molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: معصية شرب الخمر - عبد العزيز بن الطاهر بن غيث / طرابلس السبت 10 ديسمبر - 4:47:07 | |
|
معصية شرب الخمر
عبد العزيز بن الطاهر بن غيث /طرابلس
الخطبة الأولى
وبعد: إخوة الإيمان، نواصل حديثنا عن المعاصي، وحديثنا اليوم عن شرب الخمر، فشرب الخمر معصية عظيمة نهى الله سبحانه عنها وحذر منها وحرمها على المسلمين، فالخمر مذهبة لعقل الإنسان، يستوي الإنسان عند شربها بالبهائم، ويفعل ما لا يمكن أن يفعله حال صحوه قبل شربها، لهذا حرمها الله ورفضتها الفطرة السوية، فالإنسان السوي عندما يرى ما تفعله الخمر بشاربها فإنه ينفر منها حتى ولو لم يعلم تحريمها، يروي ابن كثير كما في البداية والنهاية أن عاصم المنقري ـ وهو من سادات العرب في الجاهلية ـ حرم على نفسه الخمر قبل الإسلام، وذلك لأنه سكر يوما فهجم على ذات محرم منه فهربت منه، فلما أصبح قيل له في ذلك فحرم على نفسه الخمر وقال:
رأيت الخمر منقصة وفيها مقابح تفضح الرجل الكريما
فلا والله أشربـها حيـاتي ولا أشفـي بها أبدا سقيـما
فالخمر إذا منقصة، يدرك هذا كل ذي فطرة سوية، وقد سميت خمرا لأنها تخامر العقل وتحجبه، فهي ساترة للعقل الذي هو ميزة الإنسان، لهذا فإنه يدخل تحت مسمى الخمر كل ما استحدث من مسكرات ومخدرات، أورد القرطبي في أحكام القرآن ما مختصره: "إن للخمر ثلاثة معان: الأول: الستر والتغطية لأنها تخمر العقل وتغطيه، والثاني: أنها سميت خمرا لأنها تركت حتى اختمرت وأدركت كما يقال: اختمر العجين، أما المعنى الثالث: فأنها سميت خمرا من المخامرة أي: المخالطة لأنها تخالط العقل، والمعاني الثلاثة صحيحة. فالخمر تركت حتى اختمرت ثم خالطت العقل ثم خمرته أي: غطته".
وقد جاء الإسلام فحرم هذا الشراب المذهب للعقل؛ لأن الإسلام جاء ليكرم الإنسان وليحفظ المجتمعات من الآثار السيئة لكثير من المعاصي والجرائم، يقول الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ [المائدة:90، 91]، قال القرطبي: "قوله: فَاجْتَنِبُوهُ يقتضي الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع معه بشيء بوجه من الوجوه، لا بشرب ولا ببيع ولا تخليل ولا مداواة ولا غير ذلك".
هكذا ـ معشر المسلمين ـ سد القرآن منافذ الخمر وحرم استعمالاتها حتى يحسم هذا الأمر، وحتى لا يحوم حول الخمر مسلم، وكذلك فعل رسول الله حيث بين أن أي تعاط أو اكتساب أو استفادة من الخمر محرم، يقول فيما أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس: ((أتاني جبريل فقال: يا محمد، إن الله عز وجل لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها وساقيها ومسقيها))، هكذا يحسم إسلامنا السمح الحنيف الأمر حسما جازما، ويرفع العذر عن أي مسلم يقع فريسة في يد هذه الآفة الخطيرة حين يحرم عليه كل الطرق التي تقربه من هذه المادة المحرمة.
وللخمر كثير من الآثار النفسية والجسدية السيئة كالأمراض وغيرها، وآثار اجتماعية أيضا كالتفكك الأسري وحالات الطلاق وضياع الأبناء، هذا غير الآثار السيئة الكبيرة على المستوى العام، ولا نريد أن نحول هذه الخطبة إلى أرقام وإحصائيات، ولكن يكفي أن نذكر أن خسائر العالم جراء الخمر تبلغ حسب منظمة الصحة العالمية 166 بليون دولار سنويا، وأن ثلث أسرَّة المستشفيات في الدول الصناعية يشغلها مرضى الخمر. إذا عرفنا هذا ـ إخوة الإيمان ـ علمنا شيئا من حكمة الباري عز وجل في تحريم تناول هذه المادة الخبيثة، وعلمنا مدى خسارة المجتمعات التي لم تهتد بنور الله عز وجل.
