molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الإنفاق في سبيل الله - عبد الحميد بن جعفر داغستاني الإثنين 28 نوفمبر - 4:31:10 | |
|
الإنفاق في سبيل الله
عبد الحميد بن جعفر داغستاني
الخطبة الأولى
أما بعد:
فإن الإسلام جاء بالتكافل الاجتماعي فحدد أطره، ووضع عناصره، وبين سبله ، وسن ما يحث عليه ويحفظه ، فالمسلمون في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
ولقد جاءت مجموعة الشرائع في مجال الأخلاق والمعاملات والعبادات لتؤكد على هذا الجانب كصلاة الجمعة والجماعة في الفرائض والأعياد ، وكآداب الجوار ، وصلة الأرحام ، وكحسن الخلق المتضمن أنواعاً عدة من محاسن الأخلاق ومجامعها.
وإن من أعظم وسائل تقوية التكافل الاجتماعى في الإسلام البذل والإنفاق، لذلك حبب الإسلام إلى بنيه أن تكون نفوسهم سخية وأكفهم ندية وأن يجعلوا تقديم الخير إلى الناس شغلهم الدائم لا ينفكون عنه في صباح أو مساء يقول تعالى: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون [البقرة:274].
ومن الواجب على المسلم أن يقتصد في مطالب نفسه حتى لا يستنفذ ماله كله ، فإن عليه أن يشرك غيره معه فيما آتاه الله من فضله وأن يجعل في ثروته وماله متسعاً يسعف به المنكوبين ويريح المتعبين قال رسول الله : (( يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك ، وإن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف(1) وابدأ بمن تعـول، واليـد العليـا خير من اليد السفلى )) رواه مسلم(2)، ويقول : (( السخي(3) قريب من الله، قريب من الجنة، قريب من الناس، بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الجنة، بعيد من الناس، قريب من النار، والجاهل السخي أحب إلى الله عز وجل من عابد بخيل )) رواه الترمذي(4).
ولما كانت النفس البشرية تخشى الفقر وتخاف الإنفاق فقد ضمن لها الله سبحانه وتعالى أن يخلف ما أنفقت غيره فيقول تعالى: وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه [سبأ:39].
ويروي أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : (( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفا ))(6). متفق عليه وعنه أن رسول الله قال: (( قال الله تعالى: أنفق يا ابن آدم ينفق عليك ))(7) متفق عليه.
وعندما ينفق المسلم من طيب ماله ولا يقبل الله إلا حلالاً طيباً فيجب عليه أن يعرف أن ذلك مدخر له عند ربه فعن عائشة رضي الله عنها أنهم ذبحوا شاة فقال النبي : (( ما بقي منها؟ قالت: ما بقي منها إلا كتفها. قال: بقي كلها غير كتفها ))(1)رواه الترمذي. وقال حديث صحيح.
وتحسن النفقة وتعظم بل وتتأكد عند ظهور الحاجة خاصة كانت أم عامة كمريض فقير يحتاج إلى علاج ، أو ناكح فقير يريد العفاف ، أو عائل أسن ذي عيال صغار ، أو مجاعة شاملة نتيجة قحط وجدب وإبطاء مطر وجفاف نهر.
وهذه صحف اليوم وبقية وسائل الإعلام تطلعنا أخبار مجاعة رهيبة ظهرت في مجموعة كبيرة من دول إفريقيا ، ومعظم سكانها من المسلمين، أكلت هذه المجاعة الأخضر واليابس ، وتركت مئات الألوف بل الملايين بلا طعام يطعمونه، ولا ظل يستظلونه، بل ولا ماء بارد يشربونه ، فترى هياكل عظيمة بشرية تتحرك، خيم عليها شبح الجوع والبؤس، ورفرفت عليها بوادر الموت المخيف.
ولنا أن نتصور منظر الأم التي يجود طفلها بأنفاسه الأخيرة تذرف الدمع السخي، وهو – والحالة هذه – شحيح قليل، ولنا أن نتخيل الجموع العظيمة من الناس وقد شحبت وجوهها ، وقرقرت بطونها ، والتفت على بعضها البعض ، خائرة قواها ، منتظرة أجلها المحتوم ، أو منقذا تروم ، تقلب طرفها في جوانب السماء والأرض مستبطئة الغرق ، ولنا أن نتخيل كذلك المواشي الميتة ، الملقاة يمينا ويساراً ، فهذه مراعي خضراء يبست ، وتلك أنهار إقليمية جفت ، إنها يا عباد الله حالة مؤلمة محزنة ، مبكية ، والذي يزيد في الألم وجود أعداد أخرى من المسلمين متنعمين يرمون في صناديق الفضلات طعامهم، بل ويجمعونه في قلابات، ويرمونه في التراب ، وآخرون توسعوا في الكماليات حتى كأنهم لا يعلمون بأن هذه الأموال التي تضيع في السرف واللهو ربما أنقذت عوائل كثيرة ، ويزيد في الألم مسارعة أهل الكفر والزندقة وأصحاب الأهواء من يهود ونصارى إلى اغتنام هذه الفرصة الثمينة ، فقد قامت حملات تنصيرية كبيرة للإغاثة ، ولتقديم الطعام ، والعلاج ، واللباس ، وليقدم مع هذا السم الذي يرد المسلم عن دينه فنراه يتنصر ، أو يتهود ليصبح بعد أن كان مسلماً قوة ضاربة على الإسلام.
فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
اللهم ألهمنا رشدنا وبصرنا عيوبنا ، وأعنا – ربنا – على الإحساس بإخواننا ، وأن نقوم بواجبنا نحوهم ، إنك سميع مجيب ، وبالإجابة جدير .
(1) الكفاف : الذي لا يفضل عن الشيء ويكون بقدر الحاجة إليه ، النهاية في غريب الحديث والأثر 4/ 191.
(2) في صحيحه : كتاب ال+اة ، باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى 7/ 126 .
(3) السخي : الجواد ، الصحاح 5/ 2373 .
(4) في سننه : كتاب البر والصلة ، باب ما جاء في السخاء 4/ 342 .
(6) صحيح البخاري : كتاب الزكاة باب قوله تعالى : ( فأما من أعطى واتقى .. ) 2/ 120 ، صحيح مسلم : كتاب ال+اة ، باب كل نوع من المعروف صدقة 7/ 95 .
(7) صحيح البخارى : كتاب التفسير – سورة هود – باب قوله تعالى : (وكان عرشه على الماء ) 5/213 ، صحيح مسلم : كتاب ال+اة باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف 7/ 80 .
(1) سنن الترمذي : كتاب صفية القيامة باب <<33>> 4/ 644 .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله وصفوته من خلقه ، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراُ أما بعد :
فإن المسلم الغيور إذا سمع كلامنا الذي أسلفناه ليبادر راغباً في الإنفاق سائلا كيف يمكن أن توصل لقمة إلى تلك الأفواه الجائعة؟ ولربما سأل سائل فقال: إني لا أملك إلا القليل فما عسى هذا القليل أن يسد من الحاجة ؟ أسئلة متتابعة ويمكن أن يجاب عنها فمن أراد أن يسأل كيف السبيل إلى إيصال المساعدة لهم ؟ نجيبه بأن رابطة العالم الإسلامي دعت ولا تزال تدعو المسلمين للتبرع لإخوانهم وهي مستعدة لتلقي جميع أنواع المساعدة.
والذي يقول: إنه لا يملك إلا القليل يجاب بأن أبا هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : (( من تصدق بعدل تمرة من +ب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه(1) حتى تكون مثل الجبل ))(2) متفق عليه.
فالقليل كثير وهل كانت البحار إلا قطرات ماء تجمعت ؟ وهل كانت الجبال إلا حصى توافقت؟
ويحسن هنا أن أورد الحديث الذي يرويه أبوعمرو جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله في صدر النهار قال: ((فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي(3) النمار(1) أو العباء (2)، متقلدي(3) السيوف ، عامتهم من مضر ، بل كلهم من مضر، فتمعر(4) وجه رسول الله ، لما رأى بهم من الفاقة(5) ، فدخل ثم خرج ، فأمر بلالاً فأذن وأقام . فصلى ثم خطب . فقال : يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً [النساء:1]. والآية التي فى الحشر: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون [الحشر:18]. تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه ، من صاع بره ، حتى قال : ولو بشق تمره. فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت. قال : ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجـه رسول الله يتهلل كأنه مذهبة . فقال رسول الله : (( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ))(8)رواه مسلم.
(1) فلوه : الفلو هو المهر الصغير ، وقيل هو العظيم من أولاد ذوات الحوافر ، النهاية في غريب الحديث والأثر 3/ 774 .
(1) صحيح البخاري : كتاب ال+اة ، باب الصدقة من +ب طيب 2/ 113 ،
صحيح مسلم كتاب ال+اة باب كل نوع من المعروف صدقه 7/ 99.
(3) مجتابي : أي لابسيها ، يقال اجتبت القميص والظلام إذا دخلت فيهما ، النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 310 .
(1) النمار ب+ر النون ، جمع نمرة وهي كل شملة مخططة من مآزر الأعراب، والمعنى أنهم جاؤوا لابسي أزر مخططة من صوف ، المرجع السابق 3/ 118 .
(2) العباء : ضرب من الأ+ية ، واحدها عباءة ، المرجع السابق 3/ 175 .
(3) متقلدي السيوف : لابسيها في أعناقهم ، النهاية في غريب الحديث والأثر 4/ 99 .
(4) فتمعر : أي تغير وأصله قلة النضارة وعدم إشراق اللون ، المرجع السابق 4/ 342 .
(5) الفاقة : الحاجة والفقر ، المرجع 3/ 480 .
(8) صحيح مسلم : كتاب ال+اة ، باب الحث على الصدقة وأنواعها وأنها حجاب من النار 7/ 102 .
| |
|