molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: نظرة المسلمين إلى حال الأمة الإسلامية - صالح بن محمد بخضر الجمعة 18 نوفمبر - 4:26:41 | |
|
نظرة المسلمين إلى حال الأمة الإسلامية
صالح بن محمد بخضر
الخطبة الأولى
قد كتب الله على أهل الحق دائما الابتلاء والامتحان، وزادهم من صنوف البلاء واللأواء فتنة لهم؛ حتى يرسخ إيمانهم وتصلب عقيدتهم، فلا يزعزعهم مزعزع، ولا يؤثر فيهم مخذِّل أو يشكك فيهم مشكِّك. ولا يكابر أحد في أن الأمة الإسلامية تعيش مرحله من الضعف والهوان، حيث تكالبت عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتخطفتها من كل جانب، حتى مزق كيانها، وشرذم أهلها، وتفرقت كلمتها، وأصبح دماء أبنائها من أرخص الدماء، وأصبح هينا على المسامع ذكر عشرات القتلى وآلاف الجرحى. وحقا إن في كل شبر من أمتنا جرحا ينزف وصغيرا يصرخ وامرأة تستغيث وشيخًا يبكي، وكلٌّ يشتكي ضعفه وقلّة حيلته وهوانه على الناس.
والمسلم الصادق يسعى دائما في إصلاح الخلل ودفع الذلّ، ولا يكون ذلك إلا إذا صحّحنا نظرتنا لكل ما يحدث من حولنا ويقع بأمتنا.
أيها الإخوة الكرام، فمن المسلمين من نظر إلى الواقع المرّ الذي يتجرّعه المسلمون، فأصيب بخيبة أمل، وخيمت عليه نظرة سوداوية متشائمة، قطع الرجاء، وأضاع المستقبل، وأخذ يذكر أمجاد المسلمين الأوائل ويقيم عليها مأتما وعويلا، يتبنى دائما فكرة موت الأمة وهلاكها وعدم استطاعتها النهوض، وليته اكتفى بنفسه بل ع+ هذه الصورة على المجتمع كله الذي أصبح ينظر بهذه النظرة المتشائمة.
وهؤلاء ـ أيها الإخوة ـ هم المنهزمون، وحقيقتهم أنهم ضخّموا من قدر عدوهم، وحقّروا من شأنهم، ولو أنه قعد دهرَه كلَّه يشتم حاله ويندب مآله فلن يغير هذا من الواقع شيئا، وما أصدق قول الرسول في هذا الصنف من المنهزمين: ((إذا سمعتم الرجل يقول: هلك الناس فهو أهلكُهم)) أو قال: ((أهلَكَهم)) رواه مسلم عن أبي هريرة.
وصنف آخر نظر إلى حال أمّته وما هي عليه من ذل وهوان وتأخُّر، فأرجع سبب ذلك كلّه إلى تمسكها بدينها وشريعتها، فراحوا يرتمون في أحضان الغرب والشرق؛ يستجلبون رضاهم، ويطلبون محبتهم، حتى إذا نعق ناعق في الغرب وجدتَ صداه عندهم، فنصبوا العداءَ لتعاليم الإسلام وأحكامه؛ لأنها السببُ في تأخر المسلمين بزعمهم، وبدؤوا مخطَّطاتهم التغريبيّة بالمرأة، فأرادوا العبث بها وإخراجها بدعوى المساواة وحقوق المرأة وحريّة المرأة، وحاولوا إفسادها بحجّة إصلاحها وتمدّنها، وتباكوا عليها كما يتباكى الذئب وهو يأكل الحملَ.
وهذا الصنف المتغرِب شرٌّ على المسلمين، فهم لم يكتفوا بأن يكونوا ذيلا للغرب، حتى صاروا يردُّون أحكامَ الشريعة الظاهرة الواضحة، بزعم أنها لا تفِي بالواقع ولا تصلح لهذا الزمان، ويقولون: لكل زمان دولة ورجال.
فعلى المسلم أن يحذر منهم، ويحرص على دينه، فلا يتّبع كل زاعق وناعق وإن ادَّعى معرفةً وفهمًا، فالحق عليه نور، والباطل عليه ظلمة، ومِن مُرِّ حنظلهم تعرفونهم.
