molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: وسائل الاتصالات الحديثة: أحكام وآداب - عبد الرحمن السديس إمام الحرم الأربعاء 30 نوفمبر - 9:09:36 | |
|
وسائل الاتصالات الحديثة: أحكام وآداب
عبد الرحمن السديس إمام الحرم
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا عبادَ الله، اتّقوا الله تعالى حقَّ التقوى؛ فإنها الذّخر الأبقَى والسعادةُ التي لا فوقها مَرقى، وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة: 197].
لن يُجدِك الحسبُ العـالي بغيْر التُّقـى فاحذِر واتّقِ اللهَ
وابغِ الكرامةَ فِي نيلِ الفَخارِ فأكْرَمُ الناسِ عند اللهِ أتْقَاها
أيها المسلمون، في معارجِ الكُشوفات والتَّفنان استقرَّ إنسانُ هذا الزمان في عصر الثورة التّقنية المذهلة التي أسفَرَت عن وسائل الاتصالِ السريعة المتطورة؛ فخولتِ الإنسانَ أن يتواصَلَ مع من شاء في أيّ شبرٍ من المعمورة شاء وفي أيّ لحظةٍ شاء، في بثٍّ مباشرٍ مفصَّلٍ يحمِل الصوتَ والصورةَ معًا. وما ذاك إلا دليلُ عظمة الخالق البارئ المصوِّر سبحانه الذي هدَى العقول والأفكارَ فصنَعت واخترَعت وطوَّرت وأبدَعَت، عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق: 5].
أيها المؤمنون، ومن جديدِ الابتكارات المعاصِرة وعجيبِ الاكتشافاتِ الحديثة آلاتٌ ووسائلُ قد عمَّ بين الخليقة انتشارُها وجلَّت منافعها وآثارها، وكذا أضرارها وأخطارها، كم أظفَرت من المُنى والأرَب متى التُزِمَ فيها الحِجى والأدب، وكَم نشَرت مِن هدًى وصلةٍ واستقامةٍ ومعروفٍ وحِكمةٍ وبرٍّ وإغاثةِ ملهوف، يسَّرت بلوغَ الأخبار ونتائج الأفكار في لمحِ الأبصار مهما شطَّ المزار، قرَّبت البعيد وجدَّدت العَهيد وغدَت للعالم أجمَع قُطبَ رحَى التّخاطُب ومدَارَ الاتصالِ والتواصل.
آيات فخرٍ تجلَّى نورُها فغدَت مذكورةً بلسانِ العُرب والعَجَم
مـا صوَّر الله للأبدانِ أفئدةً إلا ليرفَعَ أهـلَ الجِـدّ والفهم
ولكنّها في مقابلِ ذلك إن أساءَ حاملُها وانحرَف وللإثم بها اجتَرَح واقترَف أصبحت بوتقةً للشرور والنّقم، فكم أوقعت في مصائدِ المصائب، وألقت كثيرًا من مستخدِميها بين أنيابِ الغوائِل والنوائب. ربّاه رباه، كم نكَأت بجَهلِ مُستخدميها جُروحًا لم تندمِل، وجرَّت أخطرَ افتضاحٍ ووجَل، وقصارى القول: من يسمَع يخَل، من يسمع يخَل.
تلكُم ـ يا رعاكم الله ـ هي وسائلُ الاتصالاتِ الحديثة بما فيها الهواتفُ المحمولاتُ والحاسوبات وأجهزةُ التقانات وشبكات المعلومات.
لها منظرٌ في العين أبيضٌ ناصع ولكنه في القلب أسودٌ سافع
إخوةَ الإيمان، ومع تهافُت الناس على أرقى تِقانات تلك الوسائِل وأحدَثِها إلا أنّك تُلفي فئامًا منهم في استخدامها منبَتًّا، يعيشون جَهلاً ذَريعًا بحُسن استعمالها وأَمتًا وخَطرًا مُحدِقًا كالسَّبَنتى مِن جفافِ الروح وضعفِ القيَم وعجزِ الهِمم دون التحدّيثات التي استهدفت كثيرًا من قضايانا العقدية والفكرية والثقافيّة والأمنيّة، كان رافدها هذه الوسائلَ والتقانات المعاصرة. ولن يُرتقَى بالوعي الشرعي والأدبي والثقافي في ذلك إلا إذا قُوِّمَتْ العقول وشُذِّبتْ الثقافات وهُذِّبتْ التعاملات والانطباعات إِزاءَ تلك المستجدّات المتوارِدات. وما أحرانا أن نزجيَ للعالم الإسلاميّ دُررًا من كنوز شريعتِنا الغرّاء عبرَ بصائر وإلماحاتٍ ووقفاتٍ سنيّات؛ علَّها تكون تذكرةً بأخلاقيّات تلكم الوسائِلِ وإيقاظًا وتسديدًا إلى حُسن استثمارها وإنهاضًا، مع النّظر في واقعنا حِيالها وأحوالنا تجاهها؛ تطلُّعًا واستشرافًا لخيرٍ يعمّ وتحذيرًا من شرورٍ وبوائقَ تغمّ، بل ليُؤجَرَ مستعمِلوها ويغنَموا ولا يأثموا ويغرموا، ومن المولى نستَلهِمُ الأيدَ والتوفيق والهُدى لأقوم سبيلٍ وطريق.
