molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: عقوبة تارك الصلاة - عبد العزيز بن الطاهر بن غيث / طرابلس السبت 10 ديسمبر - 4:43:23 | |
|
عقوبة تارك الصلاة
عبد العزيز بن الطاهر بن غيث /طرابلس
الخطبة الأولى
وبعد: معشر المسلمين، إن من عدل الله سبحانه أن لا يساوي بين المحسن والمسيء وبين المطيع والعاصي، بل اقتضت حكمته سبحانه أن يميز بين فريق الخير وفريق الشر، فهو القائل سبحانه: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم:35، 36]، لهذا وحتى يتجلى العدل في أسمى وأجلى معانيه جعل الله سبحانه للطائع رفعة وثوابا وتكريما يناله في الدنيا والآخرة، وجعل للعاصي عقوبة وعذابا ونكالا يلقاه في الدنيا والآخرة، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49].
نتكلم اليوم عن عقوبة تارك الصلاة في كتاب الله وفي كلام رسوله ، ولا نقصد من كلامنا هذا إرهابا ولا تقنيطا من رحمة الله سبحانه، ولكن إبلاغا للمسلمين وإعذارا إلى الله؛ لأن المسلمين اليوم اتكلوا على رحمة الله وعلى أنهم من أمة محمد ، وظنوا أن هذا الانتساب بدون عمل يكفي للنجاة من عذاب الله، فأصبحوا يرتكبون كل الموبقات وقلوبهم مطمئنة إلى أنهم مرحومون، حتى صار الذي يسب الله في اليوم مرات ومرات يعتبر نفسه من أمة محمد وأن مآله إلى الجنة في نهاية الأمر، وهذا لأن الأمة اتبعت سنن من كان قبلها من اليهود والنصارى في كل ما فعلوه من موبقات وارتكبوه من معاصي واعتقدوه من عقائد، وهذا ما أخبر به رسول الله ، فهو القائل في الحديث الذي أخرجه أحمد عن أبي سعيد الخدري: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لسلكتموه))، فقد قالت اليهود والنصارى: نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة:18]، وقالت اليهود: لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً [البقرة:80]، فأصبح المسلمون يرددون كلاما شبيها بهذا الكلام، ويتكلون على الأماني، ويمنون أنفسهم برحمة الله وفضله وإنعامه رغم أنهم مفرطون في أهم أركان الدين وأهم دعائم العقيدة، لهذا نتكلم عن هذا الأمر في هذه الخطبة ليحذر كل منا، وليبلغ من وراءه من أهل وولد، ولنعلم أن الله لم يخلقنا عبثا، ولم يفرض علينا فريضة الصلاة لنكون مخيَّرين بين فعلها أو تركها، بل إنها أمانة عظيمة، من ضيّعها عرّض نفسه لعقوبة عظيمة، بل إن من ضيّع صلاة منها أو بضع صلوات عمدا أحبط الله عمله والعياذ بالله، يقول فيما أخرجه أبو داود عن أبي الجعد: ((من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه))، ويقول أيضا: ((من ترك صلاة العصر متعمدا حبط عمل)) أخرجه أحمد عن أبي الدرداء.
إن الله كما جعل الصلاة راحة وسكينة وبركة لمؤديها والحريص عليها وقرة عين لنبيه وللصالحين من عباده فإنه جعل تاركها والمفرط فيها في غم وفي تعب وضنك في دنياه وأخراه.
تبدأ عقوبة تارك الصلاة من دنياه؛ فإن حياة المعرض عن الصلاة حياة نكد واضطراب وإن كان من أغنى الناس، يقول سبحانه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة ِأَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:124-126]، ويقول تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ، إلى قوله: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج: 19-24]، فالله سبحانه وتعالى يبين في هذه الآيات أن الناس في حال الخير وفي حال الشر ضائعون، ففي حال الشر جزع وخور وتذمر، وفي حال الخير منع وغفلة وطغيان، فهي حياة لا طمأنينة فيها ولا بركة، ثم استثنى من ذلك المصلين الذين من أهم صفاتهم المحافظة على الصلاة والمداومة عليها، إلى جانب الصفات الحميدة الأخرى المذكورة في الآيات، وهذا أمر طبيعي يا عباد الله؛ لأن البركة والتوفيق وغيرها من أمور الخير والعطايا الإلهية لا تباع في الأسواق، ولا تجلبها الأموال مهما كثرت، وإنما يمنحها الله لمن يشاء من عباده، وتارك الصلاة والمتهاون فيها حباله غير موصولة بالله، فأنَّى له أن يتمتع بهذه العطايا والمنح الإلهية؟!
