molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: خطبة عيد الأضحى لعام 1420هـ - عبد الحليم توميات الجمعة 25 نوفمبر - 3:43:48 | |
|
خطبة عيد الأضحى لعام 1420هـ
عبد الحليم توميات
الخطبة الأولى
أما بعد: فحياكم الله أيها الآباء والأمهات النبلاء، وأيها الإخوة والأخوات الفضلاء، طبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله تعالى الذي جمعنا في هذا اليوم المبارك على طاعته أن يجمعنا مع الحبيب محمد في دار كرامته.
ها هو يوم من أيام الله يطل على المسلمين ببركاته، ويهل على المؤمنين بنفحاته، يوم قال عنه النبي فيما رواه أبو داود: ((إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر))، يوم هو خاتمة العشر الأول من شهر ذي الحجة التي ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله منها.
وإن كانت لنا وقفة مع إخواننا المؤمنين في هذا اليوم فإننا سائلوهم سؤالاً قد يذكر العاقلين، وينبه الغافلين ألا وهو: لماذا هذا العيد؟ ما سبب فرحتنا في هذا اليوم؟
ألا فاعلموا أن عيد الأضحى يشير إلى ما أشار إليه عيد الفطر المبارك، عيد الفطر الذي عظمه الله تعالى لأنه يلي شهرًا مباركًا عظيمًا، أقام المؤمنون فيه العبودية لله من الصيام والقيام، فحق لهم أن يبتهجوا، وبالفرح والسرور يلتهجوا، لأن السعادة كل السعادة أن يكون العبد عبدًا، محققًا للغاية المنشودة والبغية المقصودة مفتخرًا برداء إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.
وعيد الأضحى ما جاء كذلك إلا بعد انقضاء عبادة عالمية، من أعظم الشعائر الإسلامية، جاء بعد فريضة من فرائض رب العالمين، وركن من أركان هذا الدين فينبغي لنا أن نقف معكم وقفات خمسًا يتجلى فيها أسباب تعظيم هذا اليوم:
أولاً: هذا العيد إنما هو شكر للمنعم الواحد الأحد الذي وفق عباده المؤمنين إلى حج بيته الحرام، ذلك البيت الذي يعود منه المسلم طاهرًا نقيًا عفيفًا تقيًا، دون معصية كان قد اقترفها، أو كبيرة ارتكبها، فقد روى البخاري ومسلم أن النبي قال: ((من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)) وكيف لا وفيه يوم عرفة، الذي أقسم به سبحانه وتعالى لعظمته عندما قال: وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ، فالشاهد هو يوم عرفة، والمشهود هو يوم الجمعة. كيف لا ويوم عرفة يوم مغفرة وعتق من النار، فقد جاء في صحيح مسلم عن عائشة مرفوعًا: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟)).
دعـاهـم فـلبّـوه رضًـا ومحبة فلمّـا دعوه كان أقرب منهم
تراهم على الرمضاء شُعثًا رؤوسهم وغبرًا وهم فيـها أسرّ وأنعم
لمـا رأت أبصـارهم بيتـه الذي قلوب الورى شوقًا إليه تضرَّم
كـأنهـم لـم يتعبـوا قط قبلـه لأن شقـاهم قد ترحّل عنهم
وراحوا إلى عرفات يرجـون رحمة ومغفرة ممن يجـود ويكـرم
فيدنـو بـه الجبّـار جـلّ جلاله يباهي بهم أملاكه فهـو أكرمُ
يقول: عبـادي قـد أتوني محبـة وإني بهم برٌّ أجـود وأرحـم
فأشهـدكم أني غفـرت ذنوبهـم وأعطيـتهم ما أمّلـوه وأنعم
ثانيًا: ليتذكر الغافل ويسأل نفسه عن سبب فرحته اليوم؛ بالعيد؟! وأي عيد؟ ليس العيد بلبس الجديد وأكل اللحم والثريد، إنما العيد بطاعة رب العبيد، فليراجع كل منا نفسه وليتذكر الحج الذي أجمع المسلمون على فرضيته، ومن أنكره فقد كفر، ومن تهاون في أدائه فهو على خطر، إذ كيف تطيب نفس المؤمن أن يترك الحج وهو قادر عليه بماله وبدنه، وهو يعلم أنه من فرائض الإسلام وأركانه؟ كيف يبخل بالمال على نفسه في أداء هذه العبادة العظيمة وهو ينفق الكثير والكثير من ماله في شهواته ونزواته؟! كيف يغفل ويعتذر عن أداء الحج ولا يغفل عن تعمير البيت بالمتاع والأثاث؟! مع أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة واحدة، فكيف يتراخى عن أدائه؟! فلعله لا يستطيع الوصول إلى بيت الله الحرام بعد عامه هذا، لذلك نذكّره بقول عمر رضي الله عنه: (فليمت نصرانيًا أو يهوديًا، ليمت نصرانيًا أو يهوديًا، ليمت نصرانيًا أو يهوديًا، رجل قدر على الحج ولم يحج)، فيا قادرًا على الحج بمالك وبدنك كنت رجلاً أو امرأة، جدّد العهد مع الله، واعقِد النية على الحج قبل فوات الأوان.
