molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الدين سبب الاجتماع والوحدة - صالح بن عبد العزيز التويجري الإثنين 14 نوفمبر - 9:22:01 | |
|
الدين سبب الاجتماع والوحدة
صالح بن عبد العزيز التويجري
الخطبة الأولى
عباد الله، قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]. الدين سبب الاجتماع والوحدة والبقاء، وفي الوقتِ الذي تتزايد فيه الانحرافات والجرائمُ والأمراض النفسيّة وتبرزُ مظاهر التطرّف والغلوّ والإعراض والجفاء والاختلاف والفرقة تأتي النصوصُ الشرعيّة وتسندُها الدّراسات العلميّة والخبرات العمليّة لتؤكِّدَ أنّ الدينَ حصانةٌ للمجتمع ودافع للوحدة والترابط بين أفراده.
دين الإسلام ضرورة للبقاء، إنّ أيَّ حضارةٍ مِن الحضارات لن تجدَ هويّتها بين الأمم إذا كانت بلا معتقدٍ دينيّ، والذي يقرأ تأريخ الأممِ السابقة التي كانت بلا عقيدةٍ اندثرت حضارتُها في مدّةٍ قصيرة ولم تستطع البقاءَ، وبفضلِ التديُّن بدين الإسلام تحوّلت قبائلُ السّلب والنهبِ إلى دولةٍ ذات حضارة، يحكمها منهجٌ صالح لكلّ زمانٍ ومكان، قال الله تعالى: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:63].
في عهد الجاهلية كان الناس غارقين في الثارات والدماء والمنازعات، تحكمهم شريعة الغاب، يأكل القويُّ منهم الضعيفَ، وضع يستحيل معه التئام القلوب والأفكار والجهود، فضلاً على الإخاء الذي لم تعرف له الأرض نظيرًا ولا شبيهًا كما في دين الإسلام، ففي دين الإسلام استحالت القلوب النافرة والطباع الشّموس إلى كتلة متراصة متآخية ذلول بعضها لبعض، بهذا المستوى الذي لم يعرفه التاريخ، والذي تتمثل فيه حياة الجنة وسمتها البارزة، وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر:47].
إن هذا الدين حين يخالط القلوب تستحيل إلى مزاج من الحب والألفة والمودة التي تُلين قاسيها وتُرقِّق حواشيَها وتُندِي جفافَها وتربطها برباط وثيق عميق رفيق، ترانيم من التعارف والتعاطف والولاء والتناصر والسماحة والهوادة، لا يعرف سرَّها إلا من ألَّف بين هذه القلوب، هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ [لقمان:11].
التديُّن يعني الاستقامةَ والطهرَ والعفافَ وغضَّ البصر والبعدَ عن الفجور والخمور والمخدِّرات وأذيّةِ المؤمنين باللّسان واليد. التديُّنُ يمنَح صاحبَه عاطفة جيّاشةً تجعله نبعَ خيرٍ يتدفّق لتنميةِ المجتمع وتقويةِ أواصره. التديُّن يقذِف في قلب صاحبِه رقابةً ذاتيّة تجعله لبنةَ بناءٍ، يحرُس الفضيلة، يحافِظ على أمنِ المجتمع، يحميه من مجرمٍ رذيل أو فكرٍ دخيل. التديُّن له أثرٌ في السّلوك، يربِّي على الأوبَة الصادِقة والإنابة العاجلة، أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِى ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَـٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا [الأنعام:122]، وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11].
وبهذه الأخوة الإيمانية ورابطة العقيدة الناصعة التي نعيشها في السعودية يأمن الجميع من خطر الطائفية وتعدّد الأديان التي تأتي على الأخضر واليابس عند محك الفتن، فتهلك الحرث والنسل، وتنقض أركان الأمن، وتجعل الأرض مسرحًا للأحداث الدامية والاقتتال الذي يمزّق التماسك والاستقرار، فيُظلِم بذلك المستقبل. وليس ببعيد عن الأنظار والأسماع اليوم ونحن نشاهد هذه الأحداث في البلاد من حولنا.
إن المتلقيَ الآن يتقلبُ بين الإذاعات والأخبار وتحليلها وتجاذب الأطراف بما يشوّش رؤيته، ويجعل موقفه مضطربًا؛ فمن يحمي هذا الحق من الانتهاب وهذا الفكر والسلوك من الاستلاب؟! ومن يعرف الحقيقة ويجرؤ على الصدع بها؟! ومن يقدّر حجم الكارثة حين يُعقد ولاء وبراء على ألوية غامضة ومبادئ بائدة؟! ومن يملك عقلية ثاقبة وعاطفة متزنة؟! ومن له حق التصريح أو التلميح؟! تساؤلات في عقلية المسلم، فمن يتولى الإجابة عليها إلا أهل العلم والرأي وأصحاب القرار؟! فلينتظر قليلا مروّجو الشائعات، وليكفّ الشناعة المقتاتون على فتات الحروب.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، أصلّي وأسلم على خير خلق الله وصفيه وخليله، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه.
وبعد: عباد الله، "إن الله سبحانه بحكمته وعدله يظهر للناس أعمالهم في قوالبَ وصورٍ تناسبها من العقاب الرباني، فتارة بقحط وجدب، وتارة بعدو، وتارة بولاة جائرين، وتارة بأمراض عامّة، وتارة بهموم وآلام وغموم، وتارة بمنع بركات السماء والأرض، وتارة بتسليط الشياطين تؤزّهم إلى أسباب العذاب أزًا، والعاقل يسيِّر بصيرتَه بين أقطار العالم فيشاهده، وينظر مواقعَ عدل الله وحكمته"[1].
