molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: حقيقة العمل الصالح - صالح بن عبد الله بن حميد الثلاثاء 15 نوفمبر - 9:17:19 | |
|
حقيقة العمل الصالح
صالح بن عبد الله بن حميد
الخطبة الأولى
أما بعد: فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، وارغبوا فيما عنده، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، فطالبها مكدود، والمتعلق بما متعب مجهود، والزاهد فيها محمود، واستعيذوا بالله من هوى مطاع، وعُمُر مُضاع، ورحم الله عبدًا أعطي قوةً وعمل بها في طاعة الله، أو قصر به ضعف فكفَّ عن محارم الله.
أيها المسلمون، للمسلم في كل ساعة من عمره وظيفة لربه، عليه أن يقوم بها حسب الاستطاعة، وعلى قدر الطاقة، فاتقوا الله ما استطعتم، لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة: 286].
إنها وظائف ومطلوبات تستغرق الحياة كلها، وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ [الحجر:99]، قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ [الأنعام: 162، 163].
ناهيكم ـ أيها المسلمون ـ بما امتن الله به على عباده من مواسم الفضل ونفحات الدهر، في شهر رمضان كله، ثم في عشره الأخيرة، وفي عشر ذي الحجة، وفي يوم عرفة، ثم في الحج ومناسكه، في كل هذه المواسم والنفحات مزيدُ الفضل ومضاعفات الأجر.
إن هذه الوظائف والمرغوبات تستدعي من المسلم الحصيف أن يتلمَّس الأعمال الصالحات، ويتحرَّاها في حقيقتها وأثرها وسعتها وثمارها.
أيها المسلمون، حجاج بيت الله:
الأعمال الصالحات منزلتها في الدين عظيمة، ومرتبتها في الإسلام عالية، فهي قرين الإيمان في كتاب الله، وأثره وثمرته وجزؤه، وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً [طه: 112]، إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّـٰتُ ٱلْفِرْدَوْسِ نُزُلاً [الكهف: 107]، مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [النحل: 97].
كتاب الله العزيز وسنة محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قد تظافرا في بيان حقيقة ذلك ومتطلباته، وأثره وثماره، وسعة دائرته وعلامة صحته، وأسباب قبوله.
أيها الإخوة:
الإيمان بالله ومعرفته وتوحيده، ومعرفة الحق، وإخلاص العمل ولزوم السنة، وأكل الحلال، والمداومة والقصد والتوسط، وإتباع السيئة الحسنة، والتوبة والاستغفار والبكاء على الخطيئة، كل أولئك علائم ومنارات وضوابط ومتطلبات لتحقيق العمل الصالح.
من عرف الله ولم يعرف الحق لم ينتفع، ومن عرف الحق ولم يعرف الله لم ينتفع، ومن عرف الله وعرف الحق ولم يخلص العمل لم ينتفع، ومن عرف الله وعرف الحق وأخلص العمل ولم يكن على السنة لم ينتفع، وإن تمَّ له ذلك ولم يأكل الحلال ويجتنب الحرام وأكبَّ على الذنوب لم ينتفع.
عباد الله:
لا يرجو القبول إلا مؤمن بربه وبآياته، عابدٌ مخلص، وجلٌ مشفق، يستصغر عباداته، ويستقلُّ طاعاته، مدركٌ لجلال الله وعظمته، وعلمه وإحاطته، رقيب له في شعائره ومشاعره.
أيها المسلمون، حجاج بيت الله:
العمل الصالح لا بد أن يكون سليمًا من الشرك كبيره وصغيره، دقيقه وجليله، خفيِّه وجليِّه، فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـٰلِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا [الكهف: 110]، وفي الحديث الصحيح: ((يقول الله عز وجل: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه))[1].
ولا بد في العمل الصالح أن يكون سليمًا من البدع ومحدثات الأمور، يقول عليه الصلاة والسلام: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))[2]، و((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))[3]، ((وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))[4]، فلا بد من لزوم متابعة المصطفى محمد ، فلا يُعبد الله إلا بما شرع رسول الله ، وفي التنزيل العزيز: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران: 31]، فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَـٰلِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 63]، بالمتابعة يتحصن المسلم من البدع كلها، فخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها.
والعمل الصالح ـ أيها الإخوة المسلمون ـ لا بد فيه من الإخلاص، إن من أشد المفسدات، ومانعات القبول، ومبعدات التوفيق عدم الإخلاص والإشراك في النية والمقاصد، وفي الحديث: ((إياكم وشرك السرائر، يقوم رجل فيصلي، فيزين صلاته جاهدًا لما يرى من نظر الرجل إليه، فذلك شرك السرائر)) رواه ابن خزيمة في صحيحه[5].
