molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الإيمان بالله - عبد العزيز بن الطاهر بن غيث / طرابلس الأحد 11 ديسمبر - 8:32:37 | |
|
الإيمان بالله
عبد العزيز بن الطاهر بن غيث /طرابلس
الخطبة الأولى
وبعد: لا زلنا مع الإيمان الذي هو أساس عقيدتنا الإسلامية وأساس وجودنا، هذا الإيمان أهم م+ب من مكاسب الإنسان في هذه الدنيا، لهذا فنحن نحتاج دائما إلى تجديده، نحتاج دائما إلى تقوية يقيننا بالغيبيات العظمى التي وإن كنا لا نراها فإن الفطرة والعقل يدلان عليها، كما أن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ورسولنا أخبرانا بهذه الغيبيات، فوجب علينا الإيمان بها.
فالإيمان بالغيب هو الأساس الذي أفلح على ضوئه المفلحون وخسر الخاسرون، يقول تعالى في مدح عباده المؤمنين بالغيب: الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة َوَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[البقرة:1-5]، فأول صفة مدحٍ من صفاتهم كانت: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ، يقول عبد الله بن مسعود كما في تفسير ابن كثير: (والذي لا إله غيره، ما آمن أحد قط إيمانا أفضل من إيمان بغيب)، ثم قرأ: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ إلى قوله: وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
ومن أعظم الغيبيات التي يجب أن نجدد إيماننا بها ونستحضرها حتى لا تجرفنا الحياة بمغرياتها الإيمان بالله، فما تقرب الصالحون بالأعمال الصالحة وصلوا وصاموا وبذلوا الأموال والأنفس في سبيل الله إلا لإيمانهم بهذا الإله الذي يجزيهم على هذه الأعمال الصالحة، وما أساء المسيئون وعصى العاصون وبالغوا في الذنوب والآثام والكبائر إلا لضعف إيمانهم بالله.
ومن أهم ما يوصلنا إلى الإيمان بالله ـ يا عباد الله ـ التدبر في مخلوقات الله والتدبر في أنفسنا، لهذا فقد أمرنا الله سبحانه بالسير في الأرض للتدبر في مخلوقاته، فقال سبحانه وتعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَة َإِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [العنكبوت:20]، وقال سبحانه: قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ [يونس:101]، وأمرنا بالنظر في خلقنا وفي أنفسنا فقال سبحانه: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21]، فهذا النظر والتدبر كله يوصلنا إلى الإيمان بالله سبحانه.
والإيمان بالله يتضمن الإيمان بوجوده تعالى، فقد دلت الفطرة والعقل والشرع والحس على وجوده سبحانه، فكل مخلوق فطر على قبول الإيمان بخالقه دون أن يتلقى تعليما بهذا، ولا يحيد الإنسان عن هذه الفطرة إلا بعد أن يكبر ويتأثر عقله بأمور تفسد فطرته وتحيد به عن الإيمان، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟!)) متفق عليه.
فالفطرة التي تتوجه إلى خالقها تلقائيا دليل على وجود الله سبحانه، فالإنسان مجبول على التوجه إلى خالقه خاصة في أوقات الضعف، حتى الملحد في وقت الضيق والشدة يرفع بصره إلى السماء وهو في غاية الضعف، فهذا من أدل الأدلة على أن لهذا الكون إلها مدبرا حكيما، وهذا ما ورد في القرآن الكريم عن المشركين، فرغم إشراكهم إلا أنهم إذا كانوا في البحر وحدقت بهم الأخطار أخلصوا دينهم لله، يقول تعالى: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ [يونس:22]، فالفطرة المغروسة في الإنسان مربوطة بخالقه وخالق الكون أيا كان هذا الإنسان، سئل أحد الصالحين عن دليل وجود الله فقال: أرأيت لو كنت في صحراء فسقطتَ في بئر ولا تجد من ينجدك فماذا تقول؟! قال: أقول: يا الله، قال: هذا دليل وجوده.
