molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: يوم الجمعة: أحكام وحكم- عادل بن أحمد باناعمة الثلاثاء 22 نوفمبر - 5:25:48 | |
|
يوم الجمعة: أحكام وحكم
عادل بن أحمد باناعمة
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فهذا يوم مباركة أوقاته، طيبةٌ ساعاتُه، يوم اصطفاه الله من بين سائر أيام الأسبوع، وجعل له من الخصائص والمزايا ما شرف بها على غيره.
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي أنه قال: ((نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله له))، وروى مالك في الموطأ وأبو داود بسند صحيح عن أبي هريرة مرفوعًا: ((خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أُهبط، وفيه تِيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مُصِيخَة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقًا من الساعة إلا الجنّ والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله حاجة إلا أعطاه إياها))، قال كعب: ذلك في كلّ سنة يوم، فقلت: بل في كل جمعة، فقرأ كعب التوراة فقال: صدق رسول الله .
وبلغ من فضل هذا اليوم وشرفه أن العلماء قد اختلفوا في المفاضلة بينه وبين يوم عرفة.
وما وردت به النصوص من فضائل هذا اليوم أكثر من أن تحصى في مقام كهذا.
فمن ذلك أن فيه ساعة الإجابة، وهي الساعة التي لا يسأل اللهَ عبدٌ مسلمٌ فيها شيئًا إلا أعطاه، كما صح بذلك الحديث عند البخاري ومسلم (852).
وفي تحديد هذه الساعة أقوال عديدة، تزيد على أحد عشر قولاً، أرجاها كما قال ابن القيم قولان: الأول: من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، والثاني: بعد العصر، وهذا أرجح القولين، وهو قول عبد الله بن سلاَم وأبي هريرة والإمام أحمد وخلق، ويشهد له حديث جابر: ((يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة، لا يوجد مسلم يسأل الله شيئًا إلا أعطاه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر)) رواه أبو داود (1048) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه النووي والألباني وحسنه ابن حجر.
ومن ذلك الندب لقراءة سورة الكهف فيه، وقد جاء في الحديث بسند يصح إن شاء الله أن النبي قال: ((من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء له يوم القيامة، وغفر له ما بين الجمعتين)) رواه الحاكم.
ومن ذلك استحباب كثرة الصلاة على النبي فيه، وفي الحديث الحسن عند البيهقي: ((أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة))، والرسول سيد الأنام، ويوم الجمعة سيد الأيام، فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره.
ومن ذلك استحباب قراءة سورتي الـم تَنزِيلُ [سورة السجدة]، وهَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَـٰنِ [سورة الإنسان] في فجره، كما رواه الإمام مسلم في صحيحه (879).
قال ابن القيم رحمه الله في الزاد (1/375): "ويظنّ كثير ممن لا علم عنده، أن المراد تخصيص هذه الصلاة بسجدة زائدة، ويسمونها سجدة الجمعة، وإذا لم يقرأ أحدهم هذه السورة استحب قراءة سورة أخرى فيها سجدة، ولهذا كره من كره من الأئمة المداومة على قراءة هذه السورة في فجر الجمعة دفعًا لتوهم الجاهلين. وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إنما كان النبي يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة، لأنهما تضمنتا ما كان وما يكون في يومها، فإنهما اشتملتا على خلق آدم، وعلى ذكر المعاد وحشر العباد، وذلك يكون يوم الجمعة، وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه وما يكون، والسجدة جاءت تبعًا ليست مقصودة، حتى يقصد المصلي قراءتها حيث اتفقت".
ومن خصائص الجمعة كذلك الأمر بالاغتسال فيه، قال ابن القيم في الزاد (1/376): "وهو أمر مؤكد جدًا، ووجوبه أقوى من وجوب الوتر وقراءة البسملة في الصلاة ووجوب الوضوء من مس الذكر ووجوب الصلاة على النبي في التشهد الأخير".
ومن خصائص الجمعة أن للصدقة فيه مزية عليها في سائر الأيام، والصدقة فيه بالنسبة إلى سائر أيام الأسبوع كالصدقة في شهر رمضان بالنسبة إلى سائر الشهور، قال ابن القيم في الزاد (1/407): "وشاهدت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه إذا خرج إلى الجمعة يأخذ ما وجد في البيت من خبز أو غيره فيتصدق به في طريقه سرًا، وسمعته يقول: إذا كان الله قد أمرنا بالصدقة بين يدي مناجاة رسوله فالصدقة بين يدي مناجاته تعالى أفضل وأولى بالفضيلة".