ثالثًا: في هذا اليوم العظيم يدرك المسلم قيمة تلكم العبادة، الحج، إذ لأجلها شرعت الأضحية التي يتقرب بها إلى الله من حج ومن لم يحج، فالعمل خاص والفرحة عامة، هنا يدرك المسلم عظمة بيت الله الحرام ورفعته، فهو أول بيت وضع للناس، وهو البيت والموضع الوحيد الذي لم يملكه أحد على مرّ الدهور. ثم قِف ـ أيها المسلم ـ متأملا قوله وهو يطوف بالكعبة: ((ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك؛ ماله ودمه وأن نظن به إلا خيرا))، ألا فاعلموا أن المؤمن أعظم حرمة وأعظم رفعة من حرمة بيت الله العتيق.
وقال النبي في حجة الوداع يذكرنا بتلكم الحقيقة: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)) متفق عليه. فحذار حذار من المساس بعرض المسلم وماله ودمه، اجتنب ذلك كما تجتنب الإساءة لبيت الله الحرام، فيا ويح من يغتاب المسلمين ويقذفهم ويبهتهم ويكذب عليهم ويخونهم، ويتعرض لبناتهم ونسائهم، كل ذلك عرض له يحرم المساس به. ويا ويح من سفك دم مسلم بغير حق، ذلك الدم الذي أضحى يراق من هنا وهناك. فوالله إن هدم الكعبة وخرابها أهون عند الله من قتل رجل مسلم أو المساس بعرضه وماله.
رابعًا: في هذا اليوم يقبل العبد ليذبح ذبيحته فيقول: "بسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك ولك فتقبل مني"، فتأمل هذه الكلمات، وقف مليًا أمام قولك: "هذا منك ولك"، كيف تكون هذه الأضحية له تعالى؟ هل هو محتاج إلى أضحيتك؟! كلا وحاشا، قال تعالى: لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ [الحج:37]، وقال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162، 163]، فشعيرة الأضحية هي من شعائر الله التي تنادي بتوحيد رب العالمين، فأخلص نيتك وأصلح طويتك، ولا تكن من الذين قدموا هذه الأضاحي للمفاخرة بين الناس، أو لإفراح الأولاد، وإلا كنت كاذبًا في دعواك، فما أشدّ بلواك، ومن هنا تأخذ درسًا عظيمًا في الإخلاص لرب العالمين، إذ تذهب وتقطع جزءًا من مالك وتشتري به أضحية تقربها إلى الله، توسّع بها على عيالك، وتتقرب بالمحبة إلى جيرانك، وتسدّ بها جوع الفقراء من إخوانك.
خامسًا وأخيرًا: يجب على المسلمين أن يتطلعوا من وراء عظم هذه العبادات والشعائر الظاهرات، فالحج ومن بعده عيد الأضحى فيها إشعار كبير وكبير إلى أن هذا الدين الحنيف ماض إلى قيام الساعة، فعلى مر الدهور وعلى كر العصور لا يزال بيت الله الحرام يطاف ليل نهار، يؤمه الناس من كل حدب وصوب على الرغم من الضربات الموجهة من قبل أعداء المسلمين كل يوم له، وأي نظام وأي مبدأ وأي مذهب لو تحالف عليه الأعداء كما تحالفوا على الإسلام لانهدم صرحه وانقضّ سقفه في عشية أو ضحاها، ولكن الله تعالى من وراء ذلك التمكين والتأييد والتثبيت، الذي قال وقوله الحق: هُوَ ٱلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ [التوبة:33]، ولو كره الكافرون.