وإذا كان الرياء هو العمل لأجل الناس، فإن هناك نوعًا خطيرًا ذلكم هو العمل لأجل النفس وحظوظها، لا لأجل الله وابتغاء مرضاته والأمل فيما عنده، إن من عدم التوفيق أن يعمل العبد ليرضي نفسه، ويبتغي حُظوظ دنياه، يصوم ويتصدق ويتزهد ويتورع لما يرجو من الدنيا وغاياتها.
الإخلاص ـ حفظك الله ـ أن يستوي حال الظاهر والباطن، عبدُ الله المخلص يعمل عمله لله سواء رآه الناس أم لم يروه، وسواء كان له حظ من حظوظ الدنيا أو لم يكن، فليس له توجهٌ إلا لله، وليس له طمع إلا في جنة الله، وليس له غاية إلا في رضوان الله، ليس له هرب إلى من سخط الله، وليس له حذر إلا من عذاب الله.
المخلص لن يزيد عمله لأجل الحظوظ العاجلة، ولا ينقص بنقصها، إن كان في الساقة كان في الساقة، وإن كان في الحراسة كان في الحراسة، إذا حضر لم يعرف، وإذا غاب لم يُفقد.
أيها المسلمون، حجاج بيت الله:
إن موضوع النيات ومعالجاتها موضوعٌ خطير دقيق، هو أساس القبول والرد، وهو سبيل الفوز والخسران، يقول سفيان الثوري رحمه الله: "ما عالجت شيئًا أشدَّ من نيتي، فإنها تنقلب عليَّ"[6]، وعن يوسف بن أسباط: "تخليص النية وفسادها أشد على العاملين من طول الاجتهاد"[7]، وما أتي كثير من الناس إلا من ضياع نياتهم وضعف إخلاصهم.
الله الله في أنفسكم عباد الله، إن المطلوب في الأعمال الصالحة رعاية القلوب وإخلاصها. الإخلاص ـ بإذن الله ـ يورث القوة في الحق والصبر والمثابرة والمداومة، بالإخلاص يتضاعف فضل الله، ويعظم أجره وثوابه، بل الإخلاص يجعل المباحات طاعات وعبادات وقربات، ومن ثمَّ تكون حياة العبد كلها لله، قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ [الأنعام: 162، 163].
أيها الإخوة:
ويقترن بالإخلاص تحري الطيبات، فالله طيب لا يقبل إلا طيبًا، والطيب ما طيَّبه الشرع، لا ما طيَّبه الذوق، والطيب توصف به الأعمال والأقوال والاعتقادات، قُل لاَّ يَسْتَوِى ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِى ٱلألْبَـٰبِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة: 100].
ومن صفات نبينا محمد أنه يحلُّ الطيبات، ويحرم الخبائث، والمؤمن طيبٌ كله؛ قلبه ولسانه وجسده، فقلبه طيب لما وقر فيه من الإيمان، ولسانه طيب لما يقوم به من الذكر، وجسده طيب لما تقوم به الجوارح من كل عمل صالح. ومن أعظم ما يحصل به طيب العمل طيب المطعم، وحل المأكل، فالعمل الصالح لا ي+و إلا بأكل الحلال، وقد أمر الله به المؤمنين كما أمر به المرسلين، فقال آمرًا رسله عليهم السلام: يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيّبَـٰتِ وَٱعْمَلُواْ صَـٰلِحاً [المؤمنون: 51]، وقال آمرًا عباده المؤمنين: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ وَٱشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة: 172].
يقول بعض السلف: "لو كنت مقام السارية لم ينفعك شيء حتى تنظر ما يدخل في بطنك"، وكل لحم نبت بالحرام فالنار أولى به.
ولا تنس ـ رعاك الله ـ وأنت تتحرى الأعمال الصالحة، لا تنس المداومة عليها، وفي الخبر الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: سئل رسول الله : أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: ((أدومها وإن قل))، وقد كان عمله عليه الصلاة والسلام ديمَة[8]، يقول الإمام النووي رحمه الله: "بدوام القليل تستمر الطاعة، تستمر بالذكر والمراقبة والإخلاص والإقبال على الله، فينمو القليل الدائم حتى يزيد على الكثير المنطقع أضعافًا كثيرة"[9]، ويقول ابن الجوزي رحمه الله: "مداوم الخير ملازم لخدمة مولاه، وليس من لازم الباب في وقت ما كمن لازم يومًا كاملاً ثم انقطع".
ويقترن بالمداومة تحري القصد والاعتدال والتوسط، ومراعاة الحقوق والواجبات، والموازنة بين المسؤوليات، فإن لنفسك عليك حقًا، ولزوجك عليك حقًا، ولزورك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه، فلا ينبغي للعبد أن يجتهد في جانب ليفرط في جوانب، ((فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا)) [10]، و((إن الله لا يمل حتى تملوا، واكلفوا من العمل ما تطيقون)) [11].
