molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: آداب نبوية - عبد الحميد التر+تاني الجمعة 25 نوفمبر - 4:07:23 | |
|
آداب نبوية
عبد الحميد التر+تاني
الخطبة الأولى
وبعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى وتأدبوا بآداب الإسلام والتزموا بما أمر لعل الله أن يرحمكم، سوف أتحدث في هذه الخطبة عن جملة آداب وردت في حديث صحيح عن النبي حيث روى أبو داود في سننه والترمذي في جامعه بسند صحيح أن أبا جري جابر بن سليم، قال: رأيت رجلا يصدر الناس عن رأيه، لا يقول إلا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله ، قلت :عليك السلام يا رسول الله، مرتين، قال: ((لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الميت، قل: السلام عليك، قال: قلت :أنت رسول الله ؟ قال: أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضر فدعوته كشفه عنك وإن أصابك عام سنة فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفراء أو فلاة فضلّت راحلتك فدعوته ردها عليك، قال: قلت: اعهد إلي، قال: لا تسبّن أحدا قال: فما سببت بعده حرا ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة، قال: ولا تحقرن شيئا من المعروف، وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك إن ذلك من المعروف وارفع إزارك إلى نصف الساق فإن أبيت فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيّرك بما يعلم فيك فلا تعيّره بما تعلم فيه فإنما وبال ذلك عليه)).
إن هذا الحديث العظيم يشتمل على عدة آداب وكريم أخلاق وجميل شمائل يستحب لكل مسلم صادق أن يلتزم بها ويتخلق بأحسنها لأنه ليس شيء أثقل في موازين العبد يوم القيامة من حسن الخلق، وفي الحديث الصحيح عن النبي أنه قال: ((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء)). وقال أيضا: ((إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة القائم الصائم)) رواه أبو داود وهو صحيح.
إذا علم هذا الأصل وهو محاولة تأديب المرء نفسه بالتزام أحسن الأخلاق واجتناب أسافل الأخلاق، نجد في هذا الحديث كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام أدب هذا الرجل من بداية لقيّه عندما سلّم عليه ولم يحسن السلام فدله على الصيغة الأفضل في تحية الإسلام، ولهذا في رواية الترمذي قال له عليه الصلاة والسلام: ((إذا لقي الرجل أخاه المسلم فليقل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)).
وقد يشكل على البعض قوله عليه الصلاة والسلام: ((إن عليك السلام تحية الميت)) أنه إذا ذهب إلى المقابر لزيارتها فإنه يسلم بقوله: عليك السلام وهذا فهم خاطيء ولكن النبي بين له أن هذه الصيغة تحية الموتى لما كان يفعله العرب فيما جرت به عادتهم في تحية الأموات إذ كانوا يقدمون اسم الميت على الدعاء كقول الشاعر:
عليك سلام الله قيس بن عاصم
ورحمته ما شاء أن يترحّما
وكقول لشمّاخ:
عليك سلام من أديم وباركت
يد الله في ذاك الأديم الممزّق
فالنهي هنا عن مشابهة هؤلاء القوم مع أنه ثبت عنه عليه الصلاة والسلام عندما ذهب إلى المقبرة أنه قال: ((السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين)).
ولهذا فالسنة لا تختلف في تحية الأحياء والأموات بدليل هذا الحديث الذي ذكرناه .
قال ابن القيم رحمه الله: (وكان هديه في ابتداء السلام أن يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكان يكره أن يقول المبتدئ عليك السلام وبين أنها تحية الموتى وقد أشكل هذا الحديث على طائفة وظنوه معارضا لما ثبت عنه في السلام على الأموات بلفظ السلام عليكم بتقديم السلام فظنوا أن قوله عليك السلام تحية الموتى، إخبار عن المشروع في الإسلام عليهم في زيارتهم وغلطوا في ذلك وإنما عنى بذلك إخبار عن الواقع الذي اعتاده الناس والشعراء من تحيتهم للموتى بهذا اللفظ فكرهه لئلا يشابههم) أ.هـ. ولهذا بوّب الترمذي في جامعه: باب ما جاء في كراهية عليك السلام مبتدئا، والذي يجزيء من السلام: السلام عليكم، والسلام عليك أو سلام عليك فإن أتى المرء بأحد هذه الصيغ حصّل السلام وأجزأه.
والأفضل من هذه الصيغ أن يأتي بضمير الجمع وإن كان المسلّم عليه واحدا، ويقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ويقول المجيب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ويأتي بواو العطف في قوله: وعليكم.
فإن حذف الواو فقال: عليكم السلام أجزأه ذلك وكان جوابا على أصح الأقوال وأقل الجواب أن يقول: وعليك السلام، أو وعليكم السلام فإن قال المسلم عليه وعليكم أو عليكم فقط لم يكن ذلك جوابا أورد للسلام.