ومن خصائصه أيضًا عدم جواز السفر فيه لمن تلزمه الجمعة قبل فعلها بعد دخول وقتها، وأما قبل دخوله فللعلماء فيه أقوال، والمختار عند مالك أن لا يسافر إذا طلع الفجر وهو حاضر حتى يصلي الجمعة، ورخص عمر رضي الله عنه في السفر ما لم تزل الشمس ويحضر وقت الصلاة، والأصح أن له أن يسافر ما لم يدخل وقت الصلاة، فإذا حان وقت الصلاة وهو من أهل وجوبها لم يجز له أن يسافر حتى يؤديها. وهذا إذا لم يخف فوت رفقته، فإن خاف فوت رفقته وانقطاعه بعدهم جاز له السفر مطلقًا؛ لأن هذا عذر تسقط به الجمعة والجماعة.
ولا ريب أن من أهم خصائص هذا اليوم، وأجلى سماته أداء صلاة الجمعة، هذه الصلاة التي عظم النبي من شأنها حتى قال: ((لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس ثم أُحَرِّق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم)) رواه مسلم.
وكان أسعد بن زرارة رضي الله عنه أول من جمّع بالمدينة قبل مقدم رسول الله في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له: نقيع الخضمات، وكانوا يومذاك أربعين رجلاً.
قال ابن القيم في الزاد (1/373): "كان هذا مبدأ الجمعة، ثم قدم رسول الله المدينة فأقام بقُباء في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس، وأسس مسجدهم ثم خرج يوم الجمعة، فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف، فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي، وكانت أول جمعة صلاها بالمدينة، وذلك قبل تأسيس مسجده".
ولما كان البعض من الناس يغفل عن مسائل مهمة تتعلق بهذه الصلاة العظيمة وجب التنبيه إلى ذلك والإشارة إليه، ولا سيما مع تكرر الشكوى من عدد من فضلاء الحي من ممارسات تكون وقت الصلاة غيرها أولى منها وأجدر. وأنا أشير في هذا المقام إلى جملة من المسائل، وأوفيها حقها من النظر والتمحيص بإذن الله.
1- يستحب للمسلم أن يلبس يوم الجمعة أحسن الثياب التي يقدر عليها، ففي سنن أبي داود (1078) بسند حسن عن عبد الله بن سلاَم أنه سمع رسول الله يقول على المنبر يوم الجمعة: ((ما على أحدكم إن وجدتم أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته)).
ويسن أن يتنظف للجمعة بقص شاربه وتقليم أظافره وقطع الروائح الكريهة بالسواك وغيره، وأن يتطيب بما يقدر عليه ويأخذ من طيب أهله.
ووقت الغُسل بعد طلوع الفجر، فمن اغتسل بعد ذلك أجزأه، وإن اغتسل قبله لم يجزئه، لقول النبي : ((من اغتسل يوم الجمعة))، واليوم من طلوع الفجر، وإن اغتسل ثم أحدث أجزأه الغسل وكفاه الوضوء.
2- كما يستحب فيه تَجْمير المسجد، فقد ذكر سعيد بن منصور عن نعيم بن عبد الله المجمِر أن عمر بن الخطاب أمر أن يُجمر مسجد المدينة كل جمعة حين ينتصف النهار.
3- ومن مهمات مسائل الجمعة استحباب التبكير إليها، ففي الصحيحين أنه قال: ((من اغتسل يوم الجمعة غسلَ الجنابة ثم راح فكأنما قرب بَدَنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقْرَن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر)).
وقد ذهب أبو حنيفة والشافعي وأحمد والثوري وغيرهم إلى أن التبكير إليها يكون من أول النهار، قال الشافعي رحمه الله: "ولو بكر إليها بعد الفجر وقبل طلوع الشمس كان حسنًا"..
وعن سمرة أن النبي قال: ((احْضُروا الذِّكر، وادْنُوا من الإمام، فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها)) رواه أبو داود وأحمد.
