molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الصلاة وأهميتها - عبد العزيز بن الطاهر بن غيث / طرابلس الأحد 11 ديسمبر - 8:21:13 | |
|
الصلاة وأهميتها
عبد العزيز بن الطاهر بن غيث /طرابلس
الخطبة الأولى
وبعد: يقول الله تعالى في كتابه العزيز: إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا [النساء:103]، ويقول سبحانه: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم:59]، ويقول : ((أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله)) أخرجه الطبراني عن أنس.
الصلاة ـ إخوة الإيمان ـ أعظم ركن من أركان الإسلام بعد الشهادتين، ولعل هذه الحقيقة مسلَّمة يعرفها كل مسلم، ورغم هذا فإن هذه الحقيقة المسلَّمة غائبة في الواقع ولا نراها متجلية في حياة المسلمين، ومهما تتابعت من خطب وألقيت من دروس وسُوِّدت من صحف فلا يزال المسلمون يجهلون أهمية الصلاة ولا يقدرون هذه الشعيرة حق قدرها؛ فمن المسلمين من لا يصلي أبدا، وهذا حكمه عند علماء الأمة يتأرجح بين الكفر والفسق، فقد قال : ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فمن تركها فقد كف)) أخرجه النسائي عن بريدة، وقال في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد عن أم أيمن: ((ولا تترك الصلاة متعمدا، فمن ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله ورسوله)).
ومنهم من يصلي صلاة ويسهو عن أخرى أو يجمع بين الصلوات، وهذا أيضا على خطر كبير، يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4، 5]، وتصوَّر شدة هذا الوعيد للساهي فكيف بالتارك للصلاة؟!
ومن المسلمين من يصلي ولكن في البيت، ويترك صلاة الجماعة التي شدد عليها ديننا الحنيف، قال تعالى: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة: 43]، وقال للأعمى الذي جاء يعتذر عن حضور صلاة الجماعة، قال له: ((هل تسمع النداء؟)) فقال: نعم، قال: ((فأجب)) أخرجه مسلم.
هذه هي أحوال كثير من المسلمين مع الصلاة، أما الموفقون فهم الذين يصلون الصلوات الخمس في أوقاتها ومع الجماعة في المسجد، نسأل الله سبحانه أن يجعلنا منهم، وأن يثبتنا على هذا حتى نلقاه.
ولن نكون من هؤلاء الموفقين ـ أيها الإخوة ـ إلا إذا عرفنا أهمية الصلاة، فلا زال كثير من المسلمين يتعامل مع الصلاة على أنها أمر عادي من أمور الدين، يؤديها متى شاء ومتى فرغ من شغله وبأي طريقة، وإذا تعارض وقت الصلاة مع أحد أشغاله أخَّر الصلاة، وإذا تعارض وقت الصلاة مع موعد من مواعيده أخَّر الصلاة وهكذا، فهي ليست الأهم عنده، وهذا من أخطر الأمور، بل إن من الناس من يؤخر الصلاة من أجل اللهو واللعب، ومتى تعوَّد الإنسان على هذا ضاعت منه أكثر الصلوات، وهان قدر الصلاة عنده، بل عوِّد نفسك ـ يا عبد الله ـ على الصلاة ومع الجماعة في الأوقات الخمس آخر ما يمكن أن تضحّي به.
ولتعلَمَ قدر أهمية الصلاة فانظر إلى الشرع كيف جعل أحكاما للصلاة بحيث تُؤدّى على كل الأحوال وفي أي ظرف، ولم يسقطها أبدا عن الإنسان كما فعل مع الصيام وال+اة والحج، فهذه الفروض أحيانا تجب وأحيانا تسقط بحسب قدرة وظروف الإنسان، أما الصلاة فلا إلا في حالتي الحيض والنفاس عند النساء، فقد شُرع التيمم بديلا عن الوضوء حتى لا يترك الإنسان الصلاة في ظروف فقدِ الماء أو المرض، وشرعت صلاة المريض حتى لا يترك الصلاة حال المرض، وشرعت صلاة الخوف فصلّى المسلمون الأوائل والدماء تسيل والرؤوس تتساقط في المعارك، هذا أكبر دليل على أهمية الصلاة، أفَبَعد هذا يترك الإنسان الصلاة أو يؤخرها لشغل أو لفرح أو لحزن؟!