وقد حذرنا ديننا الحنيف أيما تحذير من الخمر، بل لقد سماها رسول الله بأسماء سيئة زيادة في التنفير منها، فسماها: أم الخبائث وهي أم الخبائث حقا، وقال عنها أنها مفتاح كل شر؛ وذلك لأن شاربها يفقد وعيه ورشده فيرتكب أي معصية إذا شربها، فهي تجر إلى السب والشتم، وتجر إلى السرقة، وتجر إلى الزنا والقتل، يقول : ((لا تشربوا الخمر فإنها مفتاح كل شر)) أخرجه ابن ماجة عن أبي الدرداء، ويقول أيضا فيما أخرجه أحمد والترمذي من حديث ابن عمر: ((من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب لم يتب الله عليه وسقاه من نهر الخبال))، هل بعد هذا التحذير تحذير؟! وهل بعد هذا النكير نكير؟! فكيف يسمح مسلم بعد هذا أن يجعل من بطنه مكانا لهذه المادة الخبيثة، ومن فمه ممرا لهذا الشراب المنتن؟!
لقد سمع أصحاب رسول الله نهي الله سبحانه عن الخمر وهي في أيديهم وعلى شفاههم فأقلعوا عنها وتابوا منها، بل وأهرقوها فورا ولم يسعوا حتى إلى التأكد من التحريم أو الاحتفاظ بها لعلهم يستفيدون منها بشيء، عن أنس قال: ما كان لأهل المدينة شراب حيث حرمت الخمر أعجب إليهم من التمر والبسر؛ فإني لأسقي أصحاب رسول الله وهم عند أبي طلحة مر رجل فقال: إن الخمر قد حرمت، ـ فما قالوا: متى؟ أو حتى ننظر ـ قالوا: يا أنس، أهرقها. أخرجه البخاري في الأدب المفرد بإسناد صحيح.
هكذا يكون الامتثال، وهكذا تكون الفطرة السليمة، بل إن من الصحابة من كان ينتظر تحريم الخمر على أحر من الجمر؛ لأنه كان يعلم أثرها على سلوك الإنسان وعلى صلاته وعبادته، ذلكم هو فاروق الأمة عمر بن الخطاب ، يروي النسائي عن عمر أنه كان يدعو الله: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت الآية التي في البقرة، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [النساء:43]، فكان منادي رسول الله إذا أقام الصلاة نادى: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى، فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في المائدة، فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُون [المائدة:91] قال عمر : انتهينا انتهينا.
هذه الكلمة العظيمة: انتهينا انتهينا، قالها عمر وقالها صحابة رسول الله حينما سمعوا قوله تعالى: فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُون، قالوها صادقين ممتثلين لأمر الله عز وجل، فمتى ـ يا عباد الله ـ نقول هذه الكلمة صادقين؟! متى نقول: انتهينا عن الكذب، انتهينا عن الفسق، انتهينا عن الزنا، انتهينا عن الربا، انتهينا عن الخمر؟! متى نقول: انتهينا انتهينا امتثالا لأمر الله واتباعا لسلف الأمة الصالحين؟!
وشارب الخمر ـ إخوة الإيمان ـ معرض لغضب الله سبحانه فوق ما يصيبه في هذه الدنيا من هموم وغموم وكوارث، فالعجب كل العجب ممن تحكمت فيه الخمر ففقد صوابه، ولم يصده عنها لا آثارها الدنيوية ولا عقوباتها الأخروية، لقد توعد الله سبحانه شارب الخمر ومدمنها بوعيد شديد، من هذا الوعيد حرمانه من الجنة ومن خمر الجنة الذي قال الله عنه: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى [محمد:15]، خمر لذيذ ليس كخمر الدنيا الخبيث، هذا الخمر اللذيذ يجري نهرا في الجنة، وعد الله به المؤمنين الذين يدخلون الجنة، أما من أدمن الخمر في الدنيا ولم يدخل الجنة فهو محروم من هذا، يقول : ((لا يدخل الجنة مدمن خمر)) أخرجه ابن ماجه عن أبي الدرداء، ويقول فيما أخرجه مسلم من حديث ابن عمر: ((كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب لم يشربها في الآخرة)).
