molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: عيد الأضحى 1408هـ - عبد الرحمن السديس إمام الحرم الأربعاء 30 نوفمبر - 9:41:02 | |
|
عيد الأضحى 1408هـ
عبد الرحمن السديس إمام الحرم
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها المسلمون في بيت الله الحرام، أيها الحجاج الكرام، أيها الإخوة في العقيدة والإيمان في كل مكان، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل فخير ما يوصي به المسلم إخوانه المسلمين ـ لا سيما من هذا المكان المبارك وفي هذا اليوم المبارك وفي هذه المناسبة المباركة ـ تقوى الله عز وجل، فإنها وصية الله جل وعلا لخلقه أولهم وآخرهم عبر القرون والأعصار وفي كل الأزمنة والأمصار يقول سبحانه: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّـٰكُمْ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ [النساء:131]، فتقوى الله ما جاورت قلب العبد إلا مكنه الله من تقواه.
عباد الله، اشكروا الله على جزيل نعمائه وعلى ترادف مننه وآلائه، ومن ذلك ما منّ الله به عليكم من بلوغ هذا اليوم العظيم ومن حلول هذا الموسم الكريم الذي رفع الله ذكره وأعلى في العالمين قدره وأظهر مكانته وفضله، إنه يوم عيد الأضحى المبارك، ويوم الحج الأكبر ذلك اليوم الذي ينتظم فيه عقد الحجيج على صعيد منى بعد أن وقفوا بعرفة وباتوا بمزدلفة وشرعوا في رمي جمرة العقبة، والتقرب إلى الله بذبح هداياهم فيه يؤدي المسلمون شعيرة ذبح الأضاحي تقرباً إلى الله عز وجل ويكثرون من التكبير والشكر والثناء لله جل وعلا.
اللهم لك الحمد ولك الشكر كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
إخوة الإيمان، يعد هذا التجمع المهيب في هذا اليوم العظيم بآثاره الحميدة وحكمه السامية مظهراً من مظاهر الوحدة والإخاء التي جاء بها هذا الدين الإسلامي الحنيف الذي أكمله الله وأتمه للبشرية ورضيه للناس ديناً فلا يقبل الله من أحدٍ ديناً سواه وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85].
لقد جاءت هذه الشريعة السمحة وأشرقت على أصقاعٍ المعمورة أنوار الإيمان ورفرفت على أرجائها رايات العز والأمن والاطمئنان بعد أن كانت البشرية غارقة في أوحال الشرك والوثنية ومستنقعات الرذيلة والإباحية وأودية البغي والظلم والجاهلية فحمل المصطفى راية الدعوة إلى الحنيفية السمحة وأخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، وكانت دعوته عليه الصلاة والسلام مرتكزة على أساس الوحدانية، وحدانية الله جل وعلا في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، فلا إله غيره ولا رب للناس سواه ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَـٰطِلُ [لقمان:30]، فمن الذي خلق العباد ورزقهم وأمدهم بالأسماع والأبصار والعقول والفؤاد إلا الله وحده، وما سواه من ملك أو نبي أو ولي أو بشر أو حجر أو شجر أو ضريح لا يملكون لأنفسهم نفعاً أو ضراً ولا يملكون موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، فالعجب أن يتقرب أناس للفقير المخلوق الضعيف وينسون الخالق القوي الغني.
فيا عجباً كيف يعصى الإله أو كيف يجحده الجاحد
وللـه في كـل تحريكـةٍ وتسكينة أبـداً شاهـد
وفي كـل شيء له آيــة تـدل على أنه واحـد
سبحانه وتعالى ـ عما يشرك به المشركون ـ علواً كبيراً، إذا تقرر ذلك يا عباد الله فيجب على العباد أن يوحدوا ربهم في أقوالهم وأفعالهم وفي كل أحوالهم، فلا صلاة إلا لله، ولا دعاء إلا له، ولا ذبح ولا نذر ولا حلف ولا استعانة ولا استعاذة إلا به قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162، 163].
فالتوجه إلى غير الله في الخطوب والملمّات والكروب والمعضلات، في شفاء المرضى وقضاء الحاجات، في جلب المنافع ودفع المضار والكربات، كل ذلك شرك خطير وجرمٌ شنيع إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـٰلاً بَعِيداً [النساء:116].
فوحدوا ربكم ـ يا عباد الله ـ وأثبتوا له الأسماء الحسنى والصفات العلى التي أثبتها لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل، من غير تشبيه ولا تأويل لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ [الشورى:11].