فالله قريب من عبيده لو كانوا يعقلون، والقلوب المؤمنة ترى هذا بوضوح، فإذا غاب القطر وأجدبت الأرض وجف الضرع ونفقت الأنعام وصار النبات هشيما جأرت الدواب إلى خالقها وهرع العبيد إلى مولاهم ورفعوا إليه أكف الضراعة يستسقون ويستغيثون فإذا بالغيث يهل والروح تسري في الأرض وفي الدواب، وإذا استعرض الجنين في بطن أمه وعسرت الولادة وادلهمّ الخطب وقاربت الأم على الهلاك رفعت بصرها إلى السماء وقالت: يا الله فإذا الأمور تتغير بإذن القادر المقتدر، وإذا العسير يسير، وإذا الأمر كأن لم يكن، والمذنب إذا أذنب وأسرف على نفسه وضاقت عليه الأرض بما رحبت فعفر الوجه في التراب وذرف دموع الندم وأناب ونادى من+را: يا الله فإذا بالرحمات تنزل والسكينة تعم القلب، وإذا بالرحمن الرحيم يأخذ بيد عبده إلى طريق النور والتوفيق، فهذا اللجوء إلى الله وهذه الاستجابة الفورية منه سبحانه من دلائل الحس والفطرة على وجود الخالق عز وجل.
والعقل أيضا يدل على وجود الله سبحانه؛ لأن المخلوقات سابقها ولاحقها لا بد لها من موجد، وهذا الإتقان البديع في الكون والتناسب المتناهي والارتباط بين الكائنات لا يمكن أن يكون عبثا، فهذه الكائنات لم تخلق نفسها ولم يخلقها العدم، بل وراءها خالق عظيم مدبر لها وللكون، لهذا قال سبحانه في الرد على الكفار والمشركين: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35]، أي: أنهم لم يُخلقوا من العدم ولم يخلقوا أنفسهم، فتعين أن يكون لهم خالق هو الله تبارك وتعالى، ولهذا لما سمع جبير بن مطعم رسول الله يقرأ سورة الطور في صلاة المغرب فبلغ هذه الآيات: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ [الطور:35-37]، وكان جبير يومئذ مشركا قال: (كاد قلبي أن يطير، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي) أخرجه البخاري. فلا بد أن يُعمِل الإنسان عقله في المخلوقات وفي الظواهر الكونية التي تحيط به، ويعلم أن وراءها مدبرا عظيما قاهرا.
يروى عن أبي حنيفة أن بعض الزنادقة الملحدين سألوه عن وجود الباري تعالى فقال لهم: دعوني فإني مفكر في أمر قد أخبِرت عنه، ذكروا لي أن سفينة في البحر موقرة ـ أي: مملوءة ـ فيها أنواع من البضائع وليس بها أحد يحرسها ولا يسوقها، وهي مع ذلك تذهب وتجيء بنفسها وتخترق الأمواج العظام حتى تتخلص منها وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحد، فقالوا: هذا شيء لا يقوله عاقل! فقال: ويحكم، هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما اشتملت من الأشياء المحكمة ليس لها صانع! فبهت القوم ورجعوا إلى الحق وأسلموا على يديه.