ودلت السنة على أن اليمين أفضل من اليسار عند التقارب أو التساوي، وأما مع البعد فقد دلت السنة على أن اليسار الأقرب أفضل، ودليل ذلك أن الناس كانوا إذا وجد جماعة ثلاثة فإن الإمام يكون بين الرجلين، ولو كان اليمين أفضل على الإطلاق لصار مقام الرجلين مع الرجل عن اليمين، وطرف الصف الأول من اليمين أو اليسار خير من الصفّ الثاني وإن كان خلف الإمام.
4- ويجب الإنصات للخطبة في أصح القولين، فإن تركَه كان لاغيًا، ومن لغا فلا جمعة له، وعند البخاري ومسلم: ((إذا قلت لصاحبك: أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت))، وفي رواية أحمد: ((والذي يقول لصاحبه: أنصت فلا جمعة له)).
وإذا سمع الإنسان متكلمًا لم ينهه بالكلام، ولكن يشير إليه، نص عليه أحمد، فيضع أصبعه على فيه.
5- ويستحب أن يستقبل الناس الخطيب إذا خطب، قال الأَثْرم: قلت لأبي عبد الله: يكون الإمام عن يميني متباعدًا، فإذا أردت أن أنحرف إليه حولت وجهي عن القبلة، فقال: نعم تنحرف إليه، وممن كان يستقبل الإمام ابن عمر وأنس، وهو قول شُرَيح وعطاء ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي، قال ابن المنذر هذا كالإجماع، وعند ابن ماجه كان النبي إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم.
6- وما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام قضية تخطي الرقاب، فإن البعض غفر الله لنا وله لا يولي هذا الأمر حقه، ويتساهل فيه، وقد جاء في صحيح البخاري عن سلمان قال: قال رسول الله : ((لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدَّهِنَ من دُهْنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى))، وفي مسند أحمد: ((ولم يتخط أحدا ولم يؤذه وركع ما قضي له ثم انتظر حتى ينصرف الإمام غفر له ما بين الجمعتين)).
وفي مسند أحمد وسنن أبي داود (1113) بسند حسن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: ((يحضر الجمعة ثلاثة نفر: رجل حضرها يلغو وهو حظه منها، ورجل حضرها يدعو فهو رجل دعا الله فإن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدا فهي كفارة له إلى يوم الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام، وذلك أن الله يقول: مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160])) وحسنه الألباني. فتأمل كيف قيد تمام الأجر بأن لا يفرق المصلي بين اثنين، ولا يتخطى أحدًا، ولا يتجاوز رقبة مسلم.
قال العلامة البهوتي: "ويكره أن يتخطى رقاب الناس لما روى أحمد أن النبي وهو على المنبر رأى رجلاً يتخطى رقاب الناس فقال: ((اجلس فقد آذيت))، ولما فيه من سوء الأدب والأذى، إلا أن يكون إمامًا فلا يكره أن يتخطى رقاب الناس للحاجة لتعيين مكانه، وألحق به المؤذن".
ولكن ها هنا أمر آخر ينبغي التنبه له، وهو أن على من بكَّر إلى المسجد أن يتقدم إلى الصفوف الأولى، وأن لا يدع أمامه فُرجات تضطر من جاء بعده إلى تخطي رقبته. وقد نقل عن الإمام أحمد رحمه الله أن المصلي إذا رأى فُرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي فلا يكره؛ لأن هؤلاء المتأخرين أسقطوا حق أنفسهم بتأخرهم.
ولابن قدامة رحمه الله في المغني (3/231) كلام نفيس خلاصته أن المصلين إذا تركوا مكانًا واسعًا مثل الذين يصفُّون في آخر المسجد ويتركون بين أيديهم صفوفًا خالية فهؤلاء لا حرمة لهم كما قال الحسن؛ لأنهم خالفوا أمر النبي ورغبوا عن الفضيلة وخير الصفوف، وجلسوا في شرها، ولأن تخطيهم مما لا بد منه، وأما إن كانت الفُرج المتقدمة لم تنشأ من تفريط من سبق وإنما جلسوا في مكانهم لامتلاء ما بين أيديهم ثم شغرت أماكن فالأَولى أن لا يتخطّى إليها ومتى لم يمكن الصلاة إلا بالدخول وتخطيهم جاز لأنه موضع حاجة.
والخلاصة أن على من سبق إلى المسجد أن لا يدع فرجة أمامه، وأن المصلّي إذا جاء بأخَرة فوجد فرجات كبيرة تركها من سبقه فله أن يتخطى إليها، وإن كان الأولى ـ كما قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ـ أن لا يتخطى حتى ولو إلى فرجة، لأن العلة وهي الأذية موجودة.
الخطبة الثانية
7- وليس للجمعة على الأصح سنة راتبة قبلية، وعليه فليس من الأولى أن يقوم الجالس بعد أذان الخطبة لصلاة ركعتين، قال ابن القيم في الزاد (1/433): "وكان إذا فرغ بلال من الأذان أخذ النبي في الخطبة، ولم يقم أحد يركع ركعتين البتة، ولم يكن الأذان إلا واحدًا، وهذا يدل على أن الجمعة كالعيد لا سنة قبلها، وهذا أصح قولي العلماء، وعليه تدل السنة، وهذا مذهب مالك وأحمد في المشهور عنه وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي".
وإنما يصلي الإنسان حال وصوله المسجد ركعتين تحية للمسجد، وإن شاء أن يصلي صلاة كثيرة من باب التطوع المطلق فلا حرج عليه، وكذلك كان يفعل ابن عمر رضي الله عنه، وقد نقل عنه أنه كان يصلي قبل الجمعة ثنتي عشرة ركعة، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يصلي ثمان ركعات، وروي عن ابن مسعود أنه كان يصلي قبلَه أربع ركعات.
فإذا خرج الإمام للخطبة وهو في نافلة خففها، ولو كان نوى أربعًا صلى ركعتين ليستمع الخطبة، ويحرم ابتداء نافلة بعد خروج الإمام للخطبة غير تحية مسجد، روي ذلك عن ابن عباس وابن عمر.
وفي الصحيحين من حديث جابر قال: جاء رجل والنبي يخطب الناس فقال: ((أصليت يا فلان؟)) قال: لا، قال: ((قم فاركع))، ولمسلم قال: ثم قال: ((إذا جاء أحدكم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما)).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أمّا النّبِيُّ فإِنّهُ لم يكُن يُصلِّي قبل الجُمُعةِ بعد الأذانِ شيئًا، ولا نقل هذا عنهُ أحدٌ، فإِنّ النّبِيّ كان لا يُؤذّنُ على عهدِهِ إلا إذا قعد على المِنبرِ، ويُؤذِّنُ بِلالٌ ثُمّ يخطُبُ النّبِيُّ الخُطبتينِ، ثُمّ يُقِيمُ بِلالٌ فيُصلِّي النّبِيُّ بِالنّاسِ، فما كان يُمكِنُ أن يُصلِّي بعد الأذانِ، لا هُو ولا أحدٌ مِن المُسلِمِين الّذِين يُصلُّون معهُ ، ولا نقل عنهُ أحدٌ أنّهُ صلّى فِي بيتِهِ قبل الخُرُوجِ يوم الجُمُعةِ، ولا وقّت بِقولِهِ صلاة مُقدّرة قبل الجُمُعةِ، بل ألفاظُهُ فِيها التّرغِيبُ فِي الصّلاةِ إذا قدِم الرّجُلُ المسجِد يوم الجُمُعةِ مِن غيرِ توقِيتٍ، كقولِهِ: ((من بكّر وابتكر ومشى ولم يركب وصلّى ما كُتِب لهُ)). وهذا هُو المأثُورُ عن الصّحابةِ، كانُوا إذا أتوا المسجِد يوم الجُمُعةِ يُصلُّون مِن حِينِ يدخُلُون ما تيسّر، فمِنهُم من يُصلِّي عشر ركعاتٍ، ومِنهُم من يُصلِّي اثنتي عشرة ركعةً، ومِنهُم من يُصلِّي ثمانِ ركعاتٍ، ومِنهُم من يُصلِّي أقلّ مِن ذلِك، ولِهذا كان جماهِيرُ الأئِمّةِ مُتّفِقِين على أنّهُ ليس قبل الجُمُعةِ سُنّةٌ مُؤقّتةٌ بِوقت مُقدّرةٌ بِعددِ، لأنّ ذلِك إنّما يثبُتُ بِقولِ النّبِيِّ أو فِعلِهِ، وهُو لم يسُنّ فِي ذلِك شيئًا لا بِقولِهِ ولا فِعلِهِ، وهذا مذهبُ مالِكٍ ومذهبُ الشّافِعِيِّ وأكثرِ أصحابِهِ، وهُو المشهُورُ فِي مذهبِ أحمد.
قال ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (5/104): "فإن قلت: هل تختارون لي إذا جئت يوم الجمعة أن أشغل وقتي بالصلاة أو بقراءة القرآن؟ الجواب: نرى أن ركعتين لا بد منهما وهما تحية المسجد، وما عدا ذلك ينظر الإنسان ما هو أرجح له، فإذا كنت في مسجد يزدحم فيه الناس ويكثر المترددون بين يديك فالظاهر أن قراءة القرآن أخشع لقلب الإنسان وأفيد، وإذا كنت في مكان سالم من التشويش فلا شك أن الصلاة أفضل من القراءة؛ لأن الصلاة تجمع قراءة وذكرًا ودعاء وقيامًا وقعودًا وركوعًا وسجودًا".
وأما بعد الجمعة فقد جاء في الحديث عند مسلم (881): ((إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعًا))، وفي الصحيحين عن ابن عمر أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته، ثم قال: كان رسول الله يصنع ذلك.
وجمعُ ما بين الحديثين ما قاله ابن تيمية رحمه الله: "إن صلى في المسجد صلى أربعًا، وإن صلى في البيت صلى ركعتين". ويؤيد هذا ما رواه أبو داود (1130) بإسناد قوي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا صلى في المسجد صلى أربعًا، وإذا صلى في بيته صلى ركعتين.
8- ومن مسائل صلاة الجمعة أنها لا تجمع مع العصر في محلّ يبيح الجمع بين الظهر والعصر.
9- ولا يكره لمن فاتته الجمعة صلاة الظهر جماعة، فإن خاف فتنة أو ضررًا أخفاها وصلى حيث يأمن ذلك.
10- ويكره أن يسند ظهره إلى القبلة، نص عليه، واقتصر الأصحاب على الاستحباب في استقبالها.
11- ومن نعس سُنّ انتقاله من مكانه إن لم يتخطَ أحدًا في انتقاله، لقوله : ((إذا نعس أحدكم في مجلسه يوم الجمعة فليتحول إلى غيره)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
12- وأما الاحتباء يوم الجمعة فالأولى تركه لأجل ما ورد من النهي عنه في حديث سهل بن معاذ عند أبي داود وإن كان ضعيفًا، ولأنه يكون متهيئًا للنوم والوقوع وانتقاض الوضوء، فيكون تركه أولى والله أعلم، ويحمل النهي في الحديث على الكراهة، ويحمل أحوال الصحابة الذين فعلوا ذلك على أنهم لم يبلغهم الخبر.
وقد ذهب بعض الحنابلة إلى أنه لا بأس بالاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب، وذلك لما رواه مالك عن ابن عمر وجماعة من أصحاب الرسول من أنهم كانوا يفعلون ذلك. وقد قال أبو داود: لم يبلغني أن أحدًا كرهه إلا عبادة بن نُسَيّ، وروى يعلى بن شداد بن أوس قال: شهدت مع معاوية بيت المقدس، فجمع بنا، فنظرت فإذا جل من في المسجد أصحاب رسول الله ، فرأيتهم محتبين والإمام يخطب. والأولى كما أسلفت الامتناع عن ذلك.
13- ومن المسائل المهمة مسألة قضاء ما فات من الجمعة، فالمأموم إذا أدرك من صلاة الجمعة ركعة أتمها جمعة، أما إذا جاء وقد رفع الإمام رأسه من ركوع الركعة الثانية فإنه يدخل معه ولكنه يتمها ظهرًا أي: أربع ركعات، وذلك لقوله : ((من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة)) رواه الشيخان، وعند النسائي في السنن الكبرى: ((من أدرك ركعة من الجمعة أو غيرها فقد تمت صلاته))، ومفهوم ذلك أنه إذا أدرك أقل من ذلك لم يكن مدركًا لها. قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (5/62): "القول الثاني: أنه إذا دخل معه بنية الجمعة فتبين أنه لا يدرك ركعة فلينوها ظهرًا بعد سلام الإمام، وهذا هو القول الصحيح".
| |
|