إخوةَ الإسلام، إنّ أولى هذه الآداب والبصائر إخلاصٌ للمولى جلّ وعلا وحمدٌ وشكرٌ للمنعِم المتفضل سبحانه على هذه النّعم الجلى والادِّكار والاعتبار بما سلَف من الأحوال والأعصار.
البصيرة الثانية: أن لا تُستَعمَل هذه التقانات إلا في حاجَتها وعندَ وقتها شَرعًا وعُرفا؛ فلا يهتِف المتَّصِلُ بمخاطَبه إلا في الأوقات المناسبة، ويدع الاتصالَ في الأوقات الأخرى غيرِ المناسبة التي جاءَ الشرع الحنيفُ ببيانها والعُرفُ بحُسبانها؛ +اعات البكور وأوقاتِ الظهيرة وما تأخَّر من الليل؛ حتى لا يُؤذيَ مشاعرَ المسلِمين ويقطعَ عنهم راحتَهم وخلوَتهم، إلاّ لمضطرٍّ وطارِئ، فلا تفتَأ هذه الوسائل ضَجيجًا وإزعاجًا، ولا تبرَح عَنتًا وإحراجًا، فكم من مريضٍ طريح ونائمٍ مستريح ومَشغولٍ بَريح أرَّقه وأزعجه رنينُ هذه الأجهزة والفَحيح، والله عزّ وجلّ يقول: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا [الأحزاب: 58]. ومن ابتُلي فلَيحلَم ويصبر، والله مع الصّابرين.
الدّرّة الغالية الأدبية الثالثة الأبيّة: التِزام التحيّة الشرعية، تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ [الأحزاب: 44]، قبل المبادرةِ بالخطاب والكلام، وكم يَغفل عن هذا الخلق القويم فئامٌ من الناس، يقول : ((أوَلا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)) أخرجه مسلم في صحيحه، أو يستَبدلونها بتحَايا وافِدةٍ وعِباراتٍ نمَطيةٍ نافِذة. يلي ذلك مباشرةً تعريف المتّصل بنفسه وقصده، مُفصحًا عن غَرضِه وأَرَبه، بوقارٍ واحتِرام دون تمويهٍ وإلغاز ومواربةٍ وإعجاز وإثارةٍ واستفزاز؛ ليطمئنّ المخاطَب وتنزاح الوحشة بين المتّصِلَين، ويُبتَدَر المتّصِل بنعم ونِعمة عَين.
مَعاشر المسلمين، ورابعة دُرَر البصائر والأخلاق التي تضمَّن الأحداق الإيجاز في الحديث والاختصار، وأن يكون الاتصال هادفًا لطيفا مدبَّجًا بالعقل وَريفا، دون ما يُشاهَد ويُرَى ويُسمَع ويُروَى من هَذرٍ وإملالٍ وقيلَ وقال وإهدار وقتٍ نفيس وإثقالٍ بما قد يورث الأوزار الثِّقال ويكون سببًا في ضياع الجهد والمال. أنَسي هؤلاء قول الحق تبارك وتعالى: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18]؟! أوَلم يَستشعِروا قوله عليه الصلاة والسلام: ((إن الله يرضى لكم ثلاثًا ويكره لكم ثلاثا))، إلى أن قال عليه الصلاة والسلام: ((ويكره لكم قيل وقال، وكثرةَ السؤال، وإضاعةَ المال)) أخرجه مسلم في صحيحه؟! وفي الأثر الجليّ عن الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه قال: (اللسان معيارٌ أطاشَه الجهل وأرجَحه العقل)، وفي طروس الحكم: "اعقلْ لسانَك إلا عن حقٍّ توضِّحه أو باطلٍ تدحَضه".
