molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: عيد الأضحى 1423هـ- صالح بن عبد الله الهذلول الثلاثاء 15 نوفمبر - 5:25:52 | |
|
عيد الأضحى 1423هـ
صالح بن عبد الله الهذلول
الخطبة الأولى
أما بعد: عباد الله، اعلموا أن يومكم هذا هو يوم الحج الأكبر، وهو عيد الأضحى والنحر. هو يوم الحج الأكبر لأن الحجاج يؤدون فيه معظم مناسك الحج؛ يرمون الجمرة الكبرى، ويذبحون الهدايا، ويحلقون رؤوسهم، ويطوفون بالبيت، ويسعون بين الصفا والمروة. وهو عيد الأضحى والنحر لأن الناس يُضحُّون فيه وينحرون هداياهم.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
معاشر المسلمين، تميّزت شريعة الإسلام بعيدين، ليسا تمجيدًا لوجيه، ولا إحياءً لذكرى، ولا احتفاءً بميلاد، وليس العيد فرصة لكيلِ المدائح ونظمِ الأشعار ثناءً على حركة من الحركات أو انتصارًا من الانتصارات أو إنجازًا من الإنجازات، إنما العيد في الإسلام له شأن آخر ومعنى متميز، إنه تجديدُ إعلان التّوحيد لله ربّ العالمين الأحد الفرد الصمد، وذلك التوحيد ينبثق منه دعوةُ وِحدةٍ للأمة المسلمة، إنه دعوةٌ لمراجعة الأوضاع وتقييم الماضي والحاضر والإعداد للمستقبل. وإعلانُ الفرحة وإظهارها في العيد إنما هو ترجمةٌ لتك المعاني وفرحٌ بذلك المجد الّذي خصّ الله تعالى به أمّة محمد أن جعلهم خير أمة أُخرجت للناس.
لقد نال بنو إسرائيل من المجد والشرف في التاريخ ما لم تنله أمة غيرهم، فكثير من الأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم هم من بني إسرائيل، وفي القرآن إشارات كثيرة إلى ذلك المجد، منها قول الله تعالى: سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ [البقرة: 211]، وقوله سبحانه: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة: 47]، وقوله جل شأنه: وَلَقَدْ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [الدخان: 32]، وقوله تعالى: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الشعراء: 197]، فلما كفروا بنعمة الله وعَدُّوا تلك النعم مبررًا لهم في الإسراف بالظلم والتعنت والجحود والعناد وسُوء الأدب مع الله تعالى ومع رسله وكفروا بنعمة الله وتكبّر بعضهم وترهبن آخرون رهبانية مبتدعة سلب الله تعالى مجدهم، وأُورِثنا إياه، فلله الحمد والمنة.
فطيروا فرحًا ـ يا أمة محمد ـ بهذا التكريم وهذه الخصوصية، وشعور المسلم بذلك وهو يسرح طرفه ما بين المشرق والمغرب يمنح قلبه إجلالاً وتعظيمًا لربه وحياءً منه سبحانه الذي اصطفاه ما بين جموع غفيرة قُدِّر أن لا تهتدي إلى صراطه المستقيم، وذلك الشعور يمّده أيضًا بروحٍ منه وعون أن لا يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، فكل دين سوى الإسلام كفر، وكل مذهب خلاف هدي رسول الله ابتداع، فلا يزال انتماء المسلم لدينه الذي يؤمن أنه فخرُه ورأسُ ماله، بل يوقن أنه حياتُه وموته، قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام: 162، 163].
واعلموا ـ عباد الله ـ أنه ما غاظ اليهود شيء مثلما غاظهم سلب النبوة والملك منهم ونقلها للعرب، الأمر الذي أوقد نار الحسد في قلوب اليهود، قال الله تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ [البقرة: 109]، وقال سبحانه: بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ [البقرة: 90]. لقد أفرزت نار الحقد والحسد في قلوبهم نارًا حقيقية سعوا ويسعون في إشعالها طيلة تاريخهم إلى عصرنا الحاضر، كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا [المائدة: 64]، هذه سجيتهم، وهذا طبعهم لا يتغير، فلا يمكن أن تنسجم طِباعهم ولا تتفاعل مع مؤتمرات السلام، أو تقبل نفوسهم الجلوس على طاولات تفاوض وصلح.
