molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: فضل الطاعة وأهلها - عبد الباري بن عوض الثبيتي الخميس 24 نوفمبر - 8:14:13 | |
|
فضل الطاعة وأهلها
عبد الباري بن عوض الثبيتي
الخطبة الأولى
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجلّ، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
هنيئًا لمن صام رمضانَ وقامَه، ونحمَد اللهَ على ما منَّ به علينا من ترادُف مواسمِ الطاعات، فمن شكره زادَه، قال تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7]، قال المفسِّرون: أي مِن طاعته.
المسارعة في الخيراتِ والمبادَرة إلى الطاعاتِ مِن سمات المؤمنين، والتثاقُل عنها من صفاتِ المنافقين، وفي الحديث: ((أثقلُ الصّلاة على المنافقين العشاءُ والفجر)) رواه البخاري[1].
وفّق الله أهلَ الطاعة حيثما كانوا وأينَما حلّوا، فهم خير الناس، وحين سئِل رسول الله : أيُّ الناس خير؟ قال: ((من طالَ عمره وحسُن عمله))، قال: فأيّ الناس شرّ؟ قال: ((من طال عمره وساء عملُه)) أخرجه الترمذي[2].
منَ الطاعةِ الالتزام بالعباداتِ والدوام على الصلوات وصوم رمضان وحجّ بيت الله الحرام، أداءُ ال+اة والبعد عن المنكراتِ والمعاصي من الطاعات، وكذا الأمر بالمعروف والنهيُ عن المنكر والدعوة إلى الله، وطاعةُ رسول الله هي طاعةٌ للهِ، قال تَعالى: مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80].
الطاعةُ أجرُها جزيل وأثرها عظيم، هي سبَب رحمة الله، وإذا شملَتِ العبدَ رحمةُ الله سعِد في الدنيا والآخرة، وكلّما ازدادَ المسلم طاعةً ازداد عِلمًا وعملاً وهدًى، قال تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النور:54]، وقال: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ [محمد:17].
بِطاعةِ الله يكثُر الرّزقُ ونُسقَى من بركات السماء وينبِت لنا الرّبّ من بركاتِ الأرض ويدرُّ لنا الضّرع، قال تعالى: وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا [الجن:16]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (يعني بالاستقامة الطاعة)[3].
في ظلِّ طاعةِ الله يخبِت العبد إلى ربِّه ويشرح صدرَه ويرضَى بقضائه وقدره ويحلّ بقلبِه الأنسُ والاطمِئنان، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97].
المجتَمَع الذي يقبِل أفرادُه على الطاعةِ تضعف فيه نوازِع الشرّ ويحَصَّن من الفساد؛ ذلك أنَّ طاعة الله تهذّب الأخلاق وت+ِّي النّفوسَ وتقوِّم السلوكَ وتروِّض الجوارِحَ، فيصلح الأفراد وتسمُو المجتمعاتُ وتسودُ الأمّة، قال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، وقال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55].
أهلُ الطاعةِ يُؤتِهم الله أجرَهم غيرَ منقوص، قال تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا [الحجرات:14]. أهلُ الطاعة تُضاعف لهم الحسنات وتكفَّر السيئات، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا [النساء:40]، وقال : ((أَرَأَيتم لو أنَّ نهرًا ببابِ أحدِكم يغتَسِل فيه كلَّ يومٍ خمسًا، ما تقولون في ذلك؟ هل يبقَى من درَنِه شيء؟)) قالوا: لا يبقَى من درَنِه شيء، قال: ((فذلك مثَل الصّلوات الخَمس؛ يمحو الله بهنّ الخطايا)) أخرجه البخاري ومسلم[4].
ثوابُ الطاعة يُرَى أثرُه عند السّكَرات ويومَ العَرَصات وعندَ سُؤال منكرٍ ونكير، قال تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم:27].
أهلُ الطاعة يؤمِّنُهم الله يومَ الفزع ويظِلّهم والناسُ في شدّةٍ وخَوف وهلَع، قال : ((سبعةٌ يظلّهم الله في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلاّ ظلّه))، وذكر صنوفًا من أهل الطاعة[5].
