molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: ثواب الصلاة وأجرها - عبد العزيز بن الطاهر بن غيث / طرابلس السبت 10 ديسمبر - 4:44:18 | |
|
ثواب الصلاة وأجرها
عبد العزيز بن الطاهر بن غيث /طرابلس
الخطبة الأولى
وبعد: نختم في هذه الخطبة ـ بإذن الله ـ كلامنا في موضوع الصلاة، على أننا سنعود بين الحين والآخر إلى هذا الموضوع المهم في حياة المسلم، والذي يلازم المسلم بداية من بلوغه سنّ التكليف إلى أن يغادر هذه الدنيا إلى مولاه عز وجل، ونتكلم اليوم عن موضوع ثواب الصلاة وأجرها، فكما تكلمنا في الخطبة الماضية عن عقوبة تارك الصلاة نتناول في هذه الخطبة الثواب والكرامة التي أعدهما الله للمصلي المحافظ على صلواته، حتى يكون في هذا بشرى للمصلين من عباد الله الصالحين وحافز لهم على المداومة والاجتهاد في هذا الأمر الجليل، ودافع للمفرِّطين في الصلاة لأن يلتحقوا بركب المصلين حتى ينالوا من هذا الفضل وهذا التكريم الإلهي.
من ثواب الصلاة وفضلها أنها طهارة للعبد من خطاياه، فهي تمحو هذه الخطايا وتغسلها، يقول : ((أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟)) قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: ((فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا)) أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
فالصلوات الخمس محطات وفرص يومية، منحها الله سبحانه وتعالى لعباده ليطهروا بها أنفسهم من الذنوب والخطايا التي يرتكبونها، وليذكروا أنفسهم بخالقهم وبواجبهم نحو هذا الإله، فكلما سها العبد وأخطأ أتى وقت صلاة من الصلوات ووجد نفسه بين يدي الله سبحانه وتعالي، فيندم ويتوب ويستغفر مما أصاب من ذنوب، فيغفر الله سبحانه وتعالى له، يقول فيما أخرجه مسلم والترمذي من حديث أبي هريرة: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تُغش الكبائر))، ويقول أيضا في الحديث الذي أخرجه الطبراني بسند حسن عن ابن مسعود: ((تحترقون تحترقون، فإذا صليتم الصبح غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون فلا يُكتب عليكم حتى تستيقظوا)).
انظروا إلى هذا الفضل العميم وهذه الرحمات المنشورة التي يرفض الكثير من الناس التعرض إليها والغنيمة منها، وانظروا إلى هذا الرب الكريم الرحيم الذي يغفر لعبده ويطهره من ذنوبه مهما كثرت ما دام العبد محافظا على الصلاة وعالما أن له ربا يغفر الذنوب ويعفو عن السيئات.
ولقد وعد الرحمن عز وجل مقيم الصلاة بأنه لا يخاف ولا يحزن فقال عز من قائل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:277]، كما وعدهم سبحانه بأن لا يضيع أجرهم، بل يحفظه لهم كما حفظوا صلاتهم وحفظوا أوامر الله عز وجل، يقول سبحانه: وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ [الأعراف:170].
ومن ثواب الصلاة وفضلها أنها منجاة للعبد من النار، فمداومة الصلوات والمحافظة عليها تنجي صاحبها من النار التي توعد بها الله سبحانه وتعالى تاركي الصلاة والساهين عنها، وفيه تبرئة لهذا المصلي من النفاق، عن أنس بن مالك أن رسول الله قال: ((من صلى أربعين يوما الصلوات في جماعة لا تفوته تكبيرة الإحرام كتب الله له برائتين: براءة من النفاق وبراءة من النار)) أخرجه الترمذي، كما يقول في الحديث الذي رواه مسلم عن عمارة بن رويبة: ((لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها)) يعني الفجر والعصر.