دولتهم المعاصرة تمتلك أشد أنواع الأسلحة فتكًا ودمارًا، ورافضة الدخول في أي معاهدة دولية للحد من تلك الأسلحة، فلأي شيء يُعدونها؟! إنها سعي منهم لهدم دين محمد وقتل المسلمين إن استطاعوا، عبَّر عن مشاعرهم هذه جَدهم حُيي بن أخطب في نهاية اجتماعٍ عقده مع الرسول أول ما وصل الرسول إلى المدينة، وسأله أي: سأل حيي بن أخطب أحد كبار اليهود بعد الاجتماع عن حقيقة الرجل يعني محمدًا ، أهو الذي ورد وصفه بالتوراة؟ فأجاب: نعم، قال: ما العمل؟ قال: عداوته والله ما بقيت، فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة: 89].
وتاريخ اليهود حافل بالمكر والخديعة والحسد وخبث الطوية ضدّ أنبياء الله تعالى ورسله، وليس ضد أمة محمّد فحسب، سفكوا الدماء وشرّدوا الأبرياء وقتلوا الأنبياء، بل قالوا: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران: 181]، أفيُرتجى من هؤلاء عدل وسلام لعنهم الله وغضب عليهم وجعل منهم القردة والخنازير وعبَدَ الطاغوت وألقى العداوة والبغضاء بينهم إلى يوم القيامة؟!
معاشر المسلمين، إن الله غني عن العالمين، وهو الرزاق ذو القوة المتين، والأحساب والأنساب تتساقط إذا صادمت الشرع واستكبرت على الحق، وليس لها عند الله وزنٌ ولا قيمة، وإنما الميزان المعتبر شرعًا هو التقوى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
تذكروا ـ معشر المسلمين الأفاضل ـ أنّ لكم إخوة في الإسلام يمرّ عليهم العيد أو ربما الأعياد لم يأنسوا بجمعٍ أو يهنؤوا بعيد، أحوالهم تختلف بين مريض وأسير وشريد وطريد، أرامل وثكالى ويتامى، سامهم العدو سوء العذاب، وخذلهم الصديق بالإهمال والتجاهل والنسيان وموت الضمير، والراحمون يرحمهم الرحمن، فأفيضوا أولاً على إخوانكم وأرحامكم وأقاربكم وجيرانكم وزملائكم ما يطمئنهم إليكم ويؤكد رحمتكم بهم؛ حتى تسود الرحمة في المجتمع بدلاً من الشحناء والقطيعة والتباغض والنفعية المادية التي سرعان ما تتهشم وتنكشف حين تقلّ أو تضعف، ومن وجد سبيلاً وحيلة أن يصلَ معروفه إلى أيّ مسلم محتاج فليفعل، فإنّكم لا تدرون في أيّ نفقاتكم يمكن القبول والبركة والأجر، وصنائع المعروف تقي مصارع السوء وترفع الدرجات عند مولاكم الرحيم جل شأنه.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون، أحب الأعمال إلى ربكم في يومكم هذا إراقة الدماء بذبح الأضاحي، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : ((ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحبَّ إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفسًا)) رواه الترمذي وحسنه ورواه ابن ماج والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". وروى البخاري ومسلم عن أنس قال: ضحّى النبي بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمّى وكبّر، ووضع رجله على صفاحهما.
والأضحية ـ عباد الله ـ تعبيرٌ عن تجريد العبادة لله وتحقيقٌ للتقوى، قال الله جل وعز: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج: 37]، وهي تذكير للمؤمن أنه يتعين عليه أن يضحّي بكل غالٍ في سبيل الله ولو كانت روحه، كما فعل الخليل عليه السلام الذي أُمِرنا باتباع ملته حين عزم على أن يضحّي بابنه إسماعيل عليه السلام امتثالاً لأمر الله تعالى. والأضحية دعوة عملية لتخليص النفس من الشحّ، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9]. ومن السنة أن يأكل المضحّي ثُلُثًا ويهدي ثُلُثًا ويتصدق بثلث.