molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: مثل القائم على حدود الله - عاصم بن لقمان يونس الحكيم الأربعاء 23 نوفمبر - 5:48:15 | |
|
مثل القائم على حدود الله
ععاصم بن لقمان يونس الحكيم
الخطبة الأولى
جاء في صحيح البخاري عن النعمان بن بشير أن النبي قال: ((مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا)).
عباد الله، إن ضربَ الأمثال للتوضيح والاعتبار والتفكر منهج قرآني، قال الله تعالى: وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ ٱلْعَـٰلِمُونَ [العنكبوت:43].
وفي هذا الحديث العظيم ضرب لنا نبينا مثلاً هامًا ينبغي على كل مسلم أن يعيه ويعلمه، فلقد شبّه نبينا المجتمع الذي نعيش فيه بسفينة من طابقين، فأما العصاة وأصحاب المنكرات فكان نصيبهم القسم السفلي، وهذا هو مكانهم الطبيعي في الدنيا والآخرة؛ إذ إن الذي يعصي الله تعالى ويجاهر بذلك ليس له أيّ كرامة كما قال تعالى: وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ [الحج:18]، أما بقية أفراد المجتمع من الصالحين والمصلحين ففي القسم العلوي من سفينة المجتمع.
ثم أخبرنا نبيّنا أن الواقعين في حدود الله كانوا إذا أرادوا أن يشربوا الماء اضطرّوا أن يستأذنوا من أصحاب الطابق العلوي لعدم وجود منفذ مباشر على الماء في القسم السفلي، فأشار بعضهم على بعض بخرق الأرض في نصيبهم من السفينة لكي يصلوا إلى الماء ولا يؤذوا أصحابهم في الأعلى، وهذا بلا شكّ لو تم سيؤدّي إلى غرق السفينة ومن فيها؛ لذا قال النبي : ((فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا)).
عباد الله، إن الله تعالى ما بعث الرسل إلا ليأمروا الناس بالمعروف الأعظم وهو التوحيد، ولينهوهم عن المنكر الأكبر وهو الشرك، ولقد وصف الله تعالى المؤمنين بقوله: وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:71]. ولقد بشر نبينا الآمرين بالمعروف بقوله: ((إن الدال على الخير كفاعله))، وبشر الناهين عن المنكر بقوله: ((إن من أمتي قومًا يعطون مثل أجور أولهم؛ ينكرون المنكر)).
أما المنافقون فهم على الع+ من ذلك، ينكِرون المعروف ويأمرون بالمنكر، كما قال تعالى: ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلْمُنَـٰفِقَاتُ بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ هُمُ الْفَـٰسِقُونَ [التوبة:67]. فالذي ينكر على الصالحة حجابها وعفتها وعدم اختلاطها بالرجال والذي ينكر على من ينفق ماله في سبيل الله بحجة أن ذلك إضاعة للمال أو ينكر على من يريد الصلاة مع المسلمين ويثبطه ويؤخره عن أدائها في وقتها والذي ينكر على الصالحين عدم وضعهم أموالهم في البنوك الربوية وأخذهم الربا عليها، فلا شك أن في أولئك خصالا من النفاق إن كانوا يعلمون الحكم الشرعي ويصرون على مخالفته، أما إن كانوا جهالاً فهم آثمون لتركهم السؤال والاستعلام عن أمور دينهم، وآثمون لفتواهم في دين الله بغير علم، وهكذا كل من يأمر بالمنكر ولو كان صغيرًا أو ينهى عن المعروف؛ لأن تلك من خصال المنافقين الذين وصفهم الله تعالى لنا في القرآن كي نحذر منهم؛ لأنهم يعملون جاهدين لهدم الإسلام وإبدال العلمانية والتحلل الخلقي والتسامح الديني بحيث يكون المسلم واليهودي والنصراني سواء، وهم قد نجحوا في بعض بلاد المسلمين نجاحًا قويًا، حتى أصبحت تلك البلاد حربًا على الإسلام وأهله، ونحن إن لم نفق من سباتنا سنصبح مثلهم، والعياذ بالله، وما هي من الظالمين ببعيد.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: إن الذين أصابوا القسم السفلي من أصحاب المنكرات كانت حجتهم في خرقهم السفينة أنهم يخرقون نصيبهم لا نصيب غيرهم، وهذا هو ما يعرف اليوم باسم الحرية الشخصية، فالفساق في أيامنا هذه يجاهرون بالمعصية في كل مكان، وإذا أنكر عليهم غيور قالوا: هذه من الحرية الشخصية التي كفلها الإسلام لأفراده، وهذا كذب وزور وبهتان، قال تعالى: وَإِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا ءابَاءنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف:28].