أمّةَ الإسلام، ومما يستوقفنا خامسًا وهو من السلوكيات المقيتة التي لا يتورَّع عنها فئامٌ من الناس ممّن تجافوا عن المروءة والنّبل والشهامة والفضل ولا يفقهون شناعتها ونكارتها التمادي في استغفالِ الآخَرين بفَتح مكبّر الصوتِ على الملأ أو تسجيلِ مكالمةٍ أو تنصّتٍ خادعٍ دونَ عِلم المتّصل وإذنه، وهذا الفعل الوضيع بغيضٌ شرعًا وأدبًا؛ لتضمّنه الخيانةَ والنميمة والتجسّس وتتبّع العورات والفضول في التعرّف على الأسرار والخصوصيّات، وكم شُتِّتَت أُسرٌ وتصرّمتْ عَلاقات بسبَب سوءِ هذه التصرّفات. وقد ورد الوعيد الشديد في ذلك، يقول : ((منِ استمع إلى حديث قومٍ وهم له كارهون صُبّ في أذنيه الآنك يوم القيامة)) أخرجه البخاري.
إخوةَ العقيدة، أمّا الوقفة السادسة: فهي مع محظورٍ شرعيّ يحتفّ بهذه الوسائل والتقانات، ألا وهو تلكم النغمات غير الشرعية التي ضمَّنها جمٌّ غفير أجهزةَ اتصالاتهم، وما كان أغناهم بالمباح عن ذلك! بل منهم ـ هداهم الله ـ من يتوقَّح بإسماع غيره ذلك المنكرَ ويتبجَّح بكلّ صفاقةٍ ورُعونةٍ ودون مسكَةِ ارعِواء أو ذرّة حياء.
وسابعة الوقفات المهماّت التي ألمّت بالمقلقلات وأطلّت بالمؤرِّقات وحادّتِ المسلمين في لذيذِ مناجاتهم وخُشوعهم وأنسِهم بالله وخضوعهم: تركُ الهواتف المحمولة مَفتوحةً أثناءَ الصلاة، فترتفعُ منها أصواتُ المعازف في بيوت الله، في بيوتٍ حفَّها التطهيرُ والتعظيمُ والرّفع والتفخيم، فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [النور: 36].
ووا أسفاه وا أسفاه أن يلجَ هذا الإثمُ مواطنَ الخشوع والإنابة والتسبيحِ والعبادة، ووا عَجبًا لمسلمٍ أمَّ بيتَ الله وقصدَ حرمَ الله يرجُو ثوابه ويخشَى عقابه لا يبالي أن يُغلق هاتفَه قبل وقوفه بين يدي الله سبحانه وفي بيته وحرمه! عياذًا بالله. ومن استحكَمت فيه هذه الجسارةُ فقد باء بالوِزر والخسارة، وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ [الحج: 30].
أحبَّتَنا الأكارم، ومما نستبصر به ثامنًا في أخلاقيات هذه الوسائل أنها تُستَعمَل من البعض دون تحرجٍ أو خجلٍ حَال قِيادة المركبات؛ مما جرَّ مآسي ونكبات، حيث أكّدت الدراسات والإحصاءات أنّ أهمّ أسباب حوادثِ السير وإزهاقِ الأرواح وإشاعةِ الأتراح الانشغال بالهواتفِ المحمولة، وصاحبها لا يزال مستَخِفًّا مذمومًا وبأفظع المخالفات موسومًا. فعلى الجِهات المختصّة سنُّ الأنظمة الواقعية حيالَ هذا السلوك المشين الذي يحمِل في طيّاته كوارثَ بشريّة ومخاطرَ اجتماعيّة محقَّقة، نسأل الله العافية والسلامة.
أيّها الآباء والأمهات، أيّها التربويّون والتربويّات، ولئن دَلفنا إلى البصيرة التاسعة فإنّه يقال: لما كانت تلك الوسائلُ والتقانات مظنّةَ أخطار وأضرار وأصبحَت طوعَ بَنان المراهقين والمراهِقات وكلِّ صغيرٍ غريرٍ وحدثٍ طرير وجَب على أولياءِ الأمور متابعةُ أبنائهم ومحمولاتهم وأجهزتِهم بين الفينة والأخرى، وتعهّدُهم في عَطفٍ وأبوّةٍ وحبٍّ وحنانٍ بالنصح والإرشاد بالمرحمة قبل الملحمة تلقاء تلك الأجهزةِ والتقانات، فكم من فرطاتٍ وويلاتٍ ومهالِك أسفَر عنها تفريطُ الآباء هنالك، وحاق الندَم ولات ساعة مندَم. أخرج الشيخان من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((كلكم راعٍ، وكلّكم مسؤولٌ عن رعيته: الرجل راعٍ في أهله ومسؤولٌ عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها)). الله الله في رعاية البنين والبنات سلوكًا بهم في معالي الغايات ورُقيًّا بهم في مدارج الكمالات.