أيها الإخوة:
هذا هو العمل الصالح، وهذه هي مقتضياته ومتطلباته، ومع هذا فإن العبد محل التقصير، ومحط الخطايا، وكل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، الموفَّقون للعمل الصالح ذوو القلوب المخلصة، والتوحيد الخالص، وهِمَمٍ جادة، موفون بتكاليف الشرع، بعيدون عن الغفلة والأثرة، يسلكون مسالك الإيثار، يرجون رحمة الله، وَيَخَـٰفُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ كَانَ مَحْذُورًا [الإسراء: 57].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـئَايَـٰتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبّهِمْ رٰجِعُونَ أُوْلَـئِكَ يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ وَهُمْ لَهَا سَـٰبِقُونَ [المؤمنون: 57 ـ 61].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد ، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه مسلم في الزهد (2985) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] أخرجه بهذا اللفظ مسلم في الأقضية (1718) من حديث عائشة رضي الله عنها.
[3] أخرجه البخاري في الصلح (2697)، ومسلم في الأقضية (1718) من حديث عائشة رضي الله عنها.
[4] أخرجه أحمد (4/126 ـ 127)، وأبو داود في السنة (4607)، والترمذي في العلم (2676)، وابن ماجه في المقدمة (46)، والدارمي في مقدمة سننه (95) وغيرهم، من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح" وصححه ابن حبان (1/179)، والحاكم (1/95 ـ 96)، ووافقه الذهبي، ونقل ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/109) عن أبي نعيم أنه قال: "هو حديث جيد من صحيح حديث الشاميين" وصححه الألباني في صحيح الترغيب (37).
[5] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/227) من طريق عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد مرفوعًا، وصححه ابن خزيمة (2/67) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (31)، ومحمود بن لبيد من صغار الصحابة، وجل روايته عن الصحابة رضي الله عنهم، وقد أخرج البيهقي (2/290 ـ 209) هذا الحديث من طريق عاصم عن محمود بن لبيد عن جابر رضي الله عنهما.
[6] أخرجه الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي (1/317)، وانظر الحلية لأبي نعيم (7/5).
[7] انظر: جامع العلوم والحكم (ص 13).
[8] أخرجه البخاري في الرقاق (6465)، ومسلم في صلاة المسافرين (782، 783).
[9] شرح صحيح مسلم (6/71).
[10] أخرجه البخاري (6098) من حديث أبي هريرة بنحوه.
[11] أخرجه البخاري في الإيمان (43)، ومسلم في صلاة المسافرين (782) من حديث عائشة رضي الله عنها بنحوه.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ مستيقنٍ بها في جنانه، ومقرٍّ بها بلسانه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله المبلغُ للوحيين: سنته وقرآنه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون، الغفلة رأس الخطايا، يقول الحسن رحمه الله: "الحسنة نورٌ في القلب، وقوةٌ في الدبن، والسيئة ظلمة في القلب، ووهن في البدن، وظُلم المعصية يطفئ نور الطاعة".
فاجتهدوا ـ رحمكم الله ـ في المبادرة إلى الخيرات، والمسارعة في الطاعات، والمسابقة إلى الصالحات، وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ أُوْلَـئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ [المعارج: 10، 11]، وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَـٰفِسُونَ [المطففين: 26] ولِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَـٰمِلُونَ [الصافات: 61] فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرٰتِ [البقرة: 148] وفقكم الله، فإن الآفات تعرض، والموانع تمنع، والموت يأتي بغتة، والتسويف من مداخل الشيطان، والمبادرة أخلص للذمة، وأحسم في الأمر، وأبعد عن المطل، وأرضى للرب، وأمحى للذنب.
ولقد استوقف الصالحين قول الله عز وجل: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ [المائدة: 27]، وكان فيها خوف السلف، بكى عامر بن عبد الله حين حضرته الوفاة، فقيل له: ما يبكيك، وقد كنت وكنت؟ فقال: "إني أسمع الله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ"، ويقول أبو الدرداء : (لأن أستيقن أن الله قد تقبل مني صلاة واحدة أحبُّ إلي من الدنيا وما فيها؛ إن الله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ).
ألا فاتقوا الله رحمكم الله، واحذروا وحاسبوا، كيف بمن عرف الله فلم يؤد حقه؟! وكيف بمن يدعي محبة رسول الله فلم يعمل بسنته؟! وكيف بمن يقرأ القرآن ولم يعمل به؟! يتقلَّب في نعم الله فلم يشكرها، لم يتخذ الشيطان عدوًا، لم يعمل للجنة، ولم يهرب من النار، لم يستعد للموت، اشتغل بعيوب الناس، وغفل عن عيوب نفسه، هذا وأمثاله في غمرة ساهون، تستدرجهم النعم، ويطغيهم الغنى، ويلهيهم الأمل، ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ فَأَنسَـٰهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ [المجادلة: 19]، ولسوف يندمون إن لم يتوبوا، ولات ساعة من مندم.
ألا فاتقوا الله رحمكم الله، وجدُّوا واجتهدوا وسددوا وقاربوا والقصد القصد تبلغوا، ثم صلوا وسلموا على نبيكم محمد رسول الله...
| |
|