molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: صور من ال+ب الحرام - عبد العزيز بن الطاهر بن غيث / طرابلس الأحد 11 ديسمبر - 8:30:05 | |
|
صور من ال+ب الحرام
عبد العزيز بن الطاهر بن غيث /طرابلس
الخطبة الأولى
وبعد: فيقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ [البقرة:188]، ويقول في الحديث الشريف الذي أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي أمامة: ((إن روح القدس نفث في روعي ـ أي: إن جبريل ألقى في قلبي ـ أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله لا يُنال ما عنده إلا بطاعته)).
إخوة الإيمان، تكلمنا في الخطبة الماضية عن الربا، وهو من الكسب الحرام، ونتكلم اليوم عن صور أخرى من ال+ب الحرام نهى عنها شرعنا وحذر منها.
إن الإنسان في هذه الدنيا منذ أن يُدرك ويعي ما يدور حوله يحب المال ويشغف بجمعه، حتى إن الطفل الصغير إذا كان يبكي فأعطيته ورقة أو قطعة مالية فرح وسكت فورا، فالإنسان مشغوف بالمال وهذه جبلَّة فيه، فقد قال عنه الله سبحانه: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْث [آل عمران:14]، وقال أيضا: وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر:20]، ولكن هذا الحب أمرنا الله أن نضبطه بضوابط الشرع حتى لا يدعونا إلى طلب المال من كل اتجاه وإلى الكسب الحرام، فال+ب الحرام طريق هلاك للإنسان وتدمير للأوطان.
ويدخل في الكسب الحرام الكثير من الأمور التي نهى عنها الشرع المطهر، فمن أوجه ال+ب الحرام السرقة، فالسرقة داء من الأدواء الخطيرة، حيث يتعدى الإنسان على ما ليس له فيأخذه، وهذا حرام شرعا وفيه ضرر بالآخرين.
والسرقة إذا ما قام بها الإنسان مرة أو اثنتين صارت مرضا متمكنا فيه، لهذا قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [النور:38]، فأمر سبحانه بإزالة هذا العضو الذي قام بفعل السرقة حتى يكون في ذلك عقاب وتحذير شديد للسارق ولغيره، وحماية للناس والمجتمعات من شر هذه الآفة.
والسرقة قد تكون من شخص وقد تكون من المال العام وهو ما يسمى شرعا بالغلول، وكلها سرقة، ولكن السرقة من المال العام أشد؛ لأن فيها إضرارا بعامة الناس، كما أن السارق من شخص مرهون بعفو هذا الشخص عنه ليبقى الذنب بينه وبين الله، أما السارق من المال العام فإنه يحتاج إلى عفو جميع أفراد المجتمع لا يتخلف منهم أحد.
وقد عد العلماء الغلول من الكبائر، والغلول ـ أي: الأخذ من مال المسلمين دون علمهم ـ حذر منه رسول الله أشد التحذير، يقول فيما أخرجه مسلم عن عدي بن عميرة: ((من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة))، والمخيط هو الإبرة، فمن أخذ إبرة من المال العام أتى بها يوم القيامة، فما بالك بما فوقها؟!
فاحذروا يا عباد الله، فإن الأمر جد خطير، روى الإمام مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي فقالوا: فلان شهيد، وفلان شهيد، حتى مروا على رجل فقالوا: فلان شهيد، فقال النبي : ((كلا، إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة))، والمعنى: أن هذا الرجل أخذ عباءة من الغنائم قبل أن يقسمها رسول الله ، والغنائم ملك لعامة المسلمين، فعُذِّب من أجلها رغم أنه يقاتل مع رسول الله .
فكسب المال ـ إخوة الإيمان ـ ليس غاية، والمسلم لا يشغله في هذه الحياة أن يكسب المال، بل يشغله كيف يكسب المال، لأنه يعلم أن هناك طرقا لكسب المال أباحها الله وطرقا حرمها الله، وإذا لم يهتم بكيفية +ب المال فإنه سيقع فيما حرم الله، وسيُفتن بهذا المال الذي يجمعه، يقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ جْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال:27، 28].
