molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: خيبة الكائدين ببلاد الحرمين والدين - صالح بن محمد آل طالب الخميس 17 نوفمبر - 6:06:11 | |
|
خيبة الكائدين ببلاد الحرمين والدين
صالح بن محمد آل طالب
الخطبة الأولى
اللّهمّ لك الحمد بما رزقتنا وهديتَنا وأنقذتَنا وفرَّجتَ عنَّا، لك الحمدُ على ما أنعمتَ به علينا في قديمٍ أو حديثٍ، أو سرٍّ أو علانية، أو عامّةٍ أو خاصّة، اللّهمّ لك الحمدُ كبَتَّ عدوَّنا، وبسطتَ رزقنا، وأظهرتَ أمنَنا، وجمَعتَ فُرقتنا، وأحسنتَ مُعافاتِنا، ومن كلِّ ما سألناك ربَّنا أعطيتنا، فلك الحمدُ كثيرًا كما تُنعِمُ كثيرًا. اللهم لك الحمدُ حتى ترضى، ولك الحمدُ إذا رضيتَ، ولك الحمدُ بعد الرضا، ولك الحمدُ بالمحامد كلِّها.
أمَّا بعد: أيها المسلمون، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى؛ فهي الحِرزُ المكين والحبلُ المتين، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].
عبادَ الله، ونحنُ في مُنسلَخ الثُّلثِ الأوَّل من القرنِ الخامسَ عشرَ من الهجرة، وفي وسَط جزيرة العربِ وقصبة بلادِ المسلمين، على هذه الأرض؛ حيث انزلَقَت من ها هنا أزمِنةٌ وقرون مرَّت ثم لحِقَت بالماضِي البعيد، طَوَت تلكَ الأزمنةُ والقرونُ أممًا ودُوَلاً، وأحداثًا وحروبًا، وغِنًى وفقرًا، وأمنًا وخوفًا.
ثم انتهت تلك الأزمنة، وانطوَت تلك القرون لتُولَد هنا على هذه الأرضِ بلادٌ شِعارُها التوحيد، ونِظامُها الشّريعة، وتحمِلُ اسمَ المملكة العربية السعودية، قامت في زمن غُربةِ الدين، وتقَهقُر شأنِ المسلمين، في زمنٍ كانت أكثرُ دول الإسلام تحت نَيْر الاستعمار، وسيطرة فكرِ المُستعمِر، قامَت باسمِ الله، والتزَمَت بشرعِ الله، وحمَلَت على عاتِقها همَّ الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم تنسَ نصيبَها من الدنيا، ورماها الشرقُ والغربُ بكيدِه على مدى ثلاثةِ قرون، وفي مراحِلِها الثلاث، فتعود في كلِّ مرةٍ أقوى مما كانت، وأكثرَ عزيمةً وإصرارًا على تمسُّكها بمبادئها التي قامَت عليها.
وخلالَ فَترة حكمِها الطويل كتبَ من كتبَ، وأرجَفَ من أرجَف، وراهَن من راهَن على عدم امتلاكها لمُقوِّمات البقاء، وما مُقوِّمات البقاء؟! مُقوِّماتُ البقاء عندهم: تنحِية الدين، وتعدُّد الأحزاب، والحرياتُ المُتجاوزةُ حدودَ الشريعة، وحقيقتُها: فوضى دينيَّة وأخلاقيّة تُوصَف بالحرية، ليس إلا.
ويشاءُ الله في هذه الأيّام أن تهُبَّ العواصِفُ على بلادِ العرب وتميل بمن تميل، ولما اقتربت العاصفةُ من حِمَى هذه البلادِ إذا هي نسيمٌ رقراقٌ رخِيّ، وإذا أهلُ هذه البلاد أشدُّ لُحمةً وأقوى تماسُكًا، ويفخَرُ حاكمُها بشعبِه، ويغتبِطُ الشعبُ بحاكمه، وفي صحيح مسلم: ((خِيارُ أئمَّتكم الذين تُحبُّونهم ويُحبُّونكم، ويُصلُّون عليكم وتُصلُّون عليهم، وشِرارُ أئمّتكم الذين تُبغِضونهم ويُبغِضونكم، وتلعَنونهم ويَلعَنونكم)).
ويخطُبُ الملكُ، ويبتدئُ بعدَ شكر الله بشكرِ العلماء وطلبةِ العِلم، العلماءُ وطلبةُ العلم تلك الحلقةُ التي وصلَت دوامَ الدولةِ بابتدائها، وثباتها بنَشأتها؛ حيث قامَت هذه الدولةُ أوّلَ ما قامت بقيامٍ عالمٍ، وثبَتَت بثبات علماء، والحُكَّام فيما بين ذلك يقومون بدَورِهم على بصيرةٍ من الله، وعلى هديٍ من كتابه.
