molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: ماء زمزم- عادل بن أحمد باناعمة الثلاثاء 22 نوفمبر - 5:45:55 | |
|
ماء زمزم
عادل بن أحمد باناعمة
الخطبة الأولى
مرت آلاف السنين ومع ذلك لا زال طيفها يرتسم أمام الناس وهي تركض لاهثة فزعة.
ولازال صوت يخترق حجب الزمان وهي تنادي بأعلى صوتها وتقول: لقد أسمعت إن كان عندك غوث.
كانت قلقة مضطربة، كيف لا وهي ترى صغيرها يتضور أمام عينيها، يكاد يقتله الجوع والعطش.
وكأني بمكة وربوعها وبالحرم الشريف يتألم لمصابها ويبكي على حالها.
وما أنس لا أنس هاجر لما سعتْ صادعا قلبها جزع الأمْ
وتجري ومن خلفها طفلها يصـيح يعالـج موتـاً محتَّمْ
وترفع نحو السماء يديها أيا رب من غيرك اليوم يرحمْ
بكى كل شيء لها وبكيتُ فمـن دمع عيني تفجر زمزمْ
نعم … تفجرت عين زمزم تحت قدمي إسماعيل عليه السلام بضربة من عقب جبريل عليه السلام لتكون استجابة لدعوة إبراهيم صلى الله عليه وسلم: رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلوٰةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مّنَ ٱلثَّمَرٰتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [إبراهيم:37].
وجعلت هاجر تغرب الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت زمزم عيناً معيناً)) [البخاري].
وقال عليه الصلاة والسلام: ((إن جبريل لما ركض زمزم بعقبه جعلت أم إسماعيل تجمع البطحاء، رحم الله هاجر لو تركتها كانت عيناً معيناً)).
كانت عاقبة التفويض المطلق لأمر الله هذا النبع العذب الذي لا يغيض.
وكان مآل الخضوع لأمر الله هذا الماء المبارك.
إن زمزم رمز الجزاء الرباني لكل من صبر وصابر في سبيل الله، وإن كان الله قد فجر لهاجر هذا النبع في قلب الصحراء حين صبرت وقالت بإيمان: ((فلن يضيعنا الله)) فإنه سبحانه يفجر في قلب كل مؤمن صابر مخلص نبعا ثرا من اليقين والطمأنينة يجد برده بين جنبيه.
بدأ هذا الماء غياثاً وظل غياثاً، ظلت بركته باقية …
فبه غسل قلب النبي صلى الله عليه وسلم .. عن أنس بن مالك قال: كان أبو ذر رضي الله عنهم يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً فأفرغها في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء)) [البخاري:3342].
ولو لم يكن لزمزم من فضل إلا هذا لكفى، يغسل بها أطهر قلب، فتزيد طهراً على طهر.
قال ابن أبي جمرة: وإنما لم يغسل بماء الجنة لما ادتمع في ماء زمزم من كون أصل مائها من الجنة ثم استقرب في الأرض، وقال السهيلي رحمه الله: لما كانت زمزم هزمة جبريل روح القدس لأم إسماعيل جد النبي صلى الله عليه وسلم ناسب أن يغسل بمائها عند دخول حضرة القدس ومناجاته، وصح عن شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني أنه قال: إن ماء زمزم أفضل من الكوثر لأنه غسل صدر النبي صلى الله عليه وسلم به. [الرياض النضرة:144].
ومن فضائل هذا الماء أنه خير ماء على وجه الأرض، فقد روى الطبراني في الكبير والأوسط وابن حبان بسند قال عنه الهيثمي: رجاله ثقات وصححه ابن حبان، رويا عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ((خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام من الطعم وشفاء من السقم)).
فقد ثبت بهذا الحديث أن زمزم طعام، وشراب، ودواء.
قال ابن القيم رحمه الله: ماء زمزم سيد المياه وأشرفها وأجلها قدراً وأحبها إلى النفوس وأغلاها ثمناً وأنفسها عند الناس وهو هزمة جبريل وسقيا الله إسماعيل. [زاد4/392]، ماء زمزم للجائع طعام، وللمريض شفاء من السقام، قد فضل ماؤها على الكوثر حيث غسل منها القلب الشريف الأطهر. [الرياض 145].
وكون زمزم طعام طعم أمر متعالم معروف، فقد قال ابن عباس رضي الله عنه كما رواه عنه عبد الرزاق في مصنفه: كنا نسميها (يعني زمزم) شباعة، وكنا نجدها نعم العون على العيال.
وانظر رحمك الله إلى خبر أبي ذر يوم جاء مكة، قال: أتيت زمزم فغسلت عني الدماء وشربت من مائها، وقد لبثت ثلاثين بين يوم وليلة ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى ت+رت عكن بطني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع !! وسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((متى كنت هنا؟)) قال: منذ ثلاثين، قال: ((فمن كان يطعمك؟)) قال: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إنها مباركة. إنها طعام طعم)) [مسلم].