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون، الأولاد من بنين وبنات أمانة في أعناقنا، والبحث الجاد في كل ما يصلح حالهم ويرتقي بهم إيمانيًا وتعليميًا ودنيويًا أمرٌ حض عليه الإسلام ورغّب فيه، بل أوجبه ووعد عليه المثوبة في الدنيا والآخرة. إن من التفريط وقلّة الحكمة أن ينشغل الوالد بأعماله بعيدًا عن أولاده، أو ربما قضى البعضُ سحابة نهاره وجزءًا من ليله في استراحته الخاصة أو مع زملائه لا يدري عن أولاده شيئًا، وإذا عُوتب في ذلك أجاب قائلاً: وفرت لهم كل ما يحتاجونه، والسائق تحت طلبهم ووفق تصرفهم وأمرهم. هل هذا التعامل مع الأولاد يُعدُّ تربية؟! هل يعد رعاية يسقط به الواجب المنصوص عليه في حديث الرسول : ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته))؟! هل هذا التعامل يُرجى معه صلاح الأولاد أو فلاحهم أو نجاحهم؟! لو عوتب هذا الأب عن جوانب قصور في نفسه لأجاب: ما كان آباؤنا يهتمون بالتربية، فكل نهارهم عمل، ولا نراهم إلا في نهار الجمعة. فانظروا وتعجبوا من مثل هذا، لا ينسى تقصيرًا وقع في حقّه، مع أنه غير مقصود، ومع أن الأوضاع سابقًا كما يعلم الجميع تختلف في جوانب كثيرة عمّا هي عليه الآن، فليتّق الله كلّ أبٍ مفرّط، وليعلم كل مقصِّر في أمانة تربية الأولاد أنه سيجد غِبَّها في الدنيا قبل الآخرة.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادقُ الأمين، خاتمُ المرسلين، ورحمة رب العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأبتاعه أجمعين إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
ثم أما بعد: معاشر المسلمين، استجيبوا لربكم ما دمتم في زمن المهلة قبل أن يُحال بينكم وبين العمل وبينكم وبين التوبة، قبل الندم حين لا ينفع الندم، قبل أن تُوسَّد الترابَ ويُهالَ عليك في حفرة لا تتسع لغير جسمك أبدًا، حفرة ضيّقة إلا أن يوسّعها الله برحمته ثم بما قدمت من عمل صالح.
عباد الله، احذروا الظلم، احذروا الظلم، فإنه ظلمات يوم القيامة، وعاقبته وعقوبته تبدأ من الدنيا بقلة التوفيق وضيق الرزق ونكد العيش وقساوة القلب، وما عند الله أشد وأبقى.
الظلم ـ عباد الله ـ وضع الشيء في غير موضعه، وأصله الجَور ومجاوزة الحد، ولقد حذر الله تعالى منه وحرّمه على نفسه وجعله محرمًا بين العباد. وحرمة الظلم تتناول كل مجاوزة للحد حتى في الوضوء، يقول النبي : ((فمن زاد أو نقص فقد أساء وظلم))، أي: أساء الأدب بتركه السنة والتأدبَ بأدب الشرع، وظَلَم نفسه بما نقصها من الثواب بترداد المرات في الوضوء. وفي التنزيل العزيز يقول المولى جل وعلا: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام: 82]، قال ابن عباس وجماعة من أهل التفسير: (لم يخلطوا إيمانهم بشرك). ويدخل في الظلم ما يعاني منه العمال من كفلائهم في تأخير أو نقص رواتبهم، وتحميلِهم فوق ما يطيقون من العمل، وتكليِفهم وقتًا يعملون فيه يزيد عما في العقد دون مقابل. كما يقع الظلم من العمال أنفسهم في عدم إتقان ما يوكَل إليهم من عمل تساهلاً أو عمدًا، وغشّهم المستأجرين المستفيدين من عملهم.
ومن صور الظلم ظلم الأزواج لزوجاتهم، إما من النفقة أو السكنى أو التسلط على ما لها وراتبها إن كانت موظفة أو في طريقة حديثِه معها من الإهانة والتجريح والسخرية. ومن صور الظلم أيضًا ظلم الزوجات أزواجَهن في كثرة غِيبتهم وسبهم وتنكّر فضلهم وعدم عذرهم والتقصير في حفظهم في أموالهم وأولادهم وربما أعراضهم، حمانا الله جميعًا من كل سوء ومكروه. فليتق الله كل ظالم لنفسه أو غيره، وليعلم يقينًا أنه سيُدان في ذلك يوم القيامة، ويطالبُ بما ظلم، فخففوا عن أنفسكم من ديون الظلم قبل الندم قبل أن ينادى: الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر: 17].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المؤمنون:، من هدي نبيكم في خطبة صلاة العيد أن يخُصَّ النساء بموعظة، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر قال: شهدت مع رسول الله الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئًا على بلال، فأمر بتقوى الله، وحث على طاعته، ووعظ الناس وذكّرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكّرهن، فقال: ((تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم))، فقامت امرأة من سِطَة النساء سفعاء الخدين ـ وكان ذلك قبل نزول فرض الحجاب ـ فقالت: لِمَ يا رسول الله؟! قال: ((لأنكن تكثرن الشكاة ـ أي: الشكوى ـ وتكفرن العشير)) أي: تجحدن إحسان أزواجكن.
