molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: عبادة التفكر - صالح بن عبد الكريم الزيد الإثنين 14 نوفمبر - 9:31:14 | |
|
عبادة التفكر
صالح بن عبد الكريم الزيد
الخطبة الأولى
أما بعد: أيها المسلمون، كل منا يشتكي قسوة القلب وثمرة ذلك، نسمع القرآن فلا نتأثر، نسمع الوعظ فلا نتعظ، نسمع الوعد بالجنة فلا نعمل لها، نسمع الوعيد بالنار فلا نستعد للابتعاد عنها وكأننا لسنا المقصودين، نعلم ضعفنا وهواننا ونعلم عظمة ربنا ولا تتحرك فينا شعرة، كل منا لاه في دنياه ساه في هواه غارق في شهواته وملذاته، نرى الموت يتخطف من حولنا ويذهب بهم إلى الجنة أو النار وكأننا من الموت محصنين، والسبب في ذلك ـ أيها المسلمون ـ أنا لا نتفكر في أمرنا وما نحن عليه وما نحن قادمون إليه، أضعنا عبادة التفكر التي أمرنا الله بها، والتي هي تفكر الإنسان في عظمة الله وملكوته وفي خلق السموات والأرض والفلك بأكمله وهذه المخلوقات من حولنا، تفكر الإنسان في نفسه: من هو؟ ومم خلق؟ وإلى أي شيء هو صائر؟ ما المطلوب منه؟ وهل قام بما عليه؟ وما مصيره بعد مدة قصيرة؟ كيف حاله في قبره؟ وكيف حاله عند وقوفه بين يدي ربه ومعه سجل أعماله؟ هل هو مستعد لهذا اللقاء وهذا الموقف الرهيب الذي من فكر فيه راقب ربه وتغير سلوكه وأحسن عمله؟
يتعجّب مَن يرى حالنا في هذه الدنيا من تعلق شديد بها وغفلة عن الآخرة مع ما نراه من دلائل عظمة الله وما نوقن أننا إليه صائرون من أهوال الموت والقبر والبعث والحساب والوقوف بين يدي الله ثم إلى الجنة أو النار، ولا يظهر أثر ذلك علينا في عبادتنا وتعاملنا، فلا خشوع في الصلاة، ولا استقرار في المساجد، ولا تذلل بين يدي الله، قلوب قاسية وجوارح إلى أعمال الدنيا مسرعة وإلى أعمال الآخرة بطيئة و+ولة.
يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه صعد المنبر يوما فقال: (أيها الناس إني تفكرت في هذا الأمر ـ يعني: أمر الدنيا وفنائها وأمر الآخرة وبقائها ـ تفكرت في هذا الأمر وما نحن عليه، فإن كنا مكذبين فنحن هلكى، وإن كنا مصدقين فنحن حمقى)، أي: إن كان إهمالنا وتفريطنا لأننا مكذبون بالآخرة والجزاء والحساب فنحن كفار هلكى؛ لأن التكذيب بذلك كفر، وإن كنا مصدقين بالآخرة والجزاء والحساب ونفرّط فيه ونبقى هكذا لا نعمل ولا نستعد لهذا اليوم فنحن حمقى لا نعرف مصلحة أنفسنا، بل نسعى في ضررها من حيث نظن أنا نسعى في نفعها.
هذا الكلام يقوله عمر بن الخطاب رضي الله عنه في زمنه، فماذا نقول نحن اليوم وهذه حالنا؟! ماذا نقول ونحن نعلم أن الذي لا يعمل ليوم الحساب ولا يستعد للوقوف بين يدي ربه إما هالك أو أحمق؟! إما هالك لكونه مكذبا وكافرا، أو أحمق لكونه لا يعرف مصلحة نفسه، بل يسعى في ضررها من حيث يظن أنه يسعى في مصلحتها.
أيها الإخوة، فكروا في حالكم ومآلكم وما أنتم إليه صائرون، وفكروا في هؤلاء الموتى الذين أمامكم يرحلون وأنتم بهم لاحقون، وتفكروا في عظمة ربكم وسعة ملكه وفقركم وعج+م، فإن مجرد التفكر في ذلك عبادة، ومن فكر في ذلك عبد الله وخافه واستعد للقائه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران: 190، 191].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، أذكركم بصورة واحدة من صور عبادة التفكر وكيف ترفع صاحبها وتعلي منزلته لتجعله في منزلة أصحاب العبادات الكثيرة وفي مصافهم.
وذلك في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم: ((رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه))، فهذا رجل تذكر الله وتفكر في عظمة وتفكر في وقوفه بين يدي الله ففاضت عيناه خوفا ووجلا، فكان جزاؤه أن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، مع أن هذا التفكر لم يستغرق منه وقتا طويلا، ولم يأخذ منه جهدا كبيرا، ولكن قيمة هذه العبادة وأثرها في النفس ترفع مكانتها عند الله لتجعله في هذه المنزلة.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يتذكر ويتفكر ويعتبر، ثم يعمل ويستعد لما هو إليه صائر.
هذا وصلوا وسلموا على خير البرية...
| |
|