molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الغلاء وارتفاع الأسعار - صالح بن عبد الله الملحم الإثنين 14 نوفمبر - 9:32:45 | |
|
الغلاء وارتفاع الأسعار
صالح بن عبد الله الملحم
الخطبة الأولى
أما بعد: عباد الله، أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، وأحذركم ونفسي من معصيته ومن مخالفة أمره، كما أمر بذلك الحق تبارك وتعالى في كتابه العزيز فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: 119]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 71، 72].
عباد الله، منذ شهور ليست بالبعيدة اجتاح بلادنا وحش جديد كشّر عن أنيابه فافترس الفقراء, وألحق هزيمة نكراء بكافة أفراد الطبقة الوسطى من المجتمع, فتخوّف منه أصحاب الطبقة الغنية أن يصلهم هذا الطوفان فيأخذ ما جمعوه طوال الأعوام، فتنادى الجميع لولاة أمرهم أن أغيثونا, أغيثونا يا عبد الله.
تلكم المصيبة هي غلاء الأسعار، لقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية وغير الغذائية، ووصل جنون الأسعار إلى حليب الأطفال وأدوية المرضى وحتى أعلاف المواشي, فتضرر من هذا كافة شرائح المجتمع, بل حتى الجمعيات الخيرية التي تساعد الفقراء والمحتاجين تضررت من هذا الغلاء.
وإيمانا منا بدور خطيب الجمعة في تلمس حاجات المجتمع وتقديم ما يراه مناسبا لهم بما تجود به معرفته من وجهة شخصية قد يعتريها الصواب والخطأ، وإيمانا منا برغبة ولاة الأمر ـ حفظهم الله ـ في استقبال ما يقدَّم من حلول مناسبة لهذا البلاء أو مشاركة في علاج هذه الظاهرة، كل بحسب طاقته وقدرته وإمكاناته, وكل بحسب موقعه ومسؤوليته, فإننا ـ عباد الله ـ يمكن أن نقول: إننا بحاجة إلى بعض الوقفات نلقي من خلالها الضوء على هذه المصيبة، ثم نشارك بمقترح نسأل الله سبحانه أن يساعد في كشف هذا البلاء عن مجتمعنا عاجلا غير آجل.
الوقفة الأولى: آثار هذه الأزمة:
إن هذه الأزمة لها آثار سلبية على الفرد والمجتمع، فعندما يعجز الفقير عن شراء ما لا غنى له عنه ويتحمّل متوسطو الحال ديونًا يعجزون عن أدائها يلجأ البعض إلى طرق غير مشروعة للحصول على المال وتوفير ما يحتاجون، وحينها لا يبالي ضعيف الإيمان أمِن حلال أخذ المال أم من حرام، فتنشأ السرقات والغش والسطو والرشوة وبيع الأعراض, وتنمو الأنانية والشحّ والبخل، وتتعمّق الفجوة بين الغني والفقير، وتضعف الروابط وتنقطع الصلات؛ لذا ستترك هذه الأزمة إذا طالت آثارًا نفسية خطيرة على بعض النفوس التي تشعر بالمعاناة في تأمين المعيشة والوفاء بالاحتياجات الضرورية ومتطلبات من يعولون.
الوقفة الثانية: الإيمان بقضاء الله:
رغم إيماننا بوجود أسباب لهذه الظاهرة السيئة, إلا أننا مؤمنون في نفس الوقت أن ما يحصل للأمم والشعوب من الشدة والرخاء والسراء والضراء كل ذلك بقدر الله تعالى القاهر الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فهو سبحانه القابض الباسط الرازق المسعّر لعباده في حياتهم ومعاشهم، وله تعالى في كل ذلك حكم بالغة، علمها من علمها وجهلها من جهلها, وربما ـ والله أعلم ـ أن من تلك الحكم ابتلاء العباد ليظهر صبرهم وشكرهم، كما قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ.
الوقفة الثالثة: أساب الغلاء:
مع إيماننا بقدرة الله سبحانه وتعالى على كل شيء وعدله في كل شيء, فهو لا يضع بلاء على عباده إلا بذنب أو سبب؛ لأنه أرحم بعباده من الأم بولدها؛ لذا أعتقد أن ما حصل من ارتفاع للأسعار والغلاء في المعيشة كان له أسباب, من أعظمها الذنوب التي نقترفها صباح مساء. من هذه الذنوب وأعظمها منع ال+اة والتعامل بالربا وأكل أموال الناس بالباطل إما غشا في السلع أو تدليسا في المعاملات أو رشاوي، وغيرها من الذنوب المؤذنة بنزول العقوبات الشديدة من الله وذهاب البركات أو نقصها منه سبحانه، قال تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل: 112]، وقوله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم: 41].
ومن الأسباب أيضا تفشّي ظاهرة الإسراف في حياتنا على كافة المستويات، حيث تحول الإسراف من سلوك فرديّ لدى بعض الميسورين أو ذوي الدخول الجيدة إلى ظاهرة عامة تجتاح أغلب طبقات المجتمع، فالذي عنده مال يسرف، والذي لا يجد المال يقترض من أجل أن يسرف ويلبي متطلبات أسرته الكمالية والتفاخرية, مما يحتاجونه وربما ما لا يحتاجون إليه، وأضحى الواحد منا يشكي من قلّة دخله ولو كان كثيرا، ومن كثرة مصروفاته ولو كان أكثرها ليس محتاجًا إليه.
تذكر ـ يا عبد الله ـ عموم قوله سبحانه: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف: 31]، وقال : ((كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة)) رواه النسائي وابن ماجة.
