهم للوالدين مترتب على هذه الأمور في الغالب، ولأن واجب الوالدين نحو الأبناء مقدم من حيث الزمن على واجب الأبناء نحو الوالدين؛ لأن الوالد هو السابق وليس الولد، وما دام هو السابق فهو المطالب بأن يرسي هذه العلاقة على ما يحب الله سبحانه ويرضى وعلى ما يفضي بها إلى النتائج الطيبة المرجوة.
وليعلم الوالدان أن الإيفاء بحق أبنائهم هو من أهم الضمانات لأنْ يعرف الأبناء حق الوالدين ويقوموا به على أكمل وجه، فلا بد أن يقوم الوالدان بما عليهما تجاه الأبناء؛ حتى يغلقوا أو يضيقوا عليهم منافذ الظلم والعقوق، وحتى يساعدوهم على برهم والإحسان إليهم.
كما أن على الأبناء أن يعلموا أن هذه الأخطاء من الآباء والأمهات ليست مبررا للعقوق والظلم وإن كانت سببا مباشرا فيه، بل إن ظلم وعقوق الوالدين أمر مذموم على كل حال، فعلى المسلم أن يظل محسنا لوالديه مهما كانت الظروف، داعيا لهما بالخير، مستغفرا لهما عما أخطآ في حقه، مرددا قوله تعالى: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الأحقاف: 15].
أسأل الله سبحانه بمنه وكرمه أن يوفقنا جميعا إلى ما يحبه ويرضاه، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا...
| |
|