ومن يقل الغراب ابن القماري يكذبـه إذا نعَـب الغراب
وصنف ثالث ـ أيها الأحبة ـ ينظر إلى ما يحلّ بإخوانه؛ حصار وتجويع وألم في فلسطين، وقتل وإبادة في العراق، وزلازل مهلكة في بعض بلدان المسلمين، وأعداء متربصون بنا، وتناحر وتباغض وفقر وأمراض فتاكة، ينظر إلى كلّ هذا ويستمتِع برؤيته ثم لا تراه يحرك ساكنا! سلبيا في كل تصرفاته، عديم الشعور، فهو على أقل تقدير لم يرفع يده إلى مولاه بالدعاء الذي لا يكلّفه شيئا، ولا يتطلّب منه حسابا في البنوك، بل يتطلب حسابا من الشعور والإيمان والإحساس بحال إخوانه، و صدق الرسول : ((أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام)).
نجده يتراقص على أنغام وتره، مشغولا بسفاسف الأمور، مغرما بالفضائيات ليقتل وقته، ولا يُعِيرُ أي اهتمام لما يحل ويصيب إخوانه المسلمين، بل ويتبجّح ويقول: ما لي ولهم؟! وما شأني بهم؟! نسوا أن الدنيا قُلَّبٌ خؤون، لا تدوم لأحد، وأن دوام الحال من المحال، وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ.
أيها الإخوة الفضلاء، وأما أهل الحق والإيمان فعلموا وأيقنوا أنَّ لإيمانهم ضريبة لا بد أن يقدّموها وكنزا لا بد أن يدفعوا قيمته، وأن طريقا سار عليه أفضل الخليقة وأ+ى البشرية أنبياء رب البرية فلاقوا من الأذى والعذاب والقتل ما لاقوا فمن يسير في طريقهم لا بد أن يصيبه ما أصابهم، ألم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت: 1-3].
نظروا إلى حال أمتهم الجريحة فآمنوا بقضاء الله وقدره، وأن ما أصابهم إنما هو أمر مقدر ومكتوب، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر: 49]، قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [التوبة: 51]. آمنوا بخبر الصادق المصدوق : ((بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء)). لم يقفوا عند هذا الحدّ يلعنون الظَّلام، بل سعوا في إشعالِ النور، فكانوا مِشعل هداية للناس، وبذلوا جهدَهم وطاقتهم وكلّ ما يستطيعون في رفعة شأن أمتهم، هذه النظرة التفاؤلية الإيجابية تدعوهم إلى التمسّك بدينهم، يؤمنون بوعد الله لمن أطاعه واتقاه، ساهموا في الحفاظ على أمتهم سيدةً بين الأمم.
يعلمون أنَّ ما أصاب المسلمين اليوم ليس بأشدّ مما أصاب المسلمين من قبل، لم ينسوا سقوطَ الأندلس وإقامة محاكم التفتيش، والتي يخجل التأريخ من ذكرها، وظهور الوجه القبيح للحقد الصليبي، وقتل فيها المسلمون وشرِّدوا وعذِّبوا، حتى إنك لتعجب من بلد حكمه المسلمون أكثر من ثمانية قرون تقلّ فيه نسبة المسلمين!
لم ينسَوا سقوط بغداد وما حلّ بالمسلمين من مصيبة كبرى جراء همجيّة التّتَر، حتى بلغ بهم الذل أن يأمر التتريّ المسلمَ أن يقتل أخاه فيفعل، كل ذلك يجول في خاطرهم ويمرّ ببالهم، لكنهم يعلمون ويوقنون أن الأمة الواعية هي التي تستفيد من أخطائها، وهي التي تجعل من أسباب هزيمتها وضعفها جِسرا وطريقا إلى النصر والعزة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
بقي أن نضع أيدينا على الداء لنعرف الدواء، ونستجلي الأسباب الحقيقية والسنن الإلهية لكل ما يحلّ بأمتنا الإسلامية.
