molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الأمة وتوقير كتاب الله - عبد العزيز بن الطاهر بن غيث / طرابلس السبت 10 ديسمبر - 5:10:17 | |
|
الأمة وتوقير كتاب الله
عبد العزيز بن الطاهر بن غيث /طرابلس
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، إن القرآن كتاب الله، الخاتم لما سبق من كتب الله سبحانه، والمحتوي على سعادة البشر في الدنيا والآخرة، قال عنه سبحانه: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ [الواقعة:77-80]. هذا كتاب كرمه الله سبحانه، وجعل فيه الهداية والنور، ما ترك شيئا إلا وذكره فيه، فهو القائل سبحانه: مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ. هذا الكتاب فيه فلاح الأمة ونجاحها، فيه عزّها ونصرها؛ لهذا فإن أعداء الأمة من الكفار لما أرادوا أن يهينوا المسلمين ورأوا أن المسلمين يحبّون هذا الكتاب ويجلّونه توجّهوا إلى هذا الكتاب بالأذية لينالوا من شعور المسلمين، فسمعنا وسمعتم عن وقائع تدنيس كتاب الله وإهانته من قبل هؤلاء المتخلِّفين.
ولقد هبّ المسلمون في كل مكان دفاعا عن كتاب الله وحمية لدين الله، وهذا الهجوم من الكفار على كتاب الله ليس غريبا، فهم يستهدفونه دائما، فيحاولون النيل منه، ويحاولون إبعاده عن حياة المسلمين؛ لأنهم علموا من خلال دراستهم للتاريخ أن المسلمين كلّما تمسكوا بكتاب الله وبقيمه التي تدعو إلى توحيد الخالق وعبادته وحده وتدعو إلى الطهر والعفاف والصدق والأمانة وغيرها من مكارم الأخلاق، كلما تمسكوا بهذا الكتاب وفقوا وانتصروا؛ لهذا جعل أعداء الله هذا الكتاب هدفا لهم ليعبروا عن غيظهم منه، وليزعزعوا من إيمان المسلمين بهذا الكتاب، وكما أسلفنا إن هبّة المسلمين هذه تثلج الصدر وتبين أن الأمة لا زالت بخير ما دامت تدافع وتنافح عن مقدساتها.
ولكن ثمة سؤال يقول: إذا كان الغربيون قد دنّسوا هذا الكتاب فهل حفظناه وصنّاه؟! وإذا كانوا أهانوه فهل أكرمناه؟! وإذا كانوا استهزؤوا به فهل وقرناه؟!
إن الغربيين ـ أيها الإخوة ـ وفي هذه الحوادث الأخيرة التي سمعنا عنها قد اعتدوا على القرآن ماديا ولكننا اعتدينا عليه معنويا، فالغربيون اعتدوا على أوراقه ونحن كرمناه كتابا وأوراقا واعتدينا على تعاليمه فلم نطبقها، لم نأتمر بأمره وننتهِ بنهيه، وحولناه من كتاب أنزل ليكون منهاجا للحياة كلها إلى كتاب يُتبرك به فقط، إن فينا من يضع المصحف المزخرف في أحسن مكان في بيته ويفتخر به ولكنه لا يقرؤه ولا ينظر فيه أبدا ولا يفقه من تعاليمه إلا القليل، وفينا من يعلقه في رقبته بسلسلة ـ كما يفعل النصارى بالصليب ـ ولكنه لا يصلي ويفعل الموبقات، فهل هذا من تكريم كتاب الله؟! وهل هذا من معرفة حقه؟!
يقول تعالى: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30]، هذا رسول الله يشكو إلى الله من أن قومَه هجروا هذا الكتاب، وهذه الآية لا زلنا نقرؤها ونسمعها تتلى، فهلا نظرنا هل نحن واصلون لكتاب الله أم نحن هاجرون له؟! وهل عرفنا ما هو الهجران لكتاب الله أصلا؟!
يقول ابن كثير في تفسيره عن هذه الآية: "يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا، وذلك أن المشركين كانوا لا يصغون للقرآن ولا يستمعونه، كما قال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسمَعُوا لِهَذَا القُرآنِ والْغَوْا فِيهِ الآية، فكانوا إذا تلِي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام حتى لا يسمعوه، فهذا من هجرانه، وترك الإيمان به من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناءٍ أو لهوٍ من هجرانه" انتهى. إذًا فهذا هو هجران كتاب الله، وهذه هي أنواعه التي لا يسلم منها معظم المسلمين إلا من رحم الله.
لقد كان رسول الله مكرما لكتاب الله رافعا له حافظا لمكانته، فقد كان متبعا لما فيه متخلِّقا بهديه، وصفت لنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خلقَه فقالت: كان خلقه القرآن. أخرجه مسلم. ومن تكريمه لكتاب الله أنه جعل الخيرية في تعلم هذا الكتاب وتعليمه، فقال فيما أخرجه الترمذي من حديث علي رضي الله عنه: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)). ومن ذلك أيضا أنه زوج أحد أصحابه امرأة وجعل مهرها ما مع هذا الصحابي من القرآن، فعن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة إلى النبي قال: ((من يتزوجها؟)) فقال رجل: أنا، فقال له النبي : ((أعطها ولو خاتما من حديد))، فقال: ليس معي، قال: ((قد زوجتكها على ما معك من القرآن)) أخرجه ابن ماجه.
