molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: أهمية التوحيد وخطورة الشرك - عبد الرحمن بن علي العسكر السبت 3 ديسمبر - 4:45:42 | |
|
أهمية التوحيد وخطورة الشرك
عبد الرحمن بن علي العسكر
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى.
عباد الله، أوجب الواجبات على العبد معرفة توحيد الله عز وجل ومعرفة ما يضاده من الشرك، ذاك أن التوحيد هو القاعدة والأصل والأساس لدين الإسلام الذي لا يقبل الله عملاً إلا به، ويغفر لمن أتى به إن شاء، ولا يغفر لمن ناقض التوحيد، إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].
ولهذا لما اشتملت كلمة الإخلاص على إقرار التوحيد ونفي الشرك كانت أفضل الكلام وأعظمه، وأعظم آية في القرآن آية الكرسي: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255]، ويقول الرسول : ((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)) رواه أبو داود والحاكم وصححه.
لا يستقيم توحيد عبدٍ إلا بمعرفة الشرك ثم الحذر منه، وهذا القرآن كله آمر بالتوحيد ومحذر من الشرك، قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108]. معرفة التوحيد والتمسك به ومعرفة الشرك والحذر منه مصلحتها راجعة إلى العبد لا إلى غيره، هو المنتفع بالتوحيد كما أنه المتضرر بالشرك، إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ [إبراهيم:8]، إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [الزمر:7].
لا نجاة ـ أيها الناس ـ ولا فوز إلا بالتمسك بسبيل الله تعالى، وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153].
عباد الله، لم يأت نبي من الأنبياء إلا وأمر قومه بإخلاص التوحيد لله ونهاهم عن أن يشركوا معه غيره، وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، ولقد كتب الله على من خالف هذا النهج وأشرك معه غيره أن كانت عقوبته أفظع عقوبةٍ وأعظمها، إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72].
عباد الله، إمام الحنفاء إبراهيم عليه السلام الذي قال الله عنه: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل:120] خاف الشرك على نفسه وعلى ذريته، فسأل ربه فقال: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ [إبراهيم:35]. أعظم الناس منزلة وأعلاهم درجة عند الله هم أنبياء الله ورسله؛ ولهذا اختارهم لحمل أفضل أمر في هذا الكون وهو الدعوة إلى الله، غير أن أعمالهم لا تنفعهم شيئًا إذا أخلّوا بجناب التوحيد، وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65].
أيها الناس، أرأيتم هذه السماوات كيف عظمتها، كيف قامت بدون عمدٍ، أرأيتم هذه الأرض كيف استوت بهذه الأوتاد، أرأيتم هذه الجبال وعلوها وعظمتها، ما مالت ولا سقطت منذ أن خلقها الله، كل هذه الثلاثة ـ عباد الله ـ يختلّ نظامها وتهتز أركانها ويفسد أمرها إذا وقع في الأرض أمر يخالف فطرةَ الله، أَمْ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنْ الأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا [الأنبياء:21، 22]. واقرؤوا ـ عباد الله ـ قول الله سبحانه وتأملوه: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا [مريم:90]، أمور فظيعة تقع، ما سببها؟ أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا [مريم:91، 92]، حين وُصِف الله عز وجل بالعجز والحاجة والنقص، فوصِف بالولد، وهل يحتاج إلى الولد إلا الضعيف؟! لما قيل ذلك تغيّر مجرى الكون.
لهذا اقتضت حكمة الله أن الأرض لا تخلو أبدًا من موحّدٍ إلى أن تقوم الساعة، ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي وعد الله))، فإذا خلت الأرض من موحدين آن للوضع حينئذٍ أن يتغير وللساعة أن تقوم، يقول الرسول : ((لا تقوم الساعة وفي الأرض من يقول: الله الله)).
عباد الله، لما كان الأمر بهذا الصورة جاء الإسلام مانعًا من كل ما يكون سببًا للإشراك بالله، لا نتوكل إلا على الله، لا نذبح إلا له، لا ننذر إلا له، لا ندعو إلا إياه، لا نطلب العون إلا منه، من حلف بغير الله فقد أشرك، ولذا لما سمع الرسول رجلاً يحلف بأبيه قال : ((إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت)) أخرجاه في الصحيحين، وروى الترمذي وأبو داود والحاكم وصححه: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)).