فالتدبر في خلق الله ـ معشر المسلمين ـ من أهم وسائل تقوية الإيمان وتثبيته، فلا بد أن يفكر الإنسان: مَن وراء هذا الإتقان البديع في الكون من كواكب سيارة وأفلاك دوارة وشمس تجري لمستقر لها وقمر منير وبحار زاخرة وجبال راسية وأرض تنبت ثمارا مختلفا أكلها وحيوانات برية وبحرية وطيور تطير في جو السماء؟ لا بد أن يتساءل الإنسان: من وراء المرض؟ ومن وراء الشفاء؟ ومن وراء الإعزاز؟ ومن وراء الإذلال؟ ومن وراء الإماتة؟ ومن وراء الإحياء؟ من يدبّر كل هذه الأمور ويصرفها كيف يشاء؟
قل للطبيـب تخطفتـه يد الردى: يا شافي الأمراض، من أرداكا؟
قل للمريض نجا وعوفـي بعدمـا عجزت فنون الطب: من عافاك؟
قل للصحيـح يمـوت لا من علة: مَن بالمنايا يا صحيـح دهاكا؟
قـل للبصيـر وكـان يحذر حفرة فهوى بها: من ذا الذي أهواكا؟ بل سائل الأعمى خطا بين الزحـام بلا اصطدام: من يقود خطاكا؟
قل للجنيـن يعيـش معزولا بـلا راع ومرعى: ما الذي يرعاكا؟
قل للوليد بكى وأجهش بالبكـاء لدى الولادة: ما الذي أبكاكا؟
وإذا تـرى الثعبـان ينفث سمـه فاسأله: من ذا بالسموم حشاكا؟
واسأله: كيـف تعيش يـا ثعبـان أو تحيـا وهذا السم يملأ فاكا؟
بل سـائل اللبن المصفى كـان بين دم وفرث: مـا الذي صفاكا؟
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهدا وقل للشهد: من حلاكا؟
وإذا رأيـت النخل مشقوق النوى فاسأله: من يا نخل شق نواكا؟
قـل للهواء تحسه الأيدي ويخفـى عن عيون الناس: من أخفاكا؟
أليس هو الله؟! أليس هو الخالق المدبر لهذه الأكوان وراء كل هذا؟! الخالق الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، والذي أضحك وأبكى، والذي أمات وأحيا، والذي خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى، فتبارك الله أحسن الخالقين.
يقول سبحانه وتعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:190، 191]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وخير خلق الله أجمعين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
إخوة الإيمان، لا بد للإنسان من أن يسعى إلى تحقيق الإيمان في قلبه، فلا يكون إسلامه إسلام تقليد ووراثة فحسب، بل يكون إسلام تصديق ويقين لا يتزعزع ولا يتحول، وهذا ضروري حتى يثبت الإنسان على دينه خاصة في أوقات الفتن، فإنه لا يصمد أمام فتن الدنيا إلا المؤمن، يقول : ((بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا؛ يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل)) أخرجه مسلم عن أبي هريرة.
فلا بد أن يكون الإيمان في مكان آمن مصون من قلب الإنسان، ولكي يكون كذلك فلا بد أن يتعهد الإنسان إيمانه بالأعمال الصالحة وبالذكر والتدبر حتى يثبت هذا الإيمان ثبات الجبال الرواسي، لهذا كان رسول الله يستحضر معاني الإيمان في ذكره ودعائه وعبادته، عن ابن عباس قال: كان النبي إذا قام من الليل يتهجد قال: ((اللهم لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، ولا إله غيرك)) متفق عليه.
بهذه الكلمات الطيبات المباركات يبتهل رسول الله إلى خالق هذا الكون ومدبره، إلى مولاه الذي له ملك السماوات والأرض الغني الجبار، الذي لا يُعبد سواه، ولا يُتوكل إلا عليه، ولا يُستغاث إلا به، ولا يُنادى في الشدائد مخلوق غيره كائنا من كان، فهو النافع والضار، وهو على كل شيء قدير، لا مدبر للكون إلا هو، ولا شريك له في ذلك ولا ظهير، ولا إله في السماوات والأرض غيره، يقول سبحانه: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ [الأنبياء:22]، لا يجوز التوجه بشيء من العبادة كالخوف والرجاء والدعاء والتوكل والاستعاذة والانقياد إلا إليه، ومن صرف شيئا من ذلك لغيره فقد تلبس بالشرك، يقول سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162، 163]، وعن أبي سعد بن أبي فضالة الأنصاري قال: قال رسول الله : ((إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد: من كان أشرك في عمل عمله لله فليطلب ثوابه من عند غير الله؛ فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك)) أخرجه ابن ماجه.
اللهم عمر قلوبنا بالإيمان، واشرح صدورنا للإسلام، واجعلنا من عبادك الصالحين...
| |
|