هكذا كان تقديره لهذا الكتاب، بل إنه كان متفاعلا مع آيات الكتاب متدبّرا لها، إذا تليت عليه استشعر خشية الله وعظمته، فعن عبد الله بن مسعود قال: قال لي رسول الله وهو على المنبر: ((اقرأ علي))، قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: ((إني أحب أن أسمعه من غيري))، فقرأت سورة النساء، حتى أتيت إلى هذه الآية: فَكَيفَ إِذَا جِئنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَّجِئنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا قال: ((حسبك الآن))، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان. متفق عليه. ولم يكتف بتكريم القرآن، بل حثّ على إكرام حامل القرآن وجعل إكرامه من إجلال الله عز وجل، عن أبي موسى أن رسول الله قال: ((إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحاملِ القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط)) أخرجه أبو داود.
إن هذا القرآن ـ أيها المسلمون ـ ليس له إلاّ أحد موقفين منا لا يرضى بغيرهما، إما أن يكون معنا إن كنا مسترشدين به عاملين بما فيه، وإما أن يكون ضدّنا إن كنا غافلين عنه مخالفين لأوامره ونواهيه، قال : ((الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها)) أخرجه أحمد عن أبي مالك الأشعري، والشاهد قوله: ((والقرآن حجة لك أو عليك))، ويقول أيضا فيما أخرجه الطبراني من حديث ابن مسعود: ((القرآن شافع مشفّع وماحل مصدّق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار)). هكذا هي العلاقة مع هذا الكتاب، إمّا أن تجعله أمامك في هذه الحياة فيكون أمامك يوم الحساب ويأخذ بيدك إلى الجنة، وإما أن تجعله خلفك في هذه الحياة فيكون خلفك يوم الحساب ليدفع بك إلى النار.
لا بد ـ عباد الله ـ أن نصلح العلاقة بهذا الكتاب، لا بد أن نحكمه في حياتنا ونعمل به، لا بد أن نسترشد به ونستأنس به، ولن نعدم في ذلك الأجر الوافر والنعيم الدائم، لا بد أن نكون مخلصين في طلبه وحمله وأن لا نطلب به جاها أو مالا أو متاعا من متاع الدنيا الفانية.
القرآن ـ أيها المسلم ـ يجعلك من أهل الله، فيا لها من منزلة عظيمة فلا تضيّعها، قال : ((إن لله تعالى أهلين من الناس، أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)) أخرجه النسائي عن أنس.
القرآن ـ أيها المسلم ـ يفتح لك بابا من الأجر المضاعف الذي لا يخطر لك على بال، قال : ((من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف)) أخرجه الترمذي عن أنس.
القرآن ـ أيها المسلم ـ يشفع لك عند ربك، فلا تضيعه فتخسر هذه الشفاعة، قال : ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: ربِّ، منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان)) أخرجه أحمد عن ابن عمرو.
القرآن ـ أيها المسلم ـ يطلب من الله أن يزينك ويحليك يوم القيامة، فتحلى بالحلل والتيجان، وتكون منزلتك بقدر ما تحفظ منه، قال : ((يجيء القرآن يوم القيامة فيقول: يا رب حلِّه، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده، فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه، فيرضى عنه فيقول: اقرأ وارق ويزاد بكل آية حسنة)) أخرجه الترمذي عن أبي هريرة، وفي رواية أخرى يقول : ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في دار الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها)) أخرجه أحمد عن ابن عمر.
هذه أفضال ورحمات وخيرات ينالها كل مسلم نهل من معين هذا الكتاب ووقف يرتله في الليل بين يدي العزيز الوهاب، وكابد في سبيل حفظه المتاعب والأوصاب، مخلِصا في ذلك لله، طالبا مرضاته وثوابه.
فاتقوا الله عباد الله، واعرفوا لكتاب ربكم حقه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر:23].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
إخوة الإيمان، القرآن كلام الله أنزله على قلب نبينا ، وأمره بتبيلغه وتلاوته ليهتدي به المهتدون ويزيغ الضالون، قال تعالى: إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
والناس أمام هذا الكتاب فريقان: فريق يزدادون به هدى ويكون لهم شفاءً، وآخرون يكون عليهم عمى ويزدادون خسارا، قال تعالى: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ [فصلت:44]، وقال عز وجل: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا [الإسراء:82]، فالسعيد السعيد من تمسك بهذا الكتاب واهتدى بهديه، فمن فعل ذلك فلن يضل أبدا لأن القرآن يربطه ويصله بمولاه عز وجل، قال : ((أبشروا أبشروا؛ أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟)) قالوا: نعم، قال: ((فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به؛ فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا)).
إن من أهم وأوجب واجبات الأمة أن تعرف لهذا الكتاب قدره، وأن تسارع إلى الصلح معه والرجوع إليه إن كانت تريد العز والتمكين، يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه واصفا كتاب الله عز وجل: (كتاب الله فيه نبأ ما كان قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم) أخرجه الترمذي.
ارجعوا ـ عباد الله ـ إلى كتابكم، وانظروا فيه، وعطروا أفواهكم بتلاوته؛ ينالكم الأجر والثواب، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده)) أخرجه أبو داود. كل من حافظ على تلاوة هذا الكتاب لا بد أن يناله الأجر والثواب حتى الذي يجد صعوبة في التلاوة فله أجره عند الله سبحانه، قال : ((الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرؤه وهو عليه شاقّ له أجران)) أخرجه أحمد عن عائشة.
فاتقوا الله عباد الله، ولا تضيّعوا كل هذا الفضل وهذه البركات التي أحاط الله بها هذا الكتابَ الكريم.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، اللهم إنا عبيدك بنو عبدك بنو إمائك نواصينا بيدك ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك نسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا...
| |
|