والمستحب للمسلم أن يرفع صوته رفعا يسمعه المسلم عليه أو عليهم سماعا محققا وإذا تشكك في أنه لم يسمعهم زاد في رفعه.
ويكره السلام بالإشارة باليد أو الرأس ونحوهما بلا لفظ فإن جمع بين اللفظ والإشارة فلا يكره، وأما حكم السلام فإنه سنة مستحبة ليس بواجب.
وأما رد السلام فإن كان المسلم عليه واحدا وجب عليه الرد، وإن كانوا جماعة كان رد السلام فرض كفاية عليهم، فإن رد واحد منهم سقط الحرج عن الباقين وإن تركوه كلهم أثموا كلهم، والسنة أن يبدأ الإنسان بالسلام قبل كل شيء لا كما يفعله كثير من الناس اليوم من التلاعن والشتم وقلة الأدب والحياء نتيجة بعدهم عن امتثال شرع الله وتطبيقه في معاملاتهم وعباداتهم في شئون حياتهم والبعض الآخر يبدأ بقوله: صباح الخير أو حياك الله أو هلا هلاَ أو مرحبا أو نهارك سعيد، وغير ذلك من تحية أهل الجاهلية التي أبدلنا الله خيرا منها وهو السلام ومما ينبغي أن يعلم أن الرجل المشهور بفسق وببدعة فهذا لا يسلم عليه من باب التأديب له والزجر عما هو فيه حتى يتأدب، ومن يكون متلبسا بمعصية كمن يكون شاربا للدخان حال المرور به فهذا لا يسلم عليه حتى يقلع عن معصيته.
هذه بعض آداب السلام ذكرتها للفائدة وللتخلق والتأدب بها.
نرجع للحديث: ثم قال هذا الصحابي: أنت رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((أنا رسول الله)) أكد له وبين له حتى لا يرتاب ولا يشك بأنه رسول الله حقا وصدقا.
ولأن العرب كانوا يعبدون غير الله أراد أن يوقظ فيه حسن الفطرة وأن يدله على الواحد الأحد فقال له: وكما أني رسول الله فاعلم أن الإله الذي آمرك بعبادته وتوحيده وعدم الإشراك به هو الذي إذا أصابك ضر فدعوته كشفه عنك أي دفعه عنك، وإن أصابك عام سنة أي قحط وجدب فدعوته أنبتها لك بإنزال المطر لتصبح الأرض مخضرة وإذا كنت بصحراء فهربت راحلتك وضّلت وابتعدت عنك فدعوته ردّها عليك، كما ذكرنا في خطبة الأسبوع الماضي قصة صلة بين أشيم عندما هربت بغلته بثقلها فدعا الله أن يردها عليه فجاءت حتى وقفت عنده، من الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء؟ إنه الله الواحد الأحد لا شريك له في ملكه ولا شبيه له في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فكيف يليق بمن يعرف ربه بالقدرة التامة والملك الكامل والقوة المطلقة والغنى التام أن يدعو غيره وأن يلجأ لأحد سواه سواء كان من الأنبياء أو الأولياء المزعومين الذين نصبت على أضرحتهم القباب فصار الناس يدعونهم من دون الله في كشف ضر أو جلب نفع فأشركوا بالله وعبدوا معه غيره إذ أن حقيقة العبادة هي الدعاء كما قال عليه الصلاة والسلام: ((الدعاء هو العبادة)) فنجد كثيرا من الناس اليوم ينزلون حوائجهم بعبد القادر الجيلاني أو الرفاعي أو التيجاني أو البدوي أو السيدة زينب أو الحسين أو غيرهم وهذا شرك أكبر مخرج من الملة لا ينفع صاحبه إن أتى به صلاة ولا صيام ولا +اة ولا حج قال تعالى: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا . وقال أيضا: إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار .
أيها المسلمون: الجئوا إلى الله في جميع حاجاتكم فإنه قريب مجيب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ويكشف السوء.
أيها الإخوة: إن هذا الصحابي آمن مباشرة وعرف توحيد الله في كلمتين كما بينها له النبي عليه الصلاة والسلام لم يحتج إلى فلسفات كلامية ولم يقل: أحتاج إلى أدلة أكثر حتى أقتنع كما يفعل بعض متمسلمي هذا العصر، بل آمن دون تردد إيمان الصادق في مسألته، فبادر في الحال ليعمل، فقال للنبي عليه الصلاة والسلام: اعهد إلي، أي أوصني بما أنتفع به، فقال له: لا تسبن أحدا، قال: فما سببت بعده حرا ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة. الله أكبر انظروا كيف الامتثال من صحابة رسول الله والتطبيق الفعلي لما أمروا به فلم يشتم هذا الصحابي أي شيء كائنا ما كان من إنسان وحيوان، فعلا إنهم كانوا يريدون الجنة فعملوا لها.