عباد الله، ما من أحد إلا وهو عرضة للمرض والسقم، فأمِرنا بالتداوي، ولكن نهينا عن تعاطي الأسباب المحرمة. لما رأى رسول الله على يد رجل حلقة من صفر قال له: ((ما هذا؟)) قال: من الواهنة ـ نوع من المرض ـ، قال: ((انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنًا، إنك لو متّ وهي عليك ما أفلحتَ أبدًا)) رواه الإمام أحمد. بل لقد تعدى الأمر ذلك، فلم يبايع الرسول شخصًا ارتكب مثل هذا الذنب، روى الإمام أحمد والحاكم عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله أقبل إليه رهط، فبايع تسعة وأمسك عن واحد، فقالوا: يا رسول الله، بايعتَ تسعة وتركتَ هذا! قال: ((إن عليه تميمة))، فأدخل يده فقطعها، فبايعه ، ثم قال : ((من علق تميمة فقد أشرك))، وفي رواية: ((من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له))، وإلا فأي فائدة تحصل من خيوط تربط أو خرزٍ يجمع أو حلقة توضع في اليد أو الرجل أو حجب أو حروفٍ مقطعة؟! كل ذلك شرك وضلال وفساد في الفطرة والعقول.
عباد الله، جبِل الإنسان على الذهاب إلى أصحاب العلاج والأطباء، غير أن الرسول قال: ((من أتى عرافًا فسأله عن شيء فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين يومًا)) رواه مسلم، وقال صلوات ربي وسلامه عليه: ((من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمدٍ)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
نهينا عن التشاؤم بالأيام والشهور أو التشاؤم من المرضى أو الطيور، في الصحيحين: ((لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر))، وفي مسند الإمام أحمد: ((من رجعته الطيرة عن حاجته فقد أشرك))، وفيه أيضًا: لما ذكرت الطيرة عند رسول الله قال: ((أحسنها الفأل، ولا ترد مسلمًا، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك))، إلى غير ذلك من أمور هي عند بعض الناس صغيرة، ولكنها عند الله كبيرة.
عباد الله، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (يوشك أن ينقض عرى الإسلام عروةً عروةً، إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية)، ويقول حذيفة رضي الله عنه: كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخالفة أن أقع فيه.
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ وأطيعوه، وراقبوه في كل ما تأتون وما تذرون.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إن ربي غفور رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد الله الذي وعد الموحّدين بالجنة، وتوعّد المشركين بالنار، أحمده سبحانه لا إله غيره ولا رب سواه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، حمى جناب التوحيد عن كل ما يخل به ويشينه، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى وراقبوه في السر والعلن.
شر البلية ضلال بعد الهدى، وعمًى بعد البصيرة، وغيّ بعد رشاد، ولقد خلق الله الخلق يميلون بفطرهم إلى التوحيد دين الفطرة، فانحازت الشياطين بفريقٍ منهم وحوّلوهم عن الهدى، وانحرفوا بهم عن مسلك الرشاد، يقول الله سبحانه في الحديث القدسي: ((خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين)).
عباد الله، إن من الباطل الذي زينته الشياطين وأوقعوا فيه ذوي العقول الضعيفة من الإنس الغلوَّ في الصالحين والأولياء في قالب محبتهم والسير على منهاجهم أو التبرك بآثارهم.
إن الشرك ـ عباد الله ـ لا يقع في الأرض جملةً واحدةً، بل يقع شيئًا صغيرًا ثم يكبر، وانظروا إلى قوم نوح، يقول الله عنهم: وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح:23]، في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن هؤلاء المذكورين هم رجال صالحون من قوم نوح، لما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا وسموها بأسمائهم، ففعلوا ولم تعبَد، حتى إذا هلك أولئك ونسِي العلم عبدت).
عباد الله، لقد حذّر النبيّ قبل موتِه من أمورٍ خشية أن تقع في أمته، روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبيّ قال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله)) متفق عليه. لما نزل برسول الله المرض جعل يطرح خميصةً على وجهه ويقول: ((لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك))، بل لقد حذر النبي من الغلو بجميع أنواعه فقال: ((إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)).
فاتقوا الله عباد الله، وأخلصوا له العبادة، واعلموا أن وراءكم جنةً ونارًا، وأن أفضل أعمال أهل الجنة توحيد الله، وأن أشنع أعمال أهل النار الإشراك مع الله غيره، يقول الرسول : ((من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة, ومن لقي الله يشرك به شيئًا دخل النار)) رواه مسلم.
عباد الله، إن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
ثم صلوا على نبي الهدى وإمام الورى ...
| |
|