molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: لماذا الجفاف يا عين؟!- عادل بن أحمد باناعمة الثلاثاء 22 نوفمبر - 5:21:56 | |
|
لماذا الجفاف يا عين؟!
عادل بن أحمد باناعمة
الخطبة الأولى
وبعـد:
لقد غاب عن حياة الكثيرين منا سمت جليل وسمة ربانية.
أنستنا الدنيا ومشاغلها ولهونا بها في الليل والنهار هذه الخصلة الكريمة الشريفة. لقد فقدنا البكاء من خشية الله.
نعم، إن غياب هذا السمت البكائي وندرته حتى صار يقال: إن فلاناً يبكي!! وحتى صار من المستغرب أن تجد من يخشع في الموعظة، وحتى صار صف الملتزمين في الصلاة أشح بالدمع من الصخر ... إن هذا كله مؤذن بخلل خطير، ومنذر بشرٍ وبيل.
لا نريد المخادعة، ولا الضحك على النفس، فربما التمس الإنسان لنفسه ألف عذر، وربما قال ما قال إياس لأبيه: إنما هي رقة في القلوب، يريد أن إن المسألة طبائع فهناك من في قلبه رقة، وهناك من في قلبه قسوة!! وكل هذه مبررات واهية وحجج ساقطة، واجعل نصب عينيك أبداً قول من قال: إذا لم تبك من خشية الله، فابك على نفسك لأنك لم تبك!! وما أشبه هذا القول بالصواب. وقد روى وهب بن منبه أن عابداً لقي عابداً وهو يبكي، ...، فقال: ما يبكيك؟ فقال: وما لي لا أبكي؟ أبكي والله على ألا أكون لم أزل أبكي!!! [ابن أبي الدنيا:259].
وحسبنا هذا التهديد الإلهي المخيف: فَوَيْلٌ لّلْقَـٰسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مّن ذِكْرِ ٱللَّهِ أُوْلَـئِكَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ [الزمر:22].
وحسبنا ما ذكره علي رضي الله عنه في وصف الصحابة الكرام، فقد جاء في ترجمته رضي الله عنه كأنه صلى صلاة الفجر وجلس حزيناً مطرقاً، فلما طلعت الشمس قبض على لحيته وجعل يبكي ويقول: (لقد رأيت أصحاب محمد، فما رأيت شيئاً يشبـههم، كانوا يصبحون شعثاً غبراً صفراً، بين أعينهم كأمثال ركب المعزى قد باتوا لله سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا طلع الفجر ذكروا الله فمادوا كما يميد الشجر في يوم الريح وهطلت أعينهم بالدموع، والله لكأن القوم باتوا غافلين! وما رؤي رضي الله عنه بعد ذلك متبسماً حتى لحق بربه! [صفة الصفوة:1/138].
وعلي هذا رضي الله عنه ذكر عنه ضرار بن ضمرة أنه رآه في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وقد مثل في محرابه قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا، يا دنيا، أبي تعرضت؟ أم لي تشوفت؟ هيهات هيهات غري غيري، قد بتتك ثلاثاً، لا رجعة لي فيك .... آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. [صفة الصفوة:1/132].
ويقول سعيد الجرمي: "شباب مكتهلون في حداثة أسنانهم ... قد نظر الله إليهم في جوف الليل محنية على أجزاء القرآن أصلابهم، سابلة على الخدود دموعهم، كلما مروا بآية من ذكر الجنة بكوا شوقاً إليها، وكلما مروا بآية من ذكر النار صرخوا منها فرقاً ..." [ابن قدامة:56].
ويا بؤس من حرم ذلك الخير، وفاتته تلك المنقبة، ودخل تحت الوعيد الإلهي المخيف: فَوَيْلٌ لّلْقَـٰسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مّن ذِكْرِ ٱللَّهِ أُوْلَـئِكَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ [الزمر:22].