معشر المسلمين، بهذه العقيدة الصافية، وهذا التوحيد الخالص، عزّت هذه الأمة وسعدت، وانتشرت واجتمعت كلمتها، وتوحدت صفوفها، فإنه لا عز للبشرية اليوم ولا حياة ولا سعادة للإنسانية قاطبةً إلا بها، فباتباع كتاب الله وسنة رسوله يتحقق للأفراد والجماعات ما ينشدونه ويؤملونه من خير وهدي، يقول سبحانه: فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً [طه:123، 124]، ويقول فيما صح عنه: ((تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله))[1] وفي رواية: ((كتاب الله وسنتي))[2] فما أحوج الأمة الإسلامية وهي تمر في هذه المرحلة الدقيقة واللحظات الحاسمة من تاريخها أن تعود إلى مصدر عزتها وقوتها وانتصارها على أعدائها، لا سيما وهي تواجه التحديات الخطيرة والهجمات الشرسة من أعدائها الذين يريدون نزع هويتها الإسلامية وسلب مقوماتها ونهب مقدراتها لتكون لقمة سائغة لهم.
فيا أمة الإسلام، هذا دينكم وشرع ربكم وسنة نبيكم ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وإياكم والمحدثات من المناهج والأفكار والأهواء والطرق والآراء، فإن خير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار، والعياذ بالله.
إخوة الإسلام، لقد مرت على هذه الأمة فتراتٍ متباينة عاشت فيها بين مدٍّ وجزر فتفرقت مرة أخرى تتحد حيناً وتفترق حيناً، ترتبط بالوحيين فتعلو وتتمسك بهما فتنجو، وتبتعد عن النورين فتخبو وتهجر شرع ربها فتكبو.
وحينما يتأمل المسلم أوضاع العالم الإسلامي عبر التأريخ كله ويديم النظر في أحواله على امتداد القرون واختلاف العصور، يدرك تماماً أنه ما تمسكت الأمة بالثوابت والأصول العقدية والمنهجية والأخلاقية لها إلا حققت آمالها، وما انحرفت عنها إلا تصدع بنيانها واهتز كيانها وأصبحت فريسة في يد أعدائها يحتلون ديارها ويعيثون بمقدراتها ويمزقونها كل ممزق، فتصبح أثراً بعد عين، وتمر هذه القرون على هذه الأمة وترسو سفينتنا على شاطئ عالمنا المعاصر بما فيه من أخطار وتحديات وتصيب الأمة ألوان من المحن وصنوف من الفتن، ضعف ومهانة، فرقة وخلاف، تفرق في الكلمة، تبعثر في الزمام، واختلاف في الصفوف، وتسلط من الأعداء، غزو فكري وثقافي وأخلاقي، وصدق الله سبحانه: وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ [الشورى:30].
وهذا يدعو كل مسلم يمثل لبنة من لبنات المجتمع الإسلامي أن يعيد النظر في حاله ويحاسب نفسه ويعلم أن الطريق إلى إصلاح الأمة هي البداية بإصلاح النفس وتقويمها على ضوء الكتاب والسنة، قياماً بالأوامر والطاعات، وبعداً عن الزواجر والمحرمات، ومع ما أصيبت به هذه الأمة من محن وفتن إلا أن البشائر بحمد الله كثيرة والآمال عريضة لتثمر عن ذلك صحوة كبيرة بفضل الله جل جلاله وعودة صادقة إلى دين الله عز وجل، تنشر الصواب وتتحرى الخير والسنة، وكم كان لها من الأثر الإيجابي على المجتمعات كافتها، غير أن الكمال لله وحده والخطأ من سجية البشر، فما كان من قصور فينبغي أن يعالج، ولكن كيف العلاج ـ يا عباد الله ـ؟ هل هو بالتجريح والتشهير والتهكم والتعيير أم بالرفق والحكمة والنزول إلى الميدان والواقع للإصلاح والتغيير، نعم، لقد اشتغل كثير من الخصوم بهذه التجاوزات وضخموها وألصقوا بها كثيراً من التهم والعبارات الجارحة، لا تزيد الأمر إلا تفاقماً، وبهذه المناسبة أقول للعائدين إلى الله: هنيئاً لكم عودتكم، ولكن الطريق ليس طريق العابئة والاندفاع، ولكنها طريق العلم والعقل والبصيرة والحكمة.
