molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الديون وتدبير النفقة - عبد الرحيم بن إبراهيم الهاشم الأحد 4 ديسمبر - 3:47:56 | |
|
الديون وتدبير النفقة
عبد الرحيم بن إبراهيم الهاشم
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فأوصيكم ـ أيها المؤمنون ـ بتقوى الله عزّ وجلّ لعلكم تفلحون.
تعلمون أنّ الله عز وجل خلق الخلق وتكفّل بأرزاقهم فقال سبحانه: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6]، وفرق بينهم في أرزاقهم رحمةً بهم عن خِبرة وعلم وحكمة قال الله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا [الإسراء:30]، ومن الحكمة في اختلاف أرزاقهم أن يعبده الأغنياء بالشكر والفقراء بالصبر، ولكي تعمر الأرض، وصدق الله العظيم: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف:32]، فالفقراء يرتزقون من الأغنياء بالعمل عندهم والتصدق عليهم، والأغنياء يرتزقون من الفقراء بقضاء حاجاتهم في البناء والصيانة والخدمة ونحوها، وبهذا تحصل عمارة الأرض وصلاحها.
أيها المؤمنون، إن ضيقَ الرزق على بعض الخلق رحمة من الله تعالى قال الله تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ [الشورى:37]، لأنّ توسعة الرزق على بعض الخلق فساد له ولمجتمعه؛ قال رسول الله فيما يرويه عن ربه عز وجل: ((إن من عبادي من لا يصلح إلا الفقر إذ لو أغنيته لأفسده ذلك))، وفساده إما بتركه العملَ وجلوسه عاطلا وهذا فساد، أو باستعماله المال فيما يضر ببدنه ودينه ومجتمعه، فيضيّق الله تعالى عليه رزقه رحمةً به وبمجتمعه.
ومن ضيِّق عليه رزقه فعليه ثلاثة أمور:
أولاً: أن يحمد الله تعالى ويرضى بقضائه وقدره؛ فإنه عبادة لله تعالى يرتقي بها في درجات الجنة، وقد يكون تضييق رزقه عليه لأجل هذه العبادة.
ثانيًا: أن لا يترك العملَ ويأخذ من صدقات الناس؛ فإنها أوساخ أموالهم، بل يسعى في طلب الرزق بالحلال ولو كان العمل حقيرا. جاء رجل إلى رسول الله يسأله الصدقة، فأمره أن يشتري قدوما ويذهب ويعمل في جلب الحطب وبيعه مدة خمسة عشر يوما، وبعدها جاء ومعه عشرة دراهم، فقال له الرسول : ((هذا خير لك من أن تسأل الناس أعطوك أو منعوك)).
ثالثًا: تدبير النفقة على قدر رزقه، ولا ينظر إلى نفقة الأغنياء ولو كانوا أقاربه؛ فإنّ أبا ذر قال: أوصاني رسول الله أن أنظر إلى من دوني ولا أنظر إلى من فوقي.
عباد الله تعالى، دبّروا نفقاتكم على قدر أرزاقكم؛ فإنها طاعة لربكم ومجلبة لصحتكم وأمنكم وحفظُ نعمكم وسَعة أرزاقكم؛ قال الله تعالى: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق:7]. فهذا أمر من الله تعالى بالإنفاق على قدر الرزق، ووعدٌ منه سبحانه للفقير باليُسر بعد العسر إذا أنفق على قدر رزقه، وهو وعد حق؛ لأن من أنفق على قدر رزقه ولم يستدِن ليجاري الأغنياء فإنه سيستغني؛ لأن تدبيره نفقتَه وعدم استدانته تؤول به إلى غناه ب+به، فينفقه على نفسه وعياله، لا لسداد دينه فيبقى معسِرا.
ولا تسرفوا في نفقاتكم ولا تبخلوا؛ فإن الله تعالى وصف عباده المؤمنين بقوله: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67]، وبين سبحانه نتيجة التبذير والإسراف فقال: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا [الإسراء:29]، فمن كان بخيلا لامه الناس، والبخل تركُ الإنفاق في الواجبات، ومن كان مسرِفا أو مبذّرا تحسّر على نفسه بذهاب أمواله. ، والتبذير الإنفاق فيما لا ينبغي، والإسراف الإنفاقُ فيما ينبغي أكثر مما ينبغي.
اللهم وفقنا للصالحات في الدنيا والآخرة، واكفنا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك.
عباد الله، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد: فأوصيكم ـ أيها المؤمنون ـ بتقوى الله عز وجل، واعلموا أن من العبادة لله تعالى تدبيرَ المعيشة بطلب الرزق الحلال والاقتصاد في الإنفاق وعدم تحمّل الدين فيما يمكن الصبر على تركه، فإن الدين وسيلة إلى الكذب والسّجن و الكدح الذي لا يطاق، وهو همّ بالليل وذلّ في النهار وحِرمان الثواب في القبر؛ قال رسول الله : ((يغفر للشهيد كلّ شيء إلا الدين))، ويقول : ((ذمة المؤمن مرهونة بدينه حتى يقضى عنه))، ولم يكن رسول الله يصلّي على ميتٍ عليه دين، ولذا فمن السنة تعجيل قضاء دين الميت قبل دفنه.
فاحذروا الدين، ولا تُقبِلوا عليه إلا عند الحاجة القصوى، واقصدوا سداده، وبادروا به قبل الموت، ولا تتّكلوا على الورثة في قضائه، فإن الصالح منهم قد يتأخر، وغير الصالح ومن لا يبالي لا يقضي، فأنقِذوا أنفسكم قبل أن تموتوا، ووثقوا ديونكم بكتابتها والإشهاد عليها حتى لا ينكرها الورثة فتأثمون أنتم دونهم.
أيها الإخوة، إنّ منا من يتجاهل حقوقَ الناس، فيتوسّع في الإنفاق في الكماليات وفي السفر للحج أو العمرة أو النزهة ونحوها، ويتصدّق ويهدي ويولم للآخرين، وهذه الأمور لا يحلّ فعلها من دَين أو ممن عليه دين إلا برضا الدائن؛ لأن قضاء الدين واجب، وهذه ليست بواجبة. ومن الناس من يتزوّج أو يتوسّع في أمور الزواج من دين، وهذا خطأ؛ لأن الله تعالى أمر العاجز عن الزواج بالصبر وليس بالاستدانة فقال الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ إلى قوله: وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النساء:25]، وقال تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33]، وقال رسول الله : ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم))، فأمر العاجزَ عن الزواج بالصوم وليس بالدين. فعلى الشباب تجنب مثيرات الشهوة، وعليهم الانشغال بما يعود عليهم بالخير والصبر من مجالسة الصالحين ودروس العلم، وال+ب الحلال وإن قلّ أو ذلّ، وعليهم عدم الإسراف في المأكل والملبس والمركب؛ حتى يستغنوا ويتزوّجوا من سَعة لا مِن ضيق.
عباد الله، أكثروا من الصلاة والسلام على خير خلق الله تعالى؛ فقد أمركم الله سبحانه بذلك فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمّ صلّ وسلّم وبارك عليه وآله وصحبه...
| |
|