molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: تربية البنات - عبد الباري بن عوض الثبيتي الخميس 24 نوفمبر - 8:16:57 | |
|
تربية البنات
عبد الباري بن عوض الثبيتي
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فأوصيكم ونفسِي بتقوَى الله؛ قال تعَالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].
للبنتِ في الإسلامِ مَكانةٌ سامِيَة، ميلادُها فرحَةٌ كبرى وبِشَارَة عُظمى، فهي رَيحانة الحاضر وأمُّ المستقبل، تربي الأجيالَ، صانعةُ الأبطال، رمزُ الحياءِ، عُنوان العفّة، وقد كتب أحدُ الأدباء يهنِّئ صديقًا له بمولودَة: أهلاً بعطيّة النساء وأم الدنيا وجالبَة الأصهارِ والأولادِ الأطهار والمبشِّرةِ بإخوةٍ يتسابقون ونجَبَاءَ يتلاحقون.
أعلى وأعلَنَ الإسلام مكانةَ البنت في الإسلامِ، وأنزلها منزلةَ الحبِّ والاحترام، فقد روى الترمذيّ عن عائشة أمِّ المؤمنين قالت: ما رأيتُ أحدًا أشبَهَ سمتًا ودلاًّ وهديًا برسول الله في قيامِها وقعودِها من فاطمةَ بنتِ رسول الله ، قالت: وكانت إذا دخَلَت على النبيِّ قامَ إِليها فقبَّلَها وأجلَسَها في مجلِسِه.
من تكريمِ البنت هذه القصّةُ التي تحمِل مغزى تربويًّا بليغًا، ففي الصحيحَين عن أبي قتادة الأنصاريِّ قال: كان رسول الله يصلِّي وهو حامِلٌ أمامَةَ بنتَ زينب بنتِ رسول الله ، فإذا سجَدَ وضَعَها، وإذا قام حملها.
البناتُ نعمةٌ وهِبَة من الله، وفَضلُهن لا يخفى، هنّ الأمهات، هنّ الأخوات، هن الزَّوجات، جعل الله البنت مفتاحَ الجنّةِ لوالديها، تسهِّل لهما الطريقَ إليها، تبعِدهم عن النار، بل تضمن لهم أن يُحشَروا مع النبيِّ لمن أحسن إليهن، فهنئًا لك أبَا البناتِ بهذا الشرف من رسول الله ، كيف لا وأنتَ بإحسانِ تربيَتِهنّ تعِدّ شَعبًا وتبني مجدًا، فعن عقبةَ بنِ عامر قال: قال رسول الله : ((مَن كان لَه ثلاثُ بناتٍ فصَبَر عليهنّ وأطعَمَهنّ وسقاهنّ و+اهنّ من جِدتِه كُنّ له حجابًا من النار يومَ القيامة)) رواه ابن ماجه وأحمد، وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله : ((من كُنّ له ثلاثُ بنات يؤوِيهن ويرحمهنّ ويكفلهنّ وجبت له الجنّة البتة))، قال: قيل: يا رسول الله، فإن كانتا اثنتين؟ قال: ((وإن كانتا اثنتين))، قال: فرأى بعضُ القومِ أن لو قال له: واحدة لقال: واحدة. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : ((من عالَ جارِيَتين ـ يعني بنتَين ـ حتى تبلغا جاء يومَ القيامة أنا وهو)) وضم أصابعه. رواه مسلم. وكفى بذلك فضلاً وفخرًا وأجرًا.
تربيةُ البنات لها أهمّيّة كبيرة، فهي قُربى إلى الله، والمرأةُ المسلمة لها أثرٌ في حياة كلِّ مسلم، هِي المدرسةُ الأولى في بِناء المجتمع الصّالح، هي ركيزةُ المستقبل، فهي الزوجةُ الصالحة والأمّ الحانِيَة وحاضِنة الأبناء، وإذا نشأتِ البنتِ صالحةً في بيتها متديِّنة في سلوكها فإننا بذلك نضمَنُ بإذن الله بناءَ أسرة مسلمةٍ تخرِّج جيلاً صالحًا قويًّا في إيمانِه جادًّا في حياتِهِ مِنَ الفتيات، يَكنَّ مصدرًا للفضيلة والتقوى، يَبنِينَ المجتمعَ ولا يهدِمنَه، يؤسِّسنَ الأسرةَ ولا يهربن منها، ينشرن الخير والحبَّ، قال تعالى: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء: 34].