أما اليوم فالكل يتمنى الجنة ولكن دون عمل ولا تطبيق يسمعون الخطب والمواعظ والمحاضرات ولكن لا يتغير من سلوكهم المنحرف شيء، ليس لهم هم سوى اتباع رغباتهم وشهواتهم شهوات البطن والفروج ومشاهدة الأفلام الساقطة والدعايات الماجنة التي تبث عبر قناة البث المباشر وغيرها من وسائل الإعلام، لا يهتمون بدين ولا مروءة، أعدى أعاديهم الشباب الملتزم وأبغض داعيه إليهم هو الذي يطول عليهم بذكر الله فهو يجلس أمام شاشة التلفاز الساعات الطوال دون ملل ويثقل عليه سماع خطبة يوم الجمعة إن زادت على نصف الساعة، لقد قست القلوب، والسبب عدم الصدق مع الله والاستهتار بشعائر الدين ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب .
أيها الإخوة: لقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام هذا الصحابي عن سب الناس أتدرون لماذا؟ لأن ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر))، كما ورد في الحديث المتفق عليه.
وقال في حديث آخر: ((لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعاناً)) رواه الترمذي وهو صحيح.
وفي رواية أيضا: ((ليس المؤمن بالطعان (أي عيابا للناس) ولا اللعان (أي كثير اللعن) ولا الفاحش (أي فاعل الفحش وقائله بمعنى أنه الذي يشتم الشتم القبيح) ولا البذيء (وهو الذي لا حياء له بذيء اللسان لا يسلم منه أحد من شر لسانه) )).
وبين في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود: ((أن من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه))، فمن خصال أهل الإيمان الحياء وعدم السباب ومواجهة الإساءة بالإحسان فقد قال : ((الحياء والعي شعبتان من الإيمان، والبذاء والجفاء شعبتان من النفاق)).
أيها المسلمون: ابتعدوا عن الشتائم والسباب واللعن واحفظوا ألسنتكم من السوء فمن أكثر من شيء عرف به، فإنه ليس بين الإنسان والشر إلا الخطوة الأولى، والانحدار يسير وهين ولكن الصعود صعب شديد وحسبنا أن نجتهد في إصلاح أنفسنا وعلى الله التوكل وهو الهادي إلى سواء الصراط. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون .
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد:
أيها الإخوة: إن شرف الأصل، وطيب المنبت، تأبى على المرء إلا التخلق بالمكارم والاتصاف بمعالي الأمور، اقتداء بآبائه الصالحين وتأسيا بأشراف قومه ولو أراد شرا، أو ارتكاب منكر، لأبت عليه أصوله وعاتبه ضميره وقال الناس: ما قالوا لمريم البتول حين اتهموها ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا والذهب لا يكون صفرا ولا نحسا والفضة لا تتحول رصاصا والمعتز بدينه وكريم نسبه لا يفعل إلا ما يشكر عليه شعاره قول الشاعر:
وينشأ ناشيء الفتيان منا
على ما كان عوده أبوه
أما الذي خبث أصله، ونبت جذره في الأوحال والأقذار، فلا يثمر إلا قبحا، ولا ينتج إلا خبثا، يفعل ما يشاء من سفاسف الأمور ومخازيها، وليس له زاجر من دين ولا حياء، يذكر لؤم أبيه وسفاهة أمه، فتهون عليه الرذيلة ولا يترفع عن كل نقيصه، لأنه تعود الذنوب و درج بين العيوب، وتخلق بكل مكروه، ونشأ منذ فتح عينيه، ومد يده، وحرك رجليه على ما كان أهله وذووه، يعيشون عليه ويعرفون به من خسّة طبع ودناءة نفس والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا والشيء من معدنه لا يستغرب:
تلك العصا من تلكم العصية
لا تلد الحية إلا حويّة
ولذلك نجد أحب الناس للدين وأصدقهم إيمانا في يقين وأثبتهم عقيدة وأحسنهم طريقا إلى الخير هم الذين تربوا على الطاعة من الصغر فرضعوا حب الله ورسوله مع حليب أمهاتهم وتوجيه آبائهم فلم تشق عليه التكاليف ولا أتعبتهم الواجبات ولا المندوبات ولا نفرت طبائعهم، كلا ولا ضاقت صدورهم عما جاء به الإسلام من آداب سامية وأخلاق فاضلة ولا بما نهوا عنه من الملذات، واتباع الشهوات بل كانوا سادة في الخير يتسابقون للظفر برضي الله ولهذا كانوا يمتثلون أوامر الله فيعملون بها ويجتنبون ما نهى الله ورسوله عنه كما في الحديث الذي ذكرناه في خطبتنا هذه وللحديث بقية لأنا لم ننته منه بعد، وقد بقي بعض الآداب لعلنا نكملها في الجمعة الأخرى إن مد الله لنا في العمر ونسّأ لنا في الأجل لعلنا ندرك فيه بعض الأمل ونرغّب الناس في العمل إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
| |
|