molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: شخصية المسلم - طارق حاجي عطاء أحمد الإثنين 21 نوفمبر - 5:15:44 | |
|
شخصية المسلم
طارق حاجي عطاء أحمد
الخطبة الأولى
عباد الله، أوصيكم ونفسي الآثمة بتقوى الله عز وجل, اتقوا الله في السرّ والعلانية, في الظاهر والباطن، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102]. والتقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية باتّباع الأوامر واجتناب النواهي, التقوى ـ يا عباد الله ـ وصية الله للأولين والآخرين: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء: 131]، ثم اعلم ـ رحمك الله ـ قول الله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق: 2]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق: 5].
معاشر المسلمين, إن المتأمّل في حال كثير من المسلمين ليتأسفُ كثيرًا, ويدهشُ ويُصاب بالأسى والحزن. يا للأسف, إن حالنا اليوم إفراط وتفريط وضرر وإضرار إلا من رحم الله.
تعال معي أيها السامع الكريم، تأمل في شخصية المسلم اليوم, إنّ شخصية كثير من المسلمين اليوم إما شخصية ضعيفة هزيلة مهتزةُ متأثرة، وإما شخصية شديدة جبارة ظالمة طاغية، فلا تعرف التوازن, ولا تقيم لمبادئها ودينها وزنا. إن الفرق شاسع وبعيد جدًا بين ما أرداه الإسلام لأبنائه وما أراده الأبناء لأنفسهم إلا قليلا ممن صفَت قلوبهم وصحت عقيدتهم وسمت نفوسهم ونشطت هممهم, فأقبَلوا على دينهم بصدق وشغف وحرارة، ينهلون من منبعه الصافي, ويزدادون كلّ يوم من هديِه السامي. ومن هنا يبدأ الإنسان كما أراده الله وأراده رسول الله, يكون إنسانًا اجتماعيًا راقيًا فذًّا, كوّنته مكارم الأخلاق, وصَنَعته سماحة الإسلام. وهنا وقفة مع شخصية المسلم, شخصية كما أرادها دينه أن تكون, كيف يكون المسلم مع ربه؟ وكيف يكون مع نفسه؟ وكيف يكون مع والديه؟ وكيف يكون مع زوجته وأولاده؟ وكيف يكون مع أقاربه وذوي رحمه وجيرانه؟ وكيف يكون مع مجتمعه؟ نقف وإياكم وقفات سريعة عاجلة؛ علّ الله أن ينفع بها.
فالمسلم مع ربه مؤمن به, وثيق الصلة به, دائم الذكر له, متوكّل عليه حق التوكل, واقف عند حدوده، ممتثل لأمره, منته عن نهيه, راضٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍ بقضائه وقدره, يضع نصب عينيه قوله : ((عجبا لأمر المؤمن, إن أمره كله له خير, إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له, وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له, ولا يكون ذلك إلا للمؤمن))، فكل همه مرضاة ربه, يبغي بأعماله وجه الله, محقّق للهدف الذي وجد له وهو قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56].
وإذا نظرت إلى المسلم مع نفسه تجده عاصيا للهوى, يقوّمها على الهدي القويم, فهو معتدل في طعامه وشرابه, نظيف المظهر, حسن الهيئة, من غير إسراف ولا مخيلة, يخفق بقلبه ومشاعره وأحاسيسه إلى عبادة الله وحده, يكثر من قول: لا إله إلا الله؛ لتجديد إيمانه كما أمر المصطفى بذلك, وتراه ملازما للصديق الصالح ومحافظا على مجالس الإيمان، يربي نفسه على كظم الغيظ والعفو عن الآخرين والتماس الأعذار للأصدقاء وحسن الظن بالآخرين.
وها هي شخصية المسلم تبرز أكثر مع والديه، فهو بار بهما, عارف قدرهما وما يجب عليه نحوهما, كثير الخوف من عقوقهما, فقلبه قابض بالحبّ لهما, يداه مبسوطتان بالبذل لهما, طيّب الكلام معهما, فهو يعرف أن رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما.
وتمتد شخصية المسلم إلى زوجته، فهو كيس فطن، يكمل نقصها، يعاشرها بالمعروف, فهو ملتزم هدي الإسلام في حياته الزوجية, محسن في التوفيق بين إرضاء الزوجة وبرّ الوالدة, يجعل زوجته صانعة الرجال ومربية الأبطال.