انظروا إلى القنوات التي تنشأ كل يوم بالعشرات، قنوات وإذاعات تحاول إغراق شباب المسلمين وخيرتهم في مستنقع الشهوات، انظروا إلى دائرة المعارف المسيحية والأرقام المذهلة التي تذكرها لمحاولة صدّ المسلمين عن دينهم، ففي سنة 1990م أنفقت سبعين مليار دولار في بعثات التنصير، وفي عام 1980م أنفقت مائة مليار دولار، وفي عام 1985م أنفقت مائة وخمسة وعشرين مليار دولار، ولها ألف وخمسمائة وثمانون محطة راديو وتلفزيون، وواحد وعشرون ألف صحيفة وجريدة ومجلة في ورق ممتاز لجلب القراء، وفي عام 1984م وزعت أربعة وستين مليون نسخة من الأناجيل، كل ذلك لصرف المسلمين عن دينهم والشباب خاصة عن عبادة ربهم، ولكن الله يأبى إلا أن يتم نوره، فيبعث شبابًا كل يوم إلى اعتناق دينه الحنيف ولو كره الكافرون، ليستمرّ هذا الدين ودعوة الأنبياء والمرسلين إلى قيام الساعة، ولا أدلّ على ذلك من استمرار هذه الشعائر الإسلامية ظاهرة رغم أنوف المجرمين.
نقول هذا لئلا ييأس الصالحون ولا يقنط المصلحون في زمن الغربة ووقت اشتدت فيه الكربة، فإن المؤمن لا يجزع ولا يكل ولا ينوح كما ينوح أهل المصائب، بل هو مأمور بالصبر والتوكل على الله، والثبات على دين الإسلام، وليعلم أن العاقبة للتقوى وأن وعد الله حق لا ريب فيه.
لذلك أنصح نفسي وإياكم بالاستمساك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، جددوا البيعة مع الله، وتوبوا إليه وأقبلوا عليه، واستغيثوا بربكم عند كل بلاء، واشكروه وحده لا شريك له عند كل نعماء، ولا تدعوا الفرصة تُفلت من أيديكم، فلعله آخر عيد في دنياكم، ومن كان عليه حق لأخيه المسلم فليؤدّه إليه، ومن كان بينه وبين أخيه قطيعة فليطرحها تحت قدميه، فإن المؤمن من شيمته العفو والسماح، وما تلذّذ الشيطان الرجيم بشيء كما يتلذذ بالخصام بين المؤمنين.
وأنصح الأخوات المؤمنات والأمهات الفاضلات بالصبر والثبات على هذا الدين، فإنهن أساس بيوت المسلمين، فليطعن الله ورسوله، وليصبرن على محن الأيام، فإن الله قد وعد الصابرات القانتات العفيفات أجرًا عظيمًا.
عباد الله إني داعٍ اللهَ فأمّنوا.
اللهم يا حي يا قيوم، يا رحمن يا رحيم، يا مغيث عباده المؤمنين، يا من أمره بين الكاف والنون، وإذا قضى أمرًا فإنما يقول له: كن فيكون، ها نحن قد بسطنا إليك أكف الضراعة، متوسلين إليك بكل طاعة، نسألك بصفاتك العلى وبأسمائك الحسنى أن تهدينا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد.
ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين.
ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار.
ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار.
ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد.
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاّ للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.
اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدلٌ فينا قضاؤك، نسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب غمومنا وهمومنا.
اللهم يا حيّ يا قيوم برحمتك نستغيث، اللهم ارفع البلاء عن المسلمين، وأعل كلمة الحق والدين، واخذل الكفرة والمشركين.
اللهم إنه قد حال بيننا وبينك الشياطين والشهوات، والملاهي والنزوات، فخذ بأيدينا إليك، لا إله إلا أنت العزيز الحكيم.
اللهم عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بعدلك، وأغث عبادك الذين يشهدون لك بالوحدانية، ولرسولك بالتبليغ.
اللهم اهد حكام المسلمين وولاة أمورهم، واجعل لهم بطانة خير تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، اللهم حنّن قلوبهم على رعيتهم، واجعلهم ممن يقيمون دينك ولا يخافون فيك لومة لائم.
اللهم ارحم موتى المسلمين، واشف مرضاهم، واهد ضلالهم، وفكّ أسراهم، واقض ديونهم وحوائجهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اسقِنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم صيبًا نافعًا مريئًا غدقًا سحّا مجللاً طبقا غير رائث.
ها نحن قد دعوناك كما أمرتنا، فأجبنا كما وعدتنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الخطبة الثانية
لم ترد
| |
|