ومن ال+ب الحرام الغش في البيع والشراء والمعاملات لقوله : ((من غشنا فليس منا)) أخرجه ابن مسلم عن أبي هريرة، وكلمة: ((فليس منا)) كلمة عظيمة تنفي أن يكون غاش المسلمين منهم، ولكن الذي يغش الناس لا يتصور هذه الكلمة كما ينبغي.
ومن ال+ب الحرام كذلك بيع السلعة بالحلف الكاذب لقوله : ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم))، وذكر منهم: ((المنفق سلعته بالحلف الكاذب)) أخرجه مسلم عن أبي ذر.
وكذلك التطفيف في الميزان، هذا الأمر الحساس الذي يتهاون فيه معظم الناس، فإذا كانوا بائعين أخسروا، وإذا كانوا مشترين استوفوا، والله سبحانه يقول في كتابه العزيز: وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:1- 3]. ويكفي في خطورة هذا الأمر ـ أيها المسلم ـ أن يتوعدك أصدق الصادقين ورب العالمين بالويل، كل هذه الأمور ـ يا عباد الله ـ من وسائل ال+ب الحرام.
ومن أهم وسائل ال+ب الحرام وأخطرها الرشوة التي انتشرت في كثير من المجتمعات الإسلامية وأصبحت شرا يحيط بالجميع، فاعتادها المعطي والآخذ وكأنها أمر حلال، بل ويسمونها بغير اسمها، وهذا من باب تسمية الأشياء بغير أسمائها كما أخبر بذلك رسول الله كما في صحيح الجامع من حديث أبي مالك الأشعري: ((ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها))، فالخمر مثلا تسمى: مشروبات روحية، والمداهنة يسمونها: مجاملة، والربا: فائدة، إلى غير ذلك، فالرشوة يسمونها: عمولة، حتى تنطلي على كثير من الناس فيعطونها وهم راضون.
والرشوة أمر نهى عنه الشرع وحذر منه أيما تحذير، يقول كما عند ابن ماجه من حديث ابن عمر: ((لعنة الله على الراشي والمرتشي))، فهذه لعنة من الله يعلنها رسول الله على من يقوم بهذا العمل الخسيس، ألا وهو الرشوة؛ لأنه أكل للأموال بالباطل، فهذا المال الذي يأخذه الموظف خارج معاشه من أجل أن يتم معاملة لأحد الناس حرام، بل إن رسول الله حرم الهدية التي يحصل عليها الموظف في عمله وعدَّها ملكا للدولة، عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل النبي رجلا من الأزد يقال له: ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي، فخطب النبي فحمد الله وأثنى عليه وقال: ((أما بعد: فإني أستعمل رجالا منكم على أمور مما ولاني الله، فيأتي أحدكم فيقول: هذا لكم وهذا هدية أهديت لي، فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيهدى له أم لا؟! والذي نفسي بيده، لا يأخذ أحد منه شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرا له رغاء، أو بقرا له خوار، أو شاة تيعر))، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه، ثم قال: ((اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت)) متفق عليه.
والمقصود من الحديث أن هذا الرجل قبل أن يتولى هذا العمل لم يُهد إليه شيء، وبعد أن يترك هذا العمل لن يسأل عنه أحد، فهذا دليل على أن الهدية ليست له ولكنها للمكان الذي هو فيه، إذًا فلا حق له فيها لهذا قال : ((هلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر هل يُهدى إليه أم لا؟!)). وأما في وقتنا هذا الذي ابتعدنا فيه عن ديننا فإن الذي يقبل الهدية فقط أصبح عندنا من الطيبين؛ لأن الرشوة في الأمة الإسلامية أصبحت تُشترط وتُحدد قيمتها وتقبض بدون حياء.
ومن الكسب الحرام الاعتداء في الأرض وادعاء ملكية أرض الغير، وهذه نجدها كثيرا في البادية وفي المناطق الزراعية، فنجدهم يتخاصمون ويتقاتلون من أجل أشبار من التراب، ويأخذ القوي أرض الضعيف بالكذب والاحتيال ظانا بذلك أنه نال م+با كبيرا، يقول : ((من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه خُسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين)) أخرجه البخاري عن ابن عمر.
