الثورات العربية هل لها علاقة بأشراط الساعة؟ - عبد السلام بن محمد الرويحي

الثورات العربية هل لها علاقة بأشراط الساعة؟

عبد السلام بن محمد الرويحي

1- أحداث العالم العربي. 2- كل شيء بقدر. 3- لا يعلم عواقب الأمور إلا الله. 4- من أشراط الساعة.

الخطبة الأولى

تعم العالم العربي في هذه الأيام حالة من الفوضى والاضطرابات والفتن، لا تكاد تسلم منها بلد أو ينجو منها أو من أثرها أحد، أحداث متقاربة، وفتن متلاحقة، وهرج ومرج، وهول وفزع، خلخلة للأمن، وزعزعة للمجتمعات، وبلبلة وتشتت، وخصام ونزاعات، وحالة عدم استقرار، ولا ندري إلى أين تتجه الأمور، وما هي مآلاتها ونهاياتها ونتائجها. هل ستقف عند حد معين أم ستستمر إلى ما لا نعلم؟ هل هي خير أم هي شر أم فيها خير وفيها شر؟ هل خيرها أكبر أم شرها أكبر؟ كل ذلك لا أحد يستطيع أن يجزم بالإجابة عليه.

ولكن الذي نستطيع أن نجزم به ونحن على يقين منه أن هذه الأمور هي بقدر الله وعلمه، وهو الذي يسيرها سبحانه ويعلم مجراها ومرساها، وهو الذي بيده جل شأنه تصريف الأمور وتقديرها والإحاطة بها، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ. وهو وحده سبحانه القادر على كشف الضر ورفع البلوى، كما هو القادر على بقائه واستمراره، وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام: 17، 18].

فلا أحد يستطيع العلم والإحاطة بما ستنتج عنه هذه الأحداث إلا الله سبحانه وتعالى، وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام: 59].

فوالله، مهما تحذلق المتحذلقون واستنتج المستنتجون أو حلل المحللون أو تشدقوا في كلامهم وتقعروا فيه وزوقوا في الكلمات واستخدموا المصطلحات الصعبة والسهلة، فإنهم لن يعدوا قدرهم، وهو كونهم بشرا ضعفاء، محدودي العلم، محدودي المعرفة، قاصري التفكير، وإن امتلكوا ما امتلكوا من الشهادات والدراسات والخبرات، فهم لا يعلمون الغيب، ولا يملكون القدرة على تسيير الأحداث بما يوافق أهواءهم وتحليلاتهم واستنتاجاتهم.

أيها المؤمنون، إنه مما لا شك فيه أن كثرة الفتن وتتابع الأحداث هو إيذان بنهاية العالم وخراب الدنيا، واقتراب حدوث العلامات الكبرى للساعة، خاصة ونحن نرى ما يصاحب هذه الأحداث والاضطرابات من أحداث كونية أيضا، فهذه أمواج الزلازل والتسونامي الهائلة التي لم تكن من قبل، والتي أزاحت محور الأرض عن موقعة, وهذه التغيرات المناخية وما يتحدث عنه علماء البيئة والفلك والجيولوجيا من تغيرات كونية، كل هذه الأحداث هي مقدمة بين يدي الحوادث الكبرى قبل قيام الساعة, لأن هناك تلازما كبيرا بين الفتن وبين علامات الساعة، وخاصة إذا علمنا أن علامات الساعة الصغرى لم يبق منها إلا شيء يسير، وكثير من علامات الساعة التي لم تحدث لها علاقة بحدوث العلامات الكبرى.

أيها المؤمنون، لعل من المناسب أن نذكر بعض علامات الساعة الصغرى التي ربما لها علاقة بما يحدث اليوم من أحداث وفتن واضطرابات:

فمن هذه العلامات كثرة القتل، فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((سيأتي زمان تكثر فيه القراء، ويقل الفقهاء، ويقبض العلم، ويكثر الهرج)), قالوا: وما الهرج؟ قال: ((القتل بينكم)) رواه الحاكم وصححه، وعنه أن رسول الله قال: ((يتقارب الزمان، وينقص العلم, وتظهر الفتن, ويلقى الشح، ويكثر الهرج))، قيل: يا رسول الله وما الهرج؟ قال: ((القتل القتل)) متفق عليه.

ومن العلامات أن يتحدث عن الناس أو باسم فئام من الناس الرجل التافه السفيه، وكم نسمع في وسائل الإعلام في هذه الأحداث أن يأتي رجل يسمى بالمتحدث الرسمي عن فئة أو ح+ من الأحزاب أو جهة من الجهات، فإذا به يقول السفه ويتحدث بالسوء، فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((إنها ستأتي على الناس سنون خداعة، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة))، قيل: وما الرويضبة؟ قال: ((السفيه يتكلم في أمر العامة)) رواه أحمد والترمذي.

ومن العلامات كثرة الزلازل، فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل)) رواه البخاري.

