molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الاستغفار باب التوبة - عبد العزيز بن الطاهر بن غيث / طرابلس الأحد 11 ديسمبر - 8:31:55 | |
|
الاستغفار باب التوبة
عبد العزيز بن الطاهر بن غيث /طرابلس
الخطبة الأولى
أما بعد: فيقول الله سبحانه في كتابه العزيز: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ [هود:90]، ويقول في معرض الثناء على عباده الصالحين: كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17، 18].
الاستغفار ـ أيها المسلمون ـ دأب الأبرار وسبيل الأخيار وطريق للوصول إلى رحمة العزيز الغفار، الاستغفار رحمات منشورة يوفق سبحانه إليها الصادقين الوجلين من عباده، والاستغفار كذلك ضرورة من ضرورات التوبة والرجوع إلى الله سبحانه؛ لأن الإنسان إذا لم يعترف فعلا أنه ارتكب ما يحتاج إلى الاستغفار منه وإذا لم يقدم الاعتذار على ما بدر منه فإن عودته إلى الله وتوجهه إليه لن يكون حارا صادقا، أما إذا اعترف بتقصيره نحو خالقه وتفريطه في جنب الله وإسرافه على نفسه فإنه سيندفع بكل جوارحه نحو ربه راجيا أن يتقبله سبحانه وأن يغفر ذنبه ويعفو عنه، لهذا فقد أثنى الله سبحانه على هذا الصنف من عباده الذين تقلقهم المعصية وتهز كيانهم وتقض مضجعهم، فيذكرون الله ويتوبون إليه ولا يصرون على ما هم عليه، يقول سبحانه: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:135، 136]. انظروا كيف يثني الله سبحانه على المستغفرين من عباده الذين إذا أذنبوا استغفروا لذنوبهم ورجعوا إلى مولاهم نادمين، وانظروا كيف يجزل لهم المثوبة ويضاعف لهم الأجر.
ولقد عرض سبحانه المغفرة على عباده وفتح لهم أبواب التوبة والاستغفار في أكثر من آية من آيات كتابه، فهو القائل سبحانه: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء:64]، وهو القائل: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ [الرعد:6]، وهو القائل عز وجل: قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]. فها هو الرحمن جل في علاه يتكفل بالمغفرة للذين صدقوا في استغفارهم ويفتح لهم باب المغفرة، وها هو يتكفل بالقبول لمن أراد الرجوع إليه سبحانه، فهل نتكفل نحن بالاستغفار كما تكفل سبحانه بالمغفرة؟! هل نحقق المقدمة لنفوز بالنتيجة؟! هل نتوب ونطهر هذه الأنفس ون+يها لنؤهلها لدخول هذا الباب الذي يشرعه الرحمن لعباده؟!
إن القضية ـ إخوة الإيمان ـ ليست في أن نذنب أو لا نذنب، بل القضية هل نستغفر لذنوبنا أم لا؟ أما مجرد الذنوب فإنها من طبيعة البشر التي لا تنفك عنهم ولا ينفكون عنها، بل إن رسول الله يبين لنا أننا لو لم نذنب لجاء الله بأقوام يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم سبحانه، عن أبي هريرة أن النبي قال: ((والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم)) أخرجه مسلم. هكذا هو حب الرب سبحانه للاستغفار وللمستغفرين، وهكذا هي رحمته تنشر فيصيب منها المؤمنون المفلحون ما شاء لهم سبحانه أن يصيبوا، ويعرض عنها المخذولون العاجزون فيضرون أنفسهم ولا يضرون الله شيئا.
ولقد بين لنا المولى عز وجل أن الاستغفار كان خلقا وأمرا حميدا سار عليه رسله الكرام، فكانوا يلهجون بطلب المغفرة منه ويتوبون إليه سبحانه، وسرد لنا الكثير من الآيات التي تذكر لنا استغفار هؤلاء الأنبياء، يقول سبحانه عن استغفار أبينا آدم وزوجه: قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23]، ويذكر لنا استغفار نبيه موسى: قاَلَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي [القصص:16]، ويقول عن داود: وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ [ص:24]، ويقول عن سليمان قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [ص:35]، ويقول على لسان نوح: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [نوح:28].
هؤلاء هم رسل الله عليهم صلوات الله وسلامه، أقرب الخلق إلى الله، وأعلمهم بالله، يعلموننا الاستغفار، ويطلبون المغفرة من رب العالمين سبحانه، ولقد كان نبينا محمد سيد المستغفرين مع أن الله سبحانه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يقول سبحانه: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [الفتح:1، 2]، فمع هذه العطية الإلهية وهذا التفضل الرباني عليه إلا أنه أبى إلا أن يلهج بذكر مولاه، أبى إلا أن يطلب منه المغفرة في تذلل بلسان المقال ولسان الحال، أبى إلا أن يكون عبدا شكورا، فقد ورد كما عند مسلم من حديث المغيرة بن شعبة أنه كان يقوم في الليل بين يدي ربه حتى تتورم قدماه، قالوا: ألم يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: ((أفلا أكون عبدا شكورا؟!))، وهو القائل صلوات الله وسلامه عليه: ((إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة)) أخرجه مسلم عن الأغر المزني.
ولقد حث أمته على الاستغفار لحرصه على الأمة ونصحه لها، بل إنه بين أن من أهم ما يعمر به المسلم صحيفته الاستغفار، يقول كما عند البيهقي من حديث ال+ير: ((من أحب أن تسره صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار))، فلماذا بعد هدا كله نغفل عن الاستغفار؟! ولماذا نصم آذاننا عن هذه النداءات الإلهية وهذه الوصايا النبوية التي تدلنا على الاستغفار وتصف لنا هذه الوصفة الشافية لكثير من أدوائنا وأمراضنا؟!
