molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: وصايا نبوية - عبد الرحمن بن علي العسكر السبت 3 ديسمبر - 4:49:30 | |
|
وصايا نبوية
عبد الرحمن بن علي العسكر
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن الوصية ـ أيها الناس ـ أن تتقوا الله في كل أموركم، فإن تقوى الله مفتاح كل خير في الدنيا، وهي الموصلة إلى الجنة في الآخرة، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2، 3]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق:5].
عباد الله، الإنسان في هذه الحياة بلا هدف أشبه بالحيوان، لا يمكن أن يستقيم أمره إلا إذا سار لهدف الخلق وهو إقامة دين الله والسير عليه. ما أجمل أن يعيش الإنسان في هذه الدنيا متقيِّدًا بالكتاب والسنة، يرعوي لأوامرهما، وينتهي عن نواهيهما، إن سمع حقًا استجاب له، وإن رأى باطلاً أعرض عنه، ضاعت عنده المقاييس إلا مقياس الإيمان الذي به يرتفع الشخص وبه يسمو، وبالإخلال به يهوي المرء في ظلمات الانحدار.
عباد الله، إن سنة المصطفى هي المنبع الثري للهدى والنور، هي معين لا ينضب، وحق لا يعطب، وإن وقوف المرء عند حديثٍ من أحاديث المصطفى الخارج من مشكاة النبوة يحمل النفس على أن تعرف أسراره وتستضيء بأنواره، فلا تنفك نفس المؤمن تأخذ الدروس والعبر من هذا الكلام، ثم هي بعد ذلك وقبله تؤمن بالنبي المصطفى وأن ما جاء به حق، وكأنما قيل الآن. كلامٌ صريح لا فلسفة فيه ولا تمنطق ولا تنطع، لأنه ينطق عن الله سبحانه، كلما أعاد المؤمن النظر في أحاديث محمدٍ عَلم عِلم اليقين أن هذا الدين صالح لكل زمان ومكان، وأن أي عمل لم يكن موافقًا لهدي محمدٍ فلا شك أنه ضلال، ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).
أيها الناس، لخّص الرسول هذا الدين ووصفه وصفًا جامعًا فقال: ((الدين النصيحة)). إن الإنسان لا بد له من نصيحة غيره من الناس، يدلّونه على الخير ويحذّرونه من الشر، وفي حديثٍ آخر لمسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((حق المسلم على المسلم ست))، قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: ((إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فسمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه)) ، لكن إذا كانت النصيحة صادرةً من مشكاة النبوة فما أروعها وأصدقها وأنصعها.
عباد الله، روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: أمرني خليلي بسبع: أمرني بحب المساكين والدنو منهم، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأمرني أن أصل رحمي وإن أدبرت، وأمرني أن لا أسأل أحدًا شيئًا، وأمرني أن أقول بالحق وإن كان مرّا، وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم، وأمرني أن أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنهن من كنزٍ تحت العرش.
ما أجمعها من نصيحة صدرت من خير ناصح ، ويجتمع معها وصية أخرى قالها لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حيث قال: أوصاني رسول الله بعشر كلماتٍ، قال: ((لا تشرك بالله شيئًا وإن قتلت وحرّقت، ولا تعقّنّ والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركنّ صلاةً مكتوبة متعمّدًا فإن من ترك صلاة مكتوبةً متعمدًا فقد برئت منه ذمة الله، ولا تشربن خمرًا فإنه رأس كل خطيئةٍ، وإياك والمعصية فإن بالمعصية حل سخط الله، وإياك والفرار من الزحف وإن هلك الناس، وإن أصاب الناس موتان وأنت فيهم فاثبت، وأنفق على عيالك من طَولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدبًا، وأخفهم في الله)) رواه الإمام أحمد وروى ابن ماجه بعضه.
عباد الله، ما أحوجنا جميعًا أن نعيش حياتنا على وفق هذه النصائح؛ فإنها ما تركت شيئًا إلا ذكرته.
أهم أمر في هذه الدنيا هو توحيد الله وإخلاص العبادة له وحده لا شريك له، ولا يستقيم الإيمان للمؤمن إلا بالصبر على هذا الطريق مما قد يصاب المتمسك به من الأعداء؛ إما من الشيطان أو من شياطين الإنس.
إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن أوقدت له نار ليس لها مثيل، كل ذلك لأنه آمن بالله، وجاء خباب إلى رسول الله وهو متوسد بردةً له في ظل الكعبة فقال: يا رسول الله، ألا تستنصر لنا؟! ألا تدعو لنا؟! فقال: ((كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشقّ باثنتين وما يصده عن دينه، والله ليتمّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)) رواه البخاري. إن بين تضاعيف التاريخ صورًا من محاولاتٍ للصد عن هذا الدين، ولكن ما أجمل وصية الرسول : ((لا تشرك بالله شيئًا وإن قتلت وحرقت)).
أيها الناس، أعظم الواجبات بعد توحيد الله إقامة الصلاة حق الإقامة؛ لأنها عمود الدين، وهي الفارقة بين الرجل والشرك، المتساهل بها محبط لدينه مردٍ لنفسه إلى الهاوية، ولقد صدق رسول الله : ((ولا تتركن صلاةً مكتوبةً متعمدًا؛ فإن من ترك صلاةً مكتوبةً متعمدًا فقد برئت منه ذمة الله)). والصلاة أكبر رابط بين المرء وبين ربه، فلا غرو أن يكون المرء محفوفًا برعاية الله ما دام محافظًا على الصلاة، فأما من تركها فقد نقض العهد، فآن لشياطين الإنس والجن أن تتخطفه.
