molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الطـــلاق - صالح الونيان الإثنين 14 نوفمبر - 6:06:16 | |
|
الطـــلاق
صالح الونيان
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها الناس!
اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا [النساء:1].
عباد الله!
اعلموا أن الله فرض فرائض؛ فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها؛ فاعرفوا حدود الله وأحكامه، واعملوا بما تقتضيه شريعته الكاملة.
ألا وإن مما أحكمه الله شرعاً وتنظيماً النكاح، الذي جعله الله صلة بين بني آدم، وسبباً للقربى بينهم، ورتب لعقده ونسخه أحكاماً معلومة وحدوداً مدونة؛ فهو عقد عظيم، يترتب عليه من الأحكام الشيء الكثير؛ النسب، والإرث، والمحرمية، والنفقات . . . وغيرها.
ألا وإن في النكاح فوائد عديدة :-منها: أنه سبب لغض البصر وحفظ الفرج عما حرم الله؛ كما قال : ((يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة؛ فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج))1.
- ومنها حصول الراحة النفسية والسكن والأنس بين الزوجين؛ قال تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها [الروم:21]. وقال تعالى: هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها [الأعراف:189]. والسكن هو الأنس والطمأنينة.
- ومنها: حصول الذرية التي بها بقاء النسل الإنساني، وتكثير عدد المسلمين.
ولهذه الفوائد وغيرها أمر الله به، ووعد بترتب الخير عليه؛ قال تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله [النور:32].
ورغب سبحانه بالإبقاء على الزوجية، ونهى عن كل ما يعرضها للزوال، فأمر بالمعاشرة بين الزوجين بالمعروف، ولو مع كراهة أحدهما للآخر؛ قال تعالى: وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكوهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً [النساء:19].
وبين الرسول ما جعلت عليه المرأة؛ ليكون الرجل خبيراً بحالها، فلا يطلب منها أكثر مما تطيق؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله : ((إن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه؛ كسرته، وإن تركته؛ لم يزل أعوج؛ فاستوصوا بالنساء))2، وفى رواية لمسلم: ((و+رها طلاقها)).
وقد أرشد الله تعالى إلى وسائل لعلاج ما يحدث بين الزوجين، لو استخدمها كثير من الناس؛ لرأينا السكينة تسود حياتهم الزوجية، ولما شغلت المحاكم بالقضايا الزوجية.
فإذا شعر الزوج بنفرة زوجته منه وعدم انقيادها لحقه؛ فقد أمره الله تعالى أن يصلح ذلك بالحكمة واتخاذ الخطوات المناسبة:
قال تعالى: واللائي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا [النساء:34].
أي: الزوجات اللاتي يحصل منهن عصيان لأزواجهن فيما يجب عليهن لهم، فذكروهن ما أوجب الله عليهن في كتابه من حسن العشرة للزوج، وما عليهن من الوعيد في مخالفة ذلك؛ فإن لم يجد فيهن الوعظ؛ فعاقبوهن بالهجر، وهو الإعراض عنهن في الفرش؛ لأن ذلك يشق عليهن، فيحملهن على الإنقياد لأزواجهن، والعودة إلى طاعتهم؛ فإن لم يجد في الزوجة الهجران؛ فإنها تعاقب بما هو أشد منه، وهو الضرب غير الشديد غير المبرح.
عباد الله!
كل هذه الإجراءات يتخذها الزوج مع زوجته دون تدخل من أحد خارجي؛ فإن أستمر الشقاق بين الزوجين؛ فقد أمر الله تعالى بالتدخل بينهما لإصلاحه؛ قال تعالى: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما [النساء:35]. فأمر سبحانه عند تطور الخلاف بتشكيل هيئة للنظر في إزالته، تتكون من عضوين، يتحليان بالإنصاف والعدل، أحدهما من أسرة الزوج، والثاني من أسرة الزوجة، ينظران في ملابسات الخلاف، ويأخذان على يد المعتدي من الزوجين، وينصفان المعتدى عليه، ويسويان النزاع.
كل هذه الإجراءات لإبقاء عقد النكاح واستمرار الزوجية فإن لم تجد هذه الإجراءات، وكان في بقاء الزوجية ضرر على الزوجين، بحيث ساد الخصام والنزاع، وأصبحت الحياة الزوجية جحيماً من المشاكل؛ فقد شرع الله الفراق بينهما بالطلاق.
فالطلاق هو آخر المراحل، وهو في مثل هذه الحالة رحمة من الله، يتخلص به المتضرر، وتتاح له الفرصة للحصول على بديل أحسن؛ كما قال تعالى: وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعاً حكيماً [النساء:130]. أي: وإن لم يصطلحا بل تفرقا؛ فليحسنا ظنهما بالله؛ فقد يقيض للرجل امرأة تقر بها عينه، ويقيض للمرأة رجلاً يوسع عليها به.
عباد الله!
