molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: مراتب الجهاد - عبد الرحيم الراوي الأحد 4 ديسمبر - 3:45:37 | |
|
مراتب الجهاد
عبد الرحيم الراوي
الخطبة الأولى
أما بعد: قال سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69]، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ [الحج:77، 78]، وعن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري قال: سئل رسول الله عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله : ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)) متفق عليه.
عباد الله، إن الله عز وجل خلق الإنسان في هذه الحياة الدنيا، واقتضت حكمته تعالى في سابق أزله وعلمه أن تكون حياة الناس فيها حياة عبادة وطاعة لله، وأن تكون حياة كدّ وسعي في طلب الرزق والحصول عليه بالعمل الشرعي، وهكذا جعل الله هذه الحياة الدنيا دار إيمان ويقين وعمل، ودار صبر وثبات وجهاد ومقاومة للنفس الأمارة بالسوء والهوى والشيطان، وضدّ كل من أراد أن يمسّ بعزة المسلم وكرامته أو ينال من مقدسات دينه ومقاومات وطنه، قال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8].
نعم، وكانت الحياة الأخرويّة حياة ثواب وجزاء عند الله من جنس العمل، قال سبحانه: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31].
عباد الله، اتقوا الله واعلموا أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، قال : ((رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد))، وإن منازل المجاهدين من أعلى منازل أهل الجنة، لهم الرفعة في الدنيا، فهم الأعلون في الدنيا والآخرة.
نعم معشر المسلمين، فالله أمر عباده أن يتّقوه حق تقاته؛ بأن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر، فحقّ جهاده أيضا أن يجاهد العبد نفسه يسلم قلبه ولسانه وجوارحه لله، فيكون حاله لله وبالله.
الجهاد أربع مراتب: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين وأصحاب المعاصي والمنكرات. وأكمل الخلق عند الله من كمل مراتب الجهاد كلّها، والخلق متفاوتون عند الله في منازلهم كتفاوتهم في مراتب الجهاد؛ ولهذا كان النبيّ أفضل الخلق وأكرمهم وأكملهم؛ لأنه كمل مراتب الجهاد وجاهد في الله حق جهاد حتى أتاه اليقين.
عباد الله، فالمسلم في هذه الحياة بين ثلاثة أعداء، كلهم يحتاج إلى جهاد: النفس والشيطان وأهل المعاصي من الكفار والمنافقين والفساق. وجهاد النفس هو الأساس، وما عداه فَرع منه، وقد سلّط الله على العبد هؤلاء الأعداء الثلاثة ابتلاء وامتحانا، وأمره بجهادهم، وأعطى مددا وسلاحا لمحاربتهم، ولكنه كيف يستعمل هذا السلاح؟
فجهاد النفس يكون بإلزامها بتعليم الهدى من القرآن والسنة والعمل بذلك والدعوة إليه والصبر على الأذى فيه ومنع النفس من شهواتها المحرمة.
وجهاد الشيطان يكون بتكذيب وعدِه وعصيان أمره، فإن الشيطان يعد الأماني ويمنّي الغرور ويعد الفقر ويأمر بالفحشاء وينهى عن التقوى، وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ [إبراهيم:22]، وقال تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:268]، وقال سبحانه: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6].
وأما جهاد العصاة وأصحاب المنكرات فهو على ثلاث مراتب: جهاد باليد إذا قدر على ذلك، فإن عجز انتقل إلى اللسان، فإن عجز جاهد بالقلب بأن يبغضهم بقلبه ويبتعد بقلبه عن مخالطتهم، كما قال النبي : ((من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)).
وأما جهاد المنافقين فيكون باللسان، وذلك برد شبههم ودحض مفترياتهم التي ينشرونها بين المسلمين بقصد التحذير والإرجاف والإفساد؛ لأن المنافقين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، يظهرون الإصلاح ويخفون الإفساد، ويعيشون بين أظهر المسلمين، فشرهم خطير، وأذاهم للمسلمين كثير، المنافقون دائما يحاولون الإفساد وتفريق كلمة المسلمين وزرع العداوة بينهم، وقد أمر الله بجهادهم، وذلك بالحجة والبيان وتحذير المسلمين من شرهم وبيان صفاتهم الخبيثة حتى يعرفهم المسلمون على حقيقتهم فيحذروهم.
وأما جهاد الكفار فيكون بالقلب واللسان والمال والنفس، فيجب على المسلمين أن يجاهدوا الكفار بأموالهم وأنفسهم؛ لأن الله أمر بذلك في آيات كثيرة، ومن عجز عن الجهاد بالمال لم يسقط عنه الجهاد بالبدن، قال سبحانه وتعالى: لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:28]، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51]، قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ [الممتحنة:1، 2].
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|