molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الإفك والواجب نحوه - صالح الونيان الإثنين 14 نوفمبر - 6:28:57 | |
|
الإفك والواجب نحوه
صالح الونيان
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها المسلمون!
اشكروا الله على أن هداكم للإسلام، وجعلكم من خير أمه أخرجت للناس.
عباد الله!
لقد استطاع السلف الصالح رضي الله عنهم معرفة مرامي الشريعة، وأدركوا أنها سبب عزهم وكرامتهم؛ لأنها الشريعة التى رضيها الله سبحانه وتعالى للبشرية جمعاء، فالتفوا حولها، وذادوا عنها؛ لأنها تساوى فى نظرهم الحياة بأسمى معانيها؛ إذ لا قيمة لحياة لا ترتبط بمنهج الله ومراده، وهل يرضى سبحانه لعباده إلا ما ينفعهم ويأخذ بأيديهم إلى شاطئ الأمن والسلام؟! وبذلك سادوا وعمروا الأرض عدالة ورحمة؛ فكانوا أعزة على الكافرين، راياتهم خفاقة، وخيراتهم دفاقة؛ حين أرسوا في أنفسهم وفى الأرض خير رسالات السماء فكانوا خير أمة أخرجت للناس؛ أعلاها الله بالإيمان، وأعزها بالإسلام، وأبصر بها عيوناً عمياً، وأسمع بها آذاناً صماً ،عاشوا أعزة في السراء والضراء. .. صار الرسول هو الأعلى في مكة وقد صار مستضعفاً محارباً ،صار رسول الله هو الأعز في مكة وقد كان مطارداً مرصوداً. .. صار ذلك كله؛ لأن الإيمان هو المرتبة الأعلى ولأن الشرك والكفر والنفاق هو المرتبة الأدنى، والمؤمن أكثر الناس بلاءً ،ولكنه أعظمهم قدراً، والمؤمن أكثر الناس محاربة، ولكنه أملكهم للحرية.
فعن صهيب بن سنان رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله :((عجباً لأمر المؤمن أن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء؛ شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء؛ صبر، فكان خيراً له))(1).
وحرية المؤمن في كونه غير أسير لشهواته ولا مستضعف لنزواته؛ فهو عبد الله وحده، وغير المؤمنين عباد توزعت قلوبهم بين آلهة شتى.
لذلك؛ فإن ما ينتاب المؤمن أو يحل به من مصائب لا ينتزع منه العلو والعزة ما دام مؤمناً، فالمصائب والفتن اختبارات تبين مدى ما يمتلك العبد من الإيمان، وهي ضرورة للمؤمن؛ تشحذ همته، وتقوي إيمانه.
وفي ذلك قال ابن القيم رحمه الله عن ما يصيب المؤمن فى هذه الدار من إداله عدوه عليه وغلبته له فى بعض الأحيان أمر لازم لا بد منه، وهو كالحر الشديد والأمراض والهموم والغموم؛ لما اقتضته حكمة أحكم الحاكمين:
"وقد اقتضت حكمة الله في خلقه أن يعرضهم للابتلاء اختباراً لهم؛ قال تعالى: آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين (2).
ولعل من حكمة الابتلاء أنه فرصة لمراجعة حسابات مضت ووقفة أمـام تطلعات لمستقبل آت مؤمل؛ فالابتلاء يزيد الرجال نضوجاً وصلابة، والدعاة الصادقين ثباتاً وعمقاً.
ولن يكون الابتلاء شراً للمؤمنين أبداً؛ فهو خير يسوقه الله لعباده؛ ليعودوا وقد علتهم عزة الإيمان التى يمتلكونها، ولو كانت السياط اللاهبة تأكل من أجسادهم، والأطواق تحيط برقابهم، والسلاسل تقيد أيديهم وأرجلهم، وأعناق الدعاة مشرئبة تنتظر سقوط القلاع الشامخة، وما هي إلا لحظات؛ حتى نرى أنها زالت على شموخها، وقد سقط كل ما حولها وتحول إلى رماد.