أيتها المسلمات، يا إماء الله، اتقين الله تعالى واحذرن من غضبه وسخطه، وقُمْنَ بما أوجب الله عليكنّ من حق الأزواج والأولاد، فقد قال النبي : ((إذا صلّتِ المرأة خمسها وصامت شهرها وحصّنت فرجها وأطاعت بعلها ـ أي: زوجها ـ دخلت من أي أبواب الجنة شاءت)) رواه حمد واللفظ له ورواه مسلم.
أيتها الأخت الكريمة والأم الرحيمة والزوجة المصونة والبنت العزيزة، لقد أيقن أعداء الإسلام من كفار ومنافقين أنك أفضل وسيلة يتوصلون بها لإفساد المجتمع المسلم، وتصريحاتهم في ذلك أشهر وأكثر من أن تذكر، وهم يعلمون أيضًا أنه من المستحيل أن يتوصلوا لما يصبون إليه من إفساد المرأة المسلمة خلال أشهر أو سنوات معدودة، فعمدوا إلى أسلوب ماكر وخبيث يقوم في أساسه على التدرج والتخطيط للمدى البعيد من الزمن، ويرتكز على نزع حياء المرأة وتنفيرها من دينها دون تصريح بذلك ولا عرضٍ مباشر له، ومكرهم في هذا عظيم، ومحاولاتهم متجددة ومتنوعة، لكنها مع كل ذلك لا تعدو أن تكون مكرًا بشريًا يقابل مكر الله العزيز العظيم، وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ [إبراهيم: 46]، لن يتجاوزوا كيد الشيطان في صنعهم، وكيد الشيطان ضعيف أمام إصرارِكِ على العفاف والحشمة والتدين، ولقد غِظْتِ أعداء الإسلام والفضيلة بالمحافظة على شرفكِ وعِرضِك وأُنوثتك، فبارك الله فيكِ وزادك هدى، وثبتك على الحق وحفظك من كل سوء ومكروه.
واعلمي ـ أيتها المصونة ـ أن الصراع بين الحق والباطل ليس فيه خطر علينا؛ لأننا مؤيدون بقوة الله الجبار، ونحن واثقون من النصر، ولكن الخطر أن يفقد الناس الإحساس بين ما هو إسلامي وما هو غير إسلامي، ترى البنت من أسرة كريمة ذات فضل وإذا بها تجهل كثيرًا من أمور الشرع مما يعلم من الدين بالضرورة.
الخطر أيضًا أن يُتخذ من المهزومين أو النفعيين أو المنافقين العلمانيين مرجعية في الفتوى فيما يتعلق بشأن المرأة، لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [النحل: 25]. وأبشري بالنصر والتأييد من الله تعالى، فالله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
اعلموا ـ عباد الله ـ أنه لا وجه للنهي عن تحية المسجد في مصلى العيد، بل لا وجه للنهي عن التنفل بالصلاة في المصلّى لأمر النبي بأداء تحية المسجد وترغيبه بكثرة الصلاة والسجود في مثل قوله : ((عليك بكثرة السجود)) رواه مسلم، وقوله: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) أخرجه مسلم أيضًا. والمصَلَّى مسجد لأنّ النبي أمر النساء أن يخرجن إليه وأمر الحيّض أن يعتزلنه، والمرأة لا تعتزل إلا المسجد، فأعطى النبي مصلى العيد حكم المسجد بالنسبة لمنع الحائض منه، وعلى هذا نصّ فقهاء الحنابلة المتأخّرين وإن كان الأولى بعد أداء تحية المسجد أن ينشغل المسلم بالتكبير وحمد الله لأنه وقتها ومحلها، لكنه لا يُنكر على من زاد من التنفل في الصلاة قبل دخول الإمام أو بعد الخطبة، هذا ما قرره الإمام الشيخ محمد الصالح العثيمين، وقال رحمه الله: "وأما الاستدلال بما ورد في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي خرج إلى مصلى العيد فصلى ركعتين ـ يعني صلاة العيد ـ لم يصل قبلها ولا بعدها، فهذا الحديث لا يدل على كراهة التنفل بالصلاة قبل صلاة العيد ولا بعد الخطبتين لمن أراد من المصلين، بل لا يكره ذلك حتى للإمام لأنّ النبي خرج إلى مصلى العيد ليصلي بالناس، فصلى بهم وخطب ثم انصرف، كما أنه يوم الجمعة يخرج إلى المسجد ويخطب ويصلي وينصرف ثم يتنفل في بيته، ولم يقل أحد: إنه يكره للمسلم أن يتنفل قبل الصلاةِ، فكذلك العيد، والكراهة لا تثبت إلا بنهي عام أو خاص، ولم يرد شيء من ذلك".
اللّهمّ أعز الإسلام والمسلمين، وانصر عبادك الموحدين والدعاة المخلصين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر...
| |
|