molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: السعادة - عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس الجمعة 2 ديسمبر - 5:33:27 | |
|
السعادة
عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس
الخطبة الأولى
أما بعد: فاتقوا الله تعالى، واعلموا أن سعادة الدنيا والآخرة بصلاح القلوب وانشراحها وزوال همومها وأتراحها، فالزموا طاعة الله وطاعة رسوله تدركوا هذا المطلوب، واذكروا الله كثيرًا، ألا بذكر الله تطمئن القلوب، واعلموا أن الإقبال على الله رغبةً ورهبة وإنابة في جميع النوائب والحالات أعظم الأسباب لانشراح الصدور وطمأنينة النفوس وإدراك الغايات، وأن الإعراض عن الله والانكباب على الشهوات نار تلظى في القلوب وخسران وحسرات، وأن السعي في طلب العلم النافع مع النية الصادقة من أكبر الطاعات وبها تزول التبعات والجهالات والأمور المعضلات، وأن تنويع العبد في السعي في نفع المخلوقين في قوله وفعله وماله وجاهه يصلح الله به أموره في الدنيا والدين، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا وفي الآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن تواضع لله رفعه، ومن تكبر عليه أو على الخلق وضعه، ومن عفا وسامح سامحه الله، ومن تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته وفضحه، ومن ستر عيوب الخلق كفّ الله عن عرضه، ومن تقرب إلى الله تقرب الله منه، ومن أعرض عن الله أعرض الله عنه، والجزاء من جنس العمل، وما ربّك بظلام للعبيد.
لا تحسبن الحياة الطيبة مجرّد التمتع بالشهوات ولا الإكثار من عرض الدنيا وتشييد المنازل المزخرفات، وإنما الحياة الطيبة راحة القلوب وطمأنينتها والقناعة التامة برزق الله وسرورها بذكر الله وبهجتها وانطباعها بمكارم الأخلاق وانشراح الصدور وسعتها، لا حياة طيبة لغير الطائعين، ولا لذة حقيقيّة لغير الذاكرين، ولا راحة ولا طمأنينة قَلبٍ لغير المكتفين برزق الله القانعين، ولا نعيمًا صحيحًا لغير أهل الخلق الجميل والمحسنين، لقد قال أمثال هؤلاء الأخيار: "لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من لذة الأنس بالله لجالدونا عليه بالسيوف، ولو ذاق أرباب الدنيا ما ذقناه من حلاوة الطاعة لغبطونا وزاحمونا عليه".
ما ظنّك بمن يمسي ويصبح ليس له هم سوى طاعة مولاه، ولا يخشى ولا يرجو ولا يتعلّق بأحد سواه؟! إن أعطي شكر، وإن منع صبر، وإن أذنب استغفر وتاب مما جناه، هذا والله النعيم الذي من فاته فهو المغبون، وهذه الحياة الطيبة التي لمثلها فليعمل العاملون، أيّ نعيم لمن قلبه يغلي بالخطايا والشهوات؟! وأي سرور لمن يلتهب فؤاده بحب الدنيا وهو ملآن من الحسرات؟! وأي راحة لمن فاته عيش القانعين؟! وأي حياة لمن تعلق قلبه بالمخلوقين؟! وأي عاقبة وفلاح لمن انقطع عن رب العالمين ومع ذلك يرجو العقبى وثواب العاملين؟! تالله لقد فاز الموفّقون بعزّ الدنيا والآخرة، ورجع أهل الدناءة بالصفقة الخاسرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيا عباد الله، جاء عنه أنه قال: ((قد أفلح من هدي للإسلام، وكان عيشه كفافًا، وقنعه الله بما آتاه))، فجعل هذه الثلاثة عنوان الخير والفلاح، وبها يحصل الخير والنجاح، فإن من جمع الله له الثلاث فقد جمع له خير الدنيا والآخرة وتمت عليه النعمة الباطنة والظاهرة، وبها الحياة الطيبة في هذه الدار والسعادة الأبدية في دار القرار.
أما الهداية للإسلام فإن الإسلام به العصمة والنجاة من طريق الجحيم، ولن يقبل الله من أحد دينًا غير الاستسلام للرب العظيم. الإسلام هو الاستسلام الباطن والظاهر لله، وهو الانقياد الكامل لطاعة الله. الإسلام مقصوده القيام بحق الله وحق العباد، وروحه الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله في الهدى والرشاد، ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم))، ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).
وأما الكفاف من الرزق فهو الذي يكفي العبد ويكف قلبه ولسانه عن التشوف وسؤال الخلق، فيظهر اغتباطه برزق الله والثناء على الله بما أعطاه من ميسور الرزق، فإن من أصبح آمنا في سربه معافًى في بدنه عنده قوت يومه وليلته فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها، وأغبط الناس من عنده رزق يكفيه وبيت يؤويه وزوجة ترضيه وسلِم من الدَين الذي يثقل كاهله ويؤذيه، فليس الغني عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى القلب، صح عنه : ((من كان همه الآخرة جمع الله عليه أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كان همه طلب الدنيا جعل الله فقره بين عينيه وشتت عليه أمره ولم يأتِه من الدنيا إلا ما كتب له)).
فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإن ما عند الله لا ينال بمعصيته، وإنما ينال بطاعته وخدمته، فاحمدوا الله ـ عباد الله ـ على الهداية للإسلام، واشكروه على الكفاية من الرزق والغنى عن الأنام، وانظروا إلى من فضلتم عليه بالعافية والرزق والعقل والتوفيق، فإنه أحرى لشكر النعم والهداية إلى أقوم طريق.
اللهم أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا وعلى والدينا، وأن نعمل صالحًا ترضاه، وأصلح لنا في ذريتنا...
| |
|