قال ابن القيم رحمه الله: وشاهدت من يتغذى به الأيام ذوات العدد قريباً من نصف الشهر أو أكثر ولا يجد جوعاً ويطوف مع الناس كأحدهم وأخبرني أنه ربما بقي عليه أربعين يوماً وكان له قومة يجامع بها أهله ويصوم ويطوف مراراً. [زاد4/393].
وأما كونه شفاء فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل ماء زمزم في الأداوي والقرب وكان يصب على المرضى ويسقيهم. [الترمذي وصححه الألباني].
وعن أبي جمرة الضبعي قال: كنت أجالس ابن عباس بمكة فأخذتني الحمى فقال: أبردها عنك بماء زمزم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((هي الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء أو قال: بماء زمزم)) [البخاري:3261].
قال ابن القيم رحمه الله: وقد مر بي وقت بمكة سقمت فيه وفقدت الطبيب والدواء فكنت آخذ شربة من ماء زمزم وأقرأ عليها الفاتحة مرارا ثم أشربه فوجدت بذلك البرء التام، ثم صرت أعتمد ذلفك عند كثير من الأوجاع فأنتفع بها غاية الانتفاع. [زاد 4/178].
وقال رحمه الله: جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أموراً عجيبة واستشفيت به من عدة أمراض فبرأت بإذن الله. [زاد4/393].
وكلنا قد سمعنا خبر المرأة المغربية التي اشتد بها السرطان وحار الأطباء في أمرها وعجز الدواء عن تخفيف آلامها، فسافرت إلى مكة واعتمرت وداومت على الشرب من ماء زمزم، واكتفت برغيف وبيضة واحدة كل يوم وجعلت تدعو وتتعبد وتبكي .. وفجأة ذهب كل شيء، ذهب المرض وما بقي له من أثر، لقد قهر زمزم السرطان بإذن الله الواحد الأحد.
ومن فضائل هذا الماء أنه لا يفسد بمرور الأعوام، فقد ذكر بعضهم أنه حمله إلى بلاده فظل في الصحائف اثنتي عشرة سنة لم يفسد ولم يتغير!!
ومن فضائله أنه تحفة للضيفان، وإكرام لهم، وأنه يهدى إلى الآفاق فيكون من أكرم الهدايا روى مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه إذا نزل به ضيف أتحفه من ماء زمزم وكان لا يطعم قوماً طعاماً إلا سقاهم من ماء زمزم. [الدر المنثور].
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمل ماء زمزم. [الترمذي والحاكم في المستدرك وصححه الألباني].
وكان يرسل وهو بالمدينة قبل أن تفتح مكة إلى سهيل بن عمرو أن أهد لنا من ماء زمزم ولا تترك، فيبعث إليه بمزادتين. [البيهقي بإسناد جيد].
وزمزم بعد ذلك لا يتضلع منها منافق، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال كنت عند ابن عباس جالساً فجاءه رجل فقال: من أين جئت؟ قال: من زمزم، قال فشربت منها كما ينبغي، قال: وكيف؟ قال: إذا شربت منها فاستقبل القبلة واذكر اسم الله وتنفس ثلاثاً وتضلع منها، فإذا فرغت فاحمد الله عز وجل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن آية ما بيننا وبين المنافقين إنهم لا يتضلعون من زمزم)) [ابن ماجه:3061، والحاكم في مستدركه، وهو صحيح لغيره].
والتضلع هو الإكثار من الشرب حتى يتمدد الجنب والأضلاع، فيقال: شرب فلان حتى تضلع أي انتفخت أضلاعه من كثرة الشرب.
وكان السلف يستحبون إذا ودعوا البيت أن يأتوا زمزم فيشربوا منها.
الخطبة الثانية
حديث ماء زمزم لما شرب له صحيح، وقد صححه الحاكم والمنذري والدمياطي وحسنه ابن حجر. [زاد4/393].
مجاهد: ماء زمزم إن شربته تشتفي به شفاك الله. إن شربته لشبعك أشبعك الله به. ماء زمزم إن شربته لقطع ظمئك قطعه الله.
قال الشوكاني: فيه دليل أنه ماء زمزم ينفع الشارب لأي أمر شربه لأجله، سواء كان من أمور الدنيا أو الآخرة. ولذلك فقد شربه طائفة من أهل العلم كلهم يريد أمراً من شربه لزمزم.
فكان ابن المبارك يشربه لعطش القيامة.
وكان الحاكم يشربه لحسن التصنيف.
وكان ابن خزيمة يشربه للعلم النافع.
وكان ابن عيينة يحدث من شرب زمزم بمئة حديث!
وأما ابن حجر شربه ليبلغ حالة الذهبي في حفظ الحديث.
وكان السيوطي يشربه ليصل رتبة السراج البلقيني في الفقه وابن حجر في الحدث.
وأما الشافعي يشربه للرمي، فكان يصيب من كل عشرة تسعة.
وأما والد الحكيم الترمذي شربه للحصر.
وأما الخطيب يشربه لثلاث حاجات.
| |
|