ومن أسباب التضخم أيضا وغلاء الأسعار تلاعب بعض التجار والجشعين منهم بأسعار السلع دون محاسبة لهم, ولا سيما السلع الرئيسية والتي لا غنى للفرد عنها من مأكل ومشرب وملبس, وذلك من خلال استغلالهم لرفع الرواتب التي منح المواطن إياها, أو لما تمرّ به الدولة من انتعاش اقتصادي نظير رفع أسعار البترول؛ لذا على التجار أن يتقوا الله تعالى في إخوانهم المسلمين، وأن يتذكروا قول : ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد))، كما نذكره بدعوة نبينا للتاجر المتسامح بقوله عليه الصلاة والسلام: ((رحِم الله رجلاً سمحًا إذا باع وإذا اشتَرى وإذا اقتَضَى)) أخرجه البخاريّ؛ لذا أوصي أخواني التجار بالتيسير على الناس وإنظار المعسرين ومراعاة الفقراء والمساكين, وكذلك بواجب الصدق والأمانة في معاملاتهم كما قال : ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)) رواه مسلم. وأحذّرهم في نفس الوقت من الاحتكار للسلع وحبسها في المستودعات مع حاجة الناس لها؛ مما يرتفع معها الأسعار؛ لأن النبي جاءَ بالوعيد الشديد لمن دخَل في شيءٍ من أسعارِ المسلمين ظلمًا وعُدوانًا ليغلِيَه عليهم، فعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله يقول: ((مَن دخل في شيءٍ مِن أسعار المسلمين ليُغلِيَه عليهم فإنَّ حقًّا على الله أن يقعِدَه بعظمٍ من النار يومَ القيامة)) أخرجه الإمام أحمد رحمه الله.
فإذا ربطنا المسببات بأسبابها فإن زوال هذا البلاء يزول بزوال أسبابه, فالله سبحانه وتعالى يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد: 11]. كما أن التوبة والاستغفار يضمن الرزق والبركة من الله تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح: 10-12].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: الوقفة الأخيرة: نداء ومقترح أوجّهه إلى كل من له مسؤولية في بلادنا وعيّنه ولي الأمر حفظه الله لرعاية مصالح المواطنين:
نذكرهم بقول النبي : ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته))، وقوله : ((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به)). فعلى من ولاهم ولي أمرنا كل بحسب موقعه وكل بحسب طاقته وقدرته وإمكاناته أن يسعوا في معالجة هذه الأزمة بما يخفف على الناس معاناتهم ويزيل شدتهم، فهذه مقترحات علها أن تساهم في تخفيف آثار هذه الأزمة:
1- على وزارة التجارة مسؤولية كبيرة وأعمال كثيرة، أولها: مراقبة التجار والأخذ على يد من يستغل ارتفاع الأسعار فيزيد أكثر من الواقع، أو يرفع أسعار سلع لم ترتفع في بلد المصدر، أو يحتكر المواد في مخازنه ويستغل ذلك في رفع الأسعار. كما يجب على وزارة التجارة أن تشجع فتح المشاريع الإنتاجية والمصانع الغذائية والسلع الرئيسية للمجتمع حتى توجد المنافسة بينها وينعدم الاحتكار، أو تمنع ما يسمى باحتكار القلية والذين يسيطرون على تحديد الأسعار. كما يجب على وزارة التجارة أن تساهم وتشجع فتح الجمعيات التعاونية للمناطق والأحياء, وفكرة هذه الجمعيات ببساطة أنها تقوم على جمع الأموال من المساهمين وشراء السلع بكميات كبيرة وبيعها بأسعار مناسبة للمشترين، ثم توزيع ما يتم فيها من أرباح على المساهمين في نهاية كل عام. إن هذه الجمعيات مطبقة في دول أخرى وأثبتت نجاحها كما في دولة الكويت.
وعلى وزارة الشؤون الاجتماعية مسؤوليات مشابهة، منها دعم المراكز وجميعات البر الخيرية بالمال الوافي لتغطية النقص الذي تعاني منه, والسبب أن ما كان لهذه الجمعيات من دعم المواطن لها قد تقلص بسبب الغلاء أو انعدم في بعض المناطق, فالجمعيات الخيرية قد تضررت من ظاهرة الغلاء حيث أثر ارتفاع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية في ميزانيتها المتواضعة أمام تغطية تكاليف معيشة الفقراء والمحتاجين الذين تكلفهم وترعاهم. كما يجب على الوزارة أيضا إعادة دراسة دعم مخصصات الشؤون الاجتماعية ورفع سقفها لتتواكب مع متطلبات المعيشة الحالية, وكذلك سلم التقاعد والتأمينات الاجتماعية, وخاصة أن ولاة الأمر ـ حفظهم الله ـ حثوا على ذلك وأمروا بالإسراع فيه.
وأخيرا, تجدر الإشارة إلى أمر هام, فقد قام ولي الأمر ـ حفظه الله ـ بدعم الأرز وحليب الأطفال, وإن كان المواطن رأى الاستحسان من هذا الدعم فهو ينتظر من مليكه الرحيم بشعبه مزيدا من هذا الدعم ومن هذه الأيادي الحانية لرعيته, فالأرز وحليب الأطفال ليس كل شيء، وإنما هناك مجموعة من السلع الضرورية مثل الأدوية والمواد الغذائية وحتى الأعلاف لتحافظ على سعرها، وتكون في مقدور عموم الناس، وكذلك الخدمات الضرورية كإعادة النظر في رسوم الكهرباء وتأشيرات العمالة المنزلية وغيرها.
ثم اعلموا ـ عباد الله ـ أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته المسبحة بقدسه، وثلث بنا نحن المسلمين من برية جنه وإنسه...
| |
|