إن الإنسان أحوج ما يكون إلى الصلاة في مثل هذه الظروف، فإن كان مريضا فليصل ليشفى أو ليُختم له بخير، وإن كان فرحا بزفاف أو بغيره فليصل شكرا لله، وليصل حتى يبارك الله له في هذا الفرح، وإن كان في حزن فليصلّ رضا بقضاء الله وطلبا لتفريج الهم، فهل يعقل ـ عباد الله ـ أن نترك أو نؤخر الصلاة التي فرضها الله علينا لأمر عارض يختبرنا الله به؟!
دليل آخر ـ عباد الله ـ وهو من أوضح العلامات على أن الصلاة أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين وأهم مطلوب لله من العباد، ذلكم أن الصلاة هي الركن الوحيد من أركان الإسلام الذي فرض في السماء، أمر الله سبحانه رسوله بها دون واسطة ولا ملك عندما عرج به ، فانظر إلى من تولى بنفسه إعلام الرسول بفرض الصلاة، وانظر إلى المكان الذي اختير لتفرض فيه هذه الشعيرة، تعلم أهميتها ومقدار خسارة وهلاك من فرط فيها.
ومن دلائل أهمية الصلاة أيضا أن رسول الله جعلها الفيصل في الحروب والغزو، فقد كان يأمر أصحابه عند محاربة أعداء الدعوة والواقفين دون إبلاغها أن يتريثوا حتى يدخل وقت صلاة الصبح، فإن سمعوا الأذان توقفوا، وإلا غزوا على بركة الله، روى الشيخان والترمذي عن أنس أن رسول الله كان إذا غزا قوما لم يُغر حتى يصبح، فإن سمع أذانا أمسك، وأن لم يسمع أذانا أغار بعدما يصبح. فهذا من أهم الأدلة وأقواها على أن الصلاة وإقامتها فصل وفرق بين الكفر والإيمان، كما أنه دليل على أهمية الصلاة وأهمية الأذان للصلوات وأهمية إعلان الأذان على الملأ.
ومن أدلة أهمية الصلاة أنها كانت من آخر وصاياه التي شدد عليها قبل وفاته، ومعلوم أن أهم وصايا المرء في عمره هو ما يوصي به قبيل وفاته؛ لأن صلته بالدنيا ستنقطع بعدها، فكيف إذا كان صاحب هذه الوصية هو من أرسل إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا وأمر بتبليغ ما أنزل إليه؟! أخرج أحمد عن أم سلمة قالت: كان من آخر وصية رسول الله : ((الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم))، حتى جعل نبي الله يلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانه، أي: أنه جعل يردد هذه الكلمة: ((الصلاة الصلاة))، وعندما صعب عليه نطقها لشدة ما نزل به من كرب الموت جعل يغرغر بها في صدره حرصا على الأمة ونصحا لها، فهو الموصوف بالرأفة والرحمة بأمته: لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة:128]، فهل يمكن لك ـ أيها المسلم ـ أن تنتسب إلى أمة محمد وأن تدعي حبه وأنت تفرط وتقصر في أهم وآخر وصاياه؟!
لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
لا بد لكل مسلم يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا أن يعمل بتوجيهات هذا النبي وأوامره، فهذا هو دليل الحب، وهذا هو دليل الطاعة، وخاصة وصاياه الأخيرة التي مات وهو يكررها عليه صلوات الله وسلامه حرصا وإشفاقا على أمته مما ينتظرها إن هي ضيعت هذه الأمور، فهل لا يزال المسلم بحاجة إلى سرد أدلة عن أهمية الصلاة في شرعنا المطهر؟!
الأدلة والنصوص كثيرة، ونحن لا نقصد أن نستقصيها في هذه الخطبة، ولكننا اخترنا بعضا منها لنبين ونتبين ماذا تعني الصلاة وماذا تعني هذه الأدلة التي تتكلم عن أهميتها.
فالصلاة الصلاة يا عباد الله، فإنها شعار الإسلام، وخَتمُه الذي يؤكد انتماء المرء لهذه الأمة، فمن ضيع هذا الختم أخلّ بهذا الانتماء، يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : (لا حظّ في الإسلام لمن ترك الصلاة)، فهل يكون عاقلا من يضيع حظه في الإسلام بسبب إعراضه عن ركعات معدودة في اليوم والليلة، لا تستغرق في مجموعها ساعة من يومه؟! هل يكون عاقلا من يجلس للهو واللعب ساعات ويأبى أن يعيش في رحاب الله ساعة؟!