وإذا كان الزوج لا يرغب الزوجة ولا يريدها، وإنما يمانع من طلاقها من أجل أن تفتدي منه بمال؛ فقد حرم الله عليه هذا، وأمره بطلاقها؛ من غير أن يأخذ منها شيئاً؛ قال تعالى: ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن [النساء:19]. أي: لا تضار أيها الزوج زوجتك في العشرة؛ لتترك لك ما أصدقتها أو بعضه، أو حقاً من حقوقها عليك، على وجه القهر لها والإضرار، أو لتبذل لك مالاً تفدي به نفسها منك.
قال ابن عباس: (يعني: الرجل يكون له امرأة، وهو كاره لصحبتها، ولها عليه مهر، فيضرها؛ لتفتدي به).
وأما إذا كانت المرأة هي التي لا تريد الرجل أو أبغضته ولم تقدر على معاشرته والقيام بحقوقه؛ فلها أن تفتدي منه بما أعطاها، ولا حرج عليها في بذلها له، ولا حرج عليه في قبول ذلك منها؛ قال تعالى: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به [البقرة:229].
عباد الله!
إن الله جعل الطلاق حلا أخيراً بعدما تفشل كل الحلول لحسم النزاع؛ فهو كالدواء يستعمل عند الحاجة وفق طريقة معينة رسمها الشارع، فإذا استعمل من غير حاجة، أو استعمل على غير الطريقة المرسومة؛ فإنه يضر؛ كما يضر الدواء المستعمل على غير أصوله، ويندم فاعله حيث لا ينفع الندم.
ولهذا رسم الله سبحانه وتعالى للطلاق خطة حكيمة، تقلل من وقوعه، ويكون المتمشي على تلك الخطة الإلهية من الطلاق لا يتضرر به ولا يندم عليه، ويتجنب الآثار السيئة التي يقع فيها من أخل بتلك الخطة.
فجعل للرجل أن يطلق امرأته عند الحاجة طلقة واحدة في طهر لم يجامع فيه، ويتركها حتى تنقضي عدتها، ثم إن بدا له في تلك الفترة أن يراجعها؛ فله ذلك، وإن انقضت عدتها قبل أن يراجعها؛ لم تحل له؛ إلا بعقد جديد.
قال تعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [البقرة:229]. أي: إذا طلقتها واحدة أو اثنتين؛ فأنت مخير فيها، ما دامت في العدة؛ فلك أن تردها إليك؛ ناوياً الإصلاح والإحسان إليها، ولك أن تتركها حتى تنقضي عدتها، فتبين منك، وتطلق سراحها؛ محسناً إليها؛ ولا تظلمها من حقها شيئاً.
قال تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن [الطلاق:1].
أي: طلقوهن وهن طاهرات من الحيض؛ من غير أن يحصل منكم جماع لهن في هذا الطهر.
فبين سبحانه في الآية الأولى العدد المشروع في الطلاق، وهو طلقة واحدة، وبين في الآية الثانية الوقت الذي يجوز فيه الطلاق، وهو الطهر الذى لم يجامع فيه.
فبان من هذا أن من يطلق زوجته ثلاثاً دفعة واحدة مخالف للشرع، وكذا من يطلقها وهي حائض أو في طهر جامع فيه.
عباد الله!
ولو أن كل واحد تقيد بما ورد في الشرع من الحلول لما يحصل في العشرة الزوجية، وتقيد بما ورد في حالة الطلاق؛ لما رأينا أناساً استحلوا الطلاق من غير علاج قبله، وطلقوا حتى حرمت عليهم زوجاتهم إلا بعد أن تنكح المرأة زوجاً غيره، فعضوا أصابع الندم، وبدؤوا يتنقلون بين أبواب العلماء بحثاً عن فرج.
قال علي رضي الله عنه: " لا يطلق أحد للسنة فيندم " .
وقال أيضاً: " لو أن الناس أخذوا بما أمر الله في الطلاق, مايتبع رجل نفسه امرأة أبدا ".
فاتقوا الله عباد الله! واعلموا أن خير الهدي هدي محمد ، ومن اقتدى؛ فقد اهتدى.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
1الحديث -خرجه : البخارية ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي برواية نحو هذه الرواية . من حديث عثمان بن عفان مع عبد الله بن مسعود رضى الله عنهما وروى البخاري ومسلم هذه الرواية بدا من قوله .
2 اخرجه البخارية في ( كتاب الانبياء ، باب 1) ، و (كتاب النكاح ، باب 10) ، وابن ماجة في في ( كتاب الطهارة 77).
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها المسلمون!
اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الطمأنينة والراحة مقرونة بطاعة الله، وأن الشقاء والشقاق والنزاع يكون بقدر البعد عن طاعة الله، وما ساد الشقاق الأخلاقي في حياة بعض الناس؛ إلا بسبب بعدهم عن طاعة الله والاستهانة بأحكام الشرع.
وأقرب مثال على ذلك هو الطلاق؛ فبعض الناس يتلاعبون في الطلاق:
فبعضهم يطلق عند أدنى سبب، وعند أول إشكال بينه وبين زوجته، فيضر بنفسه وبزوجته .