سيقف كل من الظالم والمظلوم أمام الله سبحانه وتعالى في يوم يحق فيه الحق ويبطل فيه الباطل، بل قد ينال الظالم في كثير من الأحيان جزاءه في الدنيا قبل الآخرة. وهذه امرأة حاولت أن تكذب في ادعاء ملكية أرض زورا وبهتانا، فنالت عاقبة وخيمة لأنها اختارت أحد المبشرين بالجنة خصما لها، ادعت هذه المرأة على الصحابي الجليل سعيد بن زيد أنه أخذ شيئا من أرضها، وشكته عند مروان بن الحكم، فقال سعيد : أنا آخذ شيئا من أرضها بعدما سمعت رسول الله يقول: ((من اقتطع شبرا من أرض طوِّقه يوم القيامة من سبع أرضين))، فقال مروان بن الحكم: لا أسألك بعد هذا بيِّنة، يكفيني منك هذا، فقال سعيد : اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واجعل قبرها في دارها، قال راوي الحديث عروة بن ال+ير: فوالله، لقد عمي بصرها حتى رأيتها امرأة مسنة تلتمس الجدران بيديها، وكانت في هذه الأرض بئر وكانت تمشي في أحد الأيام فسقطت في البئر، وكان ذلك البئر قبرها.
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الله سبحانه أمركم بما أمر به الرسل فقال عز من قائل: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون:51]، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وأجارني وإياكم من خزيه وعذابه الأليم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: معشر المسلمين، قد لا يهتم الإنسان بأمر الكسب الحلال ولا يعطيه كثير اهتمام، والواقع أنه موضوع مهم، إذا أهمله المسلم ارتبكت كل مجريات حياته، وجاءت نتائج سعيه وآماله عكسية في كل الأمور، فال+ب الحرام مهلك للإنسان دنيا وأخرى، يقول فيما أخرجه الترمذي عن أبي برزة: ((لا تزول قدما عبد حتى يُسأل عن أربع))، وذكر منها: ((عن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟))، هذه هي العبرة في المال، وليست العبرة في كثرته وصاحبه لا يدري أهو من حلال أو من حرام.
لهذا اختلف الأمر بيننا وبين سلفنا الصالح؛ فبينما تطلب المرأة في وقتنا الحاضر من زوجها أن يجلب لها كل ما تريد هي وأبناؤها ولا تهتم من أين سيأتيها بما تريد، فإن نساء السلف الصالح كانت الواحدة منهن توصي زوجها عند خروجه وتقول له: "اتق الله، ولا تطعمنا الحرام؛ فإننا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار".
ولعل كثيرا منا يتساءلون دائما: ما لنا ندعو الله سبحانه ولا يُستجاب لنا؟ ألا فلنعلم أن ال+ب الحرام وأكل لقمة الحرام حائل بين العبد ومولاه، وقد بين رسول الله هذا في أحاديثه وذكر: ((الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء ويقول: يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذي بالحرام، فأنى يُستجاب لذلك؟!)) أخرجه مسلم عن أبي هريرة. كيف يستجيب الله لمن كانت هذه حالته؟!
فيا عبد الله، كيف تمد هذه اليد التي امتدت إلى الربا، إلى الرشوة، إلى الاختلاس؟! كيف تمدها وترفعها إلى السماء؟! ترفعها إلى الذي يعلم السر وأخفى، وتقول: يا رب، هل تظن أنك تستطيع أن تخدعه كما خدعت الناس؟! علينا جميعا ـ يا عباد الله ـ أن يكون مطعمنا طيبا حتى يكون باب السماء مفتوحا لدعواتنا، فبئس الكسب +ب الحرام، وبئس البضاعة يقدمها الإنسان عند وقوفه بين يدي الله سبحانه وتعالى.
يقول شقيق بن عبد الله كما في سير أعلام النبلاء: قال لي إبراهيم بن أدهم: يا شقيق، ما نبل من نبل عندنا بالجهاد ولا بالحج، بل كان يعلم ما يدخل بطنه. ويقول وهيب بن الورد كما في حلية الأولياء: "لو قمتَ قيام السارية ـ أي: بين يدي الله ـ ما نفعك حتى تعلم ما يدخل بطنك أحلال أم حرام".
اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تجعل لنا نصيبا في الحرام، وحُل بيننا وبينه حتى نلقاك، اللهم أعز الإسلام والمسلمين...
| |
|