molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: اغتنم خمسًا قبل خمس - عبد الرحمن بن صالح الدهش الخميس 1 ديسمبر - 8:42:16 | |
|
اغتنم خمسًا قبل خمس
عبد الرحمن بن صالح الدهش
الخطبة الأولى
أما بعد: فإنَّ من أسباب نجاة العبد من الخسارة العظمى والنكبة الكبرى التواصي بالحق والتواصي بالصبر، يقول الله تعالى: وَٱلْعَصْرِ إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ [سورة العصر].
فلم يجعل الله سبيلاً للخروج من هذه الخسارة إلا بالإيمان والعمل الصالح، وبهما يكمل الإنسان نفسه، ثم بالتواصي، التواصي بالحق، وهو ما أحقه الله أي: أثبته مما به صلاحُ الدِّين أو صلاحُ الدنيا المعينُ على صلاحِ الدِّين. ثم التواصي بالصبر، الصبرِ على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة، وما أعطي أحدٌ خيرًا وأوسع من الصبر.
ولقد كان من هدي النبي أن يوصي أصحابه، وهم خير الناس بعد الأنبياء وأقرب الأجيال إلى تقوى الله رب الأرض والسماء، كان يوصيهم وصايا عامة ووصايا خاصةً فرديةً.
فعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: أتى النبيَّ رجلٌ فقال: يا رسول الله، إنَّ شرائعَ الإسلام قد كثرت علينا، فبابٌ نتمسك به جامع؟ قال: ((لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله عز وجلَّ)) رواه الإمام أحمد بهذا اللفظ. وأوصى أحد الصحابة يومًا فقال له: ((لا تغضب))، فردد مرارًا فقال: ((لا تغضب)) رواه البخاري.
فحاجتنا ـ عباد الله ـ إلى التواصي بالحق والتواصي بالصبر أشد حاجة، ونحن في زمنٍ نسي فيه كثيرٌ من الناس حظًا مما ذكِّروا به ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها، فقست قلوبٌ، وجفت من أزمنة دموعٌ، ولا تكاد ترى فيمن ترى مخبتًا أو صاحبَ خشوعٍ.
فواجب علينا التناصح بيننا، فلينصح الأب ابنه، والجارُ جاره، والمدير والمسؤول من تحت يده، فكلكم راع، وكلُّكم مسؤول عن رعيته.
وثق ـ أيها الناصح ـ أنه متى كان قصدك إرضاء الخالق ونفع المخلوق فلا بدَّ أن ينفع الله بنصحك نفعًا تشاهده في الدنيا، أو نفعًا يدَّخر لك في الأخرى.
وإنَّ من خير ما نتذاكر به ما أوصى به النبي ابن عمه عبد الله بن عباس في أمور خمسة جعلها النبي غنائم تغتنم ومكاسب تكتسب، فقد روى الحاكم والبيهقي وغيرها عن ابن عباس أن النبي قال له: ((اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك)). فهذه خمسة مغانم، إن فرطت فيها فيوشك أن تفقدها إلى ضدها.
فأولها الحياة، العمر الذي جعله الله زمنًا للعمل، الإنسان قبل هذا الزمن لم يكن شيئًا مذكورًا، قال تعالى: هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَـٰنِ حِينٌ مّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا [الإنسان:1]. فيا من بلغ العشرين أو الستين أو المائة، لم تكن شيئًا مذكورًا، ثم وُجدتَ فابتدأ عمرك إلى مدّةٍ اللهُ أعلم بنهايتها، فهذه حياتك، كنت مجهولاً قبل بدايتها، ثم لم تحط علمًا بمقدار عدتها.
فاغتنم ـ يا عبد الله ـ هذه الحياة في عمل صالح ينفعك بعد الممات، فإن لحظة تمر عليك، لم تزدد فيها علمًا نافعًا أو عملاً صالحًا هي خسارة عليك، وما من ميت يموت إلا ندم، فإن كان محسنًا ندم أن لا يكون ازداد، وإن كان مسيئًا ندم أن لا يكون استعتب وأقلع عمَّا هو عليه. كيف وأنت ترى السائرين إلى ربهم في جنائز تترى زرافات ووحدانًا؟!
ثم الغنيمة الثانية الصحة، ((صحتك قبل سقمك))، إنها نعمة الصحة، فلا مرض يؤلم، ولا علة تثقل، قد أسبغ عليه ربه لباس الصحة والعافية، فبالصحة ينشط الموفق لعبادة ربه، فهو يذكر الله ذكرًا كثيرًا، لا يقطعه عن ذلك سقم يدافعه، إن صلَّى صلَّى بقوته قائمًا راكعًا ساجدًا على أتم وجه وأكمله، وإن أراد صيامًا يتقرب به إلى ربه لم يَعُق عن ذلك تعب ينتابه أو علاج من أجله يقطع صيامه، فهو يتفيأ من العبادات ألوانًا، ويأخذ من جملتها أفنانًا، فهذه حال مغتنم الصحة قبل السقم، إذ بالسقم تثقل العبادات وتفتر الهمم، وإن كان سقمه مع احتسابه يكفر به السيئات ويرفع به الدرجات، ولكن تبقى الصحة مغنمًا قبل السقم.
وأما الغنيمة الثالثة فهي الفراغ قبل الشغل، وأعظم الفراغ وأهمه فراغ القلب من همّ المستقبل والحزن على الماضي، فحينئذ يعيش العبد مطمئنًا في قلبه منشرحًا في صدره، لا يرى في الدنيا من هو أسعد منه، فيقبل على مصالح دينه ودنياه على أحسن حال وأتم استعداد.
فالفراغ بهذه الصورة غنيمة يغتنمها المؤمن قبل أن يفاجئه ما يشغل قلبه ويشتت همته، فيصبح مشغولاً بمدافعة ما نزل به، من مرضٍ نزل به، أو بحبيب إليه، أو بانتظار غائب لا يدري ما صنع الله به، أو بتطلعِ أمر مجهولٍ لديه يحتاجه لا يدري ما وراءه. ومشاغل القلب لا تحصى، وصوارف البال تتجدد.
وأما الغنيمة الرابعة فهي الشباب قبل الهرم، الشباب زمن الفتوة والقوة والنشاط والحيوية في الذهن والبدن، فهو فرصة ومغنم لمن اغتنمه، ولذا كان أحد الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله شاب نشأ في طاعة الله.
فيا أيها الشاب، أنت تعيش فرصة بل غنيمة، أترى استغلالها في الذهاب والمجيء والجلسات الطويلة والاتكالية المذمومة وبذل المال فيما لا تحمد عاقبته؟! أترى ذلك يحصل به اغتنام هذه الفرصة وشكر هذه النعمة؟! فتِّش في نفسك، ونقِّب في رفاقك.
وأما آخر المغانم المذكورة في الحديث فهي غنيمة الغنى قبل الفقر، وهي الجِدَة والسعة في الرزق لمن بسط الله له رزقه، فهي غنيمة لمن عرف قدرها، ينفق على أهله بسخاء نفسه، ي+ي ماله، ويتصدق على الفقراء، يعين حاجًا، ينشر كتابًا، يوزع شريطًا، ومجالات الخير كثيرة، وقد سبق أهل الدُّثور بالأجور.
فاعرف ـ يا عبد الله ـ هذه المغانم، وانظر في نفسك، واستعن بالله، ولا تعجز.
أقول قول هذا، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|