عباد الله! معاشر عباد الله المؤمنين! طلاب العلم والدعاة إلى الله تعالى!
لا شك أن قدوتكم هو محمد بن عبد الله ؛ فانظروا ماذا حصل له من الابتلاء، لقد ولد يتيماً لم يرأباه، وفقد أمه وهو صغير، ونشأ فقيراً يرعى الغنم، وتزوج خديجة رضي الله عنها، وبعد ذلك بخمسة عشر عاماً أرسله الله، فوقف الطواغيت في وجهه يصدون عن دين الله، وكان عمه أبو طالب يقف بجانبه يحميه ويدافع عنه، وكانت زوجه خديجة تسري عنه وتخفف آلامه وتواسيه بمالها، وفى عام واحد توفيت خديجة رضي الله عنها وتوفي أبو طالب، فحزن رسول الله على ذلك حزنا شديدا، كيف لا يحزن وزوجه خديجة آمنت به حين كفر به كثير من الناس، وصدقته حين كذبه كثير من الناس، وواسته بمالها حين حرمه الناس، وأبو طالب الذى وقف يسانده ويدافع عنه ولا يسمح لإنسان أن يناله بسوء، وهو القائل : " والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا " ؟! لقد مات نصيره وأنيسه، فطمعت قريش في أذى الرسول وقد مات أولاده الذكور في حياته جميعا، فصبر، واحتسب، ولم يقف الابتلاء عند هذا الحد، فقد وقعت له مصيبة عظيمة، ودرس من أقسى دروس الابتلاء، ألا وهو حادثة الإفك، تلك الحادثة التى كشفت عن شناعة جرم المجرمين وبشاعته، وهو يتناول بيت النبوة الطاهر الكريم، ويتناول عرض رسول الله أكرم الخلق على الله، وعرض صديقه الصديق أبي بكر الصديق رضي الله عنه أكرم صحابته عليه، وعرض رجل من الصحابة وهو صفوان بن المعطل رضي الله عنه، ويشغل ذلك الحدث المسلمين بالمدينة شهرا من الزمان، هذا الحادث الذى جلب الهموم والآلام لقلب رسول الله وقلب عائشة رضي الله عنها وقلب أبي بكر الصديق وقلب صفوان شهرا كاملا.
عباد الله!
وتتحـدث عائشـة رضي الله عنها عن هذه الحادثة، حيث تقول: خرجت مع النبي في غزاة بعدما أنزل الحجاب، وانا أحمل فى هودج وأنزل فيه، فسرنا، حتى إذا فرغ رسول الله من غزوته وقفل، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأنى، أقبلت إلى الرحل، فلمست صدري، فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع، فرجعت، فالتمسته، فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلوننى، فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء آن ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم، فلم يستنكر القوم حين رفعوه خفته، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل، وساروا، فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منزلهم، وليس فيه أحد منهم، فتيممت منزلي الذى كنت فيه، وظننت أنهم سيفقدوننى فيرجعون إلي فبينما أنا جالسة، غلبتني عيناي، فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي قد عرس وراء الجيش، فأدلج، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فاتاني، فعرفنى حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهى بجلبابي، والله ما كلمنى بكلمة، ولا سمعت منه غير استرجاعه، وهوى حتى أناخ راحلته، فوطىء على يديها، فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة، حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا معرسهم. قالت: فهلك في شأني من هلك، وكان الذي تولى كبر الإثم عبد الله بن أبي ابن سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت بها شهراً والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ولا أشعر .. " حتى قالت: "لما علمت بما يتحدث به الناس؛ ازداد مرضي .." إلى أن قالت: "فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم" .. واستمرت على ذلك حتى برأها الله من فوق سبع سموات.
قال تعالى: إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين (1).
من هذه الحادثة نأخذ أن الأنبياء وأتباعهم مستهدفون من قبل أعداء الإسلام من الكافرين والمنافقين وأتباعهم؛ بتلفيق التهم ضدهم، ورميهم في أعراضهم وفي أنفسهم، ولكن الله يدافع عنهم، ويرد كيد الأعداء في نحورهم، ويزيد أنبياءه وأولياءه الصالحين رفعة في الدنيا وثواباً في الآخرة، وأنه مهما لفق الملفقون من التهم ورموا به أولياء الله ؛ فإن الله تعالى كاشف ذلك، بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون (2).