والبعض الآخر يتزوج ويطلق ويتزوج ويطلق تفكهاً من غير مبرر للطلاق عادة له، و مثل هذا ينبغي أن يعلم أن فعله هذا مكروه.
ومن الناس من يجري الطلاق على لسانه بسهولة، وبأدنى مناسبة، فيستعمله بدلاً من اليمين، إذا أراد أن يحلف على نفسه أو على غيره؛ قال: علي الطلاق! فإذا انتقضت يمينه؛ وقع في الحرج، وصار يسأل عن الحلول التي تنقذه من هذا الطلاق الذي حلفه.
وبعض الناس يتلفظ بالطلاق هازلاً، وما علم أن الرسول قال: ((ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة))3.
وبعض الناس يأخذ فيه الشيطان مأخذه عند الغضب، فيبت زوجته بالطلاق بالثلاث دفعة واحدة.
وكل هذا بسبب تلاعب الشيطان ببني آدم ليوقعهم في الحرج.
عباد الله!
وبعض من لا يخاف الله حينما يقع نظره على امرأة؛ يغريه الشيطان بها، ويتعلق بها قلبه، وهي متزوجة، فيحاول إفسادها على زوجها؛ ليطلقها زوجها، ومن هذه حالته؛ فإن عليه إثم عظيم، والنبي تبرأ منه فقال: " ليس منا من خبب امرأة على زوجها ". خبب؛ أي: أفسد.
وبعض النساء حينما تريد أن تتزوج، ومع من يريد أن يتزوج بها أخرى، تطلب طلاق ضرتها، والنبي قال: ((لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، ولتنكح؛ فإن لها ما قدر لها))4.
وبعض النساء أيضاً تطلب من زوجها الطلاق من غير بأس، والنبي قال: ((أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس؛ تحرم عليها رائحة الجنة))5.
عباد الله!
وبعض الناس حينما يطلق زوجته نتيجة شقاق حدث بينهما كرهها على أثره لا يقف كرهه عند هذا الحد، بل إن كرهها قد يصل إلى حد من لا ذنب لهم، وهم أولاده وبناته منها، فنجد أن البعض يترك أولاده عند أمهم، لا يبالي بهم في أي واد هلكوا، وكأنهم ليسوا بأولاده، وأولاده من زوجته الأخرى قد احتضنهم وأعطاهم ما يريدون، وأولاده من تلك المرأة المطلقة يعيشون الكفاف، بل ربما أنهم يتكففون الناس، أجحف بحقهم والدهم، فحرمهم التربية والرعاية والعناية والحنان والنفقة؛ فبعض الأولاد والبنات ممن طلقت أمهاتهم أسوأ حالا من الأيتام، وكم من رجل أخذته العزة بالإثم، فلم يتول عقد ابنته؛ لأنه طلق أمها، فكان من ظلم أبيهم لهم أن حرمهم الرفق، فشردوا، وضاعوا، وتخلفوا دراسياً؛ نتيجة لسوء الأحوال المادية لديهم، وما علم ذلك الأب الجائر أنهم أولاده شاء أم أبى، كم من ثري أولاده يتكففون الناس! كم من خير قد ضاع أولاده واحتوشتهم رفقاء السوء، ومن ثم إذا وقع مالا تحمد عقباه وأودع الأولاد السجون؛ قال: هذا عمل أمهم !! ولكنه في الحقيقة نتيجة إهماله هو!!
ألا فليتق الله من هذا عمله، وليقم على تربية أولاده بنفسه، وليعدل بينهم كما يحب منهم أن يبروه.
3رواه ابو دواد (رقم 219 في الطلاق ، باب في الطلاق على الهزل ) من حديث ابى هريرة وكذا الترمذى ( رقم 184 في الطلاق باب ما جاء في الجد والهزل في الطلاق ) وقال الشيخ عبد القادر " في اسناده عبد الرحمن بن حبيب بن ادرك وهو لين الحديث ، ولكن للحديث شواهد بمعناه يقوى بها " ولذلك قال الترمذى " هذا حديث حسن غريب والعمل على هذا عند اهل العلم من اصحاب النبى وغيرها .
رواه ابن ماجة ( كتاب الطلاق ، باب 3) والامام مالك في " الموطأ " ( كتاب النكاح ) رواة ابو داود ( برقم 2175 في الطلاق باب فيمن خيب امرأة عن زوجها ) و( رقم 5170 في الادب باب فيمن خيب مملوكا على مولاة ) واسناده صحيح .
4 رواه البخارى في ( الشروط باب 8 ، وفى القدر باب 4 ، والنكاح 53 البيوع ( 58 ) وكذا مسلم في ( النكاح باب 38،39،51،52) وراه في ( البيوع ، باب 12 ) رواه ابو دواد في ( الطلاق ، باب 2) والترمذى ( القدر ، باب 7) واحنمد بن حنبل ( رقم 328 ، 273،311،294،410،420،487،489،508،512،516).
5 احمد بن حنبل في " المسند" ( 5/ 277،283) .
| |
|