molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: أمراض القلوب وعلاج ذلك - عبد الرحمن بن علوش مدخلي السبت 3 ديسمبر - 4:39:04 | |
|
أمراض القلوب وعلاج ذلك
عبد الرحمن بن علوش مدخلي
الخطبة الأولى
أما بعد: أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلن، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71].
أيها المؤمنون، بينما كان الصحابة رضي الله عنهم ذات يوم في المسجد والنبي بين ظهرانيهم إذ به يفاجئهم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بخبر تشرئبّ له النفوس المؤمنة وتحبّ أن تتنافس إليه لتصلَ إلى تلك المنزلة، يقول النبي : ((يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة))، فالتفتت الأبصار كلّها إلى باب المسجد لتنظر من الداخل، فإذا به أحد الأنصار تنطِف لحيته ماء من آثار الوضوء، ممسك نعليه بيده، حتى جلس مع الصحابة رضي الله عنهم، وفي اليوم الثاني يقول النبي : ((يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة))، يقول أنس رضي الله عنه راوي الحديث: فدخل نفس الصحابي الذي دخل اليوم السابق، وفي الثالث يقول النبي : ((يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة)). فيا سبحان الله! إذا به نفس الصحابي الذي دخل في اليومين السابقين، فما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه إلا أن أخذه التنافس والرغبة في الجنة، فتبع ذلك الأنصاري وقال له: يا عماه، إني لاحيتُ أبي، وإني أريد أن أذهبَ معك إلى بيتك، قال: حبًّا وكرامة، ولم يكن قصد عبد الله بن عمرو إلا النظر إلى عمل ذلك الرجل، قال: فكنت أرمقه وأنظر إلى عمله، فلم أره يعمل كثير عمل، ليس هناك عمل كثير يعمله غير أنه كان إذا تعارّ من الليل أي: تقلَّب في فراشه؛ مما يدلنا ـ يا عباد الله ـ حرص الصحابة على التنافس على الخير، عبد الله بن عمرو بن العاص غلام يافع لم يصل عمره أربعة عشر عاما، يبيت الليل كلّه ساهرا يراقب هذا الصحابي ماذا يعمل ليعمل مثل عمله فيفوز بالجنة، قال: والله، ما رأيته إلا أن يصلي العشاء الآخرة ثم يعود إلى بيته فينام، وأنا أرمقه طيلة الليل ثلاثة أيام تباعا، يراقبه عبد الله بن عمرو لينظر إلى عمله، قال: غير أنه كان إذا تعارّ من الليل أي: تقلب في فراشه ذكر الله تعالى، ثم يصلي الفجر، قال: فلما رأيت ما رأيت قلت: يا عماه، إنه لم يكن بيني وبين أبي من بأس، ولكني سمعت النبي يقول ثلاثة أيام تباعا: ((يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة)) فتدخل أنت، فأحببت أن أنظر إلى عملك فأقتدي بك، قال: يا ابن أخي، هو والله ما رأيتَ، هذا هو عملي، فلما ولى عبد الله بن عمرو ناداه قال: تعالَ، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه، قال عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق. رواه أحمد والبزار وقال البيهقي: "رجال أحمد رجال ا لصحيح".
