molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: أسس الدعوة إلى الله - عايض بن سعيد الرشيد الأربعاء 23 نوفمبر - 6:14:37 | |
|
أسس الدعوة إلى الله
عايض بن سعيد الرشيد
الخطبة الأولى
لقد خلق الله الإنسان في أحسن صورة وأكمل هيئة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار:6-8]، وقال تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4]. وخلق الله له وسائل المعرفة والعلم، وهي ثلاث جوارح: السمع والبصر والفؤاد، فبها يدرك الخير من الشر ويعرف الحق من الباطل، وقد أخرجه الله قبل ذلك من بطن أمه لا يعرف شيئا، قال تعالى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:78].
ثم كرم الله الإنسان ورفعه؛ وذلك بتكريم أبيه آدم حين أمر الملائكة بالسجود له سجود تكريم وتوقير، لا سجود عبادة. ثم كلف الله البشر بتكاليف شرعية، فعلى قدر التشريف يكون التكليف، فابتلاهم بالشهوات، وجعلهم عرضة للشبهات، وخلق لهم داعي الشهوة والشبهة الفرج والنفس، فمن حكّم عقله وسمعه وبصره ونهى نفسه عن الهوى نجا وأفلح، ومن آثر الحياة الدنيا وأتبع نفسه هواها خاب وخسر، قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:37-41].
ثم إن الله عز وجل لم يترك الناس هملا لا دليل ولا هادي لهم، بل أرسل لهم الرسل تسوسهم بالزواجر والأوامر، وتبين لهم الشرائع، فمن أطاعهم دخل الجنة، ومن عصاهم دخل النار. ثم كلف الله علماء هذه الأمّة بعد نبيِّهم محمد بالدعوة إلى الله بالحِكمة والموعظة الحسنة، يدعون من ضلّ سواء السبيل إلى صراط الله المستقيم.
أيها المسلمون، إن الدعوة إلى الله واجب حتميّ على كل من علم من هذا الدين شيئا ولو كان يسيرا، وهذا داخل في التعاون على البر والتقوى، قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2]، وقال النبي : ((بلغوا عني ولو آية))، وقال كذلك: ((من رأى منكم منكرا فليغيره)) الحديث. ولا شكّ أن كل معصية هي من المنكر الذي يجب تغييره على أفراد المسلمين كل بحسب قدرته.
أيها المسلمون، إن الدعوة إلى الله واجبة تجاه كلّ أحد سواء كان كافرا من أهل الكتاب والوثنيين وغيرهم وهم الكفار الأصليّون، أو كان كافرا مرتدّا عن الإسلام، أو كان معتنقا مذهبا من المذاهب الضالة المنتسبة للإسلام كالرافضة والمعتزلة وغلاة الصوفية وغيرهم، أو كان فاسقا مرتكبا لكبيرة من الكبائر، أو عاصيا ملِمّا بصغيرة من صغائر الذنوب، كل أولئك يجب دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة وجدالهم بالتي هي أحسن، قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل:125].
ومن المعلوم أنّ هداية رجل واحد خير من الدنيا وزينتها، كما جاء في الحديث عن النبي : ((لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم)).
ومع هذا فإنه من المعلوم كذلك أنّ من الناس من لا يستجيب لدعوة الداعين ولا لنصح الناصحين، فمثل هذا لا تذهب النفس عليه حسرات، فالله خلق الناس على فطرة الإسلام، ولكن منهم من بقي على فطرته مسلما، ومنهم من كفر، قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [التغابن:2].
والله قادر على أن يجعل الناس كلهم مسلمين، ولكن الله لحكمة بالغة أراد ابتلاء الناس واختبارهم في الحياة الدنيا ليعلم الصادق من الكاذب والمؤمن من الكافر، قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [المائدة:48]. جعل لهم مشيئة وإرادة، وبين لهم الطريقين يختارون ما يشاؤون، إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان:3].
فيجب حينئذ على الداعية أن لا يتنازل عن أصول دينه وشريعة ربه طمعا في هداية الآخرين، فإنّ الشيطان يأتي إليه فيقول: لو تنازلت عن جزء من دينك لاتبعوك. وهذا هو الذي أخبر الله عنه حين قال لنبيه: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا [الإسراء:73-75].
