molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: مخاصمة الضعفاء للسادة يوم القيامة - عبد العزيز بن إبراهيم اليحيى / بريدة الجمعة 9 ديسمبر - 6:01:36 | |
|
مخاصمة الضعفاء للسادة يوم القيامة
عبد العزيز بن إبراهيم اليحيى / بريدة
الخطبة الأولى
أما بعد: عباد الله، إن مخاصمة الضعفاء للسادة من الملوك والأمراء وشيوخ العشائر الذين كانوا يتسلطون على العباد ويشد الضعفاء أزرهم ويعينونهم على باطلهم بالنفس والمال يبتغون عندهم العزة، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ، هؤلاء يفضحهم الله يوم القيامة في مخاصمتهم كما في تعالى: وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ.
وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا الطغاة المكذبون وأتباعهم من الضعفاء المستذلين ومعهم الشيطان.
ثم الذين آمنوا بالرسل وعملوا الصالحات برزوا جَمِيعًا مكشوفين، وهم مكشوفون لله دائما، ولكنهم الساعة يعلمون ويحسون أنهم مكشوفون، لا يحجبهم حجاب، ولا يسترهم ساتر، ولا يقيهم واق، برزوا وامتلأت الساحة ورفع الستار، وبدأ الحوار: فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ.
والضعفاء هم الضعفاء الذين تنازلوا عن أخص خصائص الإنسان الكريم على الله، حين تنازلوا عن حريتهم الشخصية في التفكير والاعتقاد والاتجاه، وجعلوا أنفسهم تبعا للمستكبرين والطغاة، ودانوا لغير الله من عبيده، واختاروها على الدينونة لله، والضعف ليس عذرًا بل هو الجريمة، فما يريد الله لأحد أن يكون ضعيفا، وهو يدعو الناس كلهم إلى حماة يعتزون به.
والعزة لله، وما يريد الله لأحد أن ينزل طائعًا عن نصيبه في الحرية التي هي ميزته ومناط تكريمه، أو أن ينزل كارها والقوة المادية كائنة ما كانت لا تملك أن تستبعد إنسانا يريد الحرية ويتمسك بكرامته الآدمية التي كرمه الله بها، فقصارى ما تملكه تلك القوة أن تملك الجسد تؤذيه وتعذبه وتكبله وتحبسه، أما الضمير، أما الروح، أما العقل مع الإيمان فلا يملك أحد حبسها ولا استذلالها إلا أن يسلمها صاحبها للحبس والإذلال.
من ذا الذي يملك أن يجعل أولئك الضعفاء تبعا للمستكبرين في العقيدة وفي التفكير وفي السلوك؟!
من ذا الذي يملك أن يجعل أولئك الضعفاء يدينون لغير الله والله هو خالقهم ورازقهم وكافلهم دون سواه؟!
لا أحد، لا أحد إلا أنفسهم الضعيفة، فهم ضعفاء لا لأنهم أقل قوة مادية من الطغاة، ولا لأنهم أقل جاها أو مالا أو منصبا أو مقاما، كلا، إن هذه كلها أعراض خارجية لا تعد بذاتها ضعفا يلحق صفة الضعف بالضعفاء، إنما هم ضعفاء لأن الضعف في أرواحهم وفي قلوبهم وفي نخوتهم وفي اعتزازهم بأخص خصائص الإنسان.
إن المستضعفين كثرة والطواغيت قلة، فمن ذا الذي يخضع الكثرة للقلة؟! وماذا الذي يخضعها؟! الذي يخضعها ضعف الروح وسقوط الهمة وقلة النخوة والتنازل الداخلي عن الكرامة التي وهبها الله لبني الإنسان.
إن الطغاة لا يملكون أن يستذلوا الجماهير إلا برغبة هذه الجماهير، فهي دائما قادرة على الوقوف لهم لو أرادت. فالإرادة هي التي تنقص هذه القطعان.
إن الذل لا ينشأ إلا عن قابلية للذل في نفوس الأذلاء، وهذه القابلية هي وحدها التي يعتمد عليها الطغاة، والأذلاء هنا على ساحة الآخرة في ضعفهم وتبعيتهم للذين استكبروا يسألونهم: إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ، وقد اتبعناكم فانتهينا إلى هذا المصير الأليم.
أم لعلهم وقد رأوا العذاب يهمون بتأنيب المستكبرين على قيادتهم لهم هذه القيادة وتعريضهم إياهم للعذاب، ويرد الذين استكبروا على ذلك السؤال: قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ
وهو رد يبدو فيه التبرم والضيق: لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ، فعلام تلوموننا ونحن وإياكم في طريق واحد إلى مصير واحد؟!
إننا لم نهتد ونضلكم، ولو هدانا الله لقدناكم إلى الهدى معنا كما قدناكم حين أضلنا إلى الضلال، وهم ينسبون هداهم وضلالهم إلى الله، فيعترفون الساعة بقدرته، وكانوا من قبل ينكرونه وينكرونها ويستطيلون على الضعفاء استطالة من لا يحسب حسابا لقدرة القاهر الجبار.
وإنما يتهربون من تبعة الضلال والإضلال، يرجع الأمر لله. والله لا يأمر بالضلال كما قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ.
ثم هم يؤنبون الضعفاء من طرف خفي، فيعلنون لهم بأن لا جدوى من الجزع كما أنه لا فائدة من الصبر، فقد حق العذاب ولا راد له من صبر أو جزع، وفات الأوان الذي كان الجزع فيه من العذاب يجدي، فيرد الضالين إلى الهدى، وكان الصبر فيه على الشدة يجدي فتدركهم رحمة الله.
لقد انتهى كل شيء، ولم يعد هناك مفر ولا محيص، سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم...
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|