فبعضنا قد يجعل الخلَل من العلماء وحدهم، ويلقي بالمسؤولية على أعناقهم، ويتملص هو من أدنى مسؤولية. وهذا بحدّ ذاته خلل، فالعلماء ـ وأعني العلماء الربانيين ـ قد قالوا كلمتَهم، وصدعوا بالحق، وبينوا وأوضحوا، لكن الناس مع الأسف الشديد منصرفون عنهم، وشيوع كثير من المنكرات والمحرمات أكبر دليل على ترك أقوال العلماء.
والبعض قد يجعل الخلل من قبل الحكّام، ويلقي باللائمة عليهم، ويشغّب عليهم، ويدعو الناس إلى احتقارهم، وهذا خلل أيضا في التفكير؛ لأنّ السنّة الإلهية اقتضت أنه كما تكونوا يوَلَّ عليكم، قال تعالى: وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأنعام: 129]، ولما جاء أحد الخوارج إلى عليّ بن أبي طالب فقال له: لماذا خرج الناس عليك ولم يخرجوا على أبي بكر وعمر؟! فقال له: لأن أتباعهما أنا وأمثالي، وأتباعي أنت وأمثالك.
إذا أيها الأحبة، أين الخلل؟ وما السبب في كل ما يحل بالمسلمين؟
هناك أسباب كثيرة نذكر أهمها مع علاجها:
1- الشرك؛ فإنه أعظم المحرمات وأكبر الأسباب الموجبة لعذاب الله في الدنيا والآخرة، انظر كيف يحذّر الله خير البشر ويقول لهم: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ [الزمر: 65]، وما أرسلت الرسل وما أنزلت الكتب إلا لتحقيق التوحيد ونبذ الشرك. فكيف يهدي الله قوما انصرفت قلوبهم عن خالقهم إلى غيره، فتعلقت أفئدتهم بالأضرحة وبأصحابها، وتعلقت بما لا يضر ولا ينفع؟! قال تعالى: قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ [سبأ: 22].
فإذا حقق المسلمون التوحيد في أرضهم ونبذوا كلّ أصناف الشرك استمع لوعد الله لهم: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ [النور: 55].
2- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ففي الحديث الذي رواه ابن ماجه وغيره عن النبي : ((يا أيها الناس، إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا أجيب لكم وتسألوني فلا أعطيكم وتستنصروني فلا أنصركم))، وقال في الحديث الآخر: ((والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده، ثم لتدعُنَّه فلا يستجيب لكم)).
3- الذنوب والمعاصي والمجاهرة بها، وهي مهلكه للشعوب روحيّا وماديا، وهي معول هدم لكيان الأمة الإسلامية، قال تعالى: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ [غافر: 21]، وقال : ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين))، وقال : ((اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله)).
وهناك أسباب أخرى كثيرة:
منها الجهل، فيتحصّن المسلم بالعلم ويلتفّ حول العلماء الربانيين الصادقين.
ومنها الترف والخروج به عن حدّ المعقول، قال تعالى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء: 16]، وقال تعالى عن أهل النار: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ [الواقعة: 45]. ومن عواقبه السيئة أن نشأ جيل لا يعرف إلا ملذّاته وشهواته ومتعَه الزائفة، وهو في معزل عن أمته وجراحاتها.
فعلى المسلم أن يتقي الله ويسأل نفسه؛ لعل الله أخّر النصر عن هذه الأمة بسبَبه وبذنوبه، فيصلح من شأنه، ويصلح من تحت يده، ويحسن تربيتهم، ويحبّبهم في الإسلام، ويشغل أوقاتهم بما يفيدهم، ويدخل عليهم ما ينفعهم وي+يهم، فإن صلاح الأسرة صلاح للمجتمع، وإن أهملت وتركت تلهو وراء متَع الحياة ناسية رسالتَها ومبادئها تشتَّت الأبناء وانسلخوا من هويتهم وتبرَّموا من دينهم، ففسدت وفسد لفسادها المجتمع بأسره.
نسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى، وأن يؤلّف بينهم، ويسدّد رأيهم ورميَهم، إنه سميع مجيب...
| |
|