ولقد وعى أسلافنا خطر هذه الخصلة فكانوا عجباً في البكاء وغزارة الدمعة.
كان يحيى بن مسلم البكاء قد اعتم بعمامة وأدارها على حلقه، وجعل لها طرفين، فكان يبكي وينتحب حتى يبل هذا الطرف، ثم يبكي وينتحب حتى يبل الطرف الآخر، ثم يحلها من رأسه ويبكي وينتحب حتى يبل العمامة بأسرها، ثم يبكي وينتحب حتى يبل أردانه [أي أكمامه]، [ابن أبي الدنيا:224].
وكان لمحمد بن عبد الوهاب صديق من بني تميم فربما زاره فيبتدئان في البكاء حتى ينادى لصلاة الظهر. [ابن أبي الدنيا:236].
وكان سمتهم يذكر البكاء، قال عبد الواحد بن زيد: لو رأيت الحسن إذا أقبل لبكيت لرؤيته قبل أن يتكلم، ومن ذا الذي كان يرى الحسن فلا يبكي؟ ومن كان يملك نفسه عن البكاء عند رؤيته؟ ثم بكى عبد الواحد بكاء شديداً. [ابن أبي الدنيا:240].
وكان الدمع لا يفارق مآقيهم .. فهذا سعيد الطائفي لا تكاد تجف له دمعة، إنما دموعه جارية دهره، إن صلى فهو يبكي، وإن طاف فهو يبكي، وإن جلس يقرأ في المصحف فهو يبكي، وإن لقيته في الطريق فهو يبكي. [ابن أبي الدنيا:242].
وكان أحدهم يبكي دماً من شدة حرقته ... قال جِسَر بن الحسـن: ذاكرنا عمر بن عبد العزيز شيئاً مما كان فيه، فبكى، حتى رأينا خلل الدم في الدموع، فقال الأوزاعي قد سمعنا عن بكاء داود فما دونه، فما بلغنا أن أحداً صار إلى هذا غير عمر بن عبد العزيز. [ابن أبي الدنيا:424].
ـ بل لقد بكوا وبكوا حتى فسدت أعينهم من طول البكاء.
بكى هاشم الدستوائي حتى فسدت عينه، فكانت مفتوحة، وهو لا يكاد يبصر بها [ابن أبي الدنيا:195].
وبكى يزيد الرقاشي أربعين عاماً حتى تساقطت أشفاره، وأظلمت عيناه، وتغيرت مجاري دموعه. [ابن أبي الدنيا:197].
وبكى أسيد الضبي حتى عمي. [ابن أبي الدنيا:202].
وعلى هذا جرت سنة الأولين ... بكاء وحزن ودموع، بل لقد روى ابن للفضيل بن عياض أن الفضيل قد ألف البكاء حتى ربما بكى في نومه حتى يسمعه أهل الدار!!! [ابن أبي الدنيا:230]. فما الخير فينا إذا لم نكن مثلهم؟ وما نفع أعيننا إذا لم ترطبها الدموع؟ ... ولقد اشتكى ثابت البناني عينه، فقال له الطبيب: اضمن لي خصلة تبرأ عينك، قـــال: وما هي؟ قال: لا تبك، قال: وما خير في عين لا تبكي؟ [ابن أبي الدنيا:210].
ولاغرو في كثرة بكائهم وغزارة دمعهم، فكم لهذا البكاء من فضائل وكم يرفع من درجات!!
إن البكاء من خشية الله طريق إلى الاستظلال بظل العرش:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقــول: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) وذكر منهم: ((ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)) [البخاري ومسلم].
وإن البكاء من خشية الله سبب من أسباب التحريم على النار.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله)) [الترمذي وقال: حسن غريب].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم)) [رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وفي سنده مجهول].
وإن البكاء من خشية الله من أحب الأعمال إلى الله.
عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين: قطرة من دموع في خشية الله، وقطرة دم تهراق في سبيل الله، وأما الأثران فأثر في سبيل الله، وأثر في فريضة من فرائض الله)) [الترمذي:1669، وقال حسن غريب].
وعند الطبراني أن الله قال لموسى: ((... ولم يتعبد إلي المتعبدون بمثل البكاء من خشيتي)) [صحيح الترغيب:4874].
والبكاء من خشية الله أمان يوم الفزع
عن أبي الجلد (عبد الملك بن حبيب) قال: قرأت في مسألة داود صلى الله عليه وسلم قال: إلهي ما جزاء من بكى من خشيتك حتى تسيل دموعه على وجنتيه؟ قال: جزاؤه أن أحرم وجهه على لفح النار، وأن أؤمنه يوم الفزع. [ابن أبي الدنيا:7].
وجزاء البكاء من خشية الله جزاء مطلق غير مقيد. قال فرقد السبخي: بلغنا أن الأعمال كلها توزن إلا الدمعة تخرج من عين العبد من خشية الله، فإنه ليس لها وزن ولا قدر، وإنه ليطفأ بالدمعة البحور من النار. [ابن أبي الدنيا:11].
والبكاء سبب حصول الخشوع ونور القلب.
قال خالد بن معدان: إن الدمعة لتطفئ البحور من النيران فإذا سالت على خد باكيها لم ير ذلك الوجه النار، وما بكى عبد من خشية الله إلا خشعت لذلك جوارحـــه، وكان مكتوبا في الملأ الأعلى باسمه واسم أبيه، منوراً قلبه بذكر الله. [ابن أبي الدنيا:15].
وعن المفضَّل بن مهلهل قال: بلغني أن العبد إذا بكى من خشية الله ملئت جوارحه نوراً، واستبشرت ببكائه، وتداعت بعضها بعضاً: ما هذا النور؟ فيقال لها: هذا غشيكم من نور البكاء. [ابن أبي الدنيا:35].
والبكاء سبب حصول الرحمة من الله.
وعن الحسن قال: ... لو أن باكياً بكى في ملأ من الملأ لرحموا جميعاً ببكائه. [ابن أبي الدنيا:10].
وفي حديث ضعيف مرسل رواه البيهقي عن الهيثم بن مالك أنه خطب يوماً فبكى رجل بين يديه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو شهدكم اليوم كل مؤمن عليهم من الذنوب كأمثال الجبال لغفر لهم ببكاء هذا الرجل، وذلك أن الملائكة تبكي وتدعو له وتقول: الله شفع البكائين فيمن لم يبك)) [الترغيب والترهيب:4877].
ومن هنا سنت مصاحببة البكائين، وحضور مجالسهم، وقد روى رِشد بن سعد عن بعض أصحابه قال: قرأت في بعض الكتب: قل للمؤيدين من عبادي فليجالسوا البكائين من خشيتي فلعلي أصيبهم برحمتي إذا رحمت البكائين. [ابن أبي الدنيا:27].
وبالبكاء يكون غفران الذنوب.
عن مالك بن دينار قال: البكاء على الخطيئة يحط الذنوب كما تحط الريح الورق اليابس. [ابن أبي الدنيا:25].
وقال فرقد السبخي: قرأت في بعض الكتب أن العبد إذا بكى من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كيوم ولدته أمه، ولو أن عبداً جاء بجبال الأرض ذنوباً وآثاماً لوسعته الرحمة إذا بكى، وإن الباكي على الجنة لتشفع له الجنة وتقول: يا رب أدخله الجنة كما بكى علي، وإن النار لتستجير له من ربها فتقول: يا رب أجره من النار كما استجارك مني وبكى خوفا من دخولي. [ابن أبي الدنيا:41].
ـ قال مالك بن دينار: والله لأن أبكي وتسيل دموعي على خدي أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار. [موعظة القلوب:18].