سبحان ربنا عالم السر وأخفى! سبحانك ما أحلمك!
الخطبة الثانية
أما بعد:
أيها المسلمون!
لقد رسم القرآن الكريم لنا منهجاً في مواجهة الشائعات – وما أكثرها في زماننا هذا-!!:
فأولى الخطوات: عرض الأمر على القلب، واستفتاء الضمير ؛ فالمؤمن لا ينبغي أن يكون أذنا يمر الكلام عليه بلا ترو ولا تفهم، إنما بنقد واعتبار، فيتوقف حتى يتبين أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين (2)
قال تعالى مبيناً للمؤمنين أهمية هذه الخطوة في قصة الإفك: لو لا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً (3)
نعم، كان هذا هو الأولى: أن يظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً، وأن يستبعدوا سقوط أنفسهم في هذه الحمأة، وكذلك فعل أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه حينما قالت له امرأته أم أيوب: أما تسمع ما يقول الناس في عائشة رضي الله عنها ؟ قال : نعم، وذلك الكذب؛ أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت: لا والله ما كنت لأفعله. قال: فعائشة والله خير منك.
عباد الله!
وهكذا إذا سمع المسلم شائعة أو تهمة ملفقة رمي بها أحد عباد الله الصالحين أو الدعاة المخلصين؛ عليه أن يظن بأخيه خيراً، ويعلم أبعاد حرب الحق والباطل، وليعلم أن رسول الله r قبله رمي في عرضه، لكن الله يدافع عن الذين آمنوا، وليعلم أن هذا هو دأب المنافقين والمأجورين والحاقدين مع عباد الله المؤمنين، الذين يدعون إلى صراط الله المستقيم، وأن هذا هو دأب الجبناء الذين يعملون من خلف الأستار بتلفيق أخس التهم الباطلة، ولكن؛ إن ربك لبالمرصاد.
عباد الله!
والخطوة الثانية من منهج مقابلة الشائعات: طلب الدليل الخارجي والبرهان الواقعي:
قال تعالى مبيناً ذلك: لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون (1)؛ فعند طلب البينة تتضح الحقيقة، ولن يجد المبطل الأفاك بينة.
ويبين سبحانه وتعالى خطورة الغفلة عن هاتين الخطوتين:
قال تعالى: ولو لا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم (2)
فلقد احتسبها الله للجماعة المسلمة درساً قاسياً، فأدركهم بفضله ورحمته، ولم يمسهم بعقابه أو عذابه.
عباد الله!
إن هناك من الأخبار الملفقة والتهم الباطلة ما ينبغي أن تجفل القلوب من مجرد سماعه، وأن تتحرج من مجرد النطق به، وأن تنكر أن يكون هذا موضوعاً للحديث.
فاتقوا الله عباد الله! وكونوا على حذر من كيد الأعداء، واعلموا أن الحرب بين الحق والباطل قديمة، ويوم أن يحمل أهل الحق الحق بصدق يزهق الباطل.
اللهم! إنا نعوذ بك من الشرك والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق
اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين؛ من يهود، ونصارى، وشيوعيين، ومجوس، ومنافقين، وسائر الطغاة والملحدين.
اللهم! عليك بمن أراد إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا
اللهم! عليك بمن أراد تلفيق التهم بعباد الله المؤمنين.
اللهم! أبرم لهذه الأمة أمراً رشيداً؛ يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر؛ إنك سميع الدعاء.
عباد الله!
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون (1)
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
(1) رواه مسلم .
(2) العنكبوت : 1 – 3 .
(1) النور:11،12
(2) الأنبياء:18
(1) غافر:51
(2) الحجرات :6
(3) النور :12
(1) النور:13
(2) النور:15
(1) النحل : 90
| |
|