معاشر المسلمين والمسلمات، وعاشرةُ تلك البصائر وخاتمتها: الحذرُ مِن استغلالِ تلك الوسائل والتقانات في المسالكِ الوبيئة والأغراضِ المحطِّمة الدنيئة بنشرِ الرّذيلة وهدمِ الفضيلة، وذلك عبرَ الهواتفِ المحمولةِ المزوَّدة بآلات التصوير الحديثة؛ فيسعى منحَطّ السلوك عديمُ المروءة ميِّت الضمائر بكلّ خُبثٍ وحيلةٍ ومَكرٍ وغيلةٍ لإيقاعِ المحصَنات الغافلات المخدوعَات العفيفات في شِراك التصويرِ الخادِش؛ ليتّخذوا ذلك ـ وبئس ما اتخذوا ـ مطيّةً للتشهير والاستفزاز والمساوَمة الوقحة والابتزاز؛ مما يهصِر الغيرةَ هَصرًا ويُذيب أفئدةَ المؤمنين عَصرا، ويا لله! كم هؤلاء الأغمارُ الجاهلون عن وعيد الله ذاهلون، إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور: 19].
وقُل مثلَ ذلك فيما يُسمّى بمواقع التخاطُب مع الغير، وما يعرف بغُرَف الشّات والماسنجر والبلوتوثات التي تحطّم الشرفَ والعِرض على نواتئ الصخور الصلدة من قِبَل السباع البشرية الضارية والذئاب المسعورة الشانية، ويُسلك في ذلك السِّمط الصديء الطعنُ في أعراض البرآء والبريئات عبرَ مواقع ومنتديات الشبكة العنكبوتيّة العالمية وما يسمّى بالإنترنت؛ إمعانًا في كيدهم والنيلِ من شرَفهم والطعنِ في أعراضهم، والله من ورائهم محيط.
وبِمُغرَورِقِ الأسى واللَّهَف يقال: إنّ تلك الفواجِع وهاتيك المواجِع متى استحكمت في مجتمَع واستمرأها فعلى الدنيا العفاء، وسطّروا على أنقاضها عباراتِ الفناء، والله وحدَه المستعان، وإليه المشتكى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ألا فاتقوا الله عبادَ الله، واحذروا سخَط المولى في هذه الوسائل والتقانات المعاصرة، واغنموا منافعها وإيجابياتها؛ تتحقَّق لكم فوائدُها وعوائدها المأمولة، والله الموفّق والهادي إلى سواء السبيل.
اللهم انفعنا وارفَعنا بالقرآن العظيم، وبما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وبهدي سيد المرسلين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه كان حليمًا غفورًا.
الخطبة الثانية
الحمد لله وليّ التوفيق لأقوم سبيلٍ وسَنَن، سبحانه قضَى أنْ كلُّ إنسان ب+بِه مرتَهَن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبد الله ورسوله، أخشَى البرية في السرِّ والعلَن، وعلى آله وصحبِه منابِع الفضلِ والسُّنن، وكلٌّ بالثناء قَمِن، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقَب الزمَن وغرَّدت ورقاء بفنن.
أما بعد: فيا عبادَ الله، اتقوا الله تبارك وتعالى، واستثمروا مِنَنه في مرضاته، وليغدُ كلٌّ بالطاعات في نجاته.