فالصلاة ـ يا عباد الله ـ فضلها كبير وقدرها عظيم، ولكن الإنسان من طبيعته أنه لا يعرف قيمة الأشياء إلا بعد أن يفقدها، فإذا فقدها أحسّ بقدرها بعد أن حيل بينه وبينها، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله مرّ بقبر فقال: ((من صاحب هذا القبر؟)) فقالوا: فلان، فقال: ((ركعتان أحب إلى هذا من بقية دنياكم)) أخرجه الطبراني والمنذري. ركعتان قد لا تعني عندنا شيئا، لكنها أحب إلى صاحب هذا القبر من بقية دنيا أصحاب رسول الله .
ومن كرامات المحافظ على الصلاة في المساجد وثوابه الذي يلقاه من الله سبحانه جزاء محافظته على الصلاة ومداومته عليها وتعميره لبيوت الله سبحانه أن الله سبحانه وتعالى يظله بظله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله، وأكرم بها من منزلة عالية وتكريم عظيم في ذلك اليوم العصيب الذي تدنو فيه الشمس من رؤوس الخلائق، ويغرق الناس في عرقهم كل حسب عمله، ويصيبهم كرب شديد وعناء كبير، في هذه الظروف تُكرَّم ـ يا عبد الله، يا من ترتاد المساجد وتصلي فيها ويهفو قلبك إليها ـ تكرَّم بكرامة عظيمة بأن يظلك الرحمن بظلّه، فتنجو من هذا الكرب الذي يلقاه الناس ويعانونه، يقول : ((سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله))، وذكر منهم: ((ورجل قلبه معلق بالمساجد)) أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة. فمن بين هؤلاء السبعة رجل قلبه معلق ببيوت الله، محب للصلاة فيها، يشتاق إلى هذه الأماكن الطاهرة، ويجد الراحة والهناء فيها، ما إن يقترب وقت الصلاة حتى تأخذه رجلاه دون أن يشعر إلى بيت الله طالبا للراحة والأمن، وما دامت راحته في بيوت الله سبحانه لا في بيوت شياطين الإنس والجن وأماكن المعصية فإنه حقّ على الله سبحانه أن يظله في ظله يوم تختفي كل الظلال إلا ظل الرحمن عز وجل.
ومن ثواب المحافظ على الصلاة دخول الجنان والتنعم بنعيمها المقيم الدائم، فالله سبحانه وعد أهل الصلاة والمحافظين عليها أن يدخلهم ومن صلح من ذرياتهم وآبائهم وأزواجهم جنات عدن التي أعدها للصالحين من عباده يقول سبحانه: وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:22-24]، ويقول فيما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة: ((من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح)).
فليحتسب كل مسلم خطواته إلى الصلاة، ليحتسب عند الله غدوّه ورواحه إلى المسجد، وليعلم أنه لن يضيع من ذلك شيء، بل إن الله يعده بمنزل في الجنة في كل غدو ورواح، كما وعد سبحانه المصلين بالليل والناس نيام القائمين بين يديه بالأسحار الذين يناجونه في هدأة الليل وحلكة الظلمة ونومة العيون وخفوت الأصوات، وعدهم بغرف أخروية غير غرف الدنيا الفانية، ونعيم غير نعيمها الزائل، يقول فيما أخرجه ابن حبان من حديث أبي مالك الأشعري: ((إن في الجنة غرفا يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام وأفشى السلام وصلى بالليل والناس نيام)).
ومن أعظم ثمرات الصلاة وجوائزها أنها من أهم الأمور التي تؤهل المسلم إلى رؤية الله سبحانه في الآخرة، هذه الرؤية التي يفوق نعيمها كل نعيم في الجنة، يقول في الحديث المتفق عليه والذي رواه جرير بن عبد الله: ((إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا))، وهل نعيم أعظم من نعيم رؤية الباري عز وجل؟! وهل ثواب أكبر من هذا الثواب الجليل؟!