ومن عقوبات تارك الصلاة أنه يُعذَّب بعد موته في البرزخ، ففي الحديث الذي أخرجه البخاري عن الرؤيا التي رآها رسول الله ، يقول : ((وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر، فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت سبحان الله ما هذان؟))، فقيل له: ((إنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة)). فانظروا إلى هذا العذاب الشديد الذي يلقاه المفرط في الصلاة، وقد ذكر السيوطي رواية لهذا الحديث في صحيح الجامع أن هذا العذاب يُفعل به إلى يوم القيامة.
ومن عقوبات تارك الصلاة يوم القيامة أنه يمنع من السجود عندما يدعى الناس إلى السجود لله سبحانه، يقول تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ [القلم:42]، يسجد الصالحون الذين صلوا لله في هذه الحياة الدنيا، فيحاول تارك الصلاة أن يسجد معهم لعله بهذه السجدة يغطي على جرائمه ومعاصيه ومخازيه في الدنيا، ولكن هيهات، فإن ظهره يصبح قطعة واحدة كاللوح، يرى الناس سجودا وهو لا يستطيع، فالجزاء من جنس العمل، كما رفض السجود بين يدي الله في الدنيا يمنع من السجود بين يديه سبحانه يوم القيامة.
ومن عقوبات تارك الصلاة دخوله النار، يقول سبحانه وتعالى: إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَع الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [المدثر:39-47]، هذا سؤال يوجه إلى أهل النار عن سبب دخولهم إليها، فيكون أول أمر يذكرونه الصلاة، يجيبون بكل يسر: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، لقد عرف أصحاب النار سبب دخولهم إليها، ولكن هذه المعرفة جاءت متأخرة، جاءت بعد أن ألقوا في الهاوية، فما فائدة هذه المعرفة؟!
ومن العذاب الذي يلقاه تارك الصلاة ما ورد في قوله تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم:59]، والغي هو الخسران المبين، كما أنه اسم لواد في جهنم أعاذنا الله منه ومنها، يقول القرطبي في جامع أحكام القرآن: "والأظهر أن الغي اسم للوادي، سمي به لأن الغاوين يصيرون إليه"، وعن كعب قال: "غي واد في جهنم، أبعدها قعرا وأشدها حرا، فيه بئر يسمى البهيم، كلما خبت جهنم فتح الله تعالى تلك البئر تتسعر بها جهنم"، وقال ابن عباس: (الغي واد في جهنم، وإن أودية جهنم لتستعيذ من حره).
هذا هو الغي يا عباد الله، موعد ينتظر تارك الصلاة ومضيعها، فكيف يهنأ عيش من هذا موعده؟! وكيف يغتر بهذه الحياة القصيرة من هذا مصيره؟! وكيف يضحك من هذا مسكنه في الآخرة؟! إنه ـ والله ـ وعيد عظيم وتهديد شديد لمن كان له عقل يعقل أو قلب يفقه.
ومما توعد الله به المتهاون في الصلاة الويل، يقول سبحانه: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4، 5]، والويل معناه المشقة في العذاب، وقيل: إنه واد في جهنم بين جبلين يهوي فيه الهاوي أربعين خريفا، وقيل: إنه واد يجري بفناء جهنم من صديد أهل النار، وقيل غير ذلك.
فاحذر ـ يا عبد الله ـ أن تترك فريضة الصلاة أو تتهاون فيها، فيمسّك هذا العذاب الذي توعد الله به تاركي الصلاة والمفرطين فيها.
