molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: قصة سليمان بن داود عليهما السلام - عبد الرحمن بن الصادق القايدي الخميس 1 ديسمبر - 8:17:53 | |
|
قصة سليمان بن داود عليهما السلام
عبد الرحمن بن الصادق القايدي
الخطبة الأولى
أما بعد: نواصل معكم -أيها الإخوة- حديثنا عن قصص القرآن، فلقد اخترنا لكم في هذه الجمعة قصة نبي من أنبياء الله؛ لنعيش معها ونأخذ منها العبرة والعظة، قال الله تعالى: فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.
عباد الله، قصتنا لهذه الجمعة هي قصة سليمان بن داود عليهما السلام، فلقد ذكر الله ثلاث قصص لسليمان في سورة واحدة، وهي سورة النمل، ففيها قصته مع النملة، وقصته مع الهدهد، وقصته مع ملكة سبأ. وكان سليمان عليه السلام نبيا وملكا، وقد أعطاه الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وفوق كل هذا قد من الله عليه وعلمه لغة الطير والحيوان، وكان يفهم ما تتخاطب به هذه الحيوانات والطيور، قال تعالى: وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ.
يخبر تعالى عن عبده ونبيه سليمان أنه ركب يوما في جيشه جميعه من الجن والإنس والطير، فالجن والإنس يسيرون معه، والطير سائرة معه تظله بأجنحتها من الحر، وعلى كل هذه الجيوش الثلاثة نقباء يردون أوله على آخره، فلا يتقدم أحد عن موضعه الذي يسير فيه ولا يتأخر عنه، قال تعالى: حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ، فأمرت وحذرت واعتذرت عن سليمان وجنوده بعدم الشعور بهم، ولقد فهم سليمان عليه السلام ما خاطبت به تلك النملة أمتها من الرأي السديد والأمر الحميد، وتبسم من ذلك فرحا مسرورا على ما أطلعه الله عليه دون غيره؛ ولهذا قال: رَبِّ أَوْزِعْنِي أي: ألهمني وأرشدني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، فطلب من الله تعالى أن يقيضه للشكر على ما أنعم به عليه، وعلى ما خصه به من المزية على غيره، وأن ييسر عليه العمل الصالح، وأن يحشره إذا توفاه مع عباده الصالحين، وقد استجاب الله له دعاءه.
عباد الله، لقد أراد الله أن يصغّر في عيني سليمان هذا الملك العريض الذي بين يديه، وأن ي+ر من حدة هذا السلطان المندفع من الجن والإنس والطير، والذي لا يعترض سبيله معترض، وذلك لكي لا يدخل على نفسه شيء من العجب والزهو، فتقف له النملة هذا الموقف الذي يرى منه عجبا؛ لأنه لا يرى أحد ولا يسمع مثلما يرى ويسمع هو عليه السلام.
والدرس الذي نود أن نأخذه من موقف سليمان مع النملة هو صوت النذير الذي أنذرت به النملة جماعتها: إن الهلاك مقبل من هذه الحشود الحاشدة، فتأخذ جماعة النمل حذرها، ولتدخل مساكنها، وإلا فالهلاك المحقق الذي يأتي غالبا من أناس لا تنظر إلى ما تحتها ولا تلتفت إلى مواطن أقدامها، ولا تشعر بما تصيب أو تقتل من تلك الكائنات الضعيفة. فهل يشعر من يسكن القصور الفارهة والعمائر العالية بما يعاني عباد الله من ساكني العشش والخيام؟! وكم في دنيا الناس من المستضعفين الذين تطؤهم أقدام الأقوياء دون أن يشعروا! وكم من مجتمعات بشرية جرفها تيارات الظلم والاستبداد! وكم وكم! إنها والله لحكمة بالغة ودرس عظيم تلقيه نملة ضئيلة من مخلوقات الله على الإنسانية كلها؛ لتتيقظ ولا تطغى، ولتعلم أن الكون كله لله، والعزة كلها له، ولا ملك إلا ملك الله، وأنه تعالى يحث على التراحم والشفقة على الضعفاء كما قال : ((إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم)) رواه البخاري.
نفعني الله وإياكم بالقرآن والسنة...
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، أما قول سليمان فيما قصه الله: مَا لِي لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنْ الْغَائِبِينَ فنجد فيه شدة وقوة ملاحظة سليمان حينما نظر في الجمع ولم ير الهدهد، فتوعد بعقاب شديد له ما لم يكن له عذر، وكان لكل صنف من الطيور وغيرها نقباء يحضرون بالتناوب كما هي عادة الجنود مع الملوك، وكانت وظيفة الهدهد على ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما أنهم كانوا إذا أعوزوا الماء في القفار في حال الأسفار يجيء الهدهد فينظر لهم هل بهذه البقاع من ماء، وفيه من القوة التي أودعها الله تعالى فيه أن ينظر إلى الماء تحت طبقات الأرض، فإذا دلهم عليه حفروا عنه وأخرجوه. فلما احتاجه يوما ولم يجده في موضعه توعده بالعقاب، ولكن الهدهد لم تطل غيبته كثيرا، وجاء بخبر عجيب فقال: أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ أي: أنه اطلع على أمر لم يطلع عليه سليمان بكل ما لديه من ملك وعظمة، وأن الذي شغله هو إنكاره على المشركين شركهم حيث قص عليه قصة ملكة سبأ وأنها وقومها يعبدون الشمس، فقال تعالى: وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ.
فلما علم سليمان من الهدهد قصة هذه المرأة وما شاهده في أرض اليمن من أنهم يعبدون الشمس من دون الله أرسله إلى هذه المرأة وهي التي تسمى بلقيس ملكة سبأ في اليمن، وأعطاه رسالة لها، فطار الهدهد بالرسالة وألقاها بين يديها، تناولت بلقيس الرسالة وقرأت ما فيها، ثم جمعت أشراف قومها وقائد مملكتها وأخبرتهم خبر الرسالة وقرأت نصها عليهم، ففوضوا الأمر إليها، فحاولت أن تصانع عن نفسها وتجد لها مخرجا، فأسلت إليها هدايا كثيرة مشتملة على أمور عظيمة ذكرها المفسرون، وبالطبع هذه الهدايا قبل أن تصل إلى سليمان عليه السلام تصل إلى كبار حاشيته ومعاونيه لعل وعسى أن تشتري ذممهم فيقنعوا سليمان بعدم المساس بها، ولكن سليمان رفض الهدايا وصمم أن يأتي بهم أذلة صاغرين، فلما علموا ذلك جاؤوا ملكتهم سامعين طائعين خائفين، وقبل وصولهم طلب سليمان ممن لديه من الجن المسخرين قائلا: يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ، قيل: معنى هذا: أن الذي عنده علم من الكتاب -أي: اسم الله الأعظم- هو الذي أحضر عرش بلقيس، فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ أي: حينما نظر وجد العرش قد استقر بجواره، قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ. ثم أمر سليمان رجاله وجنده أن يغيروا هيئة العرش ليغرف ما إذا كانت بلقيس تتعرف على عرشها وكرسي ملكها، قال تعالى: قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنْ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ، فلما علمت أنه عرشها وأن سليمان هذا نبي قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وفي هذا دلالة قاطعة على أن سليمان عليه السلام كان مسلما ويدعو للدين الإسلامي وإن كان من بني إسرائيل؛ ليبطل ادعاء اليهود بأنه يدين بالديانة اليهودية.
أيها المؤمنون، بعد كل هذه العظمة والملك والخدم يأتي الموت للنبي الملك سليمان عليه السلام، فبينما كان يصلي في محرابه مات وهو متكئ على عصاه، والشياطين والجن يعملون ليلا ونهارا، وينظرون إليه، ولا يعلمون أنه مات حتى أكلت دودة الأرض عصاه، فاختل توازنه فسقط على الأرض ميتا، فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتْ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ. وهكذا كل من على هذه الأرض من أحياء لا بد لهم من الموت، كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ، ولقد كان نبينا يحثنا على تذكر الموت.
فاللهم صل وسلم عليه...
| |
|