molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: اليمين الغموس - عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم الأحد 4 ديسمبر - 4:09:44 | |
|
اليمين الغموس
عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم
الخطبة الأولى
عباد الله، إن اليمين بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شأنُها عَظِيم وخطبها جَسِيم؛ فهي ليست مجردَ كلمةٍ يتلفظ بها المسلم فحسب؛ بل هي عهد وميثاق يقف عنده المسلم، ويلتزِمُه، ولا يَتَعَدَّاه، وقد أمر الله جَلَّ وَعَلاَ بحفظ اليمين في قولِهِ تَعَالَى: وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ [المائدة: 89] أي: بترك الحَلِف؛ كما قال ابن عباس وغيره.
وعلى هذا فينبغي للمسلم أن لا يتسرع في اليمين إلا عند الحاجة الملحة؛ ذلك بأن كثرة الأيمان تَدُلُّ على قلة تعظيم المحلوف به من قِبَلِ الحالف، كما أن كثرة الأيمان سِمَةٌ من سمات الكفار والمنافقين؛ كما قال الله جَلَّ وَعَلاَ: وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَفٍ مَّهِينٍ [القلم: 10]، والحلاَفُ هو كَثِير الحَلِف.
وفي هذه الأزمان -أيها الأحبة- كثر الحلف بالله على كثير من ألسنة الناس، وهذه ظاهرة سوء تنم عن ضَعْفِ الدِّيانَةِ وقِلَّةِ الوَرَعِ عافانا الله وإياكم.
فمن الصور التي يكثر فيها الحلف بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الحلف به جَلَّ وَعَلاَ عند البيع والشراء، وقد قال أهل العلم: إن الحلف عند البيع والشراء مكروه إذا كان البائع والمشتري صادقَين، أما إذا كانا كاذبين فإنه مُحَرَّمٌ تحريمًا شديدًا، يقول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فِيهِ: ((إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ في الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ))، وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي قال: ((الْحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ))؛ فالحلف في البيع يُرَوِّجُ السِّلْعَةَ ويَزِيدُ في ثَمَنِها، ولكنَّ هذه الزيادةَ نقصانٌ، وهذا الترويجَ خسرانٌ؛ إذ إن البركةَ قد نُزِعَت من هذا المال الذي قد صار إليك من قبل هذا الحلف بالله جَلَّ وَعَلاَ، وإذا نزعت البركة من المال فلا خير فيه وإن كَثُر.
وقد ثبت في الصحيحين الوعيدُ الشديد على من استعمل الحلف في بيعه وشرائه؛ فعن أبي هريرة أن النبي قال: ((ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ)) وذكر منهم: ((رَجَلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَتِهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أُعْطِي وَهُوَ كَاذِبٌ)). وثبت في الطبراني وغيره عن سلمان أن النبي قال: ((ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: أُشَيْمِطٌ زَانٍ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ، وَرَجُلٌ جَعَلَ اللَّهَ سِلْعَتَهُ؛ لاَ يَبِيعُ إِلاَ بِيَمِينِهِ، وَلاَ يَشْتَرِي إِلاَ بِيَمِينِهِ)).
فعلى المسلم أن يتقي الله جَلَّ وَعَلاَ، وأن يتحاشا من اليمين في البيع والشراء، فإن اضطر إليها فعليه أن يتحرى الصدق والأمانة، وأن يتقي الله جَلَّ وَعَلاَ فيه، والسلعة أخسُّ مِن أن يُجْعَلَ فيها اليمينُ بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنَفِّقًا لها.
ومن الصور أيضًا التي كثر فيها الحلف عند الناس تلك الأيمان التي تكون عند التقاضي والخصومات في المحاكم؛ فإن الخصم يحلف بالله جَلَّ وَعَلاَ كاذبًا؛ لي+ب القضية ويفوزَ بها دون خَصْمِه، دونَ مُبَالاةٍ بحُرمَةِ اليمين، بل جراءة على الله رب العالمين.
وقد ورد الوعيد الشديد على من فعل ذلك وتجرأ عليه؛ يقول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران: 77]. وقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أن النبي قال: ((مَنْ حَلَفَ عَلَى حَقِّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان))، ثم قرأ رسول الله : إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً إلى آخر الآية. وثبت في صحيح مسلم أنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ قال: ((مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بَيِمِينِهِ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ))، فقال رجل: يا رسول الله، وإن كان شيئًا قليلاً؟! قال: ((وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ)).
واليمين التي يتلفظ بها المسلم كاذبًا ليقتطع بها حق امرئ مسلم هي الْيَمِينُ الْغَمُوسُ التي تَغْمِسُ صاحبها في النار، والتي قرنها النبي بالكبائر العظام في قوله: ((الْكَبَائِرُ: الإشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ))، فسئل عنها فقال: ((الَّذِي يَقْتَطِعُ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ)) يعني: بيمينٍ كاذبة.
فاتقوا الله جَلَّ وَعَلاَ عباد الله وراقبوه، وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ [المائدة: 89]، وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ [البقرة: 224].
الخطبة الثانية
أيها الأحبة في الله، ومن صُوَر الحلف المنهي عنه تلك الأيمان التي يُصدِرُها المسلم ليمتنع بها عن فعل الخير، والتي قد نهى الله جَلَّ وَعَلاَ عنها في قوله جَلَّ وَعَلاَ: وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النور: 22] أي: لا تحلفوا على أن لا تتصدقوا على الفقراء والمساكين، ولا تحلفوا على أن لا تَصِلُوا أقاربَكُم.
وإذا وقع المسلم في هذه اليمين فيُستحب له أن يفعل ما حلف عليه، وأن يكفر عن يمينه؛ لقول الله جَلَّ وَعَلاَ: وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ [البقرة: 224] أي: لا تجعلوا أيمانَكُم مانعةً لكم من فعل البِرِّ والتسابقِ في أبواب الخيرات؛ ولذا ثبت عنه أنه قال: ((وَاللَّهِ، إِنِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَ فَعَلْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي))، وثبت أيضًا عنه أنه قال: ((مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ)).
أما إذا حلف المسلم على أمر مباح فإنه يخير بين الاستمرار على يمينه والامتناع عن المحلوف عنه، وبين أن يأتي المحلوف عنه ويكفر عن يمينه؛ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم: 2]، وتَحلَّتُهَا تكون بالكَفَّارَةِ المذكورة في سورة المائدة في قوله جَلَّ وَعَلاَ: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ [المائدة: 89].
| |
|