أيّها المسلمون، وبعدَ ثلاثةِ قرونٍ من قيام الدولة السعوديّة هلُمَّ لنتساءل: لماذا بقِيَت هذه البلادُ آمنةً في زمن الخوف؟! ولماذا اغتنَت وهي في صحراء قَفْر وأرضٍ فقر؟! ولماذا اجتمع الناسُ فيها وائتلفوا في زمن التفرُّق والخلاف؟!
إنَّ لذلك أسبابًا شرعيّة تَردُفها أخرى دنيويّة: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام: 82]، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج: 41].
لقد وفَّق الله هذه البلادَ ومنذ أن قامَت في دورِها الأوّل بلزوم جماعَة المسلمين والتمسُّكِ بالإسلامِ الذي جاءَ به نبيُّنا محمَّد عن ربِّ العالمين، وقَفوِ أثرِ آل البيتِ وعمومِ الصحابة والتابعين؛ مما جعل للإسلام في هذه الديار بقاءً بنَقاء وهَيمنةً بصفاء، وستبقى هذه البلادُ قائمةً ما أقامت التوحيد، منصورةً ما نصرَت السّنّة، عاليةً ما أعلنَت العَدل، ولن نخافَ عليها من نقصٍ إلا إذا نقَصَت مِن عُرَى الدين، ولن نخشَى إلا ذنوبَنا وتقصيرنا مع ربِّنا.
إنَّ الإسلامَ الذي قامَت عليه هذه البلادُ هو الإسلامُ الذي قبِلَته أجيالُ الأمّة على مرِّ القرون، يُسلِمُه سَلفُهم إلى خلفِهم، وعلمَاؤهم إلى مُتعلِّمِهم، نافين عنه تحريفَ الغالين وانتِحال المُبطِلين، ولأجل هذا كانت هذه البلادُ بحُكَّامها وعلمائها في مرمَى سهام المُتربِّصين وإفكِ الكاذبين.
لقد نالَ علماءَ هذه البلادِ الكثيرُ من الطَّعن والتكفير، كما نالَ حُكَّامَه صنوفٌ من اللَّمزِ والتشكيك في المواقفِ السياسيّة والمُبادرات والقرارات، في محاولةٍ للحدِّ من تأثيرها الإيجابيّ في العالم، ولإقصائها عن الرِّيادة في أمورِ الدين وفضاءِ السياسَة، وهو الأمرُ الذي هو قدْرُها وقدَرُها، ويُملِيه عليه مكانُها ومكانتُها، وتتطلَّعُ إليه قلوبُ المستضعفين قبل عيونهم؛ أملاً في لملَمة شمل، وتطلُّعًا لمُداواة جُرح، ورغبةً في سدِّ حاجة، ومواقفُها وسيرتها شاهدةٌ على الجمعِ لا على التفريق، ورأْب الصدع لا شقِّ الصفوف.
وإنَّ أيَّ زحزحةٍ لها عن هذا النهجِ هو إضافةً إلى أنّه خللٌ دينيّ فهو خيانةٌ وطنيّة وتفكيكٌ للعُقدة التي ربطَت الراعي بالرّعية، وهو توهيةٌ للحبلِ الممدود إلى السماء وإلى الله في عليائه؛ حيث نستلهِمُ منه الصبرَ والنصر والحفظَ والعون في زمنٍ كثُرَت عواصِفُه وعواديه وحُسَّادُه وأعاديه، فهل يعِي ذلك من يُريد تحريكَ مركَب الوطن ليُجافِي شاطئَ الاهتداء؟! حفِظَها الله قائمةً بالإسلام منافِحةً عنه.
أيّها المسلمون، وعودًا على العلماء وطلبة العلم، وعلى ما وفَّق الله إليه خادمَ الحرمين الشريفين من حِفظِ جنابهم وإجلال مكانتهم وحمايتهم من السُّفهاءِ وضعيفِي البصيرة؛ فإنَّ دورَهم يتأكَّدُ في استمرارِهم في حِراسة الدين والدولة؛ ذلك أنَّ أكثرَ ما بزَغَ من فتنٍ داخليّة على مدى القرنِ الماضي كان سَببُه انحرافٌ في المُعتقَد، تبِعَه ارتباطٌ مَشبوهٌ بالخارج، ثم يجِدُ العدوّ في بعض ضِعافِ نفوسِ أولئك من يمتطيه ويستخدمُه في زعزعةِ الأمن والاستنجاد بقوى أجنبية، ويُزيِّنُ له الاستمدادَ من مرجعيّاتٍ طامعةٍ ببلادِ العرب كارهةٍ للعروبة.