إنه صفاء القلب يا عباد الله، إنها سلامة الصدر، إنه صحة القلب عندما يكون القلب صحيحًا من الأمراض والحسد والذنوب والمعاصي، ويكون مقبلا على الله سبحانه وتعالى، يصل المسلم إلى تلك المنزلة العالية التي شهد له بها النبي ثلاثة أيام، إنه القلب ملك الأعضاء ـ يا عباد الله ـ الذي هو المتصرّف والقائد الذي يبيّن النبي أنه هو الأساس للصلاح والفساد: ((وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) رواه البخاري، بل إن القلب ـ يا عباد الله ـ مناط التكليف الإلهي، ((إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم)) أخرجه مسلم، فالقلب ـ يا عباد الله ـ هو الملك، وهو المتصرف بالجسد، وهو الذي يسير الإنسان، وهو الذي يكون عليه التبعة والمسؤولية، وهو الأمر الذي ينبغي أن يهتمّ به الإنسان؛ ولهذا نجد الحديث الصحيح المروي في صحيح مسلم الذي يرويه لنا حذيفة رضي الله عنه يبيّن لنا أهمية القلب فيقول رضي الله عنه: سمعت النبي يقول: ((تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا، فأيما قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأيما قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير القلوب على قلبين: أسود مربادًا كالكوز مجخيًا، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه))، هذا الذي قبِل الفتن قبِل الذنوب قبِل المعاصي، فأصبح أسود مربادًا منكوسًا لا يفرق بين خير أو شر، والآخر الذي أنكر الذنوب الذي أنكر الفتن الذي أنكر الشهوات والشبهات الذي أقبل على الله تعالى: ((والآخر أبيض مثل الصفا، لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض)) رواه مسلم.
إنه القلب ـ يا عباد الله ـ إنه القلب الذي يجهل كثير من المسلمين أمراضه، ولا يلاحظون هذه القضية المهمة في الوقت الذي تجدهم يبحثون ويسافرون ويستشيرون في البحث عن أمراض القلب العضوية وأمراض الجسد العضوية، ولا يبحثون عن الأمراض النفسية، عن الأمراض المعنوية، عن الأمراض التي ربما تكون سببًا في شقائهم يوم القيامة لا قدر الله.
إن العبد المسلم الحريص على مستقبله وعلى خيره وعلى سعادته هو الذي يبحث أمراض القلوب النفسية والإيمانية أكثر من العضوية، لماذا؟ لماذا يا عباد الله؟ لأن الأثر المترتب على فساد القلب العضوي ـ لا قدر الله ـ هو فساد الدنيا فحسب، أن تنتهي حياة الإنسان في هذه الدنيا، بينما إذا فسد قلبه من الصلة بالله تعالى فإن حياته الدنيا والآخرة ستفسد، تفسد دنياه وآخرته ـ يا عباد الله ـ التي هي الحياة الحقيقية، حياة الآخرة هي الحياة الحقيقية.
والقلوب ـ يا عباد الله ـ تنقسم إلى ثلاثة أقسام، لينظر كل واحد منا من أي الأقسام قلبه: قلب سليم وهو الذي يقبله الله تعالى يوم القيامة، وهو الذي ينجو صاحبه يوم القيامة، يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء: 88، 89]، سليم من الشبهات، سليم من الشهوات، سليم من البعد عن الله سبحانه وتعالى، وقلب ميت وهو قلب الكافر والمنافق الذي لا يفرق بين الخير والشر، ولا بين الحسن والقبيح، الذي يقوده هواه، الذي تكون الدنيا أكبر همّه ومبلغ علمه، الذي يعبد الشيطان والعياذ بالله تعالى، والقلب الثالث وهو القلب المريض الذي فيه خير وشرّ، وفيه حسن وقبيح، فمرّة يقبل على الله، ومرّة يقع في المعصية، فلأيهما كان الغلبة كان.
يا عباد الله، لنعلم هذه القضية المهمة، ولنعرض أنفسنا على العلاجات الإيمانية التي تصلح قلوبنا، فصفاء القلب ـ يا عباد الله ـ وصفات القلب الحي السليم بعدّة أمور، يراجع كل منا هذه الصفات ليعلم هل قلبه سليم، هل قلبه كما أراد الله سبحانه وتعالى.
من ذلك كثرة الذكر؛ فإن صاحب القلب السليم يكثر الذكر لله سبحانه وتعالى دائمًا وأبدًا، ويجد لذته وأنسه في ذكر الله سبحانه وتعالى، ولا ينفك أبدًا عن الذكر؛ لأنه يعلم أن ذكر الله تعالى حياته، وأن الصفاء كل الصفاء في ذكر الله والإقبال على القرآن الكريم وعلى مواطن العبادة.