إن الإسلام لم يبح الحرية الشخصية بالمعنى الذي يفهمه الفساق وإخوانهم، ففي الإسلام باب عظيم من أبواب الفقه وهو باب الحَجْرِ، وفيه يتمّ الحجر على السفيه الذي يبذّر أمواله بغير حق، بل إنه ليس هنالك في الإسلام وغيره من الأديان بل ولا حتى في الدول الغربية الكافرة حرية شخصية كاملة، بمعنى أن لك أن تفعل ما تشاء، فليس لمن أراد الانتحار وقتل نفسه فعل ذلك بحجة الحرية الشخصية، بل يمنع بحكم القوانين الوضعية ويحاكم ويسجن، وليس لأحد في تلك البلاد الكافرة أن يخرج من بيته عاريًا كيوم ولدته أمه بحجة الحرية الشخصية، حيث لو فعل فإنه يقبض عليه ويودع في السجن لانتهاكه ما يعرف عندهم بالآداب العامة.
ونحن كمسلمين قد دخلت هذه المفاهيم الخاطئة أذهان الكثيرين منا، فأنت ترى من يترك الصلاة مع المسلمين في المساجد، وترى المرأة السافرة المتبرجة، بل وربما دون عباءة في الأسواق والشوارع والمستشفيات، وترى مَنْ نزع الله الحياء من وجهه يخرج في الطرقات وقد لبس الشورت أو أطال شعره كالفتيات أو قصّه متشبهًا بالفساق أو الكفار، وتدخل المستشفيات والعيادات بل وبعض المحلات فتجد شاشات التلفاز تعرض الأفلام والمسلسلات والأغاني والراقصات، فإن أنت أنكرت عليهم قالوا لك: حرية شخصية، سبحان الله! أيُعصى الله جهارًا نهارًا بحجة الحرية الشخصية؟!
هل لي أن أقابل أولئك بنفس المنطق فأصطحِب معي مسجّلاً ضخمًا فأقعد في غرفة الانتظار بالمستشفى مثلاً وأستمع إلى القرآن الكريم بأعلى صوت ممكن وهم يشاهدون تلفازهم؟! هل لي أن أقبع أمام بيت ذلك الذي أضرّ بالمسلمين بلباسه ومنظره المقزّز ومعي آلة تصوير فأصوّر أهل بيته في خروجهم ودخولهم بحجة أن ذلك من الحرية الشخصية التي كفلها الإسلام لي؟! هل لأحد أن يدخّن سيجارًا أو غليونًا في الطائرة أو المستشفى في أماكن غير المدخنين؟!
إن الحرية الشخصية ـ عباد الله ـ تتوقف عندما يصل الضرر إلى الآخرين، ونحن كمسلمين نحدد الضرر لا بأهوائنا ورغباتنا، بل بما يوافق الشرع من كتاب وسنة مطهرة، فالذي لا يصلي مع المسلمين قد أوشك نبينا أن يحرق عليه بيته لتخلفه عن الصلاة، وكذلك غرف الانتظار في المستشفيات، يجب أن تُغلق فيها شاشات التلفاز، وإلا فأين ينتظر الصالحون وأهلوهم الذين لا يشاهدون هذه المنكرات في بيوتهم؟!
إن المنكرات قد ظهرت وفشا أمرها، فإن لم ينكرها المسلمون أوشك الله أن يعمّهم بعقاب.
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ قبل غرق السفينة، وأنكروا المنكر قبل أن يغرقكم الله.
| |
|