ومن هذا الوعيد أن شارب الخمر يلقى الله سبحانه وتعالى كعباد الأوثان والعياذ بالله، فكما كان في الدنيا عبدا لهذا الشراب الخبيث عاكفا عليه حشر يوم القيامة كغيره من عباد الأوثان، يقول : ((من مات وهو مدمن خمر لقي الله وهو كعابد وثن)) أخرجه الطبراني عن ابن عباس.
ومن هذا الوعيد ـ والعياذ بالله ـ أن الله يسقي شارب الخمر من طينة الخبال وهي عرق وعصارة أهل النار، عن جابر أن رسول الله قال: ((كل مسكر حرام، وإن على الله لعهدا لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال عرق أهل النار)) أخرجه مسلم عن جابر، إلى غير ذلك من وعيد توعد الله به من أدمن الخمر أو شربها ولم يتب منها.
فاتقوا الله عباد الله، واحذروا وساوس الشيطان وخطواته، يقول تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 268].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وأجارنا من خزيه وعذابه الأليم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإيمان، لقد حرم الله الخمر على عباده لأنه سبحانه أعلم بما يصلحهم، أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].
ومع أننا مطالبون بالامتثال لأمر الله حتى ولو لم نعرف الحكمة من ذلك، إلا أننا عرفنا بوجه جلي الكثير من آثار الخمر السيئة على الإنسان، فيكفي أنها تتوجه بالأذى إلى مناط التكليف في الإنسان ومناط تكريمه ألا وهو عقله الذي فضله الله به على باقي الخلائق، يقول سبحانه: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء:70]، كرم الله الإنسان بجوهرة العقل، فجاءت الخمر لتعطل عمل هذه الجوهرة وتحرم الإنسان من هذا التكريم الإلهي.
ولعل نظرة عابرة إلى ما أثبته المتخصصون المعاصرون من مساوئ للخمر ترينا شيئا من حكمة الباري عز وجل في تحريمها على عباده، فقد أثبتوا أن الخمر تؤثر في أعلى مكان في مخ الإنسان، وتضر بالكثير من خلاياه، فيكون من آثار ذلك تحلل الشخصية وضعف الإرادة وشرود الذهن إلى غير ذلك من آثار، كما أنها تسبب في الكثير من الأمراض، وتضر بالكثير من أجهزة الإنسان إضافة إلى المخ كالقلب والأوعية الدموية والكبد والكليتين والحلق وغيرها، ولكن الإنسان إذا ابتعد عن هدى الله سبحانه واتبع خطوات الشيطان ارت+ت فطرته وأقدم على ما يضره، وها نحن نرى مآسي الخمر من حوادث سير وجرائم قتل وغير ذلك مما يصيب الناس إذا هم عصوا أوامر الله ورسوله ، ولا زال الكثير من شبابنا يحتسي هذا الشراب الخبيث فيدفعه إلى ارتكاب عظائم الأمور، حتى إذا ذهبت سكرته وعادت فكرته وجد نفسه في حال لا تسر صديقا ولا عدوا.
هذا هو أثر الخمر على عقل الإنسان وتفكيره، وهذا هو صنيعها بالإنسان، تنحط به إلى درك يأنف كل عاقل أن ينحدر إليه، وكيف لا يكون هذا أثرها وهي تطرد الإيمان من قلب المؤمن؟! يقول فيما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة: ((ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن))، ويقول أمير المؤمنين عثمان بن عفان : (اجتنبوا الخمر؛ فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبدا إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه).
فلنحذر ـ إخوة الإيمان ـ على أنفسنا وعلى أبنائنا وإخواننا من هذه الآفة الخطيرة التي إذا هجمت فتكت، فكم هدمت من بيوت، وكم خربت من ديار، وكم شردت من أناس.
أسأل الله أن يقيني وإياكم شر كل معصية وفتنة، وأن يجنبنا مواطن الزيغ والزلل، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه...
| |
|