molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الصدقة - عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس الجمعة 2 ديسمبر - 5:55:01 | |
|
الصدقة
عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا عباد الله جاء في الحديث عنه صلى الله عليه على آله وسلم أنه قال: ((أما بعد فإن الله أنزل في كتابه: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً وقال: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون )) ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((تصدقوا قبل أن لا تصدقوا، تصدق رجل من ديناره، تصدق رجل من درهمه، تصدق رجل من بره، تصدق رجل من تمره، تصدق رجل من شعيرة، لا تحقرن شيء من الصدقة ولو بشق تمرة))[1]، وصح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((اجعلوا بينكم وبين النار حجاباً ولو بشق تمرة))[2] وفي رواية أخرى: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة))[3]. إن فضل الصدقات يا عباد الله عظيم وأثرها جسيم فنصف تمرة يمكن أن يكون حجاباً لك من النار فكيف بالمئات والألوف، وصح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أفضل الصدقات ظل فسطاط في سبيل الله عز وجل أو منحة خادم في سبيل الله أو طروقة فحل في سبيل الله))[4]، الفسطاط الخيمة يستظل بها المجاهد وطروقة الفحل هي الناقة أو الفرس التي بلغت أن يعلوها الفحل يتصدق بها المرء للمجاهدين ومن جهز غازياً فقد عزى[5]، وصح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((الأكثرون هم الأسفلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا و+به من طيب))[6]، وفي رواية: ((ويل للمكثرين إلا بمن قال بالمال هكذا وهكذا))[7] والمكثرون هم الأغنياء ذوي المال الكثير، وصح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((يا ابن آدم إنك إن تبلغ الفضل خير لك وإن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف وابدأ بمن تعول واليد العليا خير من اليد السفلي))[8]، وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى: ((يا ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذا حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة))[9]، وقد صح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لو كان لي مثل أحد ذهباً لسرني أن لا يمر على ثلاث وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين))[10]، ((وكل امريء في ظل صدقته حتى يقضي بين الناس))[11]، ((والصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار))[12] ((وصدقة السر تطفيء غضب الرب جل وعلا))، ((وممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه))[13]، وقال الله جل وعلا: إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ، وصح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال الله عز وجل: ((أنفق أُنفق عليك))[14] وقال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة أقسم عليهن: ما نقص مال عبد من صدقة… إلى أن قال: وأحدثكم حديثاً فاحفظوه: إنما الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله علماً ومالاً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعمل فيه حقه فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علماً ولم يزقه مالاً فهو صادق النية يقول لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقاً فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء))[15]، وفي الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها: ((أنفقي ولا تحصي يحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك، ولا توكي فيوك عليك))[16] وقال لبلال أنفق يا بلال ولا تخشى من ذي العرش إقلالاً، وقال صلى الله عليه وسلم: ((أما علمت أن ملكاً ينادى في السماء يقول اللهم اجعل لمال منفق خلفاً واجعل لمال ممسك تلفاً))[17]، وفي رواية: ((ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعطي منفقاً خلفاً ويقول الآخر اللهم أعطي ممسكاً تلفاً))[18].
وأفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان كذا. هذا غيض من فيض مما صح عن سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم في فضل الصدقة والإنفاق في سبيل الله، والآيات في فضلها كثيرة فمنها قوله جل وعلا: مثل الذين ينفقون في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ، وقوله سبحانه: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وقوله جل شأنه: لا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة إلا كتب لهم ، وقوله سبحانه: وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ، وقوله جل وعلا: وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كريم وما لكم أن لا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض ، والآيات في فضل الإنفاق في سبيل الله كثيرة فالبدار البدار يا عباد الله في الاستجابة لداعي الله قبل فوات الأوان: وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربي لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون .
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] رواه البيهقي في السنن الكبرى (4/176).
[2] المعجم الكبير (777).
[3] صحيح البخاري (1417) ومسلم (68).
[4] سنن الترمذي (4130).
[5] صحيح البخاري (2843)، صحيح مسلم (1895).
[6] سنن ابن ماجة (4129).
[7] سنن ابن ماجة (4129).
[8] صحيح مسلم (1036).
[9] مسند أحمد (4/210).
[10] صحيح البخاري (2388).
[11] مسند أحمد (4/147).
[12] مسند أحمد (3/321)، سنن الترمذي (2616)، سنن ابن ماجه (4210).
[13] صحيح البخاري (1423)، صحيح مسلم (1031).
[14] صحيح البخاري (4684)، صحيح مسلم (993).
[15] مسند أحمد (4/231)، سنن الترمذي (2325).
[16] صحيح البخاري (2591)، صحيح مسلم (1029)، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسماء رضي الله عنها.
[17] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن عبد الرحمن بن سبرة وهو غير موجود في المطبوع لأنه ناقص، وقد عزاه له الهيثمي في مجمع الزوائد (3/122).
[18] صحيح البخاري (1442)، صحيح مسلم (1010).
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم صلي وسلم عليه وآله وصحبه وآله أجمعين.
أما بعد: فيا عباد الله قد سمعتم ما سمعتم ولن يدخل معك قبرك إلا عملك، يتبع الميت ثلاثة عمله وأهله وماله فيرجع اثنان ويبقى واحد يرجع أهله وماله ويبقى عمله، يقول ابن آدم مالي مالي وليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت وما سوى ذا فذاهب وتاركه لورثتك، يا من خطه الشيب حذار من طول الأمل، صح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((يشيب ابن أدم وتشب معه خصلتان حب الدنيا وطول الأمل))[1] فاحذر منهما يا ذا الشيبة المسلم فإن إكرامك من إجلال الله فاستحي من الله أن يرى منك ما يكره، قال صلى الله عليه وسلم: ((إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم))[2] فأري الله من نفسك خيراً وأقبل علي الله بالعمل الصالح وسل الله أن يختم لك بخير، واحذر الشح فما أغنى عن أبي لهب ماله وما +ب وما نفع قارون خزائنه، ولا تكن كمن ذمهم الله بقوله: إن الإنسان خلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً بل أعطي وأوصي وأنفق وأعلم أن الله يخلفه وهو خير الرازقين.
يا من غره سواد شعره وشد جسده وقوة بطشه إن الموت قريب فكم من شاب فاجأه الموت وهو لاهي غافل، مات الشافعي وعمره أربعة وخمسون، ومات النووي وعمره خمسة وأربعون، ومات معاذ بن جبل وعمره ستة وثلاثون، ومات أئمة كثر من أئمة الإسلام وما جاوزوا الأربعين والواقع أكبر شاهد فعلام الغفلة والتسويف فلا وصية كتبتها ولا حقوق بينتها حتى يفجأك الأجل فتتعب من بعدك، فبادروا يا عباد الله جميعاً بالقربى من مال الله الذي آتاكم وجعلكم مستخلفين فيه لينظر كيف تعملون، فأروا الله من أنفسكم خيراً وردوا المظالم وأطعموا الجائع وبينوا الحقوق لكم أو عليكم وإن استطعتم فأوصوا في أوجه الخير التي يحبها الله:
ومن يتحرى الخير يعطى ومن يتوقى الشر يوقي
إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث وذكر منها صدقة جارية وهو الوقف يصلك أجره مادام باقياً بعد موتك.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يختم لنا بخير. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أعمارنا أواخرها وخير أيامنا يوم نلقاك.
[1] صحيح البخاري (6420) بمعناه.
[2] سنن أبي داود (4843).
| |
|