ومن علامات الساعة وقوع فتنه عظيمة تصيب العرب، فيكثر فيها القتل والهلاك، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ((تكون فتنة تستنظف العرب، قتلاها في النار، اللسان فيها أشد من وقع السيف)) رواه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه. ومعنى ((تستنظف العرب)) أي: تشملهم هلاكا, ((قتلاها في النار)) أي: لقتالهم على الدنيا واتباعهم الشيطان والهوى. ثم قال: ((اللسان فيها أشد من وقع السيف)) أي: وقع اللسان وتشجيعه عن القتال أشد من السيف. ومن يتابع الإعلام اليوم ير مصداق ذلك في تلك التصريحات والتحريضات وإذكاء الفتن والتشجيع عليها باللسان عبر الفضائيات وغيرها من وسائل الإعلام.

ومن علامات الساعة ظهور فتنة الأحلاس وفتنة السراء، وظهور فتنة الدهيماء. واستمعوا جيدا -أيها الإخوة- لهذا الحديث الذي يرويه ابن عمر قال: كنا قعودا عند رسول الله فذكر الفتن، فأكثر في ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس، فقال قائل: يا رسول الله وما فتنة الأحلاس؟ قال: ((هي هرب وحرب، ثم فتنة السراء، دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي، يزعم أنه مني وليس مني، وإنما أوليائي المتقون, ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع, ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحدا في هذه الأمة إلا لطمته، فإذا قيل: انقضت تمادت، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، حتى يصير الناس إلى فسطاطين -أي: قسمين- فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من يومه أو من غده)) رواه أبو داود وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة. والأحلاس: جمع حلس، وهو الكساء الذي فوق ظهر البعير تحت الرحل الخشبي، وهذا ال+اء ملازم للبعير دوما. فهذه الفتنة سوف تلازم الناس ولا تكاد تفارقهم، وهي سوداء مظلمة مثل الحلس.

وعرفها النبي بأنها هرب وحرب، هرب أي: يفر بعضهم من بعض لما بينهم من العداوة والمحاربة والاختلاف، وحرب أي: نهب مال الإنسان وأهله وتركه بلا شيء. وأحداث اليوم في بلاد العرب شبيهة بهذا إلى حد كبير. ثم قال: ((ثم فتنة السراء)) أي: النعماء والرخاء الذي يسر الناس من الصحة والعافية ورغد العيش، فيفتتن بعض الناس ويتمادى في الفسوق والعصيان.

ثم قال : ((ويصطلح الناس على رجل كورك على ضلع))، والورك هو العظم الذي فوق الفخذ، وهو عظم كبير على ضلع، وهو عظم الصدر، وهو عظم صغير ضعيف، والمعنى أن شأن الناس لا يستقر مع هذا الذي بايعوه واصطلحوا عليه؛ لأنه غير خليق بالقيادة والحكم والملك؛ لقلة علمه وضعف رأيه، لا يقوم به نظام ولا استقامة أمور، فتبقى الأمور غير مستقرة.

ثم فتنة الدهيماء أي: الفتنة السوداء العظيمة والطامة العمياء، ((لا تبقي أحدا إلا لطمته)) أي: لا تترك أحدا من الناس إلا أصابته بمحنة أو بلاء، فأثرها يعم كل الناس، ((فإذا قيل: انقضت تمادت)) أي: إذا توهم أن تلك الفتنة انتهت تمادت وزادت، حتى يصبح فيها الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، وينقسم فيها الناس إلى قسمين لا ثالث لهما ويتمايزون فيها تماما، قسم إيمان لا نفاق فيه، وقسم نفاق لا إيمان فيه، ((فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من يومه أو من غده)).

وهذه العلامات لم تظهر بعد، ويخشى أن هذه الأحداث مقدمة لها أعاذنا الله من الفتن.

ومن العلامات ما يسبق خروج الدجال من أحداث، فعن أبي أمامة الباهلي أن النبي قال: ((إن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد، يصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر الله تعالى السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثالثة فتحبس ثلثي مطرها، ويأمر الأرض أن تحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء، فلا يبقى ذات ظل إلا هلكت إلا ما شاء الله)) رواه ابن ماجه.

فهذه علامات من علامات الساعة الصغرى، والتي هي ملازمة لوقوع الأحداث والفتن، وفيها الخطورة والعموم لكل الناس والشمول لكل المجتمعات، فكان لزاما تنبيه الناس لها، وعدم الجهل بها، لأن الناس إذا علموا الشر حذروا منه وابتعدوا عنه، وما سقط كثير من الناس في الفتن والشر إلا لجهلهم خطورتها ولعدم علمهم بما جاء من التحذير منها في كتاب الله وسنة رسوله ، ولو تساءلنا: لماذا أكثر الناس سيتبعون الدجال حين خروجه؟ ذلك لما معه من الفتن والشهوات وسبل الغواية، فمعه جنة ونار ونساء ومغريات يغوي بها الناس، ولأنه يخرج وقد عم الجهل وتناسى الناس ذكره, وغفل الدعاة عن التحذير منه، وقد أخبر رسول الله بأنه لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتى تترك الأئمة ذكره في المنابر؛ ولذلك كان لا بد من العلم بالأحداث والفتن ليكون الحذر من الوقوع فيها، وليحمينا الله من شرها، وقد كان حذيفة بن اليمان يسأل رسول الله عن الشر مخافة أن يدركه.

أعاذنا الله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين...

الخطبة الثانية

لم ترد.