التربيةُ الصحيحة للفتاةِ تقتضي تَعاوُنَ الأب والأمّ القويّ والتنسيق الفكريَّ بينهما لتؤتيَ التربية أكلَها.
الأساس الأوّل في بناء الفتاةِ التركيزُ على حبِّ الله وحبِّ رسولِه ، تعليمُها الفرائض الدينيّة، تنشِئَتها منذ الصغر على الدين والفضيلة، وغرس ذلك في نفسِها بالإقناعِ والتربِية، يغذِّي ذلك وينمّي أفكارَهنّ قصصُ أمّهات المؤمنين زوجات النبي وقصصُ الصحابيّات اللاتي صنعنَ المجد بجودَةِ تربيّتهن.
تحقِّق التربية جودَتَها حين تكون الأمّ قدوةً حسنة لابنتها، متمثِّلةً قِيَمَ الإسلام، مع سلوكٍ حسَن وسيرة حميدة في حركاتها وملابِسِها وتصرُّفاتها، حينئذٍ تحاكي البنت أمَّها، وتكون صورةً صادقة عنها في السلوك.
ومما يحزِن تساهلُ بعضِ الآباء والأمهات في تربية البنات، ترى مظاهِرَ ذلك ضعفًا إيمانيًا، خواءً فكريًّا، تقديسًا للتوافِه، تفريطًا في القيم، كما تلمَسه في مسألةِ الحجابِ ولباسِ الفتنة والعُري مع التبذُّل في الأماكن العامة كالأسواق والمتنزَّهات.
تربيةُ البنت على خُلُق الحياء حارسٌ أمين لها من الوقوع في المهالك، فإن مشَت فعلى استحياء، زِيّها ورداؤها استِحياء، سِمَتُه الحياء، وقولُها وفعلها وحرَكاتها يهذِّبه الحياء، كما قال : ((والحياءُ خيرٌ كلُّه، ولا يأتي إلا بخيرٍ)).
الكلمةُ الطيّبة والرفقُ واللين في الأسلوب وسيلة مهمّة في التربية، وإذا قارنها قلبٌ مفعَم بالمحبّة والودّ من الوالدين عمِل عمله وآتى أكُلَه في تسديدِ السُّلوك، وله آثار نافعة، ويهدي إلى الاقتناع والقَبول، قال تعالى: أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا [إبراهيم: 24، 25].
تَعَاهد الفَتَاة بالتوجيه والتنبِيه، فإنَّ القلوبَ تغفل، ويَقَظتُها بالنُّصح والتذكير، والذكرى تنفع المؤمنين، مع ترويضِها على الانضباط بأحكامِ الشَّرع في اللِّباس والحجابِ ومَسألةِ الاختلاط.
من مجاديف الحياة تغذيةُ الفتاةِ بأسسٍ ومفاهيمَ وضوابط تتمكَّن بها [من] التمييز بين الغثِّ والسمين، وتفرِّق بين الخطأ والصَّواب، وتوفِّر لها ملَكَةُ تُ+بها القدرةَ على اكتشاف المظاهر الخادعة والخاطئة.
جفاف المشاعر الودّيّة وغيابُ معاني الحبّ في الأسرةِ وانعدامُ أسلوب الحوارِ الهادئ يجعَلُ الفتاةَ تبحَث عن إجاباتٍ لأسئِلَتِها الحائرة، وقد تكون بذلك صَيدًا سَهلاً لرفيقات السّوء أو غيرهنّ، وهذا يتطلَّب إحياءَ جلساتِ الإقناع والحوارات الأسريّة وغَمرَ البيت بمشاعرَ فيّاضةً من الودّ والحبّ والاحترام.
