molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الصبــر - عبد الحميد بن جعفر داغستاني الأحد 27 نوفمبر - 9:41:03 | |
|
الصبــر
عبد الحميد بن جعفر داغستاني
الخطبة الأولى
أما بعد :
فإن الله عز وجل ذكر الصبر في القرآن في نحو تسعين موضعا، وأضاف إليه أكثر الخيرات والدرجات، وجعلها ثمرة للصبر فقال تعالى: وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون [السجدة:24]. وقال تعالى: وتمت كلمات ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا [الأعراف:137].
والله سبحانه وتعالى يجزي بالصبر أحسن الجزاء إذ يقول: ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون [النحل:96].
ثم إنه ما من قربة ولا طاعة إلا وأجرها بتقدير وحساب إلا الصبر إذ يقول تعالى: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب [الزمر:10].
ولما كان الصوم من الصبر قال تعالى: ((الصوم لي وأنا أجزي به ))(5). ووعد الله الصابرين بأنه معهم وجمع لهم أمورا لم يجمعها لغيرهم إذا يقول: أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون [البقرة:157]. وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي أنه قال: ((ما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر ))(1).
الصبر ضربان أي نوعان:
بدني كتحمل المشاق بالبدن وكتعاطي الأعمال كالجهاد في سبيل الله والحج واحتمال الأذى في تبليغ دعوة الله للناس كافة وغير ذلك.
والضرب الآخر هو الصبر النفساني عن مشتهيات الطبع ومقتضيات الهوى، وهذا النوع إن كان صبرا عن شهوة البطن والفرج سمي عفة، وإن كان صبرا في القتال سمي شجاعة ،وإن كان في كظم الغيظ سمي حلما.
وإن كان في نائبة أو مصيبة مضجرة سمي سعة صدر، وإن كان في إخفاء أمر سمي كتمان سر، وإن كان في فضول عيش سمي زهدا، وإن كان صبرا على قدر يسير وجزء قليل من الحظوظ والمتع المباحة سمي قناعة، وإن كان صبرا على مصيبة سمي صبرا فقط.
وهنا يتضح لنا كيف أن الصبر حوى مجامع الأخلاق وأفاضل أنواع السلوك الحسن المرضي لله عز وجل .
عباد الله: إن جميع ما يلقى العبد من الأمور لا يخلو من أحد امرين موافق لهواه أو مخالف له.
أما ما يوافق هواه فيدخل ضمنه الابتلاء بالسراء من صحة وسلامة ومال وجاه وكثرة عشيرة وأتباع، فالعبد محتاج إلى أن يصبر في جميع هذه الأمور فلا يركن إليها ركونا ينسيه ربه وخالقه وواجبه تجاهه ومتى لم يضبط نفسه عن الانهماك في اللذات والركون إليها أخرجه إلى البطر(1) والطغيان،
ولذلك قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون [المنافقون:9].
وقال تعالى: واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة [الأنفال:28]. وقال تعالى: إن من أزوجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم [التغابن:14].
إن الابتلاء بالسراء قد يكون أخطر من الابتلاء بالضراء ولذا يقول الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف: (ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر) وقال بعض الصالحين: (المؤمن يصبر على البلاء، ولا يصبر على العافية إلا صديق ).
ذلك أن السراء تدغدغ المشاعر والنفوس أما الشدة فتسبب ردة فعل يكون معها غالبا النجاة بإذن الله .
وأما الأمر الثاني وهو المخالف للهوى فهو أقسام ثلاثة: صبر على طاعة وصبر عن معصية وصبر على المصائب والنائبات .
فالطاعة تحتاج إلى صبر لأن النفس بطبيعتها تنفر عن التكاليف والمشاق، وفي العبادة تكليف ومشقة فيصبر في تصحيح نيته وتخليصها من شوائب الشرك والرياء منذ بدء العبادة، ويصبر أثناء العبادة على مشاقها، والمعصية تحتاج إلى صبر عنها إذ يزينها للعبد هوى نفسه وشياطين الجن وقرناء السوء والمعصية هدم والهدم يسير والبناء صعب .
وليس معنى هذا أن الله يريد أن يعذب عباده لا إنما يريد بهم الخير من رفع درجة، أو حط خطيئة، أو صرف أذى أكبر. يقول تعالى: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون [البقرة:155].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((من يرد الله به خيرا يصيب(2) منه ))(3)رواه البخاري. وعنه أيضا رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ما يزال البلاء بالمؤمن في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة)) رواه الترمذي (4) .
(5) البخاري كتاب الصوم باب فضل الصوم 2/226 ، مسلم كتاب الصيام باب فضل الصيام 8/32 .
(1) البخاري كتاب الزكاة : باب الاستعفاف عن المسألة 2/129 ، مسلم كتاب ال+اة : باب فضل التعفف والصبر والقناعة 7/145
(2) البطر : الطغيان عند النعمة وطول الغنى ؛ النهاية في غريب الحديث والأثر 1/135 .
(2) أي يبتليه بالمصائب ليثبته عليها النهاية في غريب الحديث والأثر 3/57 .
(3) البخاري كتاب المرضى والطب باب ما جاء في كفارة المرض 7/3 .
(4) سنن الترمذي كتاب الزهد باب ما جاء في الصبر على البلاء 4/602 .
الخطبة الثانية
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
فإن للصبر آدابا يحسن للعبد اتباعها ليحوز الجزاء الأعظم والثواب الأوفى فمنها:
الصبر عند الصدمة الأولى فلا يظهر تسخطا بقضاء الله وقدره ولا يتكلم بكلام ربما ذهب عنه أجر وجزاء وقوع هذه المصيبة والرسول يقول: ((إنما الصبر عند الصدمة الأولى))(1) متفق عليه، ومن الآداب الاسترجاع عند المصيبة أي أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون [البقرة:156].
فهو بهذا يتأدب بأدب القرآن .
ومن الآداب سكون الجوارح واللسان ، فأما البكاء فجائز فقد بكى الحبيب عند موت ابنه إبراهيم رضي الله عنه .
ومن آداب وفوائد الصبر أن يفكر في سبب مصيبته فلعلها وقعت بسبب معصية أو ذنب فضيق عليه في رزقه أو أصيب في أهله وولده أو أصابه الغم والحزن في نفسه ويتفكر أن في مصيبته هذه عدة نعم ينبغي أن يشكر الله عليها، فأولها أنها لم تكن في دينه. وثانيها أنها ربما رفعت ووقعما هو أكبر منها. وثالثها أنه إن صبر فقد فاز بمحبة الله وأجره الذي لا يعطى إلا لمن صبر، فعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي قال: ((ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب(1) ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)) متفق عليه(2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: يقول الله تعالى: ((ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة ))(3) .
(1) صحيح البخاري : كتاب الجنائز، باب زيارة القبور 2/79، مسلم كتاب الجنائز باب الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى 6/ 227 .
(1) الوصب : دوام الوجع واستمراره وقد يطلق على التعب وفتور البدن ، النهاية في غريب الحديث والأثر 5/190
(2) البخاري : كتاب المرضى والطب، باب ما جاء في كفارة المرض 7/2 ، مسلم كتاب الصبر والصلة باب ثواب المؤمن فيما يصيبه 16/130 .
(3) البخاري : كتاب الرقاق ، باب العمل الذي يبتغى به وجه الله 7/172 .
| |
|