وفي الجنّةِ دارِ الخُلد يرافِق أهلُ الطاعة النّبيّين والصّدّيقين والشهداء والصالحين، وما أجلَّ هذه المرتبةَ العلِيّة، وما أعظمَ مرافقةَ النبيّ ، قال تعالى: وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]، وعن ربيعةَ بنِ كَعب الأسلميّ رضي الله عنه قال: كنتُ أبيتُ مع رسولِ الله ، فأتيتُه بوَضوئه وحاجتِه، فقال لي: ((سل))، فقلتُ: أسألك مرافَقتَك في الجنّة، قال: ((أوَغيرَ ذلك؟)) قلت: هو ذاك، قال: ((فأعنِّي على نفسِك بكثرةِ السجود)) أخرجه مسلم[6].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] صحيح البخاري: كتاب الأذان (657) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه أيضا مسلم في المساجد (651).
[2] سنن الترمذي: كتاب الزهد (2330) عن أبي بكرة رضي الله عنه، وأخرجه أيضا أحمد (5/48)، والبزار (3623)، والحاكم (1/489)، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه المنذري في الترغيب (5091)، وعزاه الهيثمي في المجمع (10/203) للطبراني في الصغير والأوسط وقال: "إسناده جيد"، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3363).
[3] أخرجه ابن جرير في تفسيره (12/268).
[4] صحيح البخاري: مواقيت الصلاة (528)، صحيح مسلم: كتاب الطهارة (233) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[5] صحيح البخاري: كتاب الرقاق (6479)، صحيح مسلم: كتاب ال+اة (1031) عن أبي هريرة رضي الله عنه
[6] صحيح مسلم: كتاب الصلاة (489).
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله ألا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرا.
إخوةَ الإسلامِ، يا أهلَ الطاعةِ، لا قيمةَ لطاعةٍ تُؤدَّى دون أن يكونَ لها أثرٌ من تقوًى أو خشية.
أين أثر الصيام إذا هجَر المسلم القرآنَ وترك الصلاة مع الجماعةِ وانتهك الحرمات؟! أين أثرُ رمضانَ إذا أكلَ المسلم الرّبا وأخذ أموالَ الناس بالباطلِ؟! أين أثَر العبادةِ إذا أعرض عن سنّةِ رسول الله إلى العادات والتقاليدِ وحكّم في حياته القوانين الوضعيةَ؟! أين أثر الطاعةِ إذا تحايَل في بيعه وشرائه وكذَب في ليله ونهارِه؟! أين أثَر الطاعة إذا لم يقدِّم دعوةً لضالّ ولُقمة إلى جائِع و+وَة إلى عارٍ مع دعاءٍ صادق بقلبٍ خاشع أن ينصرَ الله الإسلام والمسلمين ويدمِّر أعداء الدين؟!
حرِيّ بنا ـ يا أهلَ الطاعة ـ أن نتأمَّلَ كلامَ ابن القيّم رحمه الله إذ يقول: "فبَين العمل والقلبِ مسافةٌ، وفي تلكَ المسافةِ قُطّاع تمنع وصولَ العمل إلى القلب، فيكون الرجل كثيرَ العمل وما وصَل منه إلى قلبِه محبّة ولا خوفٌ ولا رَجاء ولا زُهد في الدنيا ولا رغبة في الآخرة ولا نُور يفرِّق به بين أولياءِ الله وأعدائه، فلو وصَل أثر الأعمال إلى قلبِه لاستنَار وأشرَق ورأى الحقَّ والباطل" انتهى كلامه رحمه الله[1].
يا أهلَ الطاعة، الله لا يريد من سائرِ عبادَاتِنا الحركاتِ والجهدَ والمشقّة، بل طلب سبحانَه ما وراءَ ذلك من التّقوى والخشيةِ له، قال تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]
ألا وصلّوا ـ عبادَ الله ـ على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللّهمّ صلّ وسلِّم على عبدِك ورسولك محمّد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين...
[1] مدارج السالكين (1/439).
| |
|