واعلموا أيها الإخوة أن أخطاءكم تنجر إلى غيركم، ولتلافي الأخطاء فإن السبيل إلى ذلك يكون بالالتصاق بالعلماء الذين يطفئون بنور العلم شرارة الحماس العاطفي الذي قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، وإن الواجب على علماء الأمة في ذلك كبير وعظيم فلا ينبغي أن يزيدوا الأمر خطورة بالنقد اللاذع والتشهير الفادح، وإنما بالنزول إلى ميدان العمل والواقع.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون، إن أعظم الحقوق التي يجب القيام بها حق الله سبحانه، وحقه جل وعلا توحيده وعدم الإشراك به وطاعته وعبادته على حسب قوله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وكما في الصحيحين من حديث معاذ رضي الله عنه[3]. فالله جل جلاله لم يخلق الخلق عبثاً ولم يتركهم سداً وهملاً حاشاه سبحانه، وبعد حق الله يا عباد الله يأتي حق رسوله وذلك بمحبته عليه الصلاة والسلام محبة حقيقية تفوق حب النفس والولد والوالد والناس أجمعين، محبة صادقة باتباع سنته وتصديق أخباره وطاعة أوامره واجتناب نواهيه وزواجره، وألا يعبد الله إلا بمقتضى شرعه ملته فهو عليه الصلاة والسلام إمامنا وقدوتنا وسيدنا وحبيبنا ـ بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام ـ، حبه والله في أعماق النفوس وتوقيره في القلوب مغموس، فلا يجوز لأحدٍ أن يرمي مسلماً بعدم محبة الرسول فهل يبقى دين في قلبه وهو لا يحبه عليه الصلاة والسلام، ولكن السؤال الذي يجب أن يطرح هنا: ما مقتضى المحبة؟ وما معالم الصدق في تحقيقها واقعاً وعملياً؟ فصلوات الله وسلامه وبركاته على الحبيب المصطفى ما ليل سجى وصبح بدا، سلاماً سرمدياً أبداً.
ثم يأتي بعد حق الله جل جلاله وحق رسوله عليه الصلاة والسلام حق ولاة أمور المسلمين فإن لهم على شعوبهم حقاً، ولشعوبهم عليهم حقاً، وحق ولاة الأمور على رعاياهم أن يطيعوهم في المعروف يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلاْمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، وأن يقوموا بحق النصيحة لهم لقوله فيما رواه مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه: ((الدين النصيحة)) قالها: ثلاثاً، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم))[4].
كما ينبغي حفظ أعراضهم ومحبتهم والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق والبطانة الصالحة، يقول الإمام أحمد رحمه الله: لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للإمام. وما ذلك إلا لعظيم حقه وكريم منزلته ولأن في صلاح الراعي صلاح الرعية أجمعين، كما ينبغي إظهار محاسن ولاة الأمور للعامة والنصح لهم، وحسن القيام بما يسندون من أعمال ومهام ووظائف وغيرها، ولشعوبهم عليهم أن يحكموهم بشرع الله ويسوسوهم بالعدل والرفق والمساواة.
وإننا لنحمد الله جل وعلا حق حمده على ما هيأ لنا من حكومة راشدة، ودولة موفقة، تحكم بالإسلام، وتطبق الشريعة، وتبذل الغالي والرخيص في التضامن وجمع الكلمة ووحدة الصفوف ورعاية المسلمين في كل مكان، وكم بذلوا وفقهم الله ونصرهم بالإسلام وأعزهم بالإيمان من جهودٍ جبارة لخدمة الحرمين الشريفين ورعاية حجاج بيت الله الحرام وتسهيل أمورهم والسهر على راحتهم والقيام بجلب المياه العذبة والمواد الغذائية والصحية والتموينية، لا يريدون من أحدٍ جزاة ولا شكور، نحسبهم كذلك ولا ن+ي على الله أحداً، بل إنهم يحسنون إلى من أساء إليهم ويحلمون على من جهل عليهم، وذلك ـ لعمرو الحق ـ قمة حسن السجايا والشمائل وجميل الأخلاق والتعامل، نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحفظهم بالإسلام ويزيدهم من الإيمان ويجمل ما يقومون به من أعمال ومشروعات في موازين أعمالهم إنه جواد كريم.
علماء الإسلام، مكانتكم في هذا الدين عظيمة، أنتم ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل ورواد الإصلاح والمؤتمنون على البلاغ والدعوة والبيان، واحذروا تدليس العلم بالأطماع الدنيوية والمقاصد المادية كونوا قدوة صالحة للناس، فإذا صلح العلماء صلحت العامة، واعلموا أن ما وصل إليه حال بعض الناس من الجهل والإغراق في الأخطاء العقدية والفطرية والسلوكية إنما تتحملون بسبب ذلك قسطاً ليس باليسير من المسؤولية كما يجب على العامة أن يحفظوا للعلماء مكانتهم ويعرفوا قدرهم ومنزلتهم.