فعلى العلماءِ وطلبةِ العِلم أن يقوموا بدَورِهم على الوجه الصحيح، ليس في مناظرةِ أولئك والردِّ عليهم فحَسب؛ بل بدعوتهم وتألُّفهم، وتبصيرهم بالهدى، وكَسبهم مُواطنين صالحين، والصّبر على ذلك، وأن يتخصَّص علماء شرعيّون في مُحاورتهم ودعوتهم. إنَّ دعوةَ أولئك وهدايتهم للحقِّ لو لم يكن الإسلامُ يُوجِبُه ويقتضيه لكانت السياسةُ تطلبُه وتستدعيه.
أيّها المسلمون، ويُزيِّنُ الباطلُ للمُغفَّلين تمزيقَ المجتمع إلى أشياعٍ وأحزاب وفِرقٍ ومِزَع، والله تعالى يقول: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام: 159]، ويقول سبحانه: وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم: 31، 32].
أيّها المسلمون، ونحن في بلادِ الحرمَين الشريفين في المملكةِ العربيّة السعودية لسنا في معزلٍ عن العالم، ولا بُعدٍ عن الحُسَّاد والأعادِي، وليسَت الأحوالُ واحدةً، ولا المواطن مُتماثِلة، وإن كان في العامّة من قد يجهل أو يُستغلّ؛ فإنَّ هذه الظروفَ تستدعي الحزمَ والعزمَ والتصريحَ دون التلميح أنَّ جنابَ الأمن والدولة والدين والوطن والاجتماع ووحدَة الصفّ ليست مجالاً للمُساومة، ولا عُرضةً للمُناقَشَة، إنها ليست مجرَّدَ خطوطٍ حمراء؛ بل هي خنادقُ من تعرَّض لها فيجِبُ أن يحترِق، فما دون الحناجِر إلا الأيادي، ولنا فيمن حولنا عِبرة، والعاقلُ من اتَّعَظ بغيره.
بلادُنا -بحمد الله- أُسِّسَت على تقوى من الله، وشريعةٍ من كتاب الله وسنّة رسوله ، فهما دستورنا المسطور ومنهاجنا المأثور، وفي كلِّ مناسبةٍ يُؤكِّدُ ولاةُ أمرنا على التمسُّك بهما والالتزام بمنهاجِهما. ولا شكَّ أنَّ الخطأ واردٌ والتقصيرَ حاصل، لكنَّ الخطأ لا يُعالَج بالخطأ، والمُنكر لا يُزالُ بما هو أشدّ منه نُكْرًا، ودرءُ المفاسد المُتيقَّنة أولى من جلبِ مصالح مظنونة، والإصلاحُ لا يكون بسلوك سبيل المُفسدين.
وقد منَّ الله علينا برَغَد العيش والأمن في الأوطان والسلامة في الأديان، وفجَّر كنوزَ الأرض، وأسبغ علينا نِعَمَه الظاهرةَ والباطنة بما لا يكاد يُشبِهُه شيءٌ على وجهِ الأرض، وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة: 211].
عبادَ الله، وتأسيسًا على ما سبق فقد جاءت أوامر المليكِ الأخيرة تأكيدًا لما سارَ عليه حُكَّامُ هذا البلد من نُشدانِ رغَد العيشِ للناس، وحِفظ أديانهم وحراستِها على وجهٍ لا يُعرَف له اليومَ مَثيل؛ مما يستدعي تَكرار الحمد والشكرِ لله المُنعِم، ثم الشّكر والدعاء لولاةِ أمر هذه البلاد؛ كيف وقد طلب خادمُ الحرمين منكم الدعاء له؟! فاللهم ارفع درجتَه، وأعلِ بالحقِّ كلمتَه، وأطِل في طاعتِك عُمره، وسدِّد رأيَه وعمَلَه، وأتِمَّ عليه نعمتَك، وأسبِغ عليه عافِيَتك، وأجرِ الخير على يديه، وصلِّ اللهم على محمد.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ [العنكبوت: 67]، وقال سبحانه: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [القصص: 57].
بارك الله لي ولكم في الكتابِ والسنّة، ونفعنا بما فيهما من الآياتِ والحِكمَة، أقول قولي هذا، وأستَغفِر الله تعالى لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَزيز الشّان، عظيمِ السلطان، لا يقَع في الكونِ حادثٌ إلا بعِلمِه وتقديره وصُنعه وتدبيره، ولا يخرُج عن قدَر الله شيءٌ في السماوات ولا في الأرضِ، الأسبابُ والنّتائجُ من صُنعِه وتقدِيره، والوسائلُ والحوادثُ من خَلقه وتدبيره، وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام: 18]، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله.