ومن عقوبات تارك الصلاة في النار مرافقته للظالمين والمفسدين في الأرض من كل الأمم، ذكر الصلاة يوما فقال: ((من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف)) أخرجه أحمد وابن حبان عن عمرو بن العاص. وكل مسلم يعلم ما توعد الله به هؤلاء المفسدين من عذاب شديد، فهل ترضى ـ يا عبد الله ـ أن يكون هؤلاء الكفرة رفقاءك؟! يقول ابن قيم الجوزية: "تارك الصلاة يحشر مع مثيله في الصد والامتناع، فهو إما أن يشغله ماله أو ملكه أو رياسته ووزارته أو تجارته، فمن شغله ماله فهو مع قارون، ومن شغله ملكه فهو مع فرعون، ومن شغله رياسته ووزارته فهو مع هامان، ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبي بن خلف". أعاذني الله وإياكم من هذا المصير.
فاتقوا الله عباد الله، واحرصوا على هذه الفريضة، ولا تفرّطوا فيها مهما كانت الظروف، فقد سمعتم ما أعد الله للمفرط في هذه الفريضة من عذاب وإهانة، ويكفي تارك الصلاة عقوبة ـ لو تَفكّر ـ أنه بتركه للصلاة محروم من الوقوف بين يدي مولاه، محروم من الدخول عليه ومناجاته، محروم من الانطراح بين يديه وتسليم أمره إليه، فهذه العقوبة تكفي لمن تدبر واعتبر.
أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن يقيمون الصلوات ويحافظون عليها، وأن يجعل الصلاة لي ولكم راحة وقرة عين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الغفور الرحيم، العفو الكريم، الذي يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه.
أيها المسلمون، سردنا فيما مضى من الخطبة عقوبة تارك الصلاة والمفرط فيها، وما أنذره به الله ورسوله من عقوبات، وكما قلنا فإننا لا نفعل هذا إرهابا ولا تقنيطا، فلسنا أوصياء على دين الله، فكلنا عبيد الله، وكلنا خطاء، ولكن فعلناه تذكيرا لأنفسنا ولإخواننا بخطورة هذا الأمر وعظمته.
وهذا التذكير ـ يا عباد الله ـ يستوجب التبليغ، فكل من لديه أخ أو ابن أو قريب تارك للصلاة فليذكره بالله وليأمره بالصلاة إن كان فعلا يحبه، يقول سبحانه موجها الخطاب إلى رسوله الخاتم : وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132]، وها هو العبد الصالح لقمان يأمر ابنه بهذه الفريضة العظيمة فيقول: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [لقمان:17]، فليوص كل منا أهله بالصلاة، وليحضهم على التوبة، فالله يقبل توبة العبد إذا تاب مهما اقترف من ذنوب؛ لأن الذنب من طبيعة البشر، يقول : ((والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم)) أخرجه مسلم عن أبي هريرة. فالخسارة والمصيبة ليست في الذنب، ولكن الخسارة والخطر والهلاك في الإصرار على الذنب وعدم الاستغفار منه، فكلنا نذنب كما قلنا، ولا يسلم من الذنب أحد، يقول في الحديث الذي أخرجه الترمذي عن أنس: ((كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون))، فتب إلى الله يا تارك الصلاة، ارجع إلى الله يا متهاونا في هذا الركن العظيم، ارجع إلى ربك ومولاك، ارجع إلى سيدك ومدبر أمرك، اذكره يذكرك، واشكره يزدك، واسجد له يرفعك، وأعل ذكره يعل ذكرك، وتواضع له يزدك عزا، واعلم أنك بالتكبر عليه لن تضر إلا نفسك، فالعبد لا يصلح إلا أن يكون عبدا، ومن لم يكن عبدا لله فسيكون عبدا لسواه.
أسأل الله سبحانه أن يجعلنا عبادا أوابين منيبين توابين، وأن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وأن يثبت أقدامنا وينصرنا على القوم الكافرين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا...
| |
|