والاستغفار ـ عباد الله ـ إذا رددناه نافعا فلا بد أن يكون صادقا، لا بد أن يكون الاستغفار مصدره قلوبنا لا ألسنتنا وحسب، لا بد أن نعيه ولا نقوم به ونحن ذاهلون عنه وعن معناه، لا بد أن يكون مبعثه ومحركه ندم على المعاصي والآثام ورغبة في إصلاح العلاقة مع الرب الكريم، هذا هو الاستغفار الذي يريده منا رب العالمين، وهذا هو الاستغفار الذي تكون ثمرته عفو ومغفرة وتوفيق من الله، أما استغفار اللسان والقلبُ لاه أو استغفار اللسان والإنسان مقيم على المعاصي والآثام فهذا ليس استغفارا، بل هذا الاستغفار قد يكون هو أيضا ذنبا يحتاج إلى استغفار.
أورد القرطبي في أحكام القرآن أن الحسن البصري قال: "استغفارنا يحتاج إلى استغفار"، ثم علق القرطبي قائلا: "هذا يقوله في زمانه، فكيف في زماننا هذا الذي يُرى فيه الإنسان مكبّا على الظلم حريصا عليه لا يقلع، والسبحة في يده زاعما أنه يستغفر الله من ذنبه؟! وذلك استهزاء منه واستخفاف، وفي التنزيل: وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا [البقرة:231]".
هذا ما يقوله القرطبي عن الاستغفار في زمانه، فماذا نقول عن الاستغفار في زماننا الذي أصبح فيه الاستغفار يُتغنى ويرقص به؟! وكأن الاستغفار فرح وبطر لا ذل وندم واستكانة لرب العالمين، فمتى ـ عباد الله ـ نعي أننا بحاجة ماسة ملحة إلى الاستغفار؟! ومتى نعي أن استغفارنا لا بد أن يكون صادقا نابعا من قلوب تتفطر خوفا ومن نفوس تتحرق ندما حتى يكون لهذا الاستغفار معنى، وحتى تكون له ثمرته في الدنيا والآخرة؟!
فإن للاستغفار ثمرات أخروية، هي المغفرة والتكريم والخلود في النعيم المقيم، وله كذلك ثمرته في الدنيا من إصلاح الحال وتفريج الهموم وتنفيس الكروب وتيسير الأمور، ومن بركة في المال والأهل والولد والزرع وغيرها، يقول سبحانه: وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [هود:3]، ويقول على لسان نبيه هود مخاطبا قومه: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً [هود:51]، ويقول سبحانه: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12].
هذه ثمرات من ثمرات الاستغفار لعلنا جميعا في حاجة إليها في هذا الوقت الذي ارتبكت فيه حياتنا واختلطت أمورنا وتعطلت حاجاتنا بسبب ما اقترفنا من ذنوب وآثام، وبسبب غفلتنا ـ ونحن المقصرون ـ عن أمر لم يغفل عنه الصالحون الأوابون ولا الأنبياء المقربون ألا وهو الاستغفار والتهيّؤ لمفارقة هذه الدار إلى دار القرار. يذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة أن الربيع بن خثيم قال لأصحابه: تدرون ما الداء وما الدواء وما الشفاء؟ قالوا لا، قال: الداء الذنوب، والدواء الاستغفار، والشفاء التوبة.
أسأل الله أن يلهمني وإياكم الاستغفار، وأن يوفقنا إلى التضرع بين يديه بالأسحار.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الخطبة الثانية
رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وصلاة وسلاما على أفضل خلقك نبيك محمد الداعي إلى رضوانك.
أيها المسلمون، إن هذه الحياة الدنيا دار للاختبار والمحن، والإنسان فيها خطاء وتواب وشارد وأواب، والسعيد من غلبت توبته أخطاءه وغلبت أوبته شروده، ولا ينبغي للإنسان أن ييأس، بل لا بد أن يظل يقرع بأصابع الندم والرجاء باب الرحمة والعطاء، ولا بد أن يلج ـ بإذن الله ـ إن كان صادقا.
هذه الدنيا ساحة يسعى فيها الشيطان ـ عليه لعنة الله ـ إلى أن يوقعنا فيما يغضب الله، ويفتح فيها الرحمن باب الرجاء لكل مذنب أو مقصر، وهذان وعدان لازمان: من الشيطان بالإغواء والإضلال، ومن الرحمن بالعفو والغفران لمن استغفر وتاب، عن أبي سعيد أن رسول الله قال: ((إن الشيطان قال: وعزتك ـ يا رب ـ لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب: وعزتي وجلالي، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني)) أخرجه أحمد.
مَن إله غير الله يعد المذنبين بهذا الوعد الكريم؟! ومن إله غير الله يتفضل على عباده المقصرين هذا التفضل؟! إذًا فالاستغفار هو سلاحنا أمام هذا الكيد الشيطاني، وهو سبيلنا لنيل هذا العفو الرباني، فلماذا نبخل على أنفسنا بالاستغفار؟! ولماذا نحرم أنفسنا الرجوع والإنابة إلى ربنا ومولانا الذي يقول سبحانه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]، والذي ينادينا سبحانه ويعرض علينا أن نعود إليه وأن نلوذ به مهما كثرت خطايانا؟! عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. يا ابن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة)) أخرجه الترمذي. إنها رحمات واسعة لمن هيأ نفسه لها وعبَّدها لله وفطمها عن الحرام، فلا تغفلوا عن الاستغفار فتكونوا من المحرومين؛ لأن المحروم حقا هو من حرم هذا الفضل العظيم.
أسأل الله أن يوفقني وإياكم إلى الاستغفار، وأن يجنبنا التمادي في الباطل والاغترار بدار البوار...
| |
|