ومن ذلك ـ يا عباد الله ـ أن صاحب القلب السليم يؤدّب نفسه إذا وقع في معصية أو بعُد عن الله سبحانه وتعالى، ويحس بالحسرة والندم أنه عصى ربه عز وجل، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (المؤمن يرى ذنبه كأنه جالس في أصل جبل يوشك أن يقع عليه، والمنافق يرى ذنبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا) رواه الترمذي مرفوعًا وموقوفًا وصححه الألباني. إذًا المؤمن يتألم بالمعصية إذا وقع فيها، إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201]، فالمؤمن إذا وقع في المعصية أقبل على ربّه وتاب وأناب، وأنَّب نفسه وعاد إلى خالقه عز وجل.
ومن ذلك أنه يجد لذّته في العبادة ويحنّ إليها، ولهذا كان النبي يقول: ((أرحنا بالصلاة يا بلال)) رواه أبو داود وصححه الألباني، ويقول : ((وجعلت قرة عيني في الصلاة)) رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني. فالعبد صاحب القلب السليم يحنّ إلى العبادة، إذا غاب فترة عن العمرة أقبل وذهب واعتمر، إذا حنَّ إلى الصيام تنفّل، إذا غاب قليلاً عن القرآن أحسّ بالظلمة فأقبل على كتاب الله، إذا غاب عن النوافل عن الصدقة عن الذكر عن جلسات الذكر عن الجلسات الإيمانية أحسّ بتلك الظلمة وحنّ إلى العبادة وأقبل إليها. بينما المنافق ـ يا عباد الله ـ يجد في العبادة وحشة، وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء:142]. ورد في الأثر أن المؤمن في المسجد كالسمكة في الماء، والمنافق في المسجد كالطائر في القفص، يرى أنه محبوس يتمنى أن يخرج من هذا القفص، بينما صاحب القلب السليم يجد أنسه وراحته في العبادة والذكر. فليلاحظ كل منا نفسه يا عباد الله.
من ذلك أنه إذا فاته ورده من العبادة تحسر وندم، لو فاتته صلاة الفجر مثلاً ندم، لو فاته الوتر تحسر، لو فاته صيام النافلة تحسر، لو فاته ورده من القرآن الكريم تحسر وندم وأحس بالضيق والكرب. فهذه من علامات صحة القلوب يا عباد الله.
من ذلك أنه يحن إلى كلام الله ويجد أنسه وراحته في تلاوة القرآن الكريم، يقول عثمان رضي الله عنه: (والله، لو صفت قلوبنا ما شبعت من كلام ربنا)، فليراجع كل منا نفسه يا عباد الله.
وأما علامات مرض القلوب فهي بالع+، فمن ذلك أنه لا تؤلمه جراحات المعاصي، لا تؤلمه الذنوب، بل يجاهر بالذنوب ويفتخر، فإذا جلس مع أصحابه قال: فعلت كذا وكذا وصنعت كذا وكذا، وهذا هو القلب الميت، وما لجرح بميت إيلام، ((وكل أمتي معافى إلا المجاهرين، يذنب الإنسان الذنب فيستره ربّه عز وجل فيصبح يجاهر يقول: فعلت كذا وكذا)) متفق عليه، ولذلك صاحب القلب المريض وصاحب القلب الميت لا يتألم بالمعاصي، لا يتحسر، لا يندم، بل إن المعصية تجرّ أختها، وإذا عمل معصية قام وعمل أخرى وأخرى، فتجده منهمكًا في المعاصي والمنكرات والعياذ بالله تعالى، لا يجد ألم المعصية في قلبه، ولا يتحسر على أنه عصى ربه عز وجل، قال يحيى بن معاذ رضي الله عنه ورحمه: (لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظم من عصيت)، إنك عصيت الله سبحانه وتعالى. الذنوب ـ يا عباد الله ـ تميت القلوب، فليبتعد كل منا عن الذنوب ولو كانت صغائر.