عباد الله، من يخالط الناس عليه أن يعطي كل صاحب حقّ حقَّه، وأعظم الحقوق حق الوالدين اللذين هما سبب نشوئك ووجودك، وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]. إن حق الوالدين من أعظم ما يجب على الولد، بل لقد بلغ من ذلك أن يتخلى الإنسان عن أهله وماله لأجلهما، يقول : ((لا تعقن والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك)).
لا يعيش المرء بدون علاقات وقراباتٍ، ولقد جاءت الرحم وتعلّقت بالعرش فقالت لله: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال: أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لك. ويقول في وصيته هذه: ((وأمرني أن أصل رحمي وإن أدبرت)).
نعم أيها الناس، ما أكثر الأرحام المقطوعة؛ حين جعل الواصل هدفه ردَّ الصلة، جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، إن لي رحمًا أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، فقال : ((لئن كنت كما تقول فكأنما تسفهم المل، ولا يزال عليك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك)).
إنّ الحياة الدنيا ـ أيها الناس ـ طبقات ودرجات، ومن رفع رأسه أكثر من قدره سقط، ومن طلب ما ليس له لم يدركه وفاته ما له، يقول أبو ذرٍ رضي الله عنه: (وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني، ولا أنظر إلى من هو فوقي). ما تراكمت الديون على الناس إلا حين نظروا إلى من فوقهم وطلبوا ما ليس لهم، وفي الحديث الآخر قال: ((فإن ذلك أجدر أن لا تزدروا نعمة الله)).
وإن من أعظم ما يثبت هذه القاعدة ـ عباد الله ـ الدنو من الضعفاء والمساكين بالعطف والإحسان والشفقة، فإن من عرف ما فيه حال من دونه أوشك أن يوصله الله إلى ما يريد.
أيها الناس، العقل ميزان الأمور، فإذا فقد الإنسان عقله صار خطؤه أكثر من صوابه. ألا وإن الخمر هي المفسدة للعقل والمتلفة له، يقول : ((ولا تشربن خمرًا فإنه رأس كل خطيئةٍ))، إذا تلف عقل المرء فقد ضيع دينه ووقع في المعاصي والموبقات، وما نزل سخط من الله ولا أرسل عقوبةً إلا بسبب هذه المعاصي والذنوب، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].
فاتقوا الله أيها الناس، وتمسكوا بهدي نبيكم؛ تضمن لكم الحياة السليمة من المكدرات في الدنيا والآخرة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله أيها الناس، واعلموا أن هذا الدين لا يقوم إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما لم يتآمر الناس ويتناهوا فيما بينهم فقد آذنوا على أنفسهم بالعقوبة.
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج إلى إيمانٍ يوجِد عند المرء خوفًا من الله يزيل عنده كل خوفٍ، يقول أبو ذرٍ في هذا الحديث: (وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائمٍ).
إن كلمة الحق لا بد من صدورها، فإنها إذا تركت ضاعت حقوق وأهدرت أموال وتجرأ الجهال على الله عز وجل، يقول أبو ذرّ رضي الله عنه: (وأمرني أن أقول بالحق وإن كان مرا). إنّ قول الحق أمر أوّله عند قائله مرارة، وآخره حلاوة وسعادة، ولا يصل إلى النهاية من لم يطأ في طريقه أشواكًا.
عباد الله، أشرف الأعمال أن يعمل الإنسان بيده، يأكل وينفق ويتصدق، وما أكل المرء أفضل من أكله من صنع يده، ولقد كان نبيّ الله داود لا يأكل إلا من عمل يده، ولقد رعى النبي الغنم لقريشٍ على قراريط يأخذها منهم.
إن الحاجة إلى الناس مذلة، ومن طلب من غيره أمرًا صغيرًا فيوشك أن يطلب منه أمرًا كبيرًا، ولقد كان صحابة رسول الله رضي الله عنهم يسقط السوط من أحدهم فينزل من دابته فيأخذه ولا يطلب من أحد شيئًا، كل ذلك امتثالاً لوصية الرسول لهم. يقول أبو ذرٍ: (وأمرني أن لا أسأل أحدًا شيئًا)، ويقول في حديث معاذٍ: ((وأنفق على عيالك من طولك)) أي: من +بك وعمل يدك.
عباد الله، الأبناء زينة الدنيا، ويبقى ذكر المرء ما بقي له أبناء، يحملون خيرًا ويورثون خيرًا، وينشؤون بين الناس على الخير، ولا يكونون كذلك ما لم يجدوا أبًا مربيًا وأمًّا ناصحة، يقول معاذ في حديثه: ((ولا ترفع عن عيالك عصاك أدبًا))، وتأمّلوا قوله في آخر الحديث: ((وأخفهم في الله)). إن التربية مهما سمت وعلت وما لم تكن مربوطةً بالخوف من الله واستشعار عظمته وحقه فإنها على شفا جرفٍ هارٍ.
أيها الناس، إن هذه الوصايا التي صدرت من محمدٍ لا بد أن يعلم المرء معها أنه ما من شيءٍ في هذه الدنيا إلا وهو تحت مشيئة الله وقدرته وأنه لا قدرة للمرء على شيءٍ ما لم يقدره الله عليه، ولهذا ختم نصيحته لما ذكره أبو ذرٍ رضي الله عنه: (وأمرني أن أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنهن من كنزٍ تحت العرش). إن ارتباط المؤمن دائمًا بربه بذكره وحمده وثنائه يوجد عنده الصبر على ما أصابه وعدم الحزن على ما فاته.
اللهم صل على معلّم الناس الخير والناصح لهم نبينا محمد...
| |
|