molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: اتق الله حيثما كنت - عاصم بن لقمان يونس الحكيم الأربعاء 23 نوفمبر - 4:59:40 | |
|
اتق الله حيثما كنت
ععاصم بن لقمان يونس الحكيم
الخطبة الأولى
أما بعد: جاء في مسند الإمام أحمد عن أنس بن مالك أن النبي قال: ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)).
عباد الله، في هذه الوصية النبوية يأمرنا نبينا أن نتقي الله عز وجل في كل مكان وزمان وفي السر والعلانية، وذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، سواء كان المرء منا بمفرده أو في جماعة. فالتقوى هي من أعظم أسباب الفلاح في الدنيا والآخرة، والجنة ما أعدها الله تعالى إلا للمتقين، قال تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133].
وحقيقة التقوى هي أن يجعل المرء بينه وبين عذاب الله تعالى وقاية، فكل من تهاون في صلاة الجماعة أو أَكَلَ الحرام من ربا ورشوة وسرقة وقمار أو وقع في الحرام كالزنا وشرب الخمر وتعاطي المخدرات فقد تجرأ على الله تعالى ولم يكن من المتقين.
ولقد علم الله تعالى أن عباده ضعاف النفوس تسهل غوايتهم، فلم يغلق عليهم باب الرجعة، بل جعله مُشْرعا لكل من أراد أن يلجه تائبًا نادمًا، يقول نبينا : ((وأتبع السيئة الحسنة تمحها))، أي: ألحق أي سيئة ضَعُفتَ وارتكبتها بحسنة، كصلاة أو صدقة أو أمر بالمعروف ونهي عن المنكر. وهذا ـ عباد الله ـ من فضل أرحم الراحمين؛ أن رحم ضعفنا وأكرمنا بهذه الميزة، قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114]، لذا فإن من المفترض أن يكون العصاة أكثر الناس فعلاً للخيرات تكفيرًا عن سيئاتهم، إلا أن الواقع بخلاف ذلك.
يقول ابن القيم: "إن من أضرار المعاصي أنها تُضعف القلب عن إرادة الخير، فتقوى إرادة المعصية وتضعف إرادة التوبة شيئًا فشيئًا، إلى أن تنسلخ من قلبه بالكلية، فيأتي هذا المذنب من الاستغفار وتوبة الكذابين باللسان الشيء الكثير، وقلبه معقود بالمعصية مصر عليها، عازم على مواقعتها متى أمكنه". لذا يجب على كل مسلم أن يراجع أعماله وأن يتفطن إلى عدد الحسنات التي فعلها في يومه وليلته، وإن كانت تكفي لمحو السيئات التي اجترحتها يداه ونظرت إليها عيناها.
وأما وصية النبي الأخيرة بعد أمره بتقوى الله حيثما كنت فهي: ((خالق الناس بخلق حسن))، والعجيب أن الخلق الحسن هو من تقوى الله، وهو من الحسنات التي يُذهب الله تعالى بها السيئات، ولكن لما كان كثير من الناس يظن أن التقوى هي القيام بحق الله دون حق العباد أفرد النبي حسن الخلق بوصية خاصة، يقول نبينا : ((إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا)). ولقد ضمن نبينا بيتا في الجنة لمن حسن خلقه فقال: ((أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)).
وحسن الخلق كلمة تتضمن معاني سامية كثيرة، فقد فسر الإمام ابن المبارك حسن الخلق بقوله: "هو بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى". أما الإمام أحمد فقال: "حسن الخلق أن لا تغضب ولا تحتد، وأن تحتمل ما يكون من الناس". وبالجملة فحسن الخلق يشمل طلاقة الوجه ولين الجانب وعدم أذية الناس مع احتمال أذاهم والتودد لهم وملاطفة الكبير والصغير ومعاملة الناس بمثل ما يحب المرء أن يعاملوه به، كما قال نبينا : ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).
أقول قولي، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية
أما بعد: لقد كان المشركون العرب يتحلون ببعض الأخلاق الحميدة التي يفتقدها البعض منا، كالكرم والجود والشهامة والغيرة، فجاء الإسلام ليضبط الأمور ويتمم الناقص، كما قال نبينا : ((إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق)). وما يأمر النبي المسلمين بأمر إلا ويكون هو الذروة والقمة فيه، وصدق الله تعالى إذ يقول: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، ولقد وصفته أم المؤمنين عائشة النبي فقالت: كان خلقه القرآن. فكان سهلاً لينًا قريبًا مجيبًا في حياته لدعوة من دعاه، قاضيًا لحاجة من استقضاه، جابرًا لقلب من سأله، لا يحرمه ولا يرده خائبًا، وإذا أراد أصحابه منه أمرًا وافقهم عليه ما لم يكن فيه محذور، وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم، بل يشاورهم فيه، وكان يقبل من محسنهم ويعفو عن مسيئهم، وصدق الله تعالى إذ يقول: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]. إن أحدنا قد يستشيط غضبا إن تجرأ أحد على مناداته باسمه مجردا من الألقاب، بينما نبينا يجذبه أعرابي من ردائه جبذة تؤثر على صفحة عاتقه، ويناديه باسمه مجردا فيقول: يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك، فلا يبطش به النبي ، بل يلتفت إليه ضاحكا ويأمر له بعطاء.
لقد أخبرنا نبينا أن نبيًا ضربه قومه حتى أدموه، فقال وهو يمسح الدم عن وجهه: ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)). نبي ويدمون وجهه ومع ذلك يدعو الله تعالى لهم، بينما نحن ما إن نرى منكرا حتى ندعو على فاعله بالويل والثبور والهلاك العاجل، عوضا عن الدعاء لهم بالهداية أو التفاعل الإيجابي لتغيير ذلك المنكر. إن نبينا من حسن خلقه ما انتقم لنفسه في شيء قط إلا أن تُنتهك حرمة الله فينتقم لله تعالى، كما تقول أم المؤمنين عائشة.
فأين نحن من هذا الحديث؟! كم من أحقاد وأضغان في قلوبنا على إخواننا المسلمين، بل وعلى قراباتنا وأرحامنا لأسباب تافهة وسخيفة، كم من الرجال من يغضب على امرأته إن لم تُحسن طهي الطعام أو كي الثياب، بينما لا يهتز له رمش ولا يخفق له قلب ولا يتغير وجهه إن رآها تخرج متعطرة أو متزينة أو سافرة، أو رآها تعود إلى بيتها بعد منتصف الليل مع السائق وثالثهما الشيطان.
عباد الله، لقد تغيرت المقاييس واختلت الموازين، فالناس يغضبون ويثورون للدنيا بخلاف ما كان عليه نبينا ، الذي كان ينتقم لحرمات الله لا لنفسه، وما ذلك إلا لبعدهم عن تقوى الله وعن كتاب الله وسنة نبينا .
فلنتق الله ـ عباد الله ـ في أنفسنا وأهلينا، ولنتبع السيئة الحسنة كي تمحوها، ولنبدأ من الآن التخلق بالخلق الحسن الذي بيّن نبينا فضله العظيم إذ يقول: ((إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)).
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم...
| |
|