ذَكَرَ اِبْن إِسْحَاق وَغَيْره عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة وَالْعَاص بْن وَائِل وَالأَسْوَد بْن عَبْد الْمُطَّلِب وَأُمَيَّة بْن خَلَف لَقُوا رَسُول اللَّه فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد، هَلُمَّ فَلْنَعْبُدْ مَا تَعْبُد، وَتَعْبُد مَا نَعْبُد، وَنَشْتَرِك نَحْنُ وَأَنْتَ فِي أَمْرنَا كُلّه، فَإِنْ كَانَ الَّذِي جِئْت بِهِ خَيْرًا مِمَّا بِأَيْدِينَا كُنَّا قَدْ شَارَكْنَاك فِيهِ وَأَخَذْنَا بِحَظِّنَا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي بِأَيْدِينَا خَيْرًا مِمَّا بِيَدِك كُنْت قَدْ شَرِكْتنَا فِي أَمْرنَا وَأَخَذْت بِحَظِّك مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ السورة [سورة الكافرون].
إن الكفار على أتمّ استعداد أن يتنازلوا عن دينهم الباطل مقابل أن نتنازل عن شيء يسير من ديننا الحق، وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9]، ولكن هيهات فالحق ظاهر والباطل زاهق.
ولقد أمر الله نبيه أن يصدع بالحق قولا وعملا وأن يعرض عن الكفار، قال تعالى: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ [الحجر:94]، وقال تعالى: وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29].
فيجب على الداعية أن يدلّ الناس على الخير على ضوء كتاب الله وسنّة رسوله، ومع هذا فلا يكلف بهدايتهم وتقواهم، قال تعالى: فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:20].
أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، يقول الله تعالى ممتنا على نبيه: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ[الأنفال:62، 63].
نستدل بهذه الآية على أنه ليس ثمة شيء يؤلّف بين قلوب الناس ويجمعهم على الخير وينشر الأمن والسعادة والطمأنينة بينهم سوى الإسلام، فلو أنفق الناس ما يملكونه في هذه الدنيا من مال وثروات وملك وجاه ونسب وقرابة لتتآلف قلوبهم ما تآلفت على الإطلاق، ولو عقدوا العقود وأبرموا المواثيق وأخذوا العهود فيما بينهم ما تآلفت قلوبهم أبدا. فلا بد إذا من التآلف والتآخي على شرع الله امتثالا ومحبة وتقرّبا.
روى ابن إسحاق في السيرة أن سادة قريش دعوا النبي فقالوا له: يا محمد، إن كنتَ إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكونَ أكثرَنا مالاً، وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا سودناك علينا، وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا، فقال لهم رسول الله : ((ما أدري ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم، ولا الشرفِ فيكم، ولا الملكِ عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً، وأنزل علي كتابًا، وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا، فبلغتكم رسالة ربي، ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوا علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم))، ثم قال النبي لعمه أبي طالب عندما قال له: أبق علي وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق، فظنّ رسول الله أن عمه خاذله ومسلِمُه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه، فقال له: ((يا عماه، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه)). ثم استعبر رسول الله فبكى ثم قام، فلما ولى ناداه أبو طالب فقال: أقبل يا ابن أخي، فأقبل عليه رسول الله فقال: اذهب يا ابن أخي، فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدًا.
إذًا كل المصالح الدنيوية لا تستطيع أن تجمع القلوب وإن جمعت الأبدان، فإن العبرة بجمع القلوب وليس بجمع الأبدان، ولذلك قال الله: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، ولم يقل: "وألف بين أبدانهم"، فقد يصحب الرجلُ الرجلَ من أجل مصلحة مادية أو اجتماعية أو يجمعهم وطن من الأوطان أو مركب من المراكب وهو كاره له مبغض لقربه، وإنما هو مضطر لذلك اضطرارا، ولكن ما إن تزول تلك المصلحة حتى ينفر منه ويفارقه مفارقة الغريب للغريب.
أيها المسلمون، نخلص من هذه الخطبة بالفوائد التالية:
أولا: يجب دعوة الناس ومجادلتهم ومحاورتهم بالتي هي أحسن.
ثانيا: يجب أن تكون تلك المجادلة والمحاورة على أساس الدين وما جاء عن رب العالمين.
ثالثا: يجب أن لا يتنازل الداعية عن شيء من دينه ليرضي به مخالفه، وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9].
رابعا: الداعية مكلف بالدلالة لا بالهداية، إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56].
خامسا: من قضاء الله أن جعل في الناس مؤمنا وكافرا، فلا تذهب النفس حسرات على الكافرين.
سادسا: لن تتآلف قلوب الناس ولن تسودهم الطمأنينة ويغشاهم الأمن إلا بالتمسك بدين الله والتعايش على ضوء هديه وشرعه، وإلا ستطغى البغضاء والكراهية على قلوب الناس وإن اجتمعت أبدانهم.
كل العداوات قد ترجى مودتها إلا عداوة من عاداك في الدين
اللهم ألف بين قلوبنا على دينك، وأصلح ذات بيننا، واجعلنا هداة مهتدين...
| |
|