molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: تلاوة القرآن- صالح بن فوزان الفوزان الخميس 17 نوفمبر - 4:39:04 | |
|
تلاوة القرآن
صالح بن فوزان الفوزان
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى واهتموا بكتاب الله، قال الله – عز وجل -: إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور ، وروى البخاري في صحيحه عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله : ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه ))، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : ((الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ))، رواه البخاري ومسلم. وروى مسلم عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله يقول: ((اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه ))، وعن أبي هريرة عن النبي قال: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده )) رواه مسلم.
عباد الله: هذه نصوص سمعتموها من كتاب ربكم، وسنة نبيكم، تحثكم على تعلم كتاب الله وتلاوته والعمل به؛ لأنه مناط سعادتكم، وهو المخرج من الفتن، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراط مستقيم. فأقبلوا على تعلمه وتلاوته والتفكر فيه، وعلموه أولادكم ونشؤهم على تلاوته وحبه، حتى يألفوه ويتصلوا به فيطهّر أخلاقهم، وي+ي نفوسهم، ويكونوا من حملة القرآن وأهله؛ لأن الصبي إذا تعلم القرآن بلغ وهو يعرف ما يقرأ في صلاته، وحفظ القرآن في الصغر أولى من حِفظه في الكبر، وأشد علوقا بالذاكرة، وأرسخ وأثبت؛ لأن التعلم في الصغر كالنقش على الحجر.
عباد الله: إن أكثر الناس اليوم انشغلوا عن تعلم القرآن، فالكبار انشغلوا بالدنيا، والصغار انشغلوا بالدراسة النظامية في المدارس التي لا تعطي لتعليم القرآن وقتا كافيا، ولا عناية لائقة، ولا مدرسين يقومون بالواجب نحوه، وبقية وقت الأولاد مضيع في اللعب في الشوارع، مما أدى إلى جهلهم بالقرآن، وابتعادهم عنه حتى تجد أحدهم يحمل أكبر الشهادات الدراسية وهو لا يحسن أن يقرأ آية من كتاب الله على الوجه الصحيح، وحتى آل الأمر إلى خلو كثير من المساجد من الأئمة لثقل تلاوة القرآن على غالب الناس، والسبب في كل ذلك بالدرجة الأولى إهمال الآباء لأبنائهم، وعدم اهتمامهم بهذه الناحية، فلا يدري أحدهم ما حال ابنه مع القرآن، وحتى صار القرآن مهجورا بين غالب المسلمين، وهذا ما شكا أو يشكو منه الرسول بقوله: يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً [الفرقان:30]. قال ابن كثير – رحمه الله: وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال –أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدل عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام، أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه.
وقال ابن القيم – رحمه الله -: هجر القرآن أنواع:
أحدها: هجر سماعه والإيمان به، والإصغاء إليه.
والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به.
والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين.
والرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه.
والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التداوي به، وكل هذا داخل في قوله: وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض. ا هـ.
وقد ورد في الحديث: ((يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه )).
عباد الله: إنه لا بد من تلقي القرآن وتعلمه عن معلمين يجيدون قراءته، ولا يكفي أن يتهجاه الإنسان من المصحف، فإن تلَقِي القرآن من فم الملقن أحسن وأضبط؛ لأن الكتابة لا تدل على الأداء، كما أن المشاهد من كثير ممن تلقاه من الكتابة فقط أنه يكثر تصحيفه وغلطه، فلا بد من معلم متقن يوقفه على ألفاظ القرآن، فيجب على من أراد أن يتعلم القرآن أو يعلمه أولاده أن يختار المقرئ المجيد؛ ليأخذوا القرآن عن إتقان، ويتعلموه عن جودة؛ فإن الاهتمام بكتاب الله من أهم المهمات.
عباد الله: ومن تعلم كتاب الله فليحافظ عليه، وليكثر من تلاوته بتدبر وتفهم وخشوع وحضور قلب، قال : ((من قرأ حرفا من كتاب الله تعالى فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن: ألف حرف ولام حرف وميم حرف )) رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح.
قال ابن القيم – رحمه الله –: تأمل خطاب القرآن تجدَ مَلِكاً له الملك كله، وله الحمد كله، أزمَّة الأمور كلها بيده، ينصح عباده ويدلهم على ما فيه سعادتهم وفلاحهم، ويرغبهم فيه، ويحذرهم مما فيه هلاكهم، ويتعرف إليهم بأسمائه وصفاته، ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه، فيذكرهم بنعمه عليهم، ويأمره بما يستوجبون به تمامها، ويذكرهم بما أعد لهم من الكرامة إن أطاعوه. وما أعد لهم من العقوبة إن عصوه، ويخبرهم بصنعه في أوليائه وأعدائه، وكيف كانت عاقبة هؤلاء وهؤلاء، ويضرب الأمثال، وينوع الأدلة والبراهين، يدعو إلى دار السلام ويذكر أوصافها وحسنها، ويحذر من دار البوار، ويذكر عذابها وقبحها، ويذكر عباده فقرهم إليه وأنهم لا غنى لهم عنه طرفة عين، فإذا شهدت القلوب من القرآن مَلِكا عظيما رحيما جوادا جميلا هذا شأنه فكيف لا تحبه؟ فالقرآن مذكر بالله مقرب إليه. فينبغي للمسلم أن يعني بتعلمه ويكثر من تلاوته؛ لأنه النور والشفاء والرحمة والروح والهدى والفرقان والذكر الحكيم والبرهان.
عباد الله: وأكثروا من تلاوة القرآن في شهر رمضان المبارك، فإن تلاوته في هذا الشهر لها مزية وفضيلة على تلاوته في غيره من الأوقات؛ لأنه أنزل فيه كما قال تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن [البقرة:185]، وقال: إنا أنزلناه في ليلة القدر [القدر:1]، ولأن الحسنات في هذا الشهر تضاعف أكثر من مضاعفتها في غيره، ولأن القلب يقبل على تدبر القرآن في هذا الشهر أكثر من غيره، ولذلك كان جبريل عليه السلام يدارس نبينا محمدا القرآن في هذا الشهر كل ليلة، وكان السلف يقبلون على تلاوة القرآن فيه ويتفرغون في دراسة الحديث وطلب العلم ليقبلوا على تلاوته.
عباد الله: ومطلوب من المسلم أن يتلو القرآن على حسب حاله وفي حدود استطاعته، فإن كان يجيد القراءة فهذا أفضل وأكمل، وإن كان لا يجيدها فإنه يقرأه على حسب حاله، فقد ورد في الحديث: (( الذي يقرأ وهو ماهر فيه مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأه ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران )) متفق عليه. وينبغي لهذا أن يجتهد في إصلاح قراءته على يد من هو أحسن منه قراءة. كما أن المسلم يتلو ما تيسر له من القرآن، فإن كان يقرأه كله فهذا أكمل وأحسن. وإلا قرأ ما يمكنه من سوَرِه ليحوز الأجر والفضيلة، ولا يتوقف عن التلاوة بحجة أنه لا يحسن قراءة القرآن كله، فيحرم نفسه الأجر ويفوت عليها الفرصة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إن الذين يتلون كتب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم الآيات إلى قوله: إنه غفور شكور .
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|