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
لا تقل: هذا صغير، وهذا أمر يسير، وهذا لا بأس به، فإن الصغائر تجتمع فتصبح كبائر، (لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار).
ومن ذلك أنه لا يوجعه جهله بالحق ولا جهله بالقرآن ولا جهله بالعبادة ولا جهله بالذكر ولا جهله بطاعة الله سبحانه وتعالى، بينما تجد صاحب القلب السليم يحرص على العلم وعلى المعرفة وعلى سؤال أهل الذكر وعلى أن يستفتي في أمر دينه، بينما ذاك لا يضره ذلك، بل جاهل بأمر دينه، ويرى أنه من أعلم الناس. قالوا: سئل أحد السلف: ما أضر شيء من الجهل؟ قال: الجهل بالجهل.
ومن ذلك يا عباد الله، من علامات مرض القلب أنه يعدل عن الأدوية النافعة إلى السموم، صاحب القلب المريض والقلب الميّت يعدل عن الأدوية الإلهية الربانية التي هي سبب دواء القلب وشفائه من ذكر الله ومن تلاوة القرآن ومن جلسات الذكر ومن التسبيح والتحميد والتهليل والاستغفار والصلاة على النبي إلى الأدوية المميتة، إلى السموم والعياذ بالله، فتجده منهمكًا في المعاصي، منهمكًا في سماع الغناء الذي هو من أسباب موت القلب كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (الغناء ينبِت النفاقَ في القلب كما ينبت الماء البقل) أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي. فتجده منهمكًا في سماع الأغاني وفي سماع الغيبة والنميمة وفي سماع الزور وفي النظر إلى التمثيليات الساقطة الهابطة، وهذه هي الأدوية التي تقضي على القلب ـ يا عباد الله ـ وتهلكه وتميته.
ومن ذلك تجد أن الدنيا أكبر همه، فإن أحب فمن أجلها، وإن أبغض فمن أجلها، وإن والى فمن أجلها، وإن عادى فمن أجلها، فأصبحت الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه، فمن أجلها يعيش والعياذ بالله.
يا عباد الله، إذا أراد المسلم أن يصلح قلبه فعليه أن يسلك العبادات الإيمانية، وإن من أهمها خمس علاجات أرشدنا إليها النبي ، وأرشدنا إليها خيار الأمة من الصحابة والتابعين، فهي شفاء للقلب وجلاء لأمراض القلب، فإن القلب يصدأ كما يصدأ الحديد يا عباد الله، وإن جلاءه ذكر الله تعالى، فأدوية القلب الناجعة خمسة:
أولاً: ذكر الله وتلاوة القرآن والمداومة على ذلك.
ثانيًا: كثرة الاستغفار، فـ((من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب)) رواه أبو داود في سننه، وكان النبي يستغفر الله في المجلس الواحد ـ كما يقول عبد الله بن عمر ـ أكثر من مائة مرة. أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
ومن ذلك الدعاء والإقبال على الله سبحانه وتعالى بالدعاء واللجوء إليه سبحانه وتعالى.
ومن ذلك الصلاة على النبي دائمًا وأبدًا، قال النبي : ((من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا)). قال أحد الصحابة: يا رسول الله، أجعل لك نصف صلاتي؟ قال: ((ما شئت، وإن زدت فهو خير لك))، قال: أجعل لك ثلثي صلاتي؟ أي: دعائي، قال: ((ما شئت، وإن زدت فهو خير لك))، قال: أجعل لك دعائي كله؟ أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: ((إذًا تكفى همك ويغفر ذنبك)) رواه الترمذي وقال الألباني: "حسن صحيح". البخيل من ذكر عنده النبي فلم يصل عليه.