يا عبد الله، إنك إن لم تطع الله الآن، إن لم تصلِّ الآن، إن لم تحافظ على الصلوات في أوقاتها، فإنك ستندم عند حضور الأجل، وستطلب أن تؤخر دقائق لتصلي لله ركعتين، فلا تُعطى لك هذه الدقائق، فلماذا لا تصلي الآن وتحافظ على هذه الصلاة في أوقاتها وأنت في فسحة طويلة قد تدوم شهورا وأعواما؟! عجبا لأمر هذا الإنسان! يضيع السنين والأعوام المديدة في غير طاعة الله، وعند حضور أجله يطلب دقائق ليطيع الله فيها! وهيهات له أن يحصل على ما يريد. لقد خلِقنا لعبادة الله، وكل وقت يضيع منا في غير طاعة الله فهو خسارة، وكل عمل يلهينا عن طاعة الله فهو وبال علينا.
هذه هي الصلاة يا عباد الله، وهذه هي منزلتها، فلا يستخفنكم الشيطان فتعتمدوا على رحمة الله وأنتم مقصرون في أهم شعائر الدين، لا تركنوا إلى الأماني، وحافظوا على صلواتكم في أحرج الظروف؛ لكي تنالوا ثمرتها في أحرج الأيام يوم التغابن، يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار:19].
يذكر الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن الشيخ الإمام أبي عبد الله محمد بن خفيف أنه كان به وجع الخاصرة، فكان إذا أصابه مرض أقعده عن الحركة، فكان إذا نودي بالصلاة يحمل على ظهر رجل، فقيل له: لو خففت على نفسك؟ فقال: إن سمعتم "حي على الصلاة" ولم تروني في الصف فاطلبوني في المقبرة.
نفعني الله وإياكم بما سمعنا، وأعاذني الله وإياكم من سماع بدون عمل، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد: أيها المسلم، إن معرفة أهمية الصلاة ليست من الترف المعرفي، وليست ثقافة نحفظها ونثرثر بها، إن معرفة أهمية الصلاة تقتضي أن نلتزم بهذه الصلاة ونحافظ عليها، يقول سبحانه وتعالى: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، فإن حافظنا عليها وأقمناها كما يريد الله منا فزنا برضوانه وغفرانه، وإلا فوا خيبة المسعى.
إن معرفة أهمية الصلاة تقتضي أن نأمر أزواجنا وأبناءنا بها، فهم أمانة في أعناقنا، يقول سبحانه وتعالى مخاطبا نبيه : وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132]، فمن قصر في حث أهله على الصلاة فقد خان أمانته نحوهم، وعرضهم لعذاب الله وسخطه، وعرضهم لعذاب نار جهنم، والله يأمرنا أن ننقذ أهلنا وأنفسنا من النار، يقول سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، ولكننا نجد الأب اليوم إذا أصيب ابنه في هذه الدنيا بمرض أو إصابة يبكي لأجله ويسعى به إلى كل مكان لإسعافه وتطبيبه، ولا يفطن هذا المسكين إلى أن ابنه تارك للصلاة ومعرَّض لعذاب أشد بكثير مما يلقاه الآن في الدنيا، فأي العذابين أحق بأن يحمي ابنه منه؟! وهل يكون صادقا من يدعي حب ولده وهو يراه يسير نحو الهاوية ولا يحذره؟!
لقد كان الصالحون من سلف الأمة يعرفون قيمة الصلاة ومنزلتها، لهذا كانوا يحرصون على أدائها في أوقاتها ويحزنون أشد الحزن لفواتها، يقول حاتم الأصم: "فاتتني صلاة فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة آلاف نفس؛ لأن مصيبة الدين عند الناس أهون من مصيبة الدنيا".
فانظروا كيف يعزي الصالحون بعضهم البعض عندما تفوتهم صلاة من الصلوات؛ لأنهم علموا أن وجودهم في هذه الحياة محدود، وكل طاعة تضيع عن وقتها لا يمكن أن تعوض أو تعود، فما ضاع من متاع الدنيا قد يعود، أما ما ضاع من الأوقات الفاضلة أو من ثواب العبادات الموقوتة فلا يعود، لهذا كان من دعاء رسول الله كما عند الترمذي من حديث ابن عمر قوله: ((ولا تجعل مصيبتنا في ديننا)).
فاستعيذوا بالله من مصائب الدين؛ لأنها لا تبقي ولا تذر، واحرصوا على أن تكونوا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه...
| |
|