أمّا بعد: أيّها المسلمون، لا يخفَى ما يمُرُّ به العالمُ اليومَ وبلادُنا الإسلاميّة خاصةً من حراكاتٍ سياسية واضطراباتٍ شعبية وفتنٍ مُتلاطِمة، تتشابه صورها، وتختلفُ أسبابُها وأهدافُها، تتدافَع الحوادِث وتتساوَق حتى يقضِيَ الله أمرًا كان مفعولاً. واللهُ وحده يعلمُ مآلاتِ الأمور ومصائرَ الأمم وخبايا الدهور. ظروفٌ وأحوال تتسارَعُ أحداثُها، وتتسابقُ أخبارُها، وتَدعُ الحليمَ حَيرانًا، والمُعافَى من عافاه الله. فتنٌ لا يَدري القاتلُ فيها لمَ قتَل، ولا المقتولُ فيمَ قُتِل، هَرْجٌ ومرْج، وخَوفٌ وقَلَق، يستدعِي من العقلاءِ حَزمًا، ومن العامّة فِطنةً وفَهمًا، وكم من خائضٍ بلا علم ومُتكلِّمٍ بلا فهم قد يُذكِي نارَ الفتنة وهو لا يشعر.
الفتنُ -أيها المسلمون- تُقبِلُ أول ما تُقبِل ثائرةَ الغُبار، كثيرةَ الضجيج، مُشتبهةَ الحقائق، مُختلِطَة الوقائع، لا يتبيّنُ فيها الطريقَ إلا من نوَّر اللهُ بصيرَته وأصلَح سريرَته والتزَمَ منهاج النبوة في التعاطي مع الأحداث، والله يحبُّ البصرَ النافذَ عند ورودِ الشُّبهات، والعقلَ الكاملَ عند ورود الشهوات.
وفي الفتن قال النبيُّ : ((العبادةُ في الهرْج كهجرةٍ إليَّ)) رواه مسلم. والدعاءُ مطلبٌ مُلِحّ، قال : ((تعوَّذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن))، وكان النبيُّ إذا خافَ قومًا قال: ((اللّهمّ إنا نجعلُك في نُحورِهم، ونعوذُ بك من شرورهم)) رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح.
وقد نهى الله عن نشرِ الشائعات، وأمر بردِّ الأمور إلى الشريعةِ وإلى العلماء، فقال سبحانه: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: 83].
يجبُ أن يتدخَّل أهلُ الحلِّ والعَقد من أهلِ الرأيِ والعلم والحلمِ والخبرةِ والدراية ممن تبيَّن لهم وجهُ الصواب في هذه الفتن والنوازل، ليقولوا كلمتهم، ويصدَعوا برأيِهم، لا تُرهِبهم سَطوةُ السلاطين، ولا ضغطُ الجماهير، يجبُ تلافي الأضرارِ والأخطار، ومنعُ استشراءِ هذه الفتنِ واستمرارها، والسعيُ إلى تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وتقديرُ شرِّ الشرَّين وخَير الخيرَيْن، وعلماءُ كلِّ بلدٍ أدرى بحالهم. أمّا حين يعتزِلُ العلماءُ والعُقلاءُ الفتنةَ فلن تستقيمَ أمورُ الناسِ، صحيحٌ أنَّ من اعتزل الفتنَ سلِمَ بيقين، ولكن لِمَن يُترَكُ الناسُ ووسائلُ الإعلامِ تقود الأمّةَ إلى مستقبلٍ مجهول؟!
عبادَ الله، الواجِبُ الصّبر والمُصابرة، ولزوم جماعَة المسلمين، والمحافظةُ على أمنِ بلاد المسلمين ووحدَتها، وأن لا يكونَ المسلم مِعولَ هدمٍ يُوقِعُ الفتنةَ من حيث يشعُرُ أو لا يشعُر، واللهَ اللهَ في الدماء، اللهَ اللهَ في الدماء، إنها صيحةُ استنكارٍ ونكير، وتخويفٌ بالله وتذكير، من جوارِ الكعبة الشريفَة وزمزمَ والمقام أن لا يُسفَكَ دم، ولا تُثار فتنة، واحذروا أن تتّجِهَ الرِّماحُ لصدورِ أهلِيكم ومواطنيكم. نداءٌ إليكم من أمامِ الكعبة الشريفة؛ حيث إهراقُ دم المسلم أعظَم عند الله من هَدمها، ولا يزالُ المسلِمُ في فُسحةٍ من دينِه ما لم يُصِب دمًا حرامًا.
ثم اعلموا -رحمكم الله- أن أمّةً نزل البلاءُ في نواحيها واستهدَفَها العدوّ في دينها وأراضيها يجبُ أن تكونَ أبعدَ الناسِ عن اللهو والترَف، وأن تَصرِفَ جهودَها وطاقاتها للتقرُّب إلى خالقِها وباريها، وأن تُخلِصَ لله الدّين، وتُقلِعَ عن المعاصِي والشهواتِ، وتهجُر الذنوبَ والمنكراتِ، وأن تأخذَ على يدِ السفهاء، فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ [الذاريات: 50].
هذا وصلُّوا وسلِّموا على خيرِ البريّة...
| |
|