الفراغُ مشكلةٌ كبرى في حياةِ الفتاة، ومَلء أوقاتِ الفتيات بالنافعِ المفيد حَصَانَة ووِقاية، من ذلك حِفظُ القرآنِ وتلاوَتُه وتَفسيرُه، تعلُّمُ ما يتعلَّق بالمرأة من أحكام، توسيعُ دائرةِ الثقافةِ النافعة، ممارسةُ الهوايات المفيدَة. مرافقة البنتِ لأمها تصقَلُ شخصيّتها، وتكون دليلاً لها في حياتها، وتضيفُ إلى سيرتها دروسًا ناصعة.
حُسنُ اختيار الصديقةِ مسألة لا مساومةَ فيها، وعليه فإنَّ الصداقة لها تأثير بالغ في السلوكِ والأفكارِ والثقافةِ الشخصيّة، فصَديقاتُ السوء كالشّرَرِ الملتهِب، إذا وقع على شيء أحرقه، وفي الحديث: ((المرء على دين خليلِه، فلينظر أحدُكم من يخالل)).
تفكُّكُ الأسرةِ، ضَعفُ الروابِط بين أفرادِها، كلٌّ يَهيم في وادٍ، الأب هناك، والأمّ هنالك، يولِّد جفوةً وجفوةً تتراكَم أضرارُها فوقَ بعضها على الفتاة، وقد ينكشِفُ الغطاءُ بعد فواتِ الأوان عن سلوك غيرِ حميدٍ.
الأسرةُ السَّوِيّة رَوابِطُها قويَّة في جوٍّ عائليّ لا يسمَح بالاختراق أو الاقتراب، مع شعورٍ بالطمأنينةِ والاستقرار.
تأخيرُ زواج الفتاة يترتَّب عليه مفاسدُ خلُقيّة واجتماعيّة ونفسيّة، وعضلُها بمنعِها من الزواج لأغراضٍ دنيويّة جريمةٌ في حقِّ فتياتنا والمجتَمَع، قال تعالى: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة: 232].
أعظَم الأخطار التي تؤثِّر في تربية البنات وجودُ القنواتِ الفضائيّة في البيوت، فهي تهدِّد بهدم كلِّ القِيَم، وتحارب الدِّينَ والفَضيلة، وتورِث العُريَ والفسادَ والانحلال، وكذا بعضُ مواقع الشبكة العنكبوتيّة التي تهدم أكثرَ مما تبني، فالسلامةُ في البعدِ عنها، والسلامةُ لا يعدلها شيء.
بارك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن سيّدنا نبيَّنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.
إنَّنا في هذا العصرِ نحتاجُ إلى المزيدِ مِن التركيزِ على تربية الفتاة والرّعاية والعناية بها، فالفتاة المسلمة في زمننا هذا تتعرَّض من أعداء الأمّة الإسلاميّة إلى حملة شعواء، تَستهدف ضَربَ عِفَّتها وطَهارَتها وأخلاقها وإسلامها، والخطورَةُ تكمُن في أنَّ معنى إفساد فتاة مسلمة إفسادُ الزوجة وإفسادُ الأمّ وإفساد الجيل وإفسادُ المجتمع كلِّه.
يجب تحصينُ الفتاة من الفكرِ الخبيث الذي يفسِدها وتوعيتُها بمخطَّطات الأعداء. وفتاةُ الإسلام مطالبَةٌ بأن تكونَ سدًّا منيعًا ضدَّ هذه المخطَّطات بوعيِها والتزامِها، وحَذِرةً من دَعوةِ الذئاب للحريَّة المزيَّفة والحقوقِ المزعومةِ.
الدعاءُ أثرُه لا يخفى، وأهمّيّته لا تُنسى، فابتهال الأبوين وتضرُّعهما إلى الله أن يصلحَ أولادَهم دأبُ الصالحين، ودُعاء الوالدين للأبناءِ مُستجاب، قال تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان: 74].
ألا وصلّوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
اللّهمّ صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمّد، وارض اللّهمّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي...
| |
|