فلنفعل ـ يا عباد الله ـ ما يرشدنا إليه رسول الله حتى نفوز بهذا النعيم المقيم وهذه السعادة التامة، فالصلاة الصلاة يا من ترغب في الجنان، والمسجد المسجد يا من ترغب في الأمان، فهما أقرب رفيقين للمسلم في حياته، وهما أصدق من يشهدان له بالفلاح بين يدي الله سبحانه، فمحروم من لم يحافظ على صلاته وصلته بالله سبحانه، ومحروم من لم يعرف الطريق إلى بيوت الله سبحانه.
فاتقوا الله عباد الله، وعمّروا آخرتكم بالسعي والعمل في دنياكم، يقول سبحانه: وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [هود:114، 115].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وأجارني وإياكم من خزيه وعذابه الأليم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا رب غيره ولا معبود سواه، والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أيها الإخوة الكرام، ثواب الصلاة عند الله عظيم كما ذكرنا، وكرامة المحافظ على الصلاة عند الله كبيرة، وإذا كان ثواب الصلوات بصورة عامة كل هذه الخيرات وكل هذا النعيم فإن لبعض الصلوات من الفضل والبركة ما ليس لغيرها، فلا بد للمسلم أن يحرص عليها حتى ينال ما في هذه الصلوات من فضل وثواب.
ومن أهم هذه الصلوات صلاة الفجر، هذه الصلاة التي جعلها الله امتحانا لكثير من عباده؛ لأنها تأتي في وقت حساس، وقت يكون فيه كل الناس أو معظمهم في نوم عميق، فيصبح الاستيقاظ في هذا الوقت أمرا عسيرا، والتغلب على النفس والشيطان أعسر، وتزداد هذه الصعوبة في أوقات البرد والشتاء، فالقائم من نومه لهذه الصلاة استجابة لأمر الله سبحانه قد حقّق قدرا كبيرا من الصدق مع الله والامتثال لأمره.
هذه الصلاة من أكثر الصلوات التي رتب الله عليها الأجور العظيمة، ولكن المسلمين لا يعطونها حقها، وهذا خطأ فادح لأنها ـ أولا ـ صلاة مفروضة مثل باقي الصلوات التي فرضها الله سبحانه فلا ينبغي التهاون فيها، ولأنها ـ ثانيا ـ تميزت بهذه الميزات والفضائل العظيمة، فكيف يهون على من يريد الجنة أن يفرِّط في هذه الكرامات؟! وكيف لمن يحب الله ورسوله أن ينام عن هذه الصلاة أو يصليها في بيته وهو يسمع دعوات الله ورسوله إلى حضورها والتنعم ببركاتها؟! عن سهل الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)) أخرجه ابن ماجة وابن خزيمة. نعم النور التام فضلا من الله ونعمة، فكما تغلبت ـ يا عبد الله ـ على نفسك وعلى الشيطان ورميت غطائك الدافئ وغادرت فراشك الوثير في هذا البرد لتتوضأ وتخرج من بيتك لا من أجل غنيمة أو مصلحة دنيوية وإنما من أجل طاعة الله سبحانه ورضوانه فلك هذه البشرى العظيمة من رسول الله ، وكما مشيت في الظلام إلى بيت الله سبحانه فإن لك النور التام يوم القيامة من الله سبحانه وتعالى، فهل يزهد في هذا الفضل عاقل؟!
ويقول أيضا عن هذه الصلاة المباركة: ((من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم)) أخرجه مسلم عن جندب البجلي. هذا الحديث يخبرنا فيه أن الذي يصلي الصبح في جماعة هو في ذمة الله، والمعنى عند بعض العلماء أنه في عهد الله وحماه، فمن تعرض لهذا الإنسان بظلم فإن الله خصيمه، ومن كان الله خصيمه هلك.
فحافظوا ـ بارك الله فيكم ـ على صلاتكم، تنالوا العز والثواب الحسن من الله في الدنيا والآخرة.
أسال الله أن يوفقني وإياكم إلى صالح القول والعمل...
| |
|