أخي ... لماذا بكى هؤلاء الناس ولم نبك نحن؟
لقد توافرت فيهم صفات افتقدناها. ومنها:
1ـ الصدق مع الله:
قال أبو معاوية الأسود: من أكثر لله الصدق ندِيت عيناه، وأجابته إذا دعاهما. [ابن أبي الدنيا:71].
2ـ تألم القلب:
حدث أبو سهل قال: قلت لسفيان بن عيينة: أترى إلى أبي علي ـ يعني فضيلاً ـ لا كاد تجف له دمعة؟!
فقال سفيان: إذا قرح القلب نديت العينان! [ابن أبي الدنيا:72].
3ـ قلة الذنوب:
عن مكحول قال: أرق الناس قلوباً أقلهم ذنوباً. [ابن أبي الدنيا:66].
مواطن ينبغي فيها البكاء:
1ـ عند قراءة القرآن:
قال علقمة بن وقاص: صليت خلف عمر بن الخطاب، فقرأ سورة يوسف، فكان إذا أتى على ذكر يوسف سمعت نشيجه من وراء الصفوف. [417].
وقال فضل الرقاشي: ما تلذذ العابدون ولا استطارت قلوبهم بشيء كحسن الصوت بالقرآن. وكل قلب لا يجيب على حسن الصوت بالقرآن فهو قلب ميت. [ابن أبي الدنيا:80].
2ـ عند الأذان:
كان أبو خالد المؤذن إذا أذن بكى، وربما صرخ الصرخة في إثــر الأذان! فقال له بعض أولياء الأمور: ما الذي يغشاك عند النداء؟ فبكى ثم قال: إنني لأشبهه بالقيامة. ثم غشي عليه! وكان يقول: لولا ما أؤمله من الفرج والراحة بعد الأذان لظننت أن روحي ستخرج فرقاً من الموت! [ابن أبي الدنيا:145].
3ـ عند الطهور:
حدث أبو سعيد قال: رأيت منصوراً (هو ابن زاذان) توضأ يوماً، فلما فرغ دمعت عيناه، ثم جعل يبكي حتى ارتفع صوته، فقلت: رحمك الله ما شأنك؟ قال: وأي شيء أعظم من شأني؟ إني أريد أن أقوم بين يدي من لا تأخذه سنة ولا نوم. [ابن أبي الدنيا:149].
4ـ عند الصلاة:
لما رفع عمر بن عبد العزيز رأسه من السجود خلف المقام، نظروا إلى موضع سجوده مبتلاً من دموع عينيه! [ابن أبي الدنيا:128].
وقال محمد الزراد: صليت إلى جنب رياح القيسي، فكنت أسمع وقع دموعه على البواري أمثال الوكف: طق طق. [ابن أبي الدنيا:131].
وصلى يوماً مالك بن دينار العصر، فلما سلم عضّ على إصبعه، فلم تزل عيناه تدمعان حتى غابت الشمس. [ابن أبي الدنيا:244].
5ـ تذكر الذنوب:
قال صالح المري: سمعت يزيد الرقاشي يقول: إذا أنت لم تبك على ذنبك فمن يبكي لك بعدك؟ ثم بكى صالح وقال: يا إخوتاه ابكوا على الذنوب، فإنها ترين القلب حتى تنطمس، فلا يصل إليها من خير الموعظة شيء. [ابن أبي الدنيا:186].
يا إخوتاه ... سبق أهل الليل بليلهم، وسبق أهل البكاء ببكائهم، وبقينا مخلفين!!! فإلى متى الغفلة؟
ومتى يكتب لهذه العين أن تجود بالدمع ...
ومتى يكتب لهذه العين أن تجود بالدمع ...
إلهي بقلبـي يطيف العناء ونفسي غدت مسرحاً للشقاء
أتمضي الحياة كذا مـرة فلا من خشوع ولا من بكاء
وألمح حولي ألوف العباد وأدمعهم من سنا وسناء !!!!
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|