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله فقال: ((يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا +اة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلاّ سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيّروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)) أخرجه ابن ماجه (4009) وحسنه الألباني.
عباد الله، ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة، ونعوذ بالله من الشماتة منا أو بنا، لكن لنأخذ العبرة، ونجتهد في التلاحم باسم الدين وللدين، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ [آل عمران:13]. لا بد من بصرِ نظرٍ وبصيرةِ تدبرٍ، قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ [آل عمران:137]. سنن الله الكونية هي هي، والأرض كلّها واحدة، مسرح للحياة البشرية، وكتاب مفتوح، عبرة وذكرى، وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ [يونس:101]. فهل من مدّكر؟!
عباد الله، وماذا عن "حزب الله" الشيعي؟! "حزب الله" الذي رفعه وطوّره وأعطاه انتصارات وهمية هم اليهود، وذلك ليتم شنقه في الوقت المناسب ودون أن يذكر عليه اسم الله، وهكذا اليهود لا يصنعون كل الأحداث كما قد يتوهّم الموغلون في تضخيم الأعداء، ولكنهم يحسنون استغلالها، في الوقت الذي نحول الانتصارات إلى هزائم، فبماذا نفسر الخطوات العشوائية؟! هل يريد "حزب الله" صرف النظر عما يحدث في العراق من إبادة الشيعة للسنة؟! هل "حزبُ الله" عصًا أخرى لسوريا كما هي لإيران؟! وهل تستطيع سوريا فتح بقية الجبهات على إسرائيل خاصة ما يهدد أمنها، أم يريد الحزبُ التغطيةَ على دور حماس في المنطقة وربط الاتجاهين في سياق واحد وتغطية نجاحهم بعملية الوهم المتبدد؟! وهل الأسرى الذين اختطفهم الح+ كانوا من الدروز وليسوا يهودًا، فتصرُّفُ إسرائيل لا يدل على الطمع في نجاة هذين الدرزيين؛ لأنهما ليسا يهوديين، ومن ثم فهي تخبط وتضرب عشوائيًا؟! وقضية الأسرى مجرّد قلامة ظفر علق بها الجرس.
خُطَب حسن نصر الله كان يقول فيها: إن لديه قوى عظمى يدمّر بها إسرائيل، وانتهت بصاروخ الكاتيوشا، فأين ذهبت تلك القوى؟! وهل هذا تضليل للشعوب وإيهام الآخرين بأنهم أقوياء؟!
حرب غير قانونية، لا يعضدها سند من المشروعية حين تستهدف المدنيين والمنشآت، وتعيد ما سبق تحريره، ويظل المجتمع الدولي يتباكى على الأنقاض، ويندب القلوب الرحيمة، ويفتش في أوراق المعاهدات الدولية، ويطرح خيارات أسرعها تمديد فترة الاستنزاف، وبمزيد التصريحات تتّسع هوةُ الفرقاء، ويكشف التعري عن مزيد من البؤر المتجرثمة في جسم الأمة والتفاضح في قالب التناصح، والمأجورة والثكلى، وفي لحن القول تعرفهم بلمز المؤمنين وتصفية الحسابات، وهذه شنشنة تجترّ التاريخ بغية الإسقاط، ولو راموا المعاذير لأمعنوا في الاعتذار عن الشيطان، فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً [النساء:109].
ماذا سيطال الجاليات الإسلامية في كل بلاد العالم وبالذات أمريكا من الاستخفاف والاستهداف والضغط النفسي كأحد مخرجات الأزمة؟! وهناك من يخلط الأوراق، ويعتمد المقارنات برغم المفارقات بين المقاومة الوطنية والحق المشروع، كما هي حماس وبين "ح+ الله" وتصرفاته.
هل هناك من يسعى لإشعال المنطقة بحيث يسوغ الدخول في ترتيب أوراق المنطقة كإيران والخروج من مأزق المفاعل النووي، أم هو تنسيق وتناوب أدوار يقرؤها الأنجال في مستقبل الأيام؟!
ماذا نستفيد من الدروس والعبر؟!
تحاشي جرّ المنطقة إلى حروب وتضييع الثروات في سبيل خطوات غير محسوبة.
تفويت الفرصة على المزايدات الوطنية؛ فلا يصح أن تكون مقياسًا لولاء أو براء؛ لأن مفردات التقويم غير منضبطة؛ لكن الدين ميزان ثابت، ويمكن القياس به والتحاكم إليه.
القارئ لأعداد الجاليات والسيّاح في لبنان دليل على عزوف السياح عن بلادهم والسياحة في بلادنا أقاليم وطبيعة خير منها كتفعيل وتسويق، فليست السياحة مراقص ومسارح وملاهي؛ بل هي مناظر وخدمات وتسهيلات مالية وترفيهية. إنَّ جذبَ الناس ليس باللهو بقدر ما هو برخص الأسعار وحفظ الآداب والأخلاق.
ماذا عليك أنت أيها الرجل العادي؟ هل أنت بمعزل عن الأحداث أم سيطالك الشرر والضرر؟
من قدرتك الدعاء والتضرع وعدم الاستجابة للاستخفاف وأخذ الأمور من مصادرها الموثوقة، والعبادة في الهرج كهجرة إلى رسول الله ، وحفظ الوقت من التقلب بين صراعات القنوات التي تستركض العجلى في غير طائل، وتشرف بهم على الفتن. فالسكوت الآن فيما يعني خير من العراك بلا جدوى إلا حصائد من الإحن والخصومات التي توغر الصدور.
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم على محمد كما صليت على إبراهيم في العالمين، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين...
[1] زاد المعاد (4/363).
| |
|