ومن ذلك ـ يا عباد الله ـ قيام الليل ولو كان شيئًا يسيرًا، فإن قيام الليل شفاء للنفوس، شفاء للقلوب، شفاء للأمراض؛ لأنه في ساعة لا يراك فيها إلا الله سبحانه وتعالى.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله المولى العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا، ورضي عن أصحابه وأتباعه وإخوانه إلى يوم الدين.
أما بعد: يا عباد الله، فكما أن الطاعات تكون سببًا في حياة القلوب فكذلك المعاصي والمنكرات هي من أسباب مرض القلب بل هلاكه.
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخيْر لنفسك عصيانُها
فإذا أراد المسلم حياة لقلبه فليبتعد عن الذنوب، الذنوب ـ يا عباد الله ـ سبب للهلاك والدمار، فماذا كان سبب خروج الوالدين آدم وحواء من الجنة إلى هذه الدنيا؟! وماذا كان سبب هلاك إبليس وطرده من ملكوت السماوات والأرض؟! وماذا كان سبب هلاك الأمم السالفة قوم عاد وثمود ولوط وفرعون وغيرهم من الأمم الذين أهلكهم الله تعالى وأنزل عليهم العذاب؟! ألم تكن الذنوب؟! ألم يكن البعد عن الله سبحانه وتعالى؟! ألم يكن عصيان المولى عز وجل؟! فإذًا إذَا أراد المسلم لقلبه الحياةَ فليبتعد عن الذنوب صغيرها وكبيرها.
خل الذنـوب صغيـرها وكبيرهـا ذاك التقـى
واصنع كمـاش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لا تـحقـرن صغيـرة إن الجبـال من الحصى
فعلى المسلم أن يبتعد عن الذنوب صغيرها وكبيرها، وإذا وقع في معصية فليعجل بالتوبة والإنابة والإقبال على الله سبحانه وتعالى والذكر والطاعات، ((وأتبع السيئة الحسن تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)) رواه الترمذي وحسنه الألباني.
ولنبتعد ـ يا عباد الله ـ عن مداخل الشيطان على القلوب، فإن مداخل الشيطان على القلوب كثيرة، والشيطان يتحين الفرص التي يدخل منها على قلب العبد المؤمن، فمن ذلك الشهوات والغضب والحرص على الدنيا والتهالك عليها والحسد والبخل وخوف الفقر وسوء الظن بالمسلمين، كل ذلك من مداخل الشيطان التي يحاول أن يدخل منها إلى القلب، فليبتعد المسلم عن هذه الآفات. كما أنه ينبغي أن يعود إلى كتاب الله وإلى سنه رسوله وإلى ما كتبه علماء الأمة عن أمراض القلوب، فيبتعد عن تلك الأمراض، ويعالج نفسه بذكر الله سبحانه وتعالى، ويعالج نفسه بالذكر والعبادة.
ولنعلم ـ يا عباد الله ـ أن المسلم بل الإنسان مخلوق من مادتين: مادة جسد ومادة روح، فللأسف الشديد أن كثيرًا من الناس ينشغلون بالجسد وينسون الروح، فيغذون جانب الجسد وينسون تغذية الروح، جانب الروح لا يغذى بالطعام والشراب، وإنما يغذى بالذكر والعبادة والإقبال على الله سبحانه وتعالى، فإذا أهملت الروح ماتت وذبلت وعاش الإنسان في بعد عن الله سبحانه وتعالى. ينبغي أن يفهم الإنسان هذه القضية؛ أنه مخلوق من مادتين، فكما أنه يغذي جانب الجسد ويحرص على ذلك ينبغي أن يحرص على تغذية جانب الروح حتى لا يهلك ويبعد ويبتعد عن الله سبحانه وتعالى.
ألا وصلوا وسلموا على خير الخلق محمد بن عبد الله عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم...
| |
|