إخوةَ الإسلام، وبعدَ أن برِح الخفاءُ واستفحَل من هذه الوسائل الداءُ حُقّ وصفُ الدواء وبيان الآثار البلجاء، ففي غَمرَة الانكبابِ المحموم على هذهِ الوسائلِ فإنَّ هذه التقانات المذهِلة تتطلَّب خُططًا مدروسة واعية ومناهجَ محكمَة واعبَة وإفاقة حازمة عاجلة ترشِّد استعمالها واستثمارها واستغلالها، وتوازِن بواقعيّة صارمة في أضرارِها وآثارها. وعلى ضوءِ ذلك المنهاج تزرع في نفوس الأمة الإيمانَ المزدهر العميق الذي ي+ر من هذه التقانات شِرَّتَها ويحدّ من غلوائها، بل ويصدّ من بلوائها، وأن تُستَثمَر تلك الأجهزة وَسائِلَ مُهمّة ناجحة في خدمة الدين ونشرِ إشراقاته ونحل العالمين نورَه وجمالياته والاضطلاع بواجب الدعوة والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مِن خلال مواقعِ الهواتف المحمولة وشبكاتِ المعلومات الثابتة والمنقولة والمنتديات والمواقع الإسلامية المأهولة، التي تقدِّم الحلول الشرعيّة لنوازل العصر ومستجدّاته والفتاوى الموثوقة المؤصلة والفوائد العلمية المعجّلة، وأن يُستفاد من وسائطها المتعدّدة في تحصين شبابِ الأمة دون الانزلاق في بؤر الشهواِت التي تعصِف بهم والشبهات التي تخلص بهم إلى مراتع التكفير والتنطّع والغلو والتّخريب والعولمة والانفتاح والتغريب، وأن نغرِسَ فيهم إيمانًا يأتلِق بنورِ الاعتدالِ والوسطيّة والثبات والبصيرة. فللَّهِ درّ أقوام استثمروا هذه الوسائلَ في إيجابياتها ومصالحها، وحاذَروا شرورَها وسلبيّاتها، ودَرؤوا مفاسِدها وقبائحها، وسامَح الله أقوامًا غفَلوا عن استثمارها في أحسن ما وُجِدت له، فاستغَلّوها في أسوأ ما صُنِعَت له، إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى [الليل: 4].
إنّ على المجتمعاتِ والجامِعات والجمعيّات والمؤسَّسات الساعية لنشرِ الإسلام وحقائقه استثمارَ هذه النعم في شتى ضُروب الدين ومجالات الحياة على نحوٍ مبدِع متميّز، وأن يكونَ طموحهم وآمالهم أنّ هذا القرن بوسائله وتِقاناته هو قرنُ الإسلام غيرَ منازَع، وهو عصر المسلمين غيرَ مُدافع، وما ذلك على الله بعزيز ما صحَّت العزائم واطُّرِحت الهزائم، وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [يوسف: 21].
معاشر الأحبة، وما كان لهذه القضيّة المهمّة أن تُنَكِّبنا عن أحوال أهالينا وإخواننا وأُسَرِنا في محافظتَي أُملج والعِيص وما جاوَرهما من بلادِنا العزيزة، حيثُ لا غِنى لهم عن رِفدكم ودَعمكم وصادقِ مشاعركم ودُعائكم في جوف الأسحار أن يكشفَ الله كربتَهم ويزيل غمَّتهم ويخفِّف لوعتَهم ويردَّهم إلى دورهم سالمين آمنين. وغيرُ خافٍ على الجميع أنَّ التسلُّحَ بالإيمان بالله والصّبر على قضائه وقدره واحتسابِ أجره والإنابة إليه واستغفاره وصِدق اللَّجَأ إليه ودُعائه هو عُدّة الأزمات، مع عدَم التهويل والإثارة اعتزازًا بالثّقة بالله ثمّ بوُلاة الأمر، وعدَم الانجراف وراء الإرجافات والشائعات المغرِضة، فلا هلَع ولا فزَع ولا جزَع، وإنما توكُّل وصبرٌ ورِضا وبِثَواب الله طَمَع. على أنَّ الجهدَ الرائدَ المشكور لولاةِ الأمور ـ وفقهم الله ـ ورِجال الأمنِ والدّفاع المدنيّ السّاهرين على رعايتهم وعنايَتهم مُضفٍ بحمد الله للارتياح والسرور والرضا والابتهاج والحبور، وبَلسمٌ دون وطأة الخَنَقِ والوجوم، ضاعَف الله لهم الأجرَ والمثوبة وبارك لهم آلاءَه الهامية ونِعَمَه النامية، وحفِظَنا وإيّاهم منَ الكوارث وشرورِ الحوادِث، إنه خير مسؤول وأكرم مأمول.
هذا، وصلّوا وسلِّموا ـ رحمكم الله ـ على الرحمة المهداة والنعمة المسداة، نبيِّكم محمّد بن عبد الله، كما أمركم بذلكم المولى جلّ في علاه، فقال تعالى قولا كريما: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
صلّـى عليه إلـهُ العرشِ ما طلَعت شمسٌ وما لاح نجم في دجى الظلم
وآلـه أمنـاء الله مـن شهـدت لقَدرِهـم سـوَرُ القرآن بالعِظَم
اللّهمّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين...
| |
|