molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: ميلاد المسيح - طارق بن وفيق مزهر الإثنين 21 نوفمبر - 5:13:29 | |
|
ميلاد المسيح
طارق بن وفيق مزهر
الخطبة الأولى
ذكر الطبري في تفسيره أن النصارى أتوا رسول الله فدعاهم إلى الإسلام، فخاصموه في عيسى ابن مريم وقالوا له: من أبوه؟ وقالوا على الله الكذب والبهتان، لا إله إلا هو لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، فقال لهم النبي : ((ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه؟!)) قالوا: نعم، قال: ((ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت وأن عيسى يأتي عليه الفناء؟!)) قالوا: بلى، قال: ((ألستم تعملون أن ربنا قيم على كل شيء يكلؤه ويحفظه ويرزقه؟!)) قالوا: بلى، قال: ((فهل يملك عيسى من ذلك شيئا؟!)) قالوا: لا، قال: ((ألستم تعلمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؟!)) قالوا: بلى، قال: ((فهل يعلم عيسى من ذلك شيئا إلا ما عُلم؟!)) قالوا: لا، قال: ((فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء))، قال: ((ألستم تعلمون أن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يحدث الحدث؟!)) قالوا: بلى، قال: ((ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ثم وضعته كما تضع المرأةُ ولدَها ثم غُذي كما يتغذى الصبيُ ثم كان يطعم الطعام ويشرب الشراب ويُحدث الحدث؟!)) قالوا: بلى، قال: ((فكيف يكون هذا كما زعمتم؟!)) قال: فعرفوا ثم أبوا إلا الجحود، فأنزل الله: الم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.
تعالوا –إخواني- نستمع إلى قصة عيسى كما سطرها لنا القرآن:
قال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا.
لقد جاءها جبريل عليه السلام وبلّغ مريم أن الله سيرزقها بولد من غير أب، قالت: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا: لم أكنْ أبدًا صاحبة فاحشة، فهي لم تتصور مطلقا وسيلة للإنجاب غير وسيلة التقاء الرجل بالمرأة وهي لم تتزوج بعد، ولم تفكر أيضا ألبته في الرذيلة، وهنا يأتي الرد القاطع الحاسم، فيقول الملك والرسول الكريم: قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا، فهنا حدث أمر غير مألوف ما اعتادت عليه الخليقة، فَنَفَخنَا فِيهَا مّن رُوحِنَا لتنجب عيسى عليه السلام، أي: نفخ الملك جبريل في أعلى القميص بأمر من الله عز وجل، وهذا ليبين للخلق طلاقةَ قدرة الخالق، إنها قدرة لا تحدها حدود، إن من يحاول أن يصل بعقله القاصر إلى حدود قدرة الله كمن يحاول أن يكلف نملة أن تنقل جبلًا من مكان إلى آخر وما هي بناقلته. فلا تفكر بعقلك القاصر ألبتة لتصل إلى منتهى قدرة الله سبحانه وتعالى.
ولكن الله فتح لك مجالا أن تتقكر في هذه الآية: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، فالله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماوات.
وبدأت بوادر الحمل تظهر على الطاهرة المطهرة، وهنا نظر يوسف النجار ذلك الرجل الذي كان يخدم بيت المقدس إلى بطن الطاهرة تعلو يوما بعد يوم، ويتعجب، ولكن كثيرًا ما كان يدفع ما يمر بذهنه لعلمه بطهر البتول، ولكن ها هي جبلية البشرية قد غلبته، وما استطاع أن يكتم هذه الخوالج عن لبه فقال لها: يا مريم إني سائلك عن شيء ولكن لا تعجلي علَيّ، فقالت الطاهرة العذراء: سل ما شئت يا يوسف وقل قولًا جميلًا، فقال لها يوسف: هل يَنبُت زرع بلا بِذر؟! وهل ينبت شجر بلا غيث أو مطر؟! وهل يكون ولد بغير أب؟! فقالت مريم: نعم يا يوسف هو كذلك، قال: وكيف يكون ذلك يا مريم؟! قالت: ألم تعلم أن الله أنبت الزرع يوم أنبته من غير بذر، وأنبت الشجر يوم خلقه بغير غيث أو مطر، وخلق آدم يوم خلقه بغير أب أو أم؟! قال يوسف: أعلم أن الله على كل شيء قدير.
قال الله تعالى: فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ءَاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا.
تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، فالكمال صفة من صفات الله، ولا ينبغي لله أن يتخذ ولدًا. هكذا قال عيسى الذي ما زال في المهد، قال: أنا عبد الله، ويكمل لنا القرآن قصته ويقول: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ.
فيا عبـــادَ المسيحِ لنا ســــــــؤالٌ نريــــــــدُ جــــــــــوابَــــــــه ممــــــــن وعـــــاهُ
إذا ماتَ الإلــــــهُ بصنـعٍ قــــومٍ أمــــــاتـــــــــوه فهــــــــل هـــــذا إلـــــــــهُ؟!
ويــــــا عجبًـــــا لقبــــرٍ ضمَّ ربًـــــا وأعجبُ منــــه بطـــــنٌ قد حــــــــواه
أقامَ هنــــــاك تسعًا من شهورٍ لدى الظلماتِ من حيضٍ غذَاهُ
وشَقَّ الفــرجُ مولــــــودًا صغيرًا ضعيفًــــــــا فاتحًـــــــــا للثــــــــدي فـــــاهُ
ويـــــأكلُ ثم يشـــــربُ ثم يـــــأتي بــــــــلازمِ ذاك هـــــــل هـــــــذا إلهُ؟!
تعالى اللهُ عن إفكِ النصارى سيُســـــألُ كلُهـــــــــم عمـــــا افتراه
أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية
أحبتي في الله، أرى أنه من العدل والإنصاف أن أختم الخطبة بهذا الحوار الجميل الرائع الذي برأ به ربُنا ساحةَ نبيِهِ عيسى عليه السلام:
قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
فيلزم من ذلك عدم تهنئة من يدعي لله ولدا، وعدم مشاركته بأيّ مظهر من مظاهر عيدهم، وإن فعل كأنه وافقهم بأن الله له ولد، والله تعالى يقول: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا.
| |
|