معاشر المؤمنين, ويظهر أثر شخصية المسلم على رجال الغد وهم أبناؤه، فقد رباهم أحسن تربية, وبأساليب دينية سليمة, فهم يحسّون بحبه لهم, وينفق عليهم بسخاء, لا يفرق بين أبنائه وبناته، فقد غرس في نفوسهم مكارم الأخلاق وأبعدهم عن سفاسِف الأمور ورذائلها.
والمسلم مع أقاربه يخاف من قطيعة رحمه, يعلم أن قطيعة الرحم تحجب الرحمة وترد الدعاء وتحبط العمل, متفهم لمعنى الرحمة بمعناها الواسع.
إذا نظرت إلى المسلم مع جاره تجده أحسنهم معاملةً, فهو سمح له, يفرح لفرحه، يحزن لحزنه, ولا يقابل إساءة الجار بمثلها, قال عليه الصلاة والسلام: ((أنا زعيم ببيتٍ في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال: 24].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
معاشر المسلمين، وها هي شخصيتكم تمتدّ بنا إلى رفاقه وإخوانه، فهي من أرفع الشخصيات, فهو محب لهم, يلقاهم بوجه طليق, ناصح لهم, طبعه البر والوفاء, لا يغتابهم, يجتَنِب معهم الجدال والمزاح المؤذي, ويدعو لهم بظهر الغيب, يلتَمس العذر لإخوانه في حال الغياب، يخالطهم لوجه الله حتى يظل تحت ظل عرش الله.
وها هو المجتمع شاهد للمسلم، فهو صادق مع كل الناس, لا يغشّ ولا يخدع ولا يغدر ولا يحسد, موف بالعهد, متّصف بالحياء, عفو متسامِح غفور, طليق الوجه, خفيف الظل, يجتنب السباب والفحش وبذيء الكلام, لا يرمي أحدا بفسق أو كفر بغير حقّ, لا يتدخل فيما لا يعنيه, بعيد عن غيبة الناس والمشي بالنميمة, يجتنب قول الزور وظن السوء, حافظ للسر, متواضع لا يتكبر ولا يسخر من أحد, يعاشر كرام الناس, يحرص على نفع الناس, يعود المريض, ويشهد الجنازة, يدلّ الناس على الخير, ولا يظلم, ولا ينافق, ولا يرائي, ينفّس على المعسر، يخضع عاداته كلّها لمقاييس الإسلام.
عباد الله، على مثل هذه الأخلاق وهذه الصفات والمكارم كان رسول الله وصحابته من بعده، فكونوا كما كانوا.
ولم تقتصر شخصية المسلم على هذا فحسب، بل تعداه إلى الطبيعة من حولِه وإلى كل كبد رطبة في هذا الكون, فلقد شخّص الإسلام المسلمين في جميع المجالات.
أيها المسلمون، تلك هي قطوف من الصور الوضاءة المشرقة لشخصية المسلم كما أرادها الله والرسول والدين الإسلامي, شخصية بناها رسول الله فأخذها الأجيال من بعده، وأما نحن فقد ضيّعنا الكثير, ونسينا وتناسينا الكثير, وما نشهده اليوم من تخلف وفرقة وشحناء وقطيعة بين صفوف المسلمين لهو دليل على بعد المسلمين عن عروة الله الوثقى، فنبتت فيهم المبادئ الأجنبية المستوردة، وتسربت إلى مجتمعات المسلمين سموم وآفات، فزُحزح كثير من المسلمين عن شخصيته الأصلية إلى أفكار غربية بغيضة. نعم، لقد نجح أعداء الله ورسوله في كثير مما خطّطوه، ولكن يمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين. إذًا فلا بد من نصرة دين الله كما وعد الله، فهل من عودة صادقة إلى مكارم الأخلاق؟! وهل من وقفةٍ حقيقيةٍ مع النفس بالمصارحة والاعتراف بالخطأ والتقصير؟!
عباد الله، لن تردَّ إلى شخصية المسلم قوتَها وأصالتَها إلا عودةٌ صادقة إلى منهج الله الخالد, فتمسكوا بدينكم, والتزموا به عقيدةً وعبادة, واجعلوا كتاب الله وسنة نبيه منهاجا لحياتكم الدنيا, وعندها فقط نكون أمة قويّة واحدة عزيزةً حرة, إنها أمّة الإيمان, وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم: 47].
عباد الله، صلوا وسلموا على النبي الحليم الكريم...
| |
|