أيها الدعاة إلى الله، أنتم سلالة أنبياء الله وأحفاد رسل الله، فقوموا بواجبكم في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ولكن بالطريق السليم والمنهج الصحيح، لترتكز دعوتكم على العقيدة والإيمان، وأن تقوم على الإخلاص والتجرد للواحد الديان لا إلى طائفة ولا مشرب ولا منهج غير منهج النبوة، لتتحد صفوفكم ولتتوحد كلمتكم وليكن أسلوبكم في الدعوة الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، وإنزال الناس منازلهم، حذار من العنف والغلظة وغلبة المحاسن والعاطفة، لا تستعجلوا النتائج وقطف الثمرات فلستم مطالبين بذلك، تورعوا بالصبر على ما تلاقون من الأذى الحسي والمعنوي، وترفعوا عن الخلافات الجانبية، فالخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، حذار أن يشتغل بعضكم ببعض وأن تجعلوا من الخلاف ـ فيما فيه سعة ومندوحة ـ طريقاً للشقاق والخلاف وإيغار الصدور بالحسد والبغضاء، أو إنه لما انصاع أعداء الإسلام وأذنابهم نشاط الدعوة إلى الله عملوا على إجهاض هذا النشاط فشوهوا صورة الدعاة إلى الله ولفقوا عليهم التهم وألصقوا بهم الشائعات حسداً من عند أنفسهم وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ [الأحقاف:28]، وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَـٰكِرِينَ [الأنفال:30].
فيا دعاة الإسلام، ستجدون في طريق الدعوة ألواناً من الابتلاء والأذى فالصبر الصبر، والاحتساب الاحتساب، وإياكم واليأس والقنوط أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَـٰذِبِينَ [العنكبوت:2، 3]، وثقوا جميعاً بنصرة دين الله وأن العزة والكرامة لكم طال الزمان أم قصر، فتلك سنة الله وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً [الأحزاب:62].
أمة الإسلام، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعامة من دعائم صلاح المجتمعات، وإذا طوي بساطه، وقوضت خيامه، وأهين أهله والقائمون به، حل الدمار والخراب والفساد في البلاد والعباد، فواجب المسلمين أن يقوموا به حق القيام، وأن يدعموا أهله مادياً ومعنوياً وأدبياً، وعلى العاملين في الحسبة أن يتحلوا بالرفق والحكمة والعقل والبصيرة وحسن الظن بالمسلمين.
أيها المسلمون، الغزو الفكري والأخلاقي سلاحٌ فتاك استعمله أعداء الإسلام ليبعدوا المسلمين عن دينهم وقتل الغيرة في نفوسهم ووأد الفضيلة في أمرهم، فعملوا على ذلك واستخدموا في سبيله الوسائل المسموعة والمرئية والمقروءة، وأنتم أيها المسلمون في هذه الأيام أمام خطر داهم وشر قادم، له تأثيره على المسلمين عقدياً وفكرياً وخلقياً وذلك عن طريق ما يسمى بالبث الإعلامي المباشر.
ولقد وفق الله ولاة أمرنا حفظهم الله فوجهوا للمعنيين بالأمر بأخذ الاحتياطات اللازمة بعدم التأثير على خلقنا ومثلنا وعاداتنا الحميدة، شكر الله مساعيهم وبارك في جهودهم وجعل التوفيق دائماً حليفهم، ولكن يا عباد الله، يبقى دوركم في التربية والحصانة والتوجيه السليم وتنشئة الأجيال وتحصينهم بالدروع الواقية إيماناً وخلقاً وتربية.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان وأن يهيئ لهم من أمرهم رشداً.
أقول قولي هذا وأستغفر الله ولي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] صحيح ، قطعة من حديث أخرجه مسلم : كتاب الحج – باب حجة النبي ، حديث (1218).
[2] حسن ، أخرجه مالك في الموطأ : كتاب الجامع – باب النهي عن القول بالقدر ، حديث (1661) بلاغاً ، والحاكم (1/93)، الدارقطني (4/245) بنحوه ، والبيهقي (10/114) ، قال ابن عبد البر : وهذا أيضاً محفوظ مشهور عن النبي عند أهل العلم شهرة يكاد يستغني بها عن الإسناد. ثم ذكر شواهد له. التمهيد (24/331) ، وصححه ابن حزم في الإحكام (6/243) ، وحسن الألباني إسناد الحاكم . انظر مشكاة المصابيح (186) ، التوسل (ص13) ، السلسلة الصحيحة (361).
[3] صحيح ، أخرجه البخاري : كتاب الجهاد والسير – باب اسم الفرس والحمار ، حديث (2856) ، ومسلم : كتاب الإيمان – باب الدليل على أن من مات على التوحيد ... حديث (30) عن معاذ قال : كنت رِدْف النبي على حمار يقال له عفير ، فقال : ((يا معاذ ، هل تدري حق الله على عباده ، وما حق العباد على الله.؟)) ، قلت: الله ورسوله أعلم ، قال : ((فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً)) ، فقلت: يا رسول الله أفلا أبشّر به الناس؟ قال: ((لا تبشرهم فيتكلوا)).
[4] صحيح ، صحيح مسلم : كتاب الإيمان – باب بيان أن الدين النصيحة ، حديث (55).
الخطبة الثانية
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر، وأشكره وقد تأذن بالزيارة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن نبينا محمداً ، الشافع المشفّع في المحشر وعلى آله وأصحابه السادة الغرر، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان ما غاب كوكب وظهر.
أما بعد:
أيها المسلمون، اتقوا الله تبارك وتعالى وأطيعوا الله ورسوله لعلكم تفلحون، واستقيموا على شرعه واشكروه على عموم نعمه، وترادف مننه، ألا وإن من نعمة الله عليكم هذه الأنعام التي خلقها لكم وسخرها وذللها لكم، فمنها ركوبكم، ومنها تأكلون، لعلكم تشكرون، وعظموا شعائر ربكم فإنها من تقوى القلوب ألا وإن من الشعائر الظاهرة ما شرعه الله لعباده في هذا اليوم العظيم من التقرب إليه بذبح الأضاحي، فهي سنة أبينا إبراهيم عليه السلام ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وقصة الخليل عليه السلام مع ابنه الذبيح لا تكاد تخفى على كل مسلم بحمد الله.
أما سنة نبينا في الأضاحي فقد خرج البخاري ومسلم في صحيحهما أنه ضحى بكبشين أقرنين أملحين ذبحهما بيده وسمى وكبر[1] وقال: ((اللهم هذا عن محمد وآل محمد وهذا عمّن لم يضح من أمة محمد))[2].
وقد يسّر الله على عباده في هذه الشعيرة حيث تجزئ الشاة الواحدة عن الرجل وأهل بيته كما ثبت في الصحيح عن عبد الله بن هشام رضي الله عنه[3]، فينبغي للعباد أن يتقربوا إلى الله في هذا اليوم بالقيام بهذا العمل العظيم، فما عمل يوم النحر عمل أفضل من إراقة دم وأنها لتقع من الله بمكان قبل أن تقع على الأرض، وإن للمضحي بكل شعرةٍ وصوفة وقطرة دم أجر عظيم، وثواب جزيل، فعلى المضحي أن يطيب نفساً بأضحيته وأن يختار ما كان ثميناً سميناً صحيحاً سليماً، سليماً من العيوب التي تمنع الإجزاء وهي ما ورد في الحديث الصحيح: ((أربع لا تجزئ في الأضاحي العوراء البين عورها، والعرجاء البين ضلعها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقي))[4].
وكلما كانت الأضحية أكمل في ذاتها وصفاتها فهي أفضل وأعظم أجراً، وليس المقصود يا عباد الله مجرد اللحم الذي يؤكل فقط ولكن ما تتضمنه هذه الشعيرة من تعظيم لله جل جلاله، وإظهار للشكر له والامتثالٍ لأمره يقول سبحانه: وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَـٰهَا لَكُمْ مّن شَعَـٰئِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَـٰنِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَـٰهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ [الحج:36، 37].
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
فاتقوا الله أيها المسلمون وانبذوا عن أنفسكم الشح والبخل فقد أعطاكم الله كثيراً، وطلب منكم قليلاً، ف+وا في هذه الأيام المباركة عن أنفسكم وأهليكم وأولادكم ووالديكم، ففضل الله واسع، وله الفضل والشكر والحمد والمنة، وتفطنوا للسنن المعتبرة في الأضاحي فلا يجزئ في الإبل إلا ما له خمس سنوات، ومن البقر إلا ما تم له سنتان، ومن المعز إلا ما تم له سنة، ومن الضأن إلا ما تم له ستة أشهر.
وينبغي الإحسان في الذبح، وإراحة الذبيحة ونحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى وذبح البقر والغنم بإضجاعها على جنبها الأيسر ويوم العيد وأيام التشريق الثلاثة بعدها كلها وقتاً للذبح بحمد الله، والأفضل في الأضاحي أن توزّع أثلاثاً بأكل ثلثاً وبهدي ثلثاً، ويتصدق بثلث فلا تحرموا أنفسكم ثواب الله في هذه الأيام المباركة وكلوا مما أحل الله لكم وتقربوا إليه بالعج والثج يقول : ((أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل))[5].
حجاج بيت الله الحرام، ضيوف الرحمن، اشكروا الله على ما من به عليكم من الإفاضة من المزدلفة إلى منى بكل يسر وسهولة تستفتحوا أعمالكم بمنى برمي جمرة العقبة الكبرى بسبع حصيات متعاقبات ثم بعد الرمي ينحر المتمتع والقارن هديه ثم يحلق أو يقصر والحلق أفضل وإذا فعل الحاج اثنين من ثلاثة الرمي والحلق والطواف حُل له كل شيء حرم عليه في الإحرام إلا النساء فإنها لا تحل له إلا بعد التحلل الثاني بفعل هذه الأمور الثلاثة كلها، فمن قدم هذه الأمور على بعض فلا حرج لأن النبي ما سئل يوم النحر عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج))[6] وطواف الإفاضة وركن من أركان الحج، لا يتم الحج إلا به، يقول سبحانه: ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ [الحج:29].
وبعد الطواف يسعى المتمتع سعياً ثانياً لحجه وكذا المفرد والقارن إن لم يسعيا مع طواف القدوم ثم يبيت الحجاج بمنى ليالي أيام التشريق ويرمون الجمرات الثلاث مرتبة في كل يوم من أيام التشريق بعد الزوال، فالرمي والمبيت في هذه الليالي واجب من واجبات الحج، وإذا فعل الحاج ذلك فإن أحب أن يتعجل فذاك وإن تأخر فهو أفضل، يقول سبحانه: وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِى أَيَّامٍ مَّعْدُودٰتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ [البقرة:203]، وإذا أراد الحاج الرجوع إلى أهله ومغادرة المشاعر المقدسة وجب عليه أن يطوف للوداع لحديث ابن عباس رضي الله عنها: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض)[7].
فيا حجاج بيت الله الحرام، ويا وفود الملك العلام، اتقوا الله تعالى في حجكم أكملوا المناسك كما شرع الله، ألا وإن مما ينبغي التنبيه عليه أن بعض الحجاج هداهم الله يتساهلون في بعض الواجبات كالرمي والمبيت بمنى وقد يوكلون وهم قادرون مستطيعون، وقد يغادرون قبل تمام المناسك وهذا خطأ عظيم، وجرأة عظيمة على مخالفة المنهج الصحيح في هذه الفريضة العظيمة، وليتق الله المسئولون عن الحجيج من المطوفين وأصحاب الحملات فإنهم مؤتمنون على من معهم من الحجاج.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون، تذكروا باجتماعكم هذا يوم يجمع الله الأولين والآخرين لفصل القضاء بينهم فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله تذكروا يوم تحشرون على ربكم حفاة عراة غرلاً كما ولدتكم أمهاتكم حافية أقدامكم، عارية أجسادكم، شاخصة أبصاركم، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18]، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَـٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَـٰرَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2]، يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْء مِنْ أَخِيهِ وَأُمّهِ وَأَبِيهِ وَصَـٰحِبَتِهُ وَبَنِيهِ لِكُلّ ٱمْرِىء مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34-37].
تذكروا الموت وسكراته والقبر وظلماته والصراط وزلاته والمحشر وكرباته، واعملوا لهذا اليوم العظيم واستعدوا له بالتقوى والعمل الصالح فلن ينفعكم الأموال ولن ينفعكم الأولاد ولا المناصب ولا متاع الدنيا، فلا ينفع إلا العمل الصالح، واعملوا على حسن الخاتمة واسلكوا طريق الجنة ونعيمها والحذر من النار وجحيمها.
أيها الإخوة في الله، تعيشون هذا اليوم يوم عيد الأضحى المبارك فتذكروا وأنتم تنعمون بحلول هذا العيد في أمن وأمان وصحة واطمئنان إخواناً لكم يمر عليهم العيد وهم في أحوال قاسية، وأوضاعٍ مؤلمة، تذكروا الأطفال اليتامى والنساء الأيامى، الذين لا يجدون ابتسامة حانية ولا بشاشة مؤثرة، تذكروا إخوانكم في العقيدة المضطهدين في بلادهم في بقاعٍ شتى، هل تذكرتم إخوانكم المجاهدين الأفغان وإخوانكم المجاهدين في الأرض المباركة حول المسجد الأقصى فعملتم على نصرتهم ومد يد العون لهم.
إخوتي في الله، لقد فهم بعض المسلمين من العيد معاني اللهو والغفلة، فضيعوا هذه اللحظات المباركة بما حرم الله بل لعل بعضهم يستعد الآن لقضاء بقية الإجازة في بقاع موبوءة، وبيئات مشبوهة حيث تهدر الفضائل وتوأد المثل والقيم والأخلاق، ونقول لهؤلاء رويدكم وعلى رسلكم، فإن في بلاد المسلمين المأمونة البديل الأمثل من ذلك ولله الفضل والمنة.
أمة الإسلام، إن النصر على أعداء الله مطلب صالح يجب أن يعمل له المسلمون قادة وشعوباً ولن يأتي ذلك إلا بنصرة دين الله وتحكيم شرع الله يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، وإننا لنأمل أن يحقق الله النصر لهذه الأمة على أعدائها وأن تحرر مقدساتها ويحل العدل والسلام في ربوعها ولا سيما في البشائر المتمثلة في تهاوي كثير من الأنظمة المخالفة للإسلام، وصدق الله: وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ [الصافات:173]، وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ [الروم:47].
أمة الإسلام، المسكرات والمخدرات بأنواعها أوبئة فتاكة وسموم مهلكة يجب التعاون البناء في القضاء عليها والمحافظة على الأجيال من الانخراط والتورط في حبائلها وشباك مهربيها ومروجيها ومستخدميها.
الزنا واللواط، عملان شنيعان وجرمان فظيعان فيهما انتكاس للفطرة ومخالفة للشرع والعقل والحكمة وإضعاف للبدن والصحة وجلب للخطر على المجتمعات بأسرها، ويكفي واعظاً ما أفرزته الحظيرة الشهوانية من أمراض جنسية خطيرة وما الزهري والسيلان والهربز والإيدز إلا نماذج من عقوبات الله للمنتكسين للفطرة المرت+ين في حمأة الفساد والإباحية.
الأسرة المسلمة يا عباد الله نواة المجتمع الإسلامي بصلاحها تصلح المجتمعات وبفسادها تفسد، ولذلك فإنه يجب على أركان الأسرة من زوجٍ وزوجة وأولاد أن يحققوا الصلاح لأسرهم وأن يسدوا غارات التأثير السلبي عليهم، وإن على الزوجين المسلمين أن يقوم كل منهما بحقوقه وواجباته تجاه الآخر فما حصلت المشكلات الأسرية، والمعضلات الاجتماعية وارتفعت نسب الطلاق في المجتمع إلى حد ينذر بالخطر على المجتمعات إلا بسبب عدم قيام كل واحد من الزوجين بما يجب عليه للآخر، كما كان ذلك سبباً في انحراف الأحداث وتشرد الأبناء ووقوعهم في يد قرناء السوء، فالواجب علينا أن نتكاتف جميعاً على حل مشكلاتنا الاجتماعية، وأن يقوم أهل الحل والعقد وحملة الأقلام بإيلاء هذه الموضوعات رصيداً كبيراً من اهتماماتهم ومن ذلك قضايا الزواج وغلاء المهور ورد الأكفاء وعنوسة البنات والتفاخر والمباهاة وما إلى ذلك.
أيها المسلمون، ليقم كل واحد منكم بحقوق إخوانه المسلمين عليه ومن ذلك رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس وإجابة الدعوة ونشر المحبة والوئام وتحقيق التعاون على البر والتقوى، وأن يحب المرء المسلم لإخوانه المسلمين ما يحب لنفسه إيثاراً ونصرة بعيداً عن الأثرة والأنانية وحب الذات والحسد والحقد والبغضاء والغيبة والنميمة وليقم كل واحدٍ كل منكم بحقوق الوالدين فإن حق الوالدين عظيم وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّـٰهُ وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً [الإسراء:23].
وإن مما يؤسف له أن بعض الناس هداهم الله وقعوا في العقوق بل يكاد الإنسان لا يصدق من بعض الناس الذين تجردوا من الرحمة وخلت قلوبهم من الإيمان بل حتى من الآدمية تركوا آباءهم وأمهاتهم في دور الرعاية لا يعلمون عنهم شيئاً نعوذ بالله من قسوة القلوب والتجرد من الرأفة والرحمة كما يجب على المسلم أن يقوم بواجبه تجاه أقاربه من حيث الصلة والبر والإحسان وليحذر من قطيعة الرحم فإن شؤمها عظيم وضررها يصيب المسلم في العاجل قبل الآجل فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ أَوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَـٰرَهُمْ [محمد:22، 23]، وإن مما يؤسف له أن هناك خللاً في العلاقات الاجتماعية بين كثير من الأقارب نتيجة شبر من الأرض أو قليل من حطام الدنيا والعياذ بالله.
شباب الإسلام، عليكم القيام برسالتكم أنتم أحفاد العبادلة وأسامة ومصعب وخالد وابن القاسم فقوموا بواجبكم واعرفوا مكانتكم وتمسكوا بدينكم دون غلو ولا جفاء، ومن غير إفراط ولا تفريط.
وتمشياً مع سنة المصطفى في تحقيق موعظة للنساء فإني أقول لأخواتي المسلمات، اتقين الله عز وجل في أنفسكن، حافظن على الحياء والعفاف والحشمة، كن مسلمات مؤمنات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، أنتن في الإسلام درر مصونة وجواهر مكنونة، فكن على حذر مما يتربص به أعداؤكن الذين يريدون جركن إلى التبرج والسفور والتحرير والإباحية وقمن برسالتكن بالتربية والتنشئة لأجيال المسلمين.
إخوة الإسلام، حافظوا على الصلاة فلا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة وتخلقوا بالأخلاق الإسلامية الكريمة، والمثل والسجايا الحميدة، وحذار من الاكتفاء بالمظاهر دون عمل ولا تطبيق، واشكروا الله عز وجل فدينكم الإسلامي يحقق لمعتنقيه الراحة والطمأنينة بعيداً عن القلق والتوتر التي هي سمة المتبعين لغير منهج الله عز وجل، وصدق الله سبحانه: وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ [الزخرف:36، 37].
تقبل الله من الحجاج حجهم وأعانهم على أداء مناسكهم بكل يسر وسهولة وختم لهم بالتوفيق والقبول وأعادهم إلى بلادهم سالمين غانمين وأعاد الله هذا العيد على خادم الحرمين الشريفين وحكومته الرشيدة وعلى المسلمين جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها بالخير واليمن والبركات، وأعاده الله على الجميع أعواماً عديدة وأزمنة مديدة، إنه على كل شيء قدير.
[1] صحيح ، صحيح البخاري : كتاب الحج – باب التحميد والتسبيح ... حديث (1551) ، صحيح مسلم : كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات – باب تغليظ تحريم الدماء ... حديث (1679).
[2] صحيح ، أخرجه أحمد (3/8، 356) ، وأبو داود : كتاب الضحايا باب في الشاة يُضحى بها عن جماعة ، حديث (2810) ، والترمذي : كتاب الأضاحي – باب العقيقة بشاة ، حديث (1521) وقال : غريب من هذا الوجه. وصححه الحاكم (4/229) ، وجزم ابن عبد البر بنسبته للنبي في التمهيد (12/139) ، وصححه الألباني بشواهده ، إرواء الغليل (1138).
[3] صحيح ، أخرجه البخاري : كتاب الأحكام – باب بيعة الصغير ، حديث (7210).
[4] صحيح ، أخرجه أحمد (4/284) ، وأبو داود : كتاب الضحايا – باب ما يكره من الضحايا ، حديث (2802) ، والترمذي : كتاب الأضاحي – باب ما لا يجوز من الأضاحي ، حديث (1497) ، وقال : حسن صحيح. والنسائي : كتاب الضحايا – باب ما نُهي عنه من الأضاحي ، حديث (4369-4371) ، وابن ماجه: كتاب الأضاحي – باب ما يُكره أن يضحى به ، حديث (3144) ، وصححه ابن خزيمة (2912) ، والألباني ، إرواء الغليل (1148).
[5] صحيح ، أخرجه مسلم : كتاب الصيام – باب تحريم صوم أيام التشريق ، حديث (1141).
[6] صحيح ، أخرجه البخاري : كتاب العلم – باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها ، حديث (83) ، ومسلم : كتاب الحج – باب من حلق قبل النحر ... حديث (1306).
[7] صحيح ، أخرجه البخاري : كتاب الحج – باب طواف الوداع ، حديث (1755) ، ومسلم : كتاب